أمريكا: المخرج في نوفمبر المقبل
بقلم/ محمد كريشان
نشر منذ: 4 سنوات و 5 أشهر و 25 يوماً
الأربعاء 03 يونيو-حزيران 2020 07:58 م
 

«ميليشيات ترامب تقصف الأحياء المدنية وتمنع طواقم الإسعاف من الوصول إلى الضحايا»..

ترامب بزي القذافي وهو يقول من أنتم !؟ سنلاحقكم بيت بيت.. زنقة زنقة !!…

خارطة توزيع القوى في الولايات المتحدة بألوان مختلفة: الأصفر مناطق سيطرة الهنود الحمر، الأحمر مناطق سيطرة النظام، الأخضر مناطق سيطرة الجيش الأمريكي الحر، البنفسجي مناطق توغل الجيش المكسيكي….

«خبر عاجل: ثلاثة قتلى من المتظاهرين في أمريكا برصاص ميليشيات ترامب المدعومة إماراتيا»…

إلى هذه الدرجة وصل «تندر» البعض بما يجري في أمريكا هذه الأيام في أعقاب مقتل الأمريكي الأفريقي جورج فلويد وهذا يعني أن خطبا جللا أصاب فعلا الولايات المتحدة.

تتجلى مظاهر الأزمة الحالية في أمريكا في وجهين مختلفين ينذر تصاعدهما بمزيد من الصدامات والمواجهات: الأول رئيس متهم بالغطرسة والرعونة وسكب الزيت على النار والثاني جزء هام من المجتمع لم يعد يقبل باستمرار عقليات وممارسات مُدانة.

المشكل اليوم أن في البيت الأبيض رئيسا لا يبدو مكترثا باحتواء الأحداث عبر رسائل طمأنة لعموم شعبه بقدر اهتمامه بتكريس ما يريد الظهور به أمام قاعدته الانتخابية التي تشاطره الكثير من القيم البعيدة عن التسامح وحق الاختلاف والتنوع العرقي والديني والسياسي كذلك.

الشيء الأساسي الذي يمكن أن يضع حدا في نفس الوقت لغطرسة الرئيس وجنوح بعض المتظاهرين للتخريب والنهب هو دفع الغاضبين إلى التعبير عن مواقفهم عبر صناديق الاقتراع من خلال المشاركة المكثفة في انتخابات الرئاسة في نوفمبر – تشرين الثاني المقبل، بما يمكن أن يضع حدا لأسوأ سنوات عرفتها الولايات المتحدة تحت حكم رئيس لم يكتف بادخال الفوضى في ملفات دولية عديدة كإيران والقضية الفلسطينية وإنما بات مغرما الآن بادخال الفوضى إلى البيت الأمريكي نفسه.

هذا هو الاستثمار الأمثل للأحداث الحالية والذي أشار إليه شقيق الضحية فلويد عندما خاطب المحتجين طالبا منهم الابتعاد عن أي أعمال عنف وتخريب والتركيز في المقابل على الموعد الانتخابي المقبل كوسيلة سلمية وحضارية لوضع حد للسياسات القائمة.

صحيح أن أحداث عنف مماثلة جرت في السابق في عهد أوباما ومن سبقوه لكنها كانت تجد دائما في البيت الأبيض من يحاول استيعاب الغاضبين وتخفيف غلوائهم، وليس رئيسا يتوعدهم بمزيد استعمال القوة ويصف ما يجري بالإرهاب الداخلي ويهدد بإنزال الجيش متهما حكام الولايات بالضعف لأنهم لم يبدوا الحزم اللازم في مواجهة المتظاهرين.

وللدفع في اتجاه أن تكون الانتخابات المحطة الحقيقية ولوضع حد لما يجري والانتقال إلى مرحلة أخرى، دعا الرئيس السابق باراك أوباما، الذي يُسبب مجرد ذكر اسمه حساسية كبرى لدى ترامب، إلى تحويل ما سماه الغضب المبرر إلى عمل سلمي ومستدام وفعال، عبر ترجمة الوعي الحالي بزيادة المشاركة في الانتخابات، وانتخاب مسؤولين يستجيبون للمطالب.

ما سبق يجب ألا يحجب أن ما يحصل الآن هو نتيجة تراكمات قديمة، حتى وإن ساهمت تصرفات ترامب في مزيد تأجيجها. حتى أوباما نفسه، الرئيس الأمريكي الوحيد من أصول افريقية، لم يجد بُدًّا من الاعتراف أن الاحتجاجات جاءت رداً على قضايا عالقة منذ فترة طويلة، وبأنها تعبير عن إحباط حقيقي إزاء الفشل المستمر على مدى عقود لإصلاح ممارسات الشرطة، ونظام العدالة الجنائية، مشيرا بالخصوص إلى الحاجة إلى الاعتراف بـالدور الذي تلعبه العنصرية في تآكل المجتمع.

ورغم كل ما يمكن أن يقال عن صلابة النظام السياسي الأمريكي وعراقة مؤسساته إلا أن ذلك يجب ألا يحجب مخاطر خروج المواجهات الحالية عن السيطرة خاصة أنها تأتي على خلفية أزمة اقتصادية غير مسبوقة بسبب جائحة كورونا وما خلفته من طوابير عاطلين وخوف على المستقبل. هذه المخاطر ليست افتراضية بل حقيقية فعلا في ضوء المؤشرات الأولى باطلاق الرصاص المطاطي على المتظاهرين وسقوط بعض القتلى وأيضا إطلاق الرصاص على شرطي في لاس فيغاس وقتله مع جرح آخرين.

استمرار المظاهرات يغذي عجرفة ترامب وهذه الأخيرة تغذي بدورها المظاهرات، وقد تتعقد هذه الحلقة أكثر فأكثر في الأسابيع المقبلة، مع ضرورة الانتباه إلى أن الرئيس الأمريكي ليس وحده في هذه المواجهة فإلى جانبه يقف الحزب الجمهوري بممثليه في الكونغرس ومجلس النواب، وكذلك شرائح من المجتمع الأمريكي تراه المدافع عن الأمن والاستقرار في مواجهة مجموعة من «الرعاع» الذين لا سبيل لردعهم إلا بالقوة وبلا رحمة.

لقد برهنت الأحداث الأخيرة أن هناك شرخا يزداد اتساعا عموديا وأفقيا، بين قطاع من الناس والمؤسسة الحاكمة، وبين السياسيين أنفسهم والشعب نفسه. ومع أن الذين يلومون ترامب من الديمقراطيين لم يعالجوا إبان فترات حكمهم الكثير من المشاكل التي يثيرونها الآن، إلا أن ذلك لا يمنع من النظر إلى الانتخابات المقبلة، التي قال الرئيس نفسه إنه يتطلع إليها ومتأكد من الفوز بها، على أنها قد تكون بداية المراجعة الجادة أو بالعكس تكون استمرارا لنفس سياسات الهروب إلى الأمام وترحيل الأزمات الكبرى.