العاشر من سبتمبر في أمريكا (3)
بقلم/ محمد جمال الدين
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و يوم واحد
الإثنين 29 مارس - آذار 2010 05:56 م

التعامل الاجتماعي المدني والرسمي

التعامل هناك غير التعامل في الوطن العربي, فمثلاً إذا أردت الذهاب إلى المستشفى فعليك الاتصال بالمستشفى وتحديد اسم الدكتور أو نوع المرض, ثم يقوم المستشفى بتحديد موعد في اليوم الفلاني والساعة الفلانية، أما إذا كان الأمر طارئا فعليك التوجه إلى قسم الطوارئ أو الاتصال بالإسعاف لنقلك إلى هناك.

يقوم المستشفى بعلاجك وصرف الأدوية دون السؤال عن الدفع, وبعد أسبوع أو عشرة أيام تصلك فاتورة إلى عنوانك, وعليك بعدها الاتصال بالمستشفى فإن كان لديك تأمين صحي تعطيهم رقمه وهم يتواصلون مع الشركة, وإذا كان لديك جهة عمل تعطيهم الرقم الوظيفي وهم يقومون بالتواصل, أما إذا لم يكن لديك لا هذا ولا ذاك ولا تستطيع الدفع فإنهم يسألونك كم تستطيع أن تدفع في الشهر؟ فتقول مثلا عشرة أو عشرين دولارا يقولون لك حسنا عليك الدفع كذلك.. أما لدينا في بلد الحكمة والإيمان.. أنتم أعلم.

وسأشرح لكم الإجراءات التي تتم بعد وصولك إلى المستشفى..

أما التعامل الرسمي فيكفي أن أتحدث عن استخراج ( ID ) أي إثبات الهوية، حيث ذهبت إلى ( court house ) وقفت في طابور لا يتجاوز الثلاثة, ثم استقبلتني إحدى الموظفات التي ترتدي الزي الرسمي العسكري بالتحية, وتناولت مني الجواز وبعض الأوراق وقامت بإدخالها في الحاسوب, وكوني قادم من خارج أمريكا ولأول مرة أخذت تتواصل مع جهة لا أدري بها, هذا أول وهلة, ثم أشارت إليّ بالتقدم نحو الكاميرا وقالت: ( smile ) أي ابتسم, ابتسمت والتقطت لي صورة ثم أرتني تلك الصورة وقالت: تراها جيدة قلت: لا, فأشارت بالجلوس مرة أخرى حتى التقطت صورة ارتحت لها ثم أشارت إليّ بالجلوس بضع دقائق، وبالفعل لم تتجاوز دقيقتين أو ثلاث حتى أشارت بالبطاقة إلي وهي قائلة ( Thank you for coming ) شكراً لحضورك. (أرجو من القراء عمل مقارنة بين إجراءات استخراج بطاقة هنا وهناك أو قي الوطن العربي).

أما استخراج رخصة القيادة, في المرة الأولى, ناولتني كتيباً صغيراً وقالت اقرأه وافهم ما يحتوي وعندما تكون مستعدا للاختبار عد إلينا. قرأتُ الكتاب وفهمت قوانين القيادة وعدت إليهم, بعد التحية ناولتني ورقة الاختبار وقلما وأجلستني على طاولة بالقرب منها.

أكملت الاختبار النظري وناولتها, وخلال دقائق قالت: عليك الاتصال بأحد هذه الأرقام وناولتني ورقة فيها أرقام المختبرين للقيادة (أي الجانب النظري, علما أنه في حالة غير حالتي يمنح الشخص تصريح لمدة ستة أشهر لا يقود به إلا ومعه شخص آخر يحمل رخصة قيادة, ولكن نظرا لأن لدي رخصة قيادة من دولة عربية غير اليمن, منحت رخصة مباشرة). اتصلتُ بأحدهم وحددت موعداً معه وتم اختباري على القيادة في الشوارع, ثم ناولتني ظرفاً مغلفاً وقالت عد إليهم، عدت إليهم فأشاروا إلي بالجلوس أمام الكاميرا بعد أن أخذوا كل البيانات من الحاسوب لديهم وسألوني: هل تريد الرخصة لأربع سنوات أم لثمان؟ قلت: لثمان، التقطت الصورة وخلال بضع دقائق ناولتني الرخصة, والتي تستخدم لإثبات الهوية ورخصة للقيادة, ليس فيها لا ديانة ولا جنسية، ولا تحتاج لغيرها، في أي مكان من أمريكا تستطيع أن تركب الطائرة وأن تسافر حيث شئت دون اصطحاب جواز سفر، لم يستغرق استخراج الرخصة بعد اجتياز الاختبار إلا دقائق معدودة، وسأشير إلى نقطة بسيطة ربما تُرى تافهة، لكن لو هي في اليمن أو في الوطن العربي كم سيعاني صاحبها، تلك النقطة هي أن موظف السفارة الأمريكية في اليمن أخطأ في حروف اسمي فقد أضاف D) ) زيادة ( Gamaladdin ) فقد كتبه في التأشيرة ( Gamaladddin ) فما كان من الموظفة هناك إلا أن كتبت على خطأ السفارة وعندما وصلت صورة الرخصة إلى عاصمة الولاية لاحظوا الخطأ في اللقب وعلى أنه خطأ مطبعي أجروا تحرياتهم فعرفوا أنه خطأ مطبعي في التأشيرة فأرسلوا إليّ رسالة مفادها: عليك أن تصحح لقبك، ولكن هذا التصحيح أين سيكون هل عليّ أن أسافر إلى اليمن وأقابل السفير الأمريكي هناك ليعالج خطأ الموظف؟ أم عليَّ أن أغادر البلاد لأن هناك اختلاف في الاسم؟ لا عليَّ أن أذهب إلى المكان الذي استخرجت منه الرخصة ليتم كتابة اللقب بشكل صحيح كما هو في جواز السفر، وبالفعل عدت إليهم ولم يستغرق الأمر أكثر من خمس دقائق ثم ودعتني الموظفة بالشكر والاعتذار عن ذلك الخطأ. ( اللهم امنحنا مسئولين واعيين ليسهلوا معاملاتنا في اليمن والوطن العربي).

استخراج جواز السفر صعب وصعب جدا تذهب إلى أقرب بريد وتقوم بتعبئة استمارة معدة لهذا العرض وتدفع الرسوم ثم تدخل في غرفة يلتقط لك الموظف صورة وتعود إلى منزلك ويصلك الجواز بعد فترة, حسب ما تحدد أنت. انه أمر صعب المقارنة باستخراج أي وثيقة في الوطن العربي.

موقف آخر مع عسكري الشرطة في الشارع، كانت الساعة الخامسة فجراً، عندما كنت أقود سيارتي، فرأيت أنوار النجدة تلمع ورائي (القانون هناك يلزم السائق إذا رأى أنوار سيارة الشرطة أو الإسعاف بالوقوف)، أضاءت إشارة الوقوف إلى اليمين ووقفت، فوقف بسيارته خلف سيارتي وترجل وأتى نحوي، فقال: اسمي :......... وأنا الأمن في هذه المنطقة، فلو تكرمت تريني تأمين السيارة والرخصة؟ أخرجت له ما طلب، فقال أمهلني دقيقتين ذهب فيها إلى حاسوبه المعلق في نجدته، وقام بإدخال بيانات الرخصة ثم عاد إليّ وناولني رخصتي قائلاً: "شكرا لك وآسف إذا أخرتك، نهارك سعـيد".

بقي هنا أن أنوه للجانب الإعلامي في أمريكا, هذا الجانب يبث السموم في المجتمع الأمريكي ويزرع الحقد على العرب والمسلمين بالرغم من أن المجتمع الأمريكي مجتمع ودود ومتآلف مع الآخرين مجتمع يحب الاطلاع ومعرفة ما لدى الأخريين من ثقافة وجديد, وهم بسطاء في تعاملهم وإن كانوا يعتلون أعلى المناصب أو يحملون أعلى الشهادات. فهذا هو بروفسور (....)- تقريبا ثالث رجل في أمريكا في مجال الفيزياء النووية- تدخل عليه في مكتبه متى شئت وتتصل به متى شئت لا حرس ولا موكب, تناديه باسمه دون ألقاب. وتلك الدكتورة التي درستني سألتها ذات يوم ماذا أناديك دكتور أو بروفسور أو أستاذة فقالت: قل (كارل) كارل فقط دون ألقاب. أما عندنا فإذا لم يتصدر كلماتك كل أنواع التبجيل والتمجيد لذلك الشخص الذي يدير ظهره على كرسيه الدوار فلن يعيرك أي اهتمام وربما أخرجك من مكتبه فنحن نحب الكلمات (صاحب السعادة المعالي السمو الفخامة أستـاذ دكتور الخ......) حتى أن أحدا الوزراء المبجلين لا يوقع إي ورقة ينقصها أستاذ دكتور (كما قال المثل الشعبي "اللي مش آلفه للبخور تحرق ثيابها").

البنت تتحول إلى ولد

عندما سافرنا كانت زوجتي حامل في شهرها الخامس وبعد إجراء الفحوصات الطبية عند إحدى الطبيبات اليمنيات المشهورات والتي قالت جملتها التقليدية (عندك بنت زي القمر) أخذت أفتش في القواميس لأجد أسماً جميلاً لابنتي الجديدة. وبعد وصولنا بأسابيع كان على زوجتي مراجعة المستشفى أسبوعياً أو حسب ما تحدده الدكتورة المشرفة وهذا إلزامياً، ذهبت إلى المستشفى وأول ما تدخل المستشفى هناك يطلب منك:

1. رقم الضمان الاجتماعي ( Social security number )أو( ( s s n ).

2. تعبئة استمارة البيانات.

3. تحديد طبيب أو طبيبة للإشراف. وفي هذه الحالة التي هي حالة زوجتي, فستكون الطبيبة مشرفة على الأم والجنين وبدأت تلك الطبيبة بإجراء الفحوصات، وقالت لزوجتي إن حالة الولد جيدة، اندهشت زوجتي لكلمة الولد فقالت للطبيبة: إنها بنت, قالت: لا إنه ولد وإذا أردت أن أرويك.... سأفعل, فأخبرتني زوجتي أن الذي في بطنها ولد فقلت: الحمد لله الذي حول الأنثى إلى ذكر (وليس الذكر كالأنثى) صدق الله العظيم.

أخذت تتردد على تلك لطبيبة، وأخذت الطبيبة تدون كل المعلومات عنه أسبوعياً وتم تحديد اسمه ( Adl ) حتى جاء يوم مولده 5/2/2005 وأدخلت غرفة شبيهة بغرف الخمسة نجوم حول ذراعيها جهازان, جهاز لمراقبة نبضها وآخر لمراقبة نبض المولود وحولها أربع ممرضات وعدد من المستشارين، قدم (عدل) إلى هذه المعمورة في تمام الساعة 2:13 من يوم الخامس من فبراير 2005م وتم تنظيفه ووضع ربطة حول يده فيها اسمه وبياناته وأخرى حول يدي وثالثة حول يد أمه, وبعد إجراءات الأمان والاطمئنان على صحته تم وضعه في المكان المناسب بعد أخذه رضعة من أمه قامت إحدى الممرضات بنقله إلى غرفة خاصة به ؛ ليتناوب عليه العديد من الممرضات والأطباء، و يراقبوا كل شيء فيه, فلو صرخ صرخة بسيطة لأقبل إليه أفواج من الممرضات والأطباء المتخصصين.

فهناك ثلاثة أشياء مقدسة أو بمعنى آخر يحترمها المجتمع الأمريكي: الطفل, والمرأة الحامل, والكلب.

بعد أخذ المولود إلى الغرفة المخصصة للاعتناء به كان علي الاعتناء بأمه حسب التقليد اليمني يجب أن أعد مشروباً ساخناً, غادرت الغرفة التي هي بها لأذهب إلى المنزل في ساعة متأخرة من الليل وكان الثلج يغطي المكان بلون أبيض وعليّ أن أسير بين ركام الثلج مسافة حوالي أربعمائة متر، قد يقول قائل المسافة قصيرة، هي كذلك ولكن عندما نسير على بساط أبيض غير, فالانزلاق وكسر الرجل من الحوض وارد, وتجمد الدورة الدموية في الشرايين وارد، المهم ذهبت وأعددت القهوة اليمنية وعدت إليها سالماً، حمدت الله على سلامتها وسلامة ولدها فهي بالنسبة لي زوجة ورفيقة درب وأم وأخت وكل المجتمع.

نلتقي في (4).

لقراءة (1) انقر هنـــا, و(2) هنــــا.

maaaj67@yahoo.com