الإصلاح كقوة تتهاوى ويُراد لها ذلك!
بقلم/ إبراهيم عبدالقادر
نشر منذ: 10 سنوات و 3 أشهر و 25 يوماً
السبت 02 أغسطس-آب 2014 10:43 ص

حينما أنضم حزب الإصلاح للثورة لم ينضم لها بحثًا عن غنيمة، أو متخذًا منها وسيلة للوصول إلى الحكم، أو معتبرًا إياها وسيلة للإستعراض أو التوسع والإنتشار، كلا؛ بل أنضم لها كونها الوسيلة الحضارية لرفض الإستبداد والفساد، وتعبيرًا عن عراقة هذا الحزب وتاريخه النضالي الناصع البياض الرافض لكل أنواع الظلم والجبروت والطغيان خرج للثورة بقوة المبدأ والجمهور، لقد كانت الثورة هي الوسيلة المناسبة لينطلق الحزب ومعه جمهورة ليسطروا أروع وأنبل صور الحضارة في رفضهم للفساد المنظم، والحكم الفردي الغاشم والجاثم على صدور شعبنا منذ 33 عامًا أو تزيد، وحينما أنضم الحزب للثورة ادرك أن ضريبة النضال والكفاح ستكون غالية الثمن، لذا قدم أطهر شبابه وأنقاهم فداء لوطنه ولقضيته، ولم يبالِ بشيء أبدًا، مستمدًا كفاحه من تاريخه العتيد القائم على محاربة الظلم والفساد، القريب من آلام الناس وتطلعاتهم.

مع تسارع مجريات الثورة، ظهرت لمسات شباب الإصلاح للجميع، تماسك، تضحية، حب للكفاح، والنضال، ولا أحد بمقدوره أن يُنكر دور شباب الإصلاح الجلي الذي بدوره جعل الجميع بما فيهم السعودية والدول الأممية ينذهلون، وليس هذا سوى قطرة من بحر إخوان المسلمين في العالم ككل الذي جعلهم يستخدمون هذا الظهور وسيلة لمعرفة الإخوان الذي يُهدد بكل تأكيد ممالكهم ويُصادر ناموسهم الرامي إلى السيطرة على المنطقة وجعلها مجرد تابعة لهم، تنفذ قراراتهم حفاظًا على مصالحهم المرتبطة بالحكام الذين أسقطهم الربيع العربي، وأربكت لهم كل الحسابات!

مع هذا الظهور واجه الإصلاح حربًا شرسة من قبل الجميع، داخليًا وخارجيًا، بداية بالنظام الذي ثاروا ضده وحلفاءه الجدد، ونهاية بالموقف الأممي الذي يسعى بكل قواه للقضاء على الإسلام السياسي بطرفه الحيوي " الإخوان المسلمين "، تعامل الإصلاح مع كل هذه الهجمات بحنكة تليق بحجمة وتاريخه، وبمسئولية مرتبطة بالضمير الشعبي، تنازل عن كل شيء، ولم يكن هدفة سوى بناء دولة مدنية عادلة يتساوى فيها الجميع أمام النظام والقانون، كان الإصلاح يُدرك أنه سيدفع ثمن صدقه الكثير، لذا لم يلتفت لكل هذه الهجمات إلا في إطار أنها دليل على أن الطريق الذي سلكه ويسلكه صائبًا ومن البداهة أن تجد المستنكر والحاقد، وأيضًا ستجد من يثني عليك ويعتقد فيك الجانب المُشرق لوطنك الذي هو حق لكل فرد ينتمي إليه.

التنازلات التي قدمها الإصلاح جوهرية، لكنها تتناقض مع الفراغ الذي تركه للبديل المسلح الذي لا يمثل واجهة سياسية أو مدنية، وهذا ما جعل الجميع يحتج على نعومة الإصلاح تجاه حقوقه التي أغرت الجميع بأن يفرض قوته عليه، وأصبح ظهرًا يتسلق عليه كل الضعفاء وأيضًا من لا يفهمون لغةً سوى لغة البارود والرصاص ، نعومة الإصلاح التي تجاوزت كل الحدود جعلتهم يستقوون عليه، ولإن كانوا يفكرون بخيانته، فبطريقة تعامله الناعمة جعلتهم يُفكرون بقتله، والقضاء عليه، وإظهاره وكانه مجردًا من كل شيء، سهل المنال، فأصبح غاية جميع الضعفاء والإنتهازيين المحلييين والدوليين كيف يمكن التخلص من هذا الحزب، الذي تعامله المسئول جعله أمام الجميع مرمى النيران الصديقة، في الوقت الذي يتعامل الحزب في أغلب الأمور مع كل الأحداث التي تحيق به من منظور دعوي، في غياب تام للتعامل السياسي المنطقي الذي يجب أن يكون.

حاول الجميع ـ دون إستثناء ـ إستفزاز الإصلاح، ليخرج عن طوره، حاولوا أيضًا جره لمعاركهم الذي يخططون لها وفقًا للمخطط الأممي الرامي إلى إدخاله في جحر الإرهاب المصطنع والملفق، شنوا عليه كل الحملات المغرضة وكلها تهدف لكسر شوكته وإضعافه، والحق يُقال أنهم وبفضل إعلامهم المتطور؛ حتى وإن كان سيئًا إلّا أنه صاحب هدف إستطاع أن يوصله للجمهور بشكل مُحترف ورائع، في الوقت الذي تعامل الإصلاح مع الإعلام بلا مسئولية وعلى أنه وسيلة للهدم، أو على أنه وسيلة رجعية، وينبغي الزهد عنه، والإعتماد على الإخلاص، وهو إخلاص مثالي لا علاقة له بالإخلاص الصادق!

ساعد الإصلاح أعداءه المحليين والدوليين أن يمرروا مخططاتهم بغطاءه، ومنحهم ما لا يمنحه غيرهم له، كان الجميع يتحدث عن الحزب القوي، المتجذر في الوطن، وكان الإصلاح الحزب، يرتجف، يرتعش، يخاف من الموقف الأممي الذي كان يكفي لأن يتعامل معهم من منظور سياسي بئيس، ولا أحد من دهاة السياسة تعامل مع أردى الناس إلّا في إطار المصالح وتبادل المنافع، وهو ما لا يفهمه الإصلاح فأصبح مجرد معطف يستخدمه الجميع للحاجة وحين يحققون أغراضهم يرمونه في النفايات، وستجد أحد القيادات بعدها يُطالبك قائلًا:

( إن أريد إلا الإصلاح ما أستطعت )، ( وأصبر وما صبرك إلا بالله )!

أن تكون صادقًا في ميدان السياسة، فوحده الصدق لا يكفي، ولا يعني أن تكون كاذبًا، وأن تكون مخلصًا ففي منطوق السياسة لا يكفي هذا، وأن تتعامل مع الواقع، مع المعطيات، مع الناس، مع العالم، فكل هذه وحدها من تعطيك الوهج المُستحق الذي لا يغري الآخرين أن يبتلعوك بمثاليتك الزائفة!

الإصلاح والتنظيم

مما تتميز به جماعة الإخوان المسلمين الذي يمثلهم في اليمن حزب "الإصلاح" هو تماسكهم التنظيمي الذي فشل في إختراقه كل الأنظمة المتعاقبة على الحكم، وأيضًا الموقف الدولي فشل ولا زال يُكرر فشله المستميت الذي يسعى من خلاله لإنهاء الجماعة والقضاء عليها، ولنا في مصر خير دليل، ذراع بني صهيون "السيسي" أعتقل كل قيادات الصف الأول، والثاني، والثالث، ولا زال وهج الجماعة مستمر، بل زادتهم هذه التعسفات البربرية ثباتًا وتماسكًا أكثر من ذي قبل، ولا زالت بعض أذرعة بني صهيون في المنطقة تسعى بكل غباء لإنهاء الجماعة في ظل إدراكهم بفشل ما يخططون له، لكنه المخطط الذي جعلهم مجرد سماسرة ينفذون ما أمروا به وحسب.

التماسك التنظيمي الذي نشيد به ويشيد به الآخرون، جعل "الإصلاح" تقريبًا يخلط بين ما هو تنظيمي، وبين ما هو حق شخصي للفرد، وأيضًا يخلط بين القرارات التنظيمية وبين نيل المناصب حسب الكفاءة والخبرة والشهادة، الإستبداد التنظيمي الذي يعيشه الإصلاح يتناقض مع أهدافه الرامية إلى بناء دولة مدنية عادلة، ومواطنة متساوية، ويتناقض مع أهدافه أيضًا الإسلامية التي لا تفرق بين كبير وصغير، وقريب وبعيد، إلا بالشهادة والكفاءة!

التنظيم له علاقة بالدعوة أكثر من أي شيء آخر، المواقف السياسية تتطلب الواقعية، وإختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، الزهد الزائف لا يعني سوى الخذلان والهزيمة، وأن تتعامل مع كل طرفٍ أيًا كان وفق معادلة المصلحة والمنفعة هو قمة الرجولة والنجاح، أن تعمل وفق آلية واضحة المعالم في الإعلام لتجعل موقفك كما تريد لا كما يريده لك الآخرون أن تكون هو قطع الطريق على الإنهزاميين الذين يصورونك في إعلامهم على أنك مجرد ساحة للتجربة، ومكان مرتفع يدعس عليه الآخرون للظهور والإنتصار والإنتقام، أو لكي يضعفوك فيسهل عليهم إبتلاعك في أي وقت شاءوا.

لسنا بصدد التصحيح وحسب، بل بصدد ترسيخ عشقنا لهذا الكيان الذي هو بيتنا الأول، وأملنا بعد الله في أن نوجد ما ضاع على شعبنا منذ 50 عامًا أو يزيد، نحن لا نتمرد بل نؤكد إلتفافنا على حزبنا العريق الذي لا مشروع لنا سواه، ولا راية لنا غيره؛ الراية التي في رأس هرمها العلم الجمهوري، والمشروع الوطني المقدس، الذي يعمل الجميع على تفتيته وحزبنا بكل أسف ـ بطريقة أو بأخرى ـ يُساعدهم بذلك؛ ولنا في سيرة رسولنا عبرة وعظة ومشروع، ووحده من عمِل بقضية الشورى، وعاشها واقعًا مع أصحابة، بداية بحفر الخندق، وإنتهاء بالشفافية وحق المعلومة التي كان لا يخفيها عن صحابته ومن يهمهم أمر غزواته والحروب، لم يعطِ لنفسه حق الإنفرادية لإنه القائد وكونه كذلك هو الأدرى والأعلم وغيره أقل منه، حاشاه رسول الله!

الإصلاح وعمران

السؤال الذي يجب أن نجيب عليه لينتهي اللبس هو:

هل شارك الإصلاح إلى جانب الجيش في عمران؟

الجواب: نعم شارك.

شارك الإصلاح في حرب عمران إلى جانب الجيش الذي خذلته الدولة، وباعه هادي ووزير دفاعه بخيانة مدوية معروفة للجميع، وأطرافها معروفين، ووسائلهم في ذلك لا تخفي على أحد؛ وحينما نقول شارك الإصلاح، ليس لأننا نتحدث بإسم الإصلاح، أو نملك حق اليقين في ذلك، وإنما تحليلًا وفق معلومات لدينا أو معرفة حصلنا عليها بطريقة أو بأخرى، وحينما نقول الإصلاح، لا نعني سوى إصلاح عمران الذي تحول أعضاءه إلى مساندين لجيشهم، مدافعين عن بيوتهم وأعراضهم التي أنتهكها الحوثي بإعطاء الضوء الأخضر له من هادي.

خاض الإصلاح المواجهة في عمران حينما رأى الدولة متحولة إلى ذراع مؤامراتي هدفه القضاء عليه، وإفساح المجال للموت القادم من مران أن يلتهمه ويحقق المخطط الأممي لهادي الأجير لدى المخطط نفسه، وحينما ساند أعضاء الإصلاح الجيش لم يكونوا ليسندوه لولا أنهم أحسوا بالخطر على الدولة التي تتلاشى يومًا بعد آخر وتتحول لوسيطة ناعمة جعلتها مجردة من أي هيبة، ومضيعة واجباتها وإلتزاماتها بحجج واهية كاذبة، إتضح فيما بعد أنها تمشي وفق آلية تهدف إلى القضاء على الإصلاح الحزب والجماعة.

لا بد من كلا يُقال في مثل هذه المعطيات، وهو أنه كان يجب على الإصلاح أن يُدرك أنه حزب سياسي مدني له وسائلة الحضارية في التعامل مع مثل هذه الأحداث التي تستهدفه أولًا وتخرجه من عباءة الحزب السياسي إلى ضيق المليشيا والدم، المسئولية التي يتحلى بها الإصلاح كان المطلوب أن تخرج للواقع ويلتمسها الجميع، كيف لحزب سياسي يعلم تمامًا أن الجميع يجره لساحة المعركة للقضاء عليه، ومن ثم تجده بطريقة أو بأخرى يحقق لهم ما يُريدونه ويمنحهم الأحقية في قتلة ومشروعه؟!

نعم في مثل هذه المعطيات لا يسعك إلّا أن تبقى مدافعًا عن عرضك وبيتك، لكن هل من المعقول أن تغيب الحلول والوسائل التي يجب أن تستخدمها مع الدولة والموقف الأممي والمليشيا التي هدفها أولًا أنت؟! وهنا يظهر الضعف أو القوة التي يجب أن نعترف بهما، المثالية الزائدة في المواقف المصيرية لا تزيد الأمور إلّا تعقيدًا وسوءًا.

متى ما أدركنا أننا حزب سياسي إسلامي، مدني، ديقمراطي، لنا وسائلنا الحضارية، حينها سنتوخى الخطر ونتجنبه، وسنزيل عن أنفسنا كل المخاوف، وسنقطع الطريق أمام الجميع داخليًا وخارجيًا، وسنُحافظ على مشروعنا وسنتقدم للأمام بثقة وإطمئنان وصدق.. والله المستعان.