فخامة الرئيس.. شعبك جبار مع الجبارين!
بقلم/ دكتورة/ابتهاج الكمال
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 18 يوماً
الأحد 09 ديسمبر-كانون الأول 2007 06:53 ص

يتمالكني خجل كبير أن أكتب مجدداً عن الفساد، فقد كتبت الكثير، وكتب غيري أكثر، وأغرقنا الصحف كتابات، وملأنا قاعات الندوات والمؤتمرات صراخاً وهتافاً ضد الفساد، لكن دونما أي جدوى.. فنحن تعلمنا فن الصراخ والفاسدون أتقنوا فن التمادي بنهب أموال الأحياء والأموات..!

الأخ الرئيس في كل خطاب يلعن الفساد ويطالب الفاسدين بالكف.. ورئيس الوزراء يلعن الفساد.. وما من وزير، أو مسئول إلاّ ولعن الفساد أمامنا.. حتى أصبحنا نشك بأنفسنا فيما إذا كنا نحن الفاسدون ولا نعلم، أو نحن المعنيون بالتوقف عن الفساد.. فهل يعقل أن ننتظر هبوط ملائكة السماء لتزج بالفاسدين خلف القضبان، وتعيد للوطن حقه المنهوب، ما دمنا جميعاً من الرئيس إلى المواطن نطالب بوقف الفساد، ومعاقبة الفاسدين!؟

لعل الحقيقة التي يجب أن نضعها اليوم نصب أعيننا هي: أن طول الفترة التي أمضيناها بالحديث عن الفساد، والتوسل للفاسدين بالكف عن الإفساد – بكلمات ناعمة لئلا نجرح مشاعرهم- جعلتهم أكثر فساداً، وجشعاً.. وبعد أن كانوا أفراداً لملموا أنفسهم وتحولوا إلى "مافيا" تؤازر بعضها البعض، وتحاصر الشرفاء والمخلصين في جميع مؤسسات الدولة.. فالموظ ف الشريف لم يعد له مستقبل في دوائر صناعة القرار، فهذه المافيا سرعان ما تقصيه إلى الأرشيف، أو قرية نائية، أو قسم ثانوي تابع.. هذا إن لم توجه له تهمة فيطرد أو يزج في الحبس..!

مافيا الفساد، وبعد سنوات من رفع الشعارات المدوية ضد الفساد، أصبحت على ثقة كاملة بأن هذه الدولة لم تسمع من قبل بشيء اسمه إحالة "المختلس" و"المرتشي" وأي فاسد إلى النيابة! ولم تسمع من قبل بأن العالم كله يدرج جريمة "الاختلاس" تحت مسمى (جرائم مخلة بالشرف)- أي لا يحق لمن ارتكبها أن يتولى مناصب سيادية رفيعة، ولا العمل في أجهزة الدولة الحساسة..! بل إن هذه المافيا باتت مقتنعة تماماً بأن أقصى عقوبة ينالها من يسرق خزينة وزارة بأكملها هي النقل إلى وزارة أخرى، أو في أسوء الظروف النقل إلى مركز وظيفي أدنى، وفي مكان آخر- كي لا يتسبب له البقاء في نفس المكان جرح مشاعر!!

للأسف الشديد لقد أظهرت الدولة عجزاً غير مسبوق في الحرب ضد الفساد، بينما أظهر الفاسدون جرأة نادرة في تحدي إرادة الدولة، وارتكاب جرائمهم في وضح النهار، وأمام أعين الكبار قبل الصغار، وعلى مرأى ومسمع من مختلف وسائل الإعلام.. فهم يؤمنون بالمثل القائل: (لو فيه شمس لكان من أمس)! فبلدنا الوحيد على مستوى العالم الذي لم يدخل سجونه رجل واحد بتهمة الفساد، رغم أن الحديث عن الحرب ضد الفساد لا ينقطع من بيت أو شارع!!

إن تجاربنا الطويلة مع الأخ رئيس الجمهورية تجعلنا متأكدين من كونه رجل صادق، ومخلص لشعبه، ولا سبيل للشك في وطنيته.. لكن في نفس الوقت، نعتقد أنه يخوض الحرب ضد الفساد بمفرده.. فحزبه تشغله المصالح والخلافات.. فيما المعارضة تلهث خلف الكرسي في الشوارع، والمنظمات تحولت الكثير منها إلى مظلات لحماية الفاسدين باسم الحريات والحقوق، أما وسائل الإعلام فهي تجيد البكاء من الفساد ولا تحسن نشر فضائحه.. ولو تجرأت السلطة يوماً على الاصطدام مع أحد الفاسدين، سيفاجئنا خصوم الرئيس بتحويله بطلاً شريفاً، وتمطر سماءنا بالبيانات والاعتصامات، والاستنكار والتنديد..

ومن هنا لا نجد سبيلاً للخلاص من الفساد إلاّ بثقة الأخ الرئيس بنا.. ليس عليه إلاّ أن يثق بشعبه "الصالح"، لأنه شعب يغلي من ظلم الفساد، ويترقب القائد الذي يقوده إلى ميدان المواجهة.. كما أنه شعب يحفظ وجوه الفاسدين، وأسماءهم، وأرقام بطاقاتهم الشخصية، وعناوين بيوتهم، وحتى أرقام حساباتهم السرية.. ويستحيل لهم أن يخدعوه مهما أشاعوا، ومهما أصدروا من بيانات، ووزعوا من مال لشراء الذمم..

فليثق الرئيس الصالح بشعبه الصالح، وليبقر كروش الفاسدين.. وليحز أعناقهم متوكلاً على الله.. وليسمع بعدها كيف سيهدر الشارع من صعدة إلى عدن باسمه..! وكيف ستكبر المآذن، وتبتهل أكف الأمهات بالدعاء له..! فشعبنا جبار مع الجبارين.. لكنه يستكين للظلم والفاسدين حين تخذله الجبابرة.. وهو اليوم يلهث بعد هذا الحزب أو ذاك.. وبعد هذه المنظمة أو تلك ليس شغفاً باللهاث في الشوارع، وإنما لأن القائد الذي قاده من زمن البؤس والتشطير إلى زمن الوحدة والتطوير ركن إلى الخطاب وتركه نهماً للفاسدين..

وها نحن نقولها لأخينا الرئيس: أن شعبك مترقب لحظة الانقضاض على أوكار الفساد، فابطش بهم كما شئت، فما دمت مع الفقراء والمساكين والمظلومين فإن الله معك، والشعب معك، والشرفاء معك.. والنصر حليفك، بإذن الله تعالى!