نقاشٌ إسلامي مع الذين يستحلون دماءَ إخوانهم المسلمين الذين يحتفلون بذكرى الغدير
بقلم/ ابراهيم بن محمد الوزير
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 27 يوماً
الأربعاء 29 ديسمبر-كانون الأول 2010 08:04 م

ما زلت أشعر بالحزن والأسف لما حدث في الجوف وفي صعدة من التفجيرات التي أدت إلى قتل مواطنين مسلمين يقولون لا إله إلا اللـَّـه محمد رَسُـوْل اللـَّـه صلى اللـَّـه عليه وآله وسلم ، لقد سفكوا دماءَهم وهم يحتفلون بذكرى يوم الغدير في الجوف ، وقد أدى ذلك العمل إلى قتل عدد كبير من المواطنين المسلمين وهم في طريقهم للإحتفال بذكرى يوم الغدير.

ونريد أن نقول لهؤلاء الذين يقدمون على قتل من يحتفل بذكرى يوم الغدير: يا إخوان إن حديث الغدير متواترٌ مروي في كتب أهل الحديث ، وفي الصحاح ، ومروي من عدة طرق ، حتى بلغ حد التواتر واليقين ، وهو أن رَسُـوْلَ اللـَّـه صلى اللـَّـه عليه وآله وسلم وقف عند عودته من حجة الوداع عند غدير خم ، ثم قام في المسلمين الذين معه خطيباً ، فحمد اللـَّـه وأثنى عليه ، ووعظ وأرشد ، ثم سأل المسلمين الذين أمامه قائلاً: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ ، قالوا: بلى يا رَسُـوْل اللـَّـه. فأخذ بيد علي ورفعها وهو يقول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. ورفع يد علي حتى بدا بياضُ إبطيهما ، وعقيب ذلك يقول عمر بن الخطاب لعلي: »بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كـُـلّ مؤمن ومؤمنة« ، هذا ما روته كتب السير ، وكتب الحديث عند أهل السنة والشيعة ، وتواترت به الروايات عند الجميع.

والذين يفجرون أنفسهم ويقتلون إخوانهم المسلمين الذين يحتفلون بذكرى هذا اليوم ، إنما يقولون بعملهم هذا لرَسُـوْل اللـَّـه صلى اللـَّـه عليه وآله وسلم: ليس عندنا من جواب على ما قلت غير البارود والرصاص والمتفجرات والقتل وسفك دم من يؤمن بكلامك ، ومن يتبعك في ما قلت.. نعم ليس عندنا من جواب على كلامك غير المتفجرات والبارود والرصاص وسفك الدماء.

فلا حول ولا قوة إلاَّ باللـَّـه العلي العظيم كيف وصلت بهؤلاء الجرأة في الرد على كلام رَسُـوْل اللـَّـه صلى اللـَّـه عليه وآله وسلم ، وكيف استطاع أساتذتهم وأشياخـُـهم أن يقنعوهم بقتل إخوانهم المسلمين الموحدين الذين يصدقون كلام رَسُـوْل اللـَّـه ويحتفلون بذكرى ذلك ، فإن لله وإنا إليه راجعون.. ما أشد مصاب المسلمين باختلاف كلمتهم.

وأريدُ أن أناقشَ هؤلاء الإخوة المنفذين لأن من يفجر نفسه لا بد أن يكون مقتنعاً بفكرة يعتقد صحتها ، وأنه بذلك العمل سيصبح شهيداً ، ويدخل الجنة بمجرد خروج روحه من جسده ، هؤلاء الذين يهمني أمرهم؛ لأنهم مغرَّرٌ بهم ، أما أساتذتهم وأشياخهم فلعل بعضَهم مقتنعٌ بما يقول ، والبعض الآخر يريد تفريق كلمة المسلمين ويخدم جهات خارجية لا تريد الخير للـيَـمَـن وأهل الـيَـمَـن ولا للمسلمين عامة ، وأقول لهؤلاء المنفذين المغرر بهم هداهم اللـَّـهُ ونوَّرَ قلوبَهم: لقد عرفتم أيها الإخوان أن هذا الحديثَ صحيحٌ متواتر ، وهذا لا نقاش فيه ، والذي يقول لكم إنه غير صحيح ، فهو إما جاهل ، وإما كاذب يريد تفريق كلمة المسلمين ، وما دام هذا الحديث صحيحاً ، فما الداعي لقتل الذين يصدقون بهذا الحديث ويحتفلون بذكراه؟؟!!.

إن قلتم رداً للحديث فقد أجبتم على رَسُـوْل اللـَّـه صلى اللـَّـه عليه وآله وسلم بالمتفجرات وبالحديد والنار ، وهذا منتهى الضلال ، والذي يعمل هذا بقصد الرد على رَسُـوْل اللـَّـه صلى اللـَّـه عليه وآله وسلم فيما قال فليس من الإسلام في شيء ، وإن كان قتلكم لإخوانكم المسلمين الذين يحتفلون بهذا اليوم وبكلام رَسُـوْل اللـَّـه صلى اللـَّـه عليه وآله وسلم إنما هو لأنكم تعتقدون أن الإحتفال بأي شيء من أمور الدين أو الدنيا حرام؛ لأن الصحابة لم يعملوا ذلك.

فنحن نقول لكم: إن الإحتفالَ والإجتماعَ لتذكر كلام رَسُـوْل اللـَّـه صلى اللـَّـه عليه وآله وسلم ليس قرآناً ، بل في ذلك أجر لمن حضر وشارك واحتفل ، وإذا فرضنا أنه مكروه أو أنه حرام وأنه بدعة مكروهة أو محرمة حسب زعمكم فليس جزاء هذا الذنب إن كان ذنباً القتل وسفك دم الذي يعمله (إن هذه مغالاة يحرم عليكم عملها) ، وقد روي عن رَسُـوْل اللـَّـه صلى اللـَّـه عليه وآله وسلم قوله: »أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللـَّـه ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم وأعراضهم وحسابهم على اللـَّـه« ، وهؤلاء إخوانكم الذين يحتفلون بهذه الذكرى يقولون لا إله إلاَّ اللـَّـه محمد رَسُـوْل اللـَّـه ، فمن قتلهم أو قتل منهم أحداً فإنما يقتل مسلماً موحداً.

وليس من حق أي إنسان أن يقتلهم أو يقتلَ أحداً منهم لذلك؛ لأنهم مسلمون موحدون يشهدون أن لا إله إلا اللـَّـه وأن محمداً رَسُـوْل اللـَّـه.

ولكم مع الإبتعاد عن سفك دمائهم أن تناقشوا في صحة الحديث ، وقد عرفتم وعرَفَ كـُـلِّ ذي علم أن الحديثَ هذا صحيح متواتر ، ثم لكم أن تناقشوا في مدلول الحديث ، وماذا أَرَادَ رَسُـوْلُ اللـَّـه صلى اللـَّـه عليه وآله وسلم بقوله للمسلمين يوم غدير خـُـمّ بعد أن سألهم: »ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟. قالوا: بلى يا رَسُـوْل اللـَّـه. فقال: من كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه« ، وأخذ بيد علي ورفعها ، فقد يكون رَسُـوْل اللـَّـه أراد ترشيح علي ليبايعه المسلمون بعد انتقال رَسُـوْل اللـَّـه إلى جوار ربه ، فهذا الكلام إشادة بعلي ، وترشيحٌ له ، وإشارةٌ إليه كي يبايعَه المسلمون فيكون خليفةَ رَسُـوْل اللـَّـه وأميرَ المؤمنين بعد رَسُـوْل اللـَّـه ، وهذا ما يعتقدُه الكثيرُ من المسلمين سيما الشيعة الجعفرية والشيعة الزيدية ، وإما أن يكون مراد رَسُـوْل اللـَّـه صلى اللـَّـه عليه وآله وسلم الإشادة بعلي والثناء عليه وتكريمه في ذلك اليوم ، وليس فيه دليل على الخلافة وتولي أمر المسلمين من بعده.

لكم أن تناقشوا حولَ هذه المعاني ونحوها ، ولكم إعتقادُكم ، وللآخرين الحق في اعتقادهم ، واعتقادكم مثلاً بأن هذا الحديثَ لا يدل على تعيين علي بن أبي طالب أو ترشيحه ليلي أمرَ المسلمين بعد رَسُـوْل اللـَّـه ، هذا الإعتقادُ لا يخرجُـكم من الدين ، ولا يجوز لأحد سفك دم أحد منكم بسبب هذا الإعتقاد أو بسبب أنكم تفضلون أبا بكر علي علي رضي اللـَّـه عنهم جميعاً ، واعتقاد البعض بأن هذا الحديث فيه ترشيح أو تعيين لعلي بن أبي طالب ليكون هو أمير المؤمنين بعد رَسُـوْل اللـَّـه لا يخرجهم هذا الإعتقاد من الدين ، ولا يحل لأحد سفك دمائهم أو دم أحد منهم بسبب ذلك؛ لأن الإختلاف في هذا الأمر لا يخرج أحداً من الدين ، ولا يحل لأحد سفك دم من اعتقد هذا أو ذاك ، ومن قتل أحداً بسبب إعتقاده أحقية علي بعد رَسُـوْل اللـَّـه صلى اللـَّـه عليه وآله وسلم أو أحقية أبي بكر قبل علي فقد قتل مسلماً مؤمناً موحداً ، وقد استحق عقوبة اللـَّـه العظمى التي ذكرها في كتابه العزيز في قوله تعالى في سورة النساء آية ٣٩: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب اللـَّـه عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً).

يا إخوان إن المسلمين إخوة ، واللـَّـه يقول: (إنما المؤمنون إخوة) ، ويقول رَسُـوْل اللـَّـه صلى اللـَّـه عليه وآله وسلم: »لا ترجعوا بعدي كفاراً يضربُ بعضُـكم رقابَ بعض« ، وسَـمَّى الذين يفعلون ذلك كفاراً.

إن دينَ الإسلام يا إخوان دين محبة وتسامح ، ودعوة بالحسنى ، وإذا كان اللـَّـه عز وجل يقول لرَسُـوْله محمد صلى اللـَّـه عليه وآله وسلم: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحَسَنة وجادلهم بالتي هي أحسن) ، مع أن الدعوة كانت من رَسُـوْل اللـَّـه للمشركين واليهود والنصارى من أهل الكتاب ويأمره اللـَّـه بأن يدعوهم إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، فكيف بالمسلمين عندما يدعو بعضهم بعضاً ، ألا يجب أن تكون الدعوة أيضاً بالحكمة والموعظة الحسنة؟ ، بل إن الحكمة والموعظة الحسنة أولى مع المسلمين منها مع غيرهم.

إن دماءَ المسلمين ودماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى غير المحاربين حرامٌ حرامٌ حرام ، ولا يجوز الإعتداء عليهم بأية حال ، فمن قال: لا إله إلاَّ اللـَّـه محمد رَسُـوْل اللـَّـه فقد عصم اللـَّـهُ دمَه وحسابُه على اللـَّـه ، ويحرم أن يُسفك منه قطرة دم وحسابُه على اللـَّـه.

إن وَحدة المسلمين اليوم على دين اللـَّـه الدين الصحيح الذي ليس فيه إعتداء على من لا يستحق وسفك دماء الآخرين ، إن وَحدة المسلمين اليوم واجبٌ مثل وجوب الصلاة ، فلا تقعوا فيما لا يرضي اللـَّـه عز وجل واسعوا لوحدة المسلمين ، ووسعوا صدوركم للنقاش والجدال بالتي هي أحسن ، فذلك هو أمرُ ربكم.

وفقني اللـَّـه عز وجل وإياكم وهو الهادي إلى سواء السبيل ، وصلى اللـَّـه وسلم على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد.

حسبُنا اللـَّـه ونعم الوكيل.

نعم المولى ونعم النصير.

وعلى اللـَّـه توكلت..