ما معنى الهجوم على قيادة المنطقة العسكرية الثانية؟
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 11 سنة و شهر و 21 يوماً
السبت 05 أكتوبر-تشرين الأول 2013 04:20 م

تذكرنا حادثة سقوط مقر القيادة العسكرية للمنطقة العسكرية الثانية (وليس سقوط المنطقة الثانية كما يقول الكثير من الإعلاميين) تذكرنا بأحداث كثيرة من بطولات قياداتنا العسكرية الباسلة التي تقتل في اليوم الواحد عشرات وأحيانا مئات المواطنين العزل من السلاح لكنها تفشل ليس فقط في حماية حدود البلد وأجوائها ومياهها الإقليمية، بل وفي حماية مقرات عملها الذي منه يترزق القادة ويبنون منشآتهم واستثماراتهم، ومن ضمن ما نتذكره سقوط عاصمة محافظة أبين (زنجبار) في أقل من أربع ساعات بيد أنصار الشريعة في مايو 2011م ودونما طلقة رصاص واحدة من قبل فيالق من القوات العسكرية والأمنية كانت تعتقل في اليوم الواحد ألاف النشطاء السلميين، كما تذكرنا بتفجير مقر الأمن السياسي بمحافظة عدن في العام 2010م واحتلال جزيرة حنيش من قبل القوات الأريترية في العام 1995م وفي هذه الحالات وعشرات الحالات المشابهة يخرج جيشنا وأمنن البطل منتصرا ببيان يدين فيه العدوان ويترحم على أرواح الشهداء ويهدد ويتوعد الأعداء والمجرمين بالويل والثبور وعظائم الأمور ليذهبوا (هؤلاء الأعداء والمجرمين) منشرحي البال مطمئني الخواطر ليعدوا العدة لعملية جديدة واثقين أن من أعد بيان الإدانة مختبئ في مكان آمن ولا يأبه لأرواح ودما الضحايا الذين لا ذنب لهم إلا إنهم ينتسبون إلى مؤسسة عسكرية لا تمتلك قياداتها ولو الحد الأدنى لا من المؤهلات المهنية ولا الأخلاقية ولا الأدبية لتبوء تلك المناصب الخطيرة.

من الصعب علينا نحن المدنيين تحليل ومعرفة ما يجرى في الحالات المشابهة لما جرى في مقر قيادة المنطقة العسكرية الثانية (حضرموت الساحل) لكن مقدارا ضئيلا من المعلومات العسكرية الأولية كفيل بأن يجعل المرء البسيط وغير السياسي وغير المتخصص يستنتج أن من يقودون مؤسساتنا العسكرية والأمنية والاستخباراتية (من أكبرهم إلى أصغرهم) منشغلون بأمور أخرى غير العمل العسكري والأمني الذي مهمته صيانة الوطن وحماية أمن المواطن، لأن الذي لا يحمي مقر عمله لا يمكن أن يكون جديرا بهذه المعاني العميقة والمهمات الجليلة ـ أي حماية حدود الوطن وصيانة السلم الأهلي والكيان الوطني والوئام الاجتماعي ـ فهذه المهمات أعتقد وأكبر وأصعب من أن تقوم بها قيادات لا تحمي مكاتب عملها.

في حديث جانبي قال لي وزير جنوبي عندما استدعاه مجلس النواب على خلفية الاعتداء على جنود وشرطة وإهانتهم والمس بكرامتهم: يا أخي أنت تعتقد أننا في بلد فيها مؤسسات وصلاحيات ومهمات ونظام، وأردف قائلا: يا أخي نحن في بلد تحكمه الفوضى ويسير بالعشوائية وتتحكم فيه الوجاهات والعجرفات والنخيط الفارغ.

أنا أصدق هذا الوزير وأعرف مسبقا صدقية ما قاله لي لكن السؤال هو لماذا يقبل هؤلاء على أنفسهم العمل في مؤسسات لا نظام لها ولا صلاحيات تمتلكها ولا ضوابط تحكم عملها؟ وهل انعدمت وسائل الحصول على لقمة العيش حتى يقبل هؤلاء على أنفسهم العمل في وظيفة لا يؤدون فيها إلا التوقيع على قوائم المرتبات؟؟

ليس في هذا تجن على وزير محدد أو قائد محدد لكن ما تجب الإشارة إليه هو إنه في البلدان التي يحترم فيها الحكام شعوبهم وأنفسهم، ويحترم فيها العسكريون قداسة المهنة وقيمتها الأخلاقية والإنسانية والوطنية الرفيعة، يستدعى القائد العسكري فيما لو جرى إطلاق نار في الموقع العسكري الذي يشرف عليه، ولو بطريقة الخطأ ، أما إذا جرح أحد الجنود ، ولو عن طريق الخطأ أيضا فإن القادة وأعوانهم يقدمون للمساءلة وقد تفرض عليهم عقوبات، أما عندما ينجح العدو في اختراق خطوط التماس، ولو في أي موقع في أطراف الصحراء أو أحد الشعاب أو الفلوات النائية فإن القيادة تنحى وتقدم للمحاكمة، وتستبدل فورا لأنها غير جديرة بمهمتها، لكن لم أسمع قط حتى اليوم أن قيادة عسكرية يتسلل (أعداؤها المفترضون) إلى مقر قيادتها ويقتلون جنودها ويستولون على مقرها ثم بعد إسالة الدماء وإزهاق الأرواح، وسقوط ضحايا بأرقام سرية لا يعلمها أحد من الشعب تطلع علينا القيادة بتحية لهؤلاء الفاشلين وتعبر عن امتنانها لبطولتهم في التفريط بدماء أخوتهم ورفاق دربهم وبموقع عملهم، وقد يحصل هؤلاء القادة على ترقية بفضل هذه الفضيحة المجلجلة.

ليس لدي موقف من قيادة المنطقة العسكرية الثانية بل إنني أستطيع التوقع إنهم هم أنفسهم ضحية عملية غادرة يدخل فيها أفراد وقيادات ذات نفوذ وهيمنة ومقدرات تنفيذية ولوجستية تفوق قدرة المؤسسة الرسمية أو القيادة الرسمية، لكن ما جرى في المكلا يرينا نحن المدنيين البسطاء ـ أننا لا نمتلك مؤسسة عسكرية لا محترفة ولا مؤهلة ولا قادرة حتى على حماية نفسها، وأن العابثين ما تزال أياديهم طويلة وقادرة على الوصول إلى أعماق المؤسسة العسكرية (المفترضة) وإن البلد محمية ليس بفضل الـــ 25 % من الموازنة العامة للدولة التي تلتهمها قيادات المؤسسة العسكرية والأمنية ثم لا تحمي مقراتها، وإنما بفعل التوازن الغريزي الذي اعتاد عليه اليمنيون منذ أن عرفوا شيئا اسمه السلطة أو نظام الحكم أو (الدولة المفترضة).

عندما تمكنت القيادة العسكرية ـ بقيادة الشهيد اللواء سالم علي قطن ـ من تطهير أبين من "أنصار الشريعة" توقع بعض الطيبين أن عناصر "الإرهاب والتخريب" قد خاضت آخر معاركها مع الوطن والمواطن، وكان الانتقام من الشهيد قطن رسالة واضحة أن هؤلاء ومن وراءهم لن يسكتوا عن الثأر لأنفسهم، لكن إن يصل الأمر إلى إسقاط مقر القيادة العسكرية فإن هذا يعني أن بقية المواقع ـ التي يفترض أنها أقل تحصينا وأبعد موقعا وأقل أهمية من مقر قيادة المنطقة الثانية، سيكون إسقاطها أمرا أسهل من اللعبة المسلية بالنسبة للمعتدين.

ما جرى في حضرموت يطرح العديد من الأسئلة الشائكة التي تستدعي الإجابة وتضع نفسها فوق رؤوس جميع المسئولين عن البلاد بدءا برئيس الجمهورية ومستشاريه للشئون الأمنية والعسكرية والدفاعية ورئيس الوزراء مرورا بوزراء الدفاع والداخلية والأمن والأجهزة الاستخباراتية المتكاثرة التي تحصي أنفاس المواطنين نفسا نفسا، وتعجز عن افتراض مهاجمة قيادة منطقة عسكرية مهمة جدا كالمنطقة الشرقية (الثانية) وانتهاء بقيادة المنطقة نفسها التي تتحمل مسئولية حماية نصف مساحة الجمهورية وثلاثة أرباع موارد الثروة النفطية، هذه القيادة التي كانت تغط في سبات عميق عندما دخل المتسللون واستولوا على مورد أرزاق أفرادها وقادتها وأهم هذه الأسئلة: لماذا حضرموت بالذات؟ وهل للأمر علاقة بما يطرح عن الدولة الفيدرالية ونظام الأقاليم؟ هل كان المهاجمون معزولين عن خيوط محلية أم أن هناك من سهل لهم العملية وتهاون في المهمة وربما يسر لهم مهمتهم وربما خطط وساهم في التنفيذ؟ ما هي العملية التالية؟ وهناك سؤال يستدعي التوقف ومحاولة الإجابة: لماذا تنتهي كل العمليات المشابهة لما جرى في حضرموت بإبادة كل المنفذين وربما معهم عشرات الرهائن الأبرياء الذين لا ذنب لهم إلا إنهم يعملون تحت قيادات فاشلة ومتخاذلة وعاجزة؟ لماذا لم يحرص منفذو عملية تحرير مقر القيادة على الاستبقاء ولو على فرد أو فردين من المهاجمين للاستدلال من خلالهم على خلفيات الهجوم والمشاركين في التخطيط والإعداد والتسهيل والتنفيذ، وأخيرا ما علاقة ما جرى في حضرموت بسلسلة الاغتيالات التي يتعرض لها يوميا القادة العسكريون المحسوبون على رئيس الجمهورية؟

إنها أسئلة يمكن للإجابة عليها أن تكشف لنا حقيقة ما يدور في هذا البلد من جرائم يعتبر مجرد السكوت عن كشف خلفياتها مساهمة فاعلة فيها، مساهمة تستحق التوقف والعقاب الصارم، وليعلمن القادة العسكريون أن الدماء التي تسيل ليست مياه آسنة، والأرواح التي تزهق ليست بهائم يضحى بها في الأعياد والمناسبات، بل أنها دماء زكية وأرواح غالية تستحق أن يبذل من أجل الحفاظ عليها والتصدي لمن أهدرها كل الثروات والأموال وليس فقط مجرد سمعة القادة ومعنوياتهم التي يخشى البعض عليها من أن تخدش أو تعرض للإيذاء.

برقيات:

*تقول بعض التسريبات أن أطرافا أمنية أكدت أن لديها معلومات دقيقة عمن يقف وراء ما جرى في حضرموت من جريمة (هي مجموعة جرائم) لكنها تتحفظ على تلك المعلومات حرصا على التسوية السياسية، ولو صحت تلك التسريبات لعنى ذلك إننا نضحي بالبلد والوطن والمواطن من أجل التسوية وإن هذه التسوية قد تغدو سببا في خراب كل شيء في هذا البلد المغلوب على أمره.

*من بين أطرف ما قرأت هذا الأسبوع قول أحد الصبية التابعين لـ"الزعيم الرمز" بأن استدعائهم للشهادة وأخذ أقوالهم بشأن جريمة ميدان السبعين، يبين بأن القضاء مسيس: هؤلاء أنفسهم كانوا يغضبون من هذه التهمة عندما كان بعض القضاة يصدرون أحكاما جائرة على المعارضين الأبرياء بناء على مكالمة هاتفية من أحدهم.

*الأدهى من هذا أن هؤلاء الذين اعتادوا ألا يسألهم أحد عما يفعلون حتى وهم يمارسون القتل يعتقدون أنهم من الطهارة والاصطفاء بما لا يسمح لقاض أو قانون أو دستور أن يتعرض لأسمائهم، حتى وإن كانت جرائمهم أوضح من الشمس في منتصف النهار.

* قال الشاعر العربي الكبير محمود درويش:

شُدّوا وثاقي وامنعوا عني الدفاتر والسجائرْ

وضعوا الترابَ على فمي

فالشعر دمُّ القلب . . ملح الخبز . . ماءُ العين

يكتب بالأظافر والمحاجر والخناجر

سأقولها في غرفة التوقيف

في الحمام . . في الإسطبل

. . تحت السوط . . تحت القيد

في عنف السلاسل

مليون عصفورٍ على أغصان قلبي

يصنع اللحن المقاتل

 * aidnn55@cmail.com