الإصلاح .. بين سبابة الدعوة ووسطى السياسة
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 8 سنوات و شهرين و 12 يوماً
السبت 17 سبتمبر-أيلول 2016 06:26 م
في عيده إل 26 نشر رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح الأستاذ / محمد اليدومي بيانا ( حدد فيه الأسس والمبادئ التي أنشئ الإصلاح على أساسها ومينا رؤيته الآنية والمستقبلية تجاه قضايا وطنية . 
مؤكدا أن التجمع حزب يمنيّ ولا يسمح لأي أطراف سياسية غير يمنية بالتدخل في شأنه كحزب سياسي . مؤكدا عدم وجود أي علاقات تنظيمية أو سياسية بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين , وأن جهوده تنصَبّ مع شركائه في إخراج اليمن من محنته ) . وما أن يصدر التجمع بيانا أو يتخذ موقفا إزاء قضية معينة , حتى تنبري للتحليل السلبي أقلام قد صار معلوما للجميع ماركة حبرها . أقلام سوء تكتب بهتانا دون النظر في علل القرار وأسباب الموقف وضرورات المرحلة . وهنا تركوا كل ما في البيان من حكمة وايجابية وذهبوا إلى فقرة نفي العلاقة السياسية والتنظيمية مع الإخوان . فأخذوا يثيرون الشبهات الخبيثة بغية تشويه مصداقية الإصلاح وهز ثقة أفراده فيه . وبنظرة منصفة للبيان لا يوجد فيه ما يستوجب كل تلك الإثارة التي حركها ذلك الطابور .
 فليس هناك علاقة تنظيمية تمنح الإخوان حق تسيير مواقف الإصلاح كتجمع سياسي يمني . بمعنى أنه ليس لهم أي تدخل في سياسة الإصلاح ومواقفه وقراراته , لا بالتوجيه السياسي ولا بالأمر التنظيمي . فالإصلاح ينطلق منذ تأسيسه من ذاتية وطنية خالصة مستشعرا مسئوليته تجاه شعبه ووطنه ومدركا أبعاد كل خطوة له في هذا المضمار دون الحاجة إلى من يوجهه ـ سياسيا ـ أو يملي عليه ـ تنظيميا ـ ما يجب أن يفعله أو يقوله . ولكن من ظن أن اليدومي ينفي وجود علاقة تعاونية دعوية وتعليمية مع الإخوان , فهو واهم . فالإصلاح كغيره تأثر بمدرسة الإخوان الدعوية والفكرية , لما تتمتع به من وسطية واعتدال وشمول , ولما يحظى به روادها من ترابط وإخاء وتأهيل وارتقاء . فأخذ التجمع يستفيد من تجربة الإخوان في الدعوة والإرشاد والتعليم والعمل الخيري وفي التربية الروحية والسلوكية , ويأخذ من وسائله التعليمية الفاعلة في دوائر عمله ,
 كما يأخذ بالأصلح من مناهج الجماعات والهيئات الأخرى ذات التخصص العلمي والأدبي . وهذا أمر لا يخفيه التجمع مطلقا . ولما نظرت في سنة الحبيب وسيرته عليه الصلاة والسلام , وجدت الكثير من المواقف والقرارات التي اتخذها وكانت تحمل ضيما وظلما له وللمسلمين , ولكنه أمضاها حتى وإن كاد بعضها ليعصف بصف الجماعة ووحدتهم . ومنها : ـ لَمَّا أَرَادَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَسْتَأْذِنُهُمْ لِيَدْخُلَ مَكَّةَ ، فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقِيمَ بِهَا إِلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ ، وَلَا يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ ، وَلَا يَدْعُو مِنْهُمْ أَحَدًا , قَالَ : فَأَخَذَ يَكْتُبُ الشَّرْطَ بَيْنَهُمْ عَلِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ، فَقَالُوا : لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَمْ نَمْنَعْكَ وَلَبَايَعْنَاكَ وَلَكِنِ اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، فَقَالَ : " أَنَا وَاللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَأَنَا وَاللهِ رَسُولُ اللهِ " . فَقَالَ لِعَلِيٍّ : " امْحُ رَسُولَ اللهِ " قَالَ : لَا وَاللهِ لَا أَمْحَاهُ أَبَدًا , قَالَ : " فأرنيه " , فَأَرَاهُ إِيَّاهُ فَمَحَاهُ النَّبِيُّ بِيَدِهِ " . الْبُخَارِيُّ .
ـ أما ترى ما في ذلك من إجحاف وإذلال متعمد ؟ . كانوا يريدون ـ ما يريده تلاميذهم اليوم ـ طمس ثلاث هويات :
ـ هوية العزة والاستعصاء , لا إقامة بها إلا ثلاث ليال , وهي وطنهم . ولا يدخلون بسلاح حرب فيظلون يترقبون الغدر والقتل . ـ هوية الرسالة والفكرة فلا يدعو منهم أحدا , فتصبح العبادة شكلية محصورة . ـ هوية الجذور والانتماء , نزع صفة الشرع وطمس قدسية القضية وسمو الهدف . فلتنس ـ يا محمد ـ مادمت بيننا انتماءك وعزتك ودعوتك . وبرغم كل هذا يوافق النبي , ويوفي بالعهد تماما . هنا أطرح تساؤلا للمتشدقين بهتانا علينا من الخصوم , وللغيورين حمية من شبابنا . هل كان حينها محمد صلى الله عليه وسلم خائنا أو مداهنا أو كاذبا ؟. هل خذل جماعته وفرط في رسالته ؟ . أم كان ينظر لشيء أبعد مما يراه الجميع ؟, فكان عليه أن يعمل للغد ولو كان الثمن تنازله عن ضروريات لا يتخلى عنها أحد . أم كان يرى وضعا أخطر مما يتوقعون ؟ , فكان عليه أن يتجاوز الخطر ولو كان الثمن تخليه عن صفته الشرعية قي كتاب موثق . أم كان يعاين موقفا أصعب مما يظنون ؟ , فكان عليه أن يتخطى الصعب ولو كان الثمن توقف هدف الرسالة قليلا . لقد كان عليه أن يحقق الأفضل ـ حسب مابين يديه من الوحي ـ ولو كان الثمن الارتهان للعدو بدخول منطقة نفوذهم بلا دفاع , مما يفتح كوة لخفافيش الظلام لتحاول أن تنحر شريان الثقة وتقطع وريد الثبات في جسد رجال ما فتت ترابط قلوبهم نهش السباع .. فكيف بمن يتلمس طريقه بأذنيه لا بعينيه .