هل ينجح صالح في تجاوز أزمتي المتقاعدين والأراضي؟
بقلم/ نصر طه مصطفى
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 7 أيام
الجمعة 19 أكتوبر-تشرين الأول 2007 08:03 م

 لأول مرة منذ بدء أزمة المتقاعدين العسكريين في المحافظات الجنوبية اليمنية في الربيع الماضي وصل الرئيس علي عبدالله صالح يوم السبت الماضي إلى مدينة عدن عاصمة الجنوب سابقاً والعاصمة الاقتصادية والتجارية لليمن الموحد لحضور الاحتفال الرسمي بالعيد الرابع والأربعين لثورة 14 أكتوبر ،1963 التي انتهت بعد أربع سنوات بتحرير جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني، وكذلك لقضاء موسم الشتاء في هذه المدينة الساحلية كعادته السنوية التي التزم بها منذ نهاية حرب صيف ،1994 بعد أن استتبت له الأوضاع عقب انهيار القوات العسكرية الموالية للحزب الاشتراكي اليمني الذي حكم المحافظات الجنوبية لثلاثة وعشرين عاماً قبل الوحدة وأربع سنوات بعدها. وينظر المواطنون اليمنيون بترقب واهتمام غير مسبوقين خلافاً لكل مرة للنتائج الاستثنائية التي يمكن أن تسفر عنها إقامة الرئيس صالح هذه المرة في عدن، حيث تصحبها في العادة زيارات تفقدية إلى بقية المحافظات الجنوبية التي تمتاز عادة بمناخ معتدل في موسم الشتاء.

من الطبيعي أن يترقب الجميع ماذا ستسفر عنه هذه الإقامة الطويلة المعتادة للرئيس صالح في عدن باعتبارها جاءت بعد أكثر المواسم السياسية سخونة في اليمن منذ الأزمة الشهيرة التي حدثت في صيف عام 1993 وانتهت بالحرب. فالأزمة هذه المرة ارتدت عباءة المتقاعدين العسكريين وقضايا الأراضي في عدن وهي قضايا عادلة بلاشك بدأت الحكومة بمعالجتها شيئاً فشيئاً إلا أن الأوساط السياسية سواء في الحكم أو المعارضة فوجئت بأن تلك القضايا بدأت في أخذ منحى سياسي خطير يمس مباشرة موضوع الوحدة اليمنية التي لا يختلف على مشروعيتها جميع الأحزاب السياسية اليمنية بما في ذلك الحزب الاشتراكي اليمني باعتباره حزباً وحدوي النشأة والثقافة والممارسة، الأمر الذي جعله إلى جانب حلفائه في أحزاب اللقاء المشترك المعارضة يعلن رفضه لأية نغمات انفصالية باسم تسوية أوضاع المتقاعدين العسكريين منذ حرب صيف 94 أو باسم معالجة قضايا الأراضي والمساكن التي تعود جذورها إلى عهود التأميم والنزاعات المسلحة في الجنوب قبل الوحدة.

كانت اللغة الانفصالية التي استخدمتها بعض الشخصيات التي أسهمت في تبني قضية المتقاعدين سبباً في صدمة سياسية لدى مختلف الأوساط، وفيما وجه الرئيس علي عبدالله صالح وزارة الدفاع ببحث قضية المتقاعدين ومعالجتها بصورة قانونية، فإن أحزاب اللقاء المشترك المعارضة قررت ألا تترك الساحة السياسية للتيار الانفصالي، فتبنت العملية وحاولت ركوب الموجة لهدفين أحدهما عاجل وهو أن تتم معالجة قضايا المتقاعدين والأراضي في إطار مشروعية دولة الوحدة القائمة وعدم السماح للتيار الانفصالي بالانفراد بتبني هذه القضايا المهمة، أما الهدف الآجل فهو محاولة كسب الشارع في المحافظات الجنوبية من الآن استعداداً لخوض الانتخابات النيابية التي ستجرى بعد عام ونصف العام فقط في محاولة لتعويض خسارتها في الانتخابات المحلية التي جرت في شهر سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، وهو الأمر الذي يدركه حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، إذ هو الآخر يعتبر أن الشهور الثمانية عشر المقبلة تشكل أمامه تحدياً كبيراً لإثبات مصداقيته في تنفيذ وعوده الانتخابية وبالذات في مسألة تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وجلب الاستثمارات الأجنبية لليمن.

أما ملف الأراضي والمساكن فهو ملف أكثر تعقيداً، إذ إن جذور المشكلة تعود إلى مرحلة التأميم الاشتراكي خلال عقد السبعينات من العام الماضي، حيث كانت الدولة آنذاك تؤمم الأراضي والمساكن ثم تعطيها للموالين لها بعقود انتفاع، وعندما كانت تحصل دورات العنف الدموي في إطار الحزب الاشتراكي الحاكم خلال السبعينات والثمانينات كان الطرف المنتصر في الغالب يستولي على ممتلكات الطرف المهزوم وهكذا حتى ضاع أصحاب الحق الأصلي. ومع قيام الوحدة بين شطري اليمن عام 1990م سعت الحكومة إلى إيجاد معالجات جذرية لهذه المشكلات، لكن الأزمات السياسية المتعاقبة حالت دون ذلك، إلى أن انفجرت حرب 94 فتكررت المشكلة بخلط الحقوق من جديد، الأمر الذي جعل الرئيس يعيد تشكيل اللجنة برئاسة نائبه عبدربه منصور هادي معطياً إياه كافة الصلاحيات لمعالجة الملف وإغلاقه نهائيا بإعادة الحقوق الثابتة لأصحابها. ولاشك في أن تشكيل اللجنة برئاسة نائب الرئيس أعطى تفاؤلاً كبيراً في أوساط المواطنين بإمكانية نجاحها في الحل، ناهيك عن أن وجود الرئيس نفسه في عدن سيسهم بالتأكيد في التسريع بالمعالجات. وإن نجح صالح في إغلاق ملف المتقاعدين والأراضي فإنه سينجح في توفير أجواء استثمارية مثمرة مستقبلاً.

*نقلا عن صحيفة الخليج