حراك الجنوب: طهارة السلاح أو السقوط الأخلاقي 2-2
بقلم/ عبدالله عبدالكريم فارس
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر و 3 أيام
الثلاثاء 28 يوليو-تموز 2009 06:21 م

مأرب برس – بكين – خاص

كما أن العمل النضالي ليس إنتقام ولا هدف في حد ذاته ولايمكن إتخاذه طريقة أو أسلوب حياة، وإنما وسيلة يتناسل من صلبها حبكة خاتمة سياسية. وكما أسلفت فإن شرعية أي حراك تبدأ من نظافة الأساليب وطهارة السلاح، وذلك هو الخط الفاصل بين المناضل والمجرم.

لذا فإن خطاب الحراك أو الحركة يجب أن تكون مبني على أساس وطني أخلاقي بوقائع ناصعة البياض يمتد جذور ذلك الخطاب إلى السياق الإجتماعي والإقتصادي والسياسي، الأمر الذي يرتقي بها إلى مستوى مرجعي ويصل بمكانتها الرمزية والمعنوية بما يؤهلها لأن تدرج بفخر ضمن كتب التاريخ ومناهج الدراسة للأجيال اللاحقة. - مالم فإنها سوف تكرس في الوعي على أنها حركة مجاميع إجرامية لايجوز المراهنة على جوادها، أو قد تصنف على أنها حركة نصف دموية يطغى على النصف الأبيض الذي تدعي بأنه سلمي لون الأكفان القطنية لضحاياها.

ولتقريب الفكرة علينا أن نمر بشكل عابر على مقارنة بين الطبيب الجراح والسفاح بالمعنى المُسطّح، فلكل منهم وظيفة تقطيع الأوصال وإسالة الدماء، ولا يفصل بين الوظيفتين التي يؤديانها سوى نوعية الأهداف وقيمها الأخلاقية، وهنا يظهر لنا الفرق بين صفة المقاتل ووصمة القاتل... فالمناضل يسعى لتحقيق العدل وليس الإنتقام، مالم "فمن يعش بالسيف يموت به" كما خلدها السيد المسيح، لما للنضال الفاقد للمعايير الأخلاقية من مفعول تدميري يدفع بالمجتمع نحو تروس آلة موت هائلة وتؤول به إلى نتائج مأسوية، والتاريخ القريب والغابر متخم بعبر الكثير من أولئك الذين لطخوا اساليب نضالهم، وغالباً ما ينالهم جزآء سوء أعمالهم بتجرعهم نفس الكأس الذي اسقوه للغير.

وحتى تتحول شخصية المقاتل التي يُجرّمها القانون إلى بطل، ولكي يظل "بطلاً" نتعاطف ونتوحد معه ونشاركه شوقه العارم للنصر، لابد أن يجود بقدر سخي من النبل على نحو يضفي عليه صفة الفروسية التي تخلق نوعاً من الجاذبية والسحر، وذلك عبر تسطير مواقف أخلاقية فيها الكثير من الإيثار والشهامة، وإلاّ فإن صورة بطولة المقاتل الرمزية لا تكتمل.

- إذاً فالثائر المجاهد هو في الأخير "بطل شعبي" بالمعنى الدارج، وهو يستمد جاذبيته في جانب منها من أنه يحقق لنا حلماً أخلاقياً... وفي حالتنا الراهنة، ليس هناك من حلم أو مستوى أخلاقي أنبل من تبني وحدة الأرض وخير إنسانها والدفاع عنهما، حيث لا يُجمِع الناس على شيء مشترك كما يُجمِعون على الوحدة وجلال تلك الهالة التي تحيط بها وبقدسية الدفاع عنها والموت دونها.

وعلى قدر ما سمعت عن غرائب وعجائب، لم يثر دهشتي شئ مثل نصيحة صديق عزيز من أبناء عدن، ففي مطلع العام حظيت اليمن بشرف زيارة د. مهاتير محمد رئيس وزرآء ماليزيا الأسبق وباني إنطلاقتها العملاقة، وكان لي وبعض الأصدقاء شرف حضور محاضرة ألقاها في جامعة عدن، وفور هبوط طائرة الرحلة الصباحية في مطار عدن وإلى أحضانها الدافئه قادماً من عز برد صنعاء القارس، أحسست بزوال ذلك التوتر العصبي الذي لم يبارحنى أثناء مكوثي بصنعاء، وفي ليلة اليوم الأول خطرت لي فكرة الإستفسار عن شرآء منزل في عدن لعدة أسباب لا مجال هنا لسردها، وقد يكون اهمها انني - وعلى سبيل النكتة - اعتبر أن صنعاء ليست مدينة بداخلها معسكرات، بل أتخيلها ثكنة عسكرية بداخلها مدينة، وثمة مدنيين فيها سخروا لخدمة العسكر والقيام على راحتهم.

إلاّ أن تفكيري بشراء منزل في عدن تبدد بناءًا على نصيحة صديقي في عدم الشراء حالياً بسبب الوضع الأمني والسياسي الذي لايطمئن. - إنه يخشى أن تتحول أمنيتي إلى كمين قاتل، معللاً بأن ثمة عناصر جنوبية هو على إطلاع بأهدافها، تدعو إلى "تطفيش الدحابشة" ممن يقيمون على أرض الجنوب بكل الوسائل، حتى بواسطة العنف.

... فعلاً، إن بعض الأشخاص والحركات يتمكنون من أن يصبحوا رموزاً لمجتمعاتهم وحضاراتهم، يمثلون قيمها ومبادئها، وتكون قصة حياتهم بطريقة ما اختصاراً وتركيزاً مكثفاً لها... لكن في المقابل وعلى الجانب الآخر، يكون هناك أيضاً شواذ في مجتمعاتهم يكونون رمزاً لسلبياتها، لكل نقاط ضعفها وسقوطها ولكل أسباب تحلل قيمها الأخلاقية.

- وهنا كعبرة، ها نحن معشر البشر من أكلة اللحوم، منذ بداية الخليقة وحتى اليوم، لازلنا نمعن ذبحاً وسلخاً في الأغنام والمواشي والطيور كل يوم وكل ساعة بل وكل دقيقة وثانية ومع هذا لم تفنى أو تنقرض بعد؟... ولن تختفي إلاّ إذا شاء الله. - وفي هذا الإطار، احب ان اُذكّر اُولي الألباب بأن قوة السلاح ليست سوى ذراع سياسية في الأصل، وليست بديلاً عن قوة الحق، واحب أن يستيقظ بعض قصيري النظر - من الطرفين - ممن يعتقدون بأن إهانة أو سحل فرد أو مجموعة قادر على أن يقضي على جذورهم... أو قضيتهم... أو حقوقهم بأنه واهم ومخطئ،... فلا أفران التطهير العرقي الآري للرايخ الثالث استطاعت القضاء على شرذمة من يهود وغجر أوروبا، ولا الصهاينة يساندهم الغرب بكل جبروته ستين عاماً استطاعوا محو فصيل واحد من فصائل المقاومة.

ولأن التقدم يحب التراكم، وبدون هذا الفهم تصعب عملية التفرقة بين المراجعة والتراجع، لذا فإن التراجع والانقلاب على إيجابيات حاضرة أو سابقة هي ضد طبيعة الأشياء وتدل عن ثقافة إلغاء ضحلة وروح مثقلة بالهزيمة... نحن نحب دائماً أن نبدأ من الصفر ولا نبني على ماسبق من جهد وتضحيات... يجب أن لايختلط علينا الأمر بسبب إسقاط الفروق بين معاني الهدم ومضامين البناء، فمثلاً مكانة عدن الأسطورية دمرت تماماً بعد رحيل المستعمر عنها، وهو الشيء الذي لم يكن يتصوره أكثر الناس تشاؤماً، ليحل القحط والجفاف محل ذلك الثراء التجاري والثقافي والفكري والعلمي الذي عرف عنها ذات يوم... واليوم هناك من يتخيل أن الهدم مقدماً على البناء ويتصور بأن الإساءة إلى الوحدة ترفع من قدره.

- حقاً، مازالت عقولنا تستعمل أساليب الدمار القديمة ذاتها، وهي مستمرة في إستخدام مخزونها الإستراتيجي من أسلحة الهدم الشامل بصورة فعـّالة!... ككل الأشياء، يخدعنا ضخامة الأنقاض لمشهد الهدم فنعتبره إنجازاً... نحن ليس كمن يجرب ويتعلم من أخطائه، لتفادي تكرار الأخطاء وبالتالي ننتج تجربة هي بنت عصرها وزمانها ومجتمعها... للأسف نأتي وننبذه أجمل مالدينا، ندمره ثم نبكي عليه... وذلك التراجع مثل حي يجسد قابليتنا لتدمير الذات واستمرآء عبوديتنا، ويبدو أن تلك العقد ليست حكراً على الحاكم والسلطة!

يجب علينا الصراع بشرف، بغض النظر عن خلافاتنا واحتراباتنا الداخلية... ومحظور علينا البتة ان ننسى ولو للحظة واحدة رمزية الوحدة التي أسبغت على هذا الوطن وإنسانه كرامة وفخراً لاتعادلهما كنوز الدنيا... فبها تبخترنا نحن اليمنيين على أقراننا من العرب والمسلمين... وبها سرنا في مناكب الأرض والشعوب ترمقنا بنظرات الذهول والإعجاب... وبها أثبتنا أن هذه الأمة - أمة العرب - الذي تكالبت عليها أمم الكون لازالت تنبض بالحياة... بل كانت هي الجواب المختصر لسؤال التحدّي والمصير الذي تطرحه الأجيال على أمّة بأسرها.... وبدونها لا قلب لهذا الوطن... وبعدها أجسادنا عليله وخلايانا متهالكة ومريضة.

... أعترف ولا أخفي خفق الصدر المشوب بنشوة مضطربة لأني لازلت أعيش لحظتي هذه وأكتب هذا ونعمة الوحدة لاتزال في مرمى النظر مسبغة علينا، وهي لاتزال تنبض بالحياة هنا بيننا، وبكيانها المغروس في القلب وفي دورة الدم.

حيث ليس من كابوس يسكنني أفزع من تبخر مزاج الحياة عندما نفيق ذات يوم في التفافة دائرية مُدوّخة على خبر فاجعة ذلك الحلم النبيل... يوم ندفن فيه كل قيم الخير والجمال والحب والعطاء والعدل... يوم تصبح الوحدة في مكان قصي من ذاكرة باكية وشاحبة وبعيدة... وفي أشّد لحظات حزننا ونحن نبكي ونستدعي تلك البراءة التي جمعتنا... حين نسترجعها بحنين رخو إلى مامضى وكبرياء لن يعود، كحكاية من ماضي محلوم به ومستحيل ونحن ندندن بوجع غائر يازمان الوصل بالأندلس!

ومن منطلق أن العناصر الإنفصالية لا يزالون بعيدين جداً عن القراءة الرزينة والموضوعية والدقيقة والعميقة للشعب اليمني مجتمعاً ونخباً ومعارضة، الخشية الكبيرة هي من تلك الانقسامات التي تزرعها فتنة الحراك الإنفصالي والسلطة، والتي تؤخر إستحقاق الشعب اليمني شماله وجنوبه في التقدم وحياة كريمة يسودها دولة نظام وعدل وقانون.

فالإنفصال ليس مسألة "هذه بضاعتنا ردت إلينا" ، كما ترسمه مخيلات البعض، بل في الواقع حرب داحس والغبراء... الإنفصال غير قابل للوجود أو البقاء... حتى لو أعلنت صنعاء اليوم، بل هذه الساعة رغبتها في مايسميه الواهمين "فك الإرتباط"،... الإنفصال يعني أن المحافظات الجنوبية سوف تحتاج فوراً إلى قوات إحتلال أجنبية جرارة تداهم كل فواصل الجنوب وتنتشر في كافة أرجاءه حتى يتمكن الإنفصاليون تحت فوهات بنادق الجيش المحتل من ترتيب الأمن الداخلي وبناء جيش وتدريبه وتسليحه وبناء إقتصاد خلال عقد من الزمن على الأقل، وسوف يحتاج الوضع الإقتصادي في الجنوب المنفصل إلى ضخ هائل لايقدر عليه إلاّ إقتصاد دولة عظمى حتى تستتب الأمور.

مالم تتعهد بناء دولة الإنفصال دولة ذات فيالق وأساطيل عابرة للبحار - وذلك مستبعد تماماً -، دولة اُخرى مستعدة لأن تتحمل كل تبعات غوصها في مستنقعات اليمن المشطر وعلى إستعداد للتضحية بحياة ودماء جنودها على تربة اليمن، فلا يمكن ان تقوم لدولة الإنفصال في الجنوب قائمة، وأي فك إرتباط غير ذلك سوف يحقق ببساطة رؤية الرئيس "بالحرب من باب إلى طاقة"، حيث سيبدأ تناحر فصائل ولوردات الحروب من صبيحة اليوم التالي لفك الإرتباط... وسوف يتشظى الجنوب الى بضع عشر معازل قبلية تفصلها "براميل" عن بعضها البعض، وسوف تتحرك شهية الجيران لقضم أحزمة أمنية عميقة جداً قد تصل إلى قلب أراضي الجنوب أو سواحله البحرية، وذلك على أقل تقدير إذا لم تتحول إلى حرب أهليّة ضروس لاتبقي ولاتذر.

ولن يفقد نظام صنعاء الحيلة، الذي ستظل بداخله وداخل ثمانية عشر مليون من أبناء الشمال مخزوناً لا بأس به من مشاعر النقمة، - حيث سيعمل على تأجيج مشاعر أبناء الشمال وتغذية نزعات الإقتتال والإحتفاظ بالمناطق الدسمة تحت مسميات حقوقية عدة، وسيعمد إلى إقامة دويلات موالية له على طول الخط الحدودي الموازي لمحافظاته، إلى آخر السيناريوهات.

- بالتأكيد، لن يكون هناك إنفصال، ولن يكون الإنفصال نزهة للذين يفركون أياديهم بخبث إستعداداً لتقاسم غنائم التشطير، حيث سيصطدم الإنفصاليون بحمم ألف حراك مضاد، وقبل أن يرتد إليهم الطرف ستفاجئهم الخطوب وتزلزلهم النوازل في كثير من الساحات من حيث لا يشعرون ومن حيث لا يحتسبون.

لذا فإن الإسترسال في اللغو الإنفصالي والسقوط الأخلاقي لبعض عناصر الحراك يشبه تواطئ الضحية مع الجلاّد، ويمد الحاكم بأحد أهم أسباب البقاء السرمدي للإنتقال من القصر إلى القبر، وبذلك أيضاً سنجده مخلصاً لأن يؤمّن لما بعد مرحلته خليفة له من صلبه يحافظ على قبره من النبش... ونستطيع أن نرى ذلك جلياً عبر أجهزة إعلام النظام التي كلما أستنفذت مفردات خطابها، تلجأ إلى المزايدة بإسم الوحدة عبر حشو فني فاقع ومفرط من الرقص والبرع المصحوبة بتهاليل التأليه والإبتهال والتسبيح بحمد حامي حمى وحدة الدولة الصالحية.

إن كل نظام فردي لديه قابلية للموت "بالسكتة الحضارية"، إذا ما ظهر له الند القوي، ذلك الند الذي يستطيع أن يلمس أفئدة وتطلعات الملايين ويحشد إعصار حلزوني هائج من الجماهير، وها نحن نرى بوادر تلك السكتة اليوم، - وكالعادة فإن لجوء الحاكم العسكري إلى الثكنة والتمترس خلف عجلات آلياته، علامة قوية وقاطعة على إفلاسه وفقدان ثقته بنفسه، وخلو جعبته من الخيارات واحتراق آخر كروت لعبته، مما يدفعه بفجاجة إلى التلويح بعضلاته العسكرية التي مرغ حراك صعدة انفها بالتراب وهو ينظر بعينين مذعورتين الى ما حوله في حالة من الخوف والرعب والإرتباك، وهذه المرة أكثر من أي وقت مضى رغم تواضع التذمر.

فعلاً، نحن اليوم بأشد الحاجة الماسة إلى شخصية تاريخية قادرة على تجديد الحلم وحسن الخطاب، يجيد فن التقاط نبض الشارع ويحميه من التجريد... بحاجة أن يلد فينا "مانديللا اليمن"، "اُوباما" أو "با-اُوباما" اليمني - في نقاء سيرته وإستقامه نهجه وبراعة خطابه وخصب خياله وقدرته المتميزة على الوصف والتصوير والحلم والإبداع - المؤمن براية يمن واحد خالية من نجوم التشطير، عندها ستعود الوحدة الى أصلها سنة تسعين وتسعمائة والف ميلادية، وتعود إليه تلك الروح التي نُزّلت عام الوحدة في عشية الثاني والعشرين من مايو، والتي تنازل أبناء الجنوب من أجلها عن كل مايملكون، وضحى أبناء الشمال من أجلها بكل غالي ونفيس، وسكبت من أجلها وقرباناً لقيامها وبقائها دماء زكرية وطاهرة.

حاجتنا كبيرة لشخصية على قدر كبير من التجرد والإيثار... قادرة على استرداد قوة ردع الجماهير... تتمكن من تقزيم رأس النظام القائم بالحرص على الوحدة كأحد الثوابت الغير قابلة للجدل وسحب بساط تشدقه على أنه قائد ضرورة بفرضية الحفاظ على الثورة والوحدة، - حيث نكرر أن دعوات الإنفصال يمدانه بواحدة من أهم أسباب بقائه -، فحراك جماهيري عريض يمثل كل مناطق اليمن سيكون في موقع أقوى لمساومة رأس النظام على منحه عفو مشروط مقابل رفع اصبعه من على الزناد واطلاق سراح البلد/الرهينة ومغادرة القصر بكرامه.

فحتى لا يتحول إلى ما يشبه العصبي المذعور من العدالة والمستعد لإرتكاب حماقات فادحة بسبب إدراكه ما جرى ويجري من جرائم النهب والمال العام وسفك الدماء الغير مبرر، من الضروري نزع ذلك الفتيل الذي يجعله وأركان نظامه يرتعدون خشية الوقوع بسببها في قبضة العدالة والإنتقال إلى قفص الإتهام إن هو ترك كرسي الرئاسة، والذي بدوره يفقده مقود العسكر أيضا.

يخطئ الحراك الذي لايعرف الطريق المؤدية لنيل الحقوق المقرونة بتفويض من الجماهير عبر الخطاب الحقوقي والأخلاقي، ويخطئ الحاكم في أن القوة والحصانة الإجرائية هما سبيله للبقاء الأبدي، فقد يكون أبناء الشعب من الأمن والجيش البواسل قادرين على خوض معارك متكافئة والإنتصار فيها، - لكن قواعد الإشتباك تتغير هنا جذرياً -، فهم غير قادرين على مواجهة جموع الجماهير الساخطة من أهاليهم ولا الدخول في حرب عصابات.... حتى وإن استطاع النظام أن يقفل بضعة شوراع في ساحات مدن محدودة، وإغلاق منافذ عدد من المدن الحيوية وإيقاف الحركة فيها، لكنه لايستطيع في ظل رفض وعناد وحنق شعبي عارم نفخ الحياة فيها مجدداً، إذا استطاع المجتمع افراز شخصيات روحية وقيادية تطور الخطاب الصحيح، وتجيش الأمة من أجل التغيير ورفض الفساد والتسلط الفردي والأسري، وذلك مايجعل النظام ينهار كبيت من ورق الكوتشينة.

- لكل ذلك، نحن اليوم بأشد الحاجة لتلك الشخصية التاريخية... شخصية قيادية ذات كاريزمية ملهمة قادرة أن تجمع الناس من حولها، ولحراك يدعمه بلا تمايز أو حسد أو شعور بالنقص، حراك يموج من أقصى طرف الوطن إلى أقصى طرفه الآخر.

إلى أن تظهر تلك الشخصية والتي احسبها موجودة وحية في ثنايا هذا الوطن... بالتأكيد، لسنا بحاجة إلى مزيد من الأحزاب المطموسة، ولا إلى حراك إلغآء ناقص النصاب، ولا إلى معارضة إنفصالية منحرفة عن جادة الصواب، يطيلون من عمر النظام القائم ويزينوا عيوبه ويساعدونه على المزايدة بإعتباره المخلّص والمنقذ.

- وقطعاً، لايحتاج هذا الوطن المنكوب إلى عصابات منكر لقيطة لا يُعرف لها أهل، عصابات إجرامية نكرة تلطخ صفحات تاريخ شعب اليمن المضياف، المتسامح والعريق بأكداس متراصّة من جثث الأبرياء.

abdulla@faris.com

ملاحظة أخيرة: دعوة للإستماع إلى القدير أبو جواس مع "يمن جديد" شعراً وأغنية، بالتنزيل من الرابط التالي:

http://www.ola.tm/downloads/yemen-gadeed.mp3