ترامب و«الهبوط الاضطراري»
بقلم/ محمد كريشان
نشر منذ: 4 سنوات و أسبوع و يومين
الأربعاء 18 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 07:34 م
  

«الرجاء ربط الأحزمة والاستعداد لهبوط اضطراري»… هكذا يبدو حال العالم بأسره بعد أن اتضح تعذر الهبوط الطبيعي السلس لرئاسة دونالد ترامب الذي ما زال يعيش حالة إنكار مرضية تزداد استفحالا كلما اقتربنا من العشرين من يناير/كانون الثاني تاريخ تنصيب جو بايدن رئيسا جديدا للولايات المتحدة.

كل المعلقين والكتاب الأمريكيين لم يترددوا أبدا في تأكيد شيء واحد لم يراودهم فيه أبدا أي شك مهما كان ضئيلا: لن يبقى ترامب في منصبه دقيقة واحدة بعد هذا الموعد سواء حضر الرئيس المنتهية ولايته حفل تنصيب خلفه أو قاطعه، اعترف بالهزيمة أم ظل مكابرا.

المشكل الآن ليس هنا، بل في أمرين آخرين في غاية الأهمية: الأول ماذا ينتظر العالم من هنا إلى غاية العشرين من يناير، والثاني ما الذي سيتركه ترامب من آثار في المجتمع الأمريكي.

دخل الجميع تقريبا في مرحلة التكهنات وجمع المؤشرات على ما يمكن أن يقوم به ترامب في عدد من الملفات قبل أن يغادر، وأولها إيران إذ بدأت الأخبار تتوالى عما يفكر فيه من احتمال ضربة عسكرية إلى إيران، قد توجهها واشنطن أو ربما تسمح بها لإسرائيل. وهنا لا يُعرف بعد ما إذا كان التحذير من عواقب ذلك الذي وجهه له بعض فريقه الحكومي ومساعديه، وفق «نيويورك تايمز» يمكن أن يجعل تراجعَه نهائيا أم لا.

ولايعرف بعد كذلك إذا كان ترامب سيعطي لإسرائيل الضوء الأخضر لضم مناطق واسعة من الضفة الغربية قبل رحيله وهو أمر الأرجح أن سفيره هناك ديفيد فريدمان سيدفع في اتجاهه بكل قوة لاستغلال «لحظة تاريخية» قد لا تتكرر، وكنوع من الانتقام من الفلسطينيين الذين عاندوا ورفضوا الخطة وقطعوا كل اتصال بترامب وإدارته. هناك أيضا حديث عن امكانية إدراج «جماعة الحوثي» في اليمن ضمن قائمة الحركات الإرهابية كنوع من «المعروف» الذي يسديه للدول الخليجية التي وقف معها في حربها الفاشلة هناك التي لم تُعد شرعية إلى الحكم ولا هي أنقذت بلدا.

في كل ما سبق، ما من هدف لترامب سوى ترك خلفه بايدن وسط حقل ألغام لا يعرف كيف يتحرك وسطه، فلا هو قادر على إعادة مد الجسور مع إيران، التي قد ترد على أي ضربة تُوجه إليها مما يعقّد الأمور طبعا، ولا هو قادر على إحياء العلاقة مع الفلسطينيين بعد أن حُشروا في أسوأ زاوية، ولا هو قادر على الدفع بتسوية في اليمن طرفها الرئيسي على الأرض مُصنف كحركة إرهابية.

لا يبدو أن ترامب مكتف بذلك، إنه حريص بالتوازي مع كل ما سبق على التعجيل في حسم ملفات أخرى حتى يحرم بايدن من قطف ثمارها وتسجيلها في رصيده، من ذلك مسارعته الحالية لإتمام سحب معظم قواته من أفغانستان وسوريا والعراق. أما المثال الأكثر وضوحا فهو الأزمة الخليجية وحصار قطر من قبل جيرانها، فها هي إدارته، التي لم تفعل شيئا تقريبا لحل أزمة ما كان يُكلِّف حلُّها أكثرَ من مكالمة هاتفية، تقول الآن إنها تريد حل هذه الأزمة قبل مغادرتها البيت الأبيض.

قد تشهد الملفات الخارجية التي يحاول ترامب قبل رحيله الدفع إلى تأزيمها أو المسارعة إلى قطف ثمارها، وكلاهما نكاية في الرئيس المقبل، تطورات ليست على مزاج ترامب وما يريده لأن هناك أطرافا أخرى فاعلة في المؤسسة الحاكمة الأمريكية قادرة على إيقافها أو الحد من مفعولها، لاسيما في الأمور العسكرية، ولكن ما لا يمكن التحكم في إيقاعه فعلا فهو ما سيتركه ترامب من انقسام فظيع داخل المجتمع الأمريكي.

إذا واصل ترامب عناده وإنكاره وعدم تسليمه بالهزيمة فإن التيار الشعبي الواسع الذي يقف وراءه سيجد مع الأيام ما يغذيه ويزيد في تعبئته وراء كل ما يمثله ترامب من قيم ومواقف، بل وقد يجد نفسه قريبا داعما لرجل ملاحق من قبل العدالة في عديد القضايا التي تنتظره.

يقول الدكتور محمد الشرقاوي الأكاديمي الأمريكي المغربي أن هذا الجمهور الواسع الذي صوت لترامب، بما يتجاوز السبعين مليونا والذي يتظاهر دعما له وترديدا لاتهامات تزوير الانتخابات غير المثبتة، إنما وجد في ترامب كل ما تمثله الصورة الذهنية السائدة عن الأمريكي «النموذجي» أبيض وغني وقوي ومحاط بالحسناوات ولايستلطف الآخرين ممن هم على غير شاكلته. إذا كان جمهور ترامب فعلا بهذه المواصفات، وهم في الغالب من الطبقة المتوسطة أو حتى غير المثقفة ومن المزارعين والريفيين، فإننا لسنا فقط أمام انقسام عمودي حاد داخل المجتمع الأمريكي بل أمام تيار قابل إلى أن يتحول إلى قوة تدمير لكل ما سعت أمريكا طوال عقود لترويجه عن نفسها من أنها مجتمع المهاجرين والمساواة والتعايش.

لم يبق الآن من أمل في سلامة «الهبوط الاضطراري» الذي يخشاه الجميع سوى أن يظل الطيار الآلي، ممثلا بالمؤسسات أو الدولة العميقة، قادرا على التحكم في هذا الهبوط، بدرجة أو بأخرى، لأن ترك أمره للطيار وحده منذر بارتطام مؤلم وربما مدمّر.