أبوظبي في اليمن والصومال: تقويض ناعم
بقلم/ بشرى المقطري
نشر منذ: 6 سنوات و 6 أشهر و 16 يوماً
الخميس 10 مايو 2018 04:41 م
 

تراكم الدول المتدخلة في دولة ما تجاوزاتها على حساب المصالح الوطنية لهذه الدولة، ليغدو تدخلها مع الوقت أقرب في دلالته ووظيفته إلى الاحتلال، وإن أتى تحت غطاء الشرعية، إذ تفرض الدول المتدخلة وصايتها على القرار السيادي، بما يمكّنها من استغلال موارد البلد.

تتعدد التدخلات الإقليمية في دول النزاعات، وتختلف أشكال هذه التدخلات ودوافعها، وكذلك نتائجها على المدى البعيد، إلا أن مقاربة نتائج التدخل العسكري الإماراتي في اليمن مع أجندات تدخلها في الصومال يعطينا صورةً عن مسار الصراع الحالي الذي يدور بين الإمارات والسلطة الشرعية في اليمن.

فرغم تباين أسباب التدخل الإماراتي في اليمن عنها في الصومال، وكذلك تباين ظروف الصراع المحلي في البلدين، وتعقيداتهما التاريخية، فإن ما أحدثته الحرب الأهلية في الصومال، بما فيها قيام دويلة مستقلة يتماثل مع منحى التدخلات الخارجية في اليمن التي قد تكرس واقعاً مستقبلياً يتقاطع إلى حد ما مع الحالة الصومالية.

من منطلق تدخلها العسكري في اليمن، دولة ثانية في التحالف العربي، حظيت الإمارات بمشروعية سياسية وإقليمية، مكنتها من إطلاق يدها، ليس في اليمن فحسب، وإنما في بعض دول القرن الأفريقي.

فإضافة إلى تكريس نفوذها العسكري في إريتريا، حيث حولت ميناء عصب الإريتري إلى قاعدة عسكرية لانطلاق طائراتها المقاتلة إلى اليمن، أنشأت الإمارات معسكرات لتدريب المجندين اليمنيين في الأراضي الإريترية، كما أقامت سجونا سرية لاعتقال يمنيين معارضين لأجنداتها. 

وبذريعة الحصار البحري الذي فرضته قيادة التحالف العربي على الشواطئ اليمنية لمنع تهريب الأسلحة إلى جماعة الحوثي، ضاعفت الإمارات من نفوذها العسكري في بعض دول القرن الأفريقي، الملاصقة لممر الشحن الدولي في باب المندب.

فرض تدخلها العسكري في اليمن هيمنة الإمارات المطلقة ليس فقط في ميناء عدن الذي عادت إليه مجدداً، وإنما في معظم الموانئ اليمنية، إذ ركزت الإمارات عملياتها العسكرية ضد مليشيات الحوثي في المناطق الساحلية، لضمان إشرافها على الموانئ، بعد تحرير هذه المناطق من المليشيات، فضلاً عن استغلالها خضوع الموانئ اليمنية في المناطق المحرّرة لإدارة التحالف العربي، وتوظيفها ذلك لصالحها.

وهو ما جعل من آلية الإشراف على الموانئ اليمنية في المناطق المحرّرة سبباً في توتر العلاقة بين السلطة الشرعية والإمارات، الأمر الذي أدى إلى إعلان قيادة التحالف العربي في نهاية مارس/ آب الماضي تسليم إدارة الموانئ اليمنية للسلطة الشرعية، إلا أن ذلك لم يكن سوى إعلان كاذب، بغرض تضليل المجتمع الدولي.

ففي الواقع لا تزال الإمارات وكذلك السعودية تشرفان على الموانئ اليمنية وتديرانها، من دون إشراك السلطة الشرعية، مستغلتين ضعف الشرعية التي تفتقر لقوة عسكرية تدافع عن سلطتها أمام تغوّل القوى المحلية المدعومة من دول التحالف، كما تقوّض أزمة جزيرة سقطرى مزاعم دول التحالف العربي أن تدخلها في اليمن كان بهدف استعادة الشرعية لسلطتها المغتصبة، وليس وراثتها.

في مطلع مايو/ أيار الحالي، عزّزت الإمارات من وجودها العسكري في سقطرى، فبعد طردها الحامية العسكرية الضئيلة التي كانت تحمي مطار الجزيرة، سيطرت القوات الإماراتية على المطار، ثم حاصرت رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عبيد بن دغر، الذي كان في جولة تفقدية في الجزيرة.

 

صعدت أزمة "سقطرى" شعور اليمنيين بالمرارة، وهم يرون بأعينهم تغول الدول المتدخلة، وهي تسلب أراضيهم بالقوة، لكنها أكدت حقيقة التدخل الإماراتي في اليمن من دون رتوش، إذ لا يمكن تفسير أي وجود اماراتي في جزيرة سقطرى البعيدة عن خريطة الصراع في اليمن، من دون أن يكون بهدف احتلالها الجزيرة.

كما أن مواجهة الإمارات الحكومة الشرعية تجاوزت مرحلة التقويض "الناعم" الذي اتبعته الإمارات منذ تحرير مدينة عدن، إذ ذهبت بعيداً في اخضاعها الموانئ والجزر اليمنية لسيطرتها الفعلية.

وتمظهر ذلك في تعليق وزير الدولة الإماراتي، أنور قرقاش، الذي أكد على استمرار الوجود الإماراتي في "سقطرى" وتاريخيته، وكذلك انتظار الإمارات أن تقنع لجنة الوساطة السعودية الحكومة اليمنية الخروج من الجزيرة.

لم تكن دوافع اللجنة سوى إدارة فصل من مسرحية التحالف العربي في اليمن، وتكريس لسياسة التنويع بين السوط والكرباج، ففي المحصلة، لا حق لضعيف لا ينظر لعواقب أفعاله، حتى لو كان هذا الضعيف "الشرعي"، هو من مكّن دول التحالف من اليمن غير السعيد.

تتقاطع نتائج التدخل الاماراتي في اليمن مع مساراته الحالية في الصومال، فعلى الرغم من أن التدخل الاماراتي في الصومال أتى تحت لافتات متعدّدة، من قبيل مساعدة الدولة الاتحادية في تأهيل الجيش لمحاربة الإرهاب، وحماية خطوط الملاحة الدولية من القرصنة التي تنطلق من الأراضي الصومالية.

إلا أن تصاعد الأزمة بين الدولة الاتحادية الصومالية والإمارات في مطلع أبريل/ نيسان الماضي يؤكد أهداف التدخل الإماراتي في دول النزاعات.

فبعد مصادرة السلطات الصومالية أموالاً كانت في حوزة القوات الإماراتية في الصومال، اتهمت السلطات الصومالية الإمارات باستخدام الأموال لدعم الجماعات الخارجة على الدولة الاتحادية، وتحديداً حكومة أرض الصومال (المستقلة)، وكتطور أخير في الأزمة، أنهت الإمارات مهامها العسكرية في الصومال، وجففت كذلك دعمها الإنساني.

 

لم يكن تصعيد الدولة الصومالية ضد الإمارات سوى رفض الأجندة الإماراتية التي تهدد شرعيتها سلطة معترفا حكومة أرض الصومال غير المعترف بها، بما في ذلك تأسيس قاعدة عسكرية إماراتية في ميناء بربرة. واتهمت دولة الصومال الاتحادية الإمارات بانتهاك للقانون الدولي، معلنة بطلان الاتفاقية.

كما تسببت الأزمة الخليجية في تعميق الخلاف الإماراتي- الصومالي والصومالي- الصومالي، إذ عاقبت الإمارات الدولة الاتحادية الصومالية بدعمها للحكومة الانفصالية، وذلك لالتزام الدولة الاتحادية الحياد في الأزمة الخليجية، في حين انحازت حكومة أرض الصومال للإمارات والسعودية، وهو ما أدى إلى تحول الصومال إلى ساحةٍ لتصفية صراعات دول الأزمة الخليجية.

في طموحها الأعمى لتحقيق أجنداتها، لا ترى الدول المتدخلة بُداً من تقويض ما تبقى من السلطات الهشّة بشتى الوسائل، بما في ذلك دعم الجماعات المسلحة أو المكونات ذات النزعة الاستقلالية على حساب السلطة المعترف بها دولياً.

وبالطبع لا يمكن تجريم الدول المتدخلة وحدها، وإنما تجريم السلطات السياسية المحلية التي استعانت بهذه الدول، من دون أن تدرك عواقب سياستها المستقبلية.

وإذا كانت السلطات الصومالية قد رفعت صوتها قليلاً ضد التدخل الإماراتي في أرض الصومال، فإن السلطة الشرعية اليمنية لا تزال تدور حول نفسها، وهي ترى معاول دول التحالف العربي تقوّض شرعيتها وسيادتها، وحتى حقها الأخلاقي بالتجول في الأراضي اليمنية.

* بشرى المقطري كاتبة وناشطة يمنية

المصدر | العربي الجديد