ثلاثة انقلابات تضرب صنعاء
بقلم/ مجلي احمد الجرباني
نشر منذ: 10 سنوات و شهرين و 20 يوماً
الثلاثاء 09 سبتمبر-أيلول 2014 11:27 ص

لم تمر على صنعاء أوقات عصيبة كهذه الأيام, الحشد القبلي والمذهبي والحزبي يسير بوتيرة متصاعدة, جميع الأصابع على الزناد تنتظر ساعة الصفر, الثأر القديم, النرجسية الحزبية, تطويق العاصمة, الابتزاز السياسي, الصلف الطائفي, غطرسة السلاح, ثقافة التمترس, المصلحة تبرر الوسيلة, تنفيذ مخططات خارجية, المؤامرات المعلبة, طبخات الزيف الإعلامية, كلها علامات كبرى تسبق القيامة في صنعاء, وحتى لحظة كتابة هذا المقال لا أنباء عن نزول المسيح بمبادرة ولا المهدي الذي تنتظره كل الطوائف قد أعلن عن انضمامه إلى فئة ضد فئة أخرى, قد تكون قيامة مفبركة لكنها مرعبة, صناعها يشبهون سلالة يأجوج ومأجوج. لقد دخل الناس مرحلة الإنعاش بجرعة أنعشت الاقتصاد من بطونهم, على إثرها نرى أقوامــًا لبسوا قميص عثمان, متطفلون يصطادون في الماء العكر, غنم تحوم حول الحمى, تماسيح تذرف الدموع وهي تلتهم الفريسة, نعامات دفنت رؤوسها تحت التراب, الناس ينتظرون أن تـتـنزل عليهم رحمات من جي سي سي, أو من يو إس إيه, أو من يو إن, أو من إي يو بينما الحل لن يكون إلا فليكسيـــًا أي يمنيـــًا. ما يحدث اليوم له علاقة بثلاثة انقلابات هي كما يلي:

الانقلاب الأول, جاء من الرئيس الذي سمح لصنعاء بالسقوط ليس فقط بدخول أنصار الله إلى شوارع العاصمة عقب إعلان رفع الدعم عن المشتقات النفطية وإنما منذ فوضت دماج السلفية نفسها لحكم الرئيس فبادر بترحيل أهالي دماج, عندما احتمت به قبيلة حاشد فتركها لمصيرها, عندما استغاثت به عمران وأهلها وجيشها فخذلهم حتى النهاية. ألا ينبئ ذلك عن مؤامرة وراء الأكمة لإزاحة قوى الثورة وتأديبها؟ إذا كان الرئيس هادي بهذه القوة والقدرة على تقديم مبادرات وطنية لماذا لم يفعل نفس الأمر مع دماج وحاشد وعمران والجوف ؟ لقد أستطاع الرئيس بقدرة قادر أن يتخذ قرارًا قويـــًا وهو إقالة الحكومة بكل ما فيها من قوى الثورة والمشترك والمؤتمر, لقد خالف نصوص المبادرة الخليجية المقدسة, والسؤال هنا لماذا يا سيادة الرئيس لم تقدم مبادرة وطنية, وتظهر قوتك الكامنة, وتحقن الدماء التي سالت في دماج وحاشد وعمران والآن تغرق صحاري الجوف؟ لماذا يا صاحب الفخامة لم تنقذ أرواح الجنود الأربعمائة من المحرقة في عمران, وهم جندك كانوا يقاتلون إلى صفك كونك القائد الأعلى للقوات المسلحة ولم يكونوا يومـــًا ميليشيات قشيبية؟ وإذا كانت المشكلة تكمن في حميد القشيبي فلماذا لم تتخذ قرارًا بإقالته كما فعلت بالحكومة وفيها سبعة وثلاثون رأســـًا لا ينقصون في الأهمية والجاه عن حميد القشيبي؟ ربما يلاحظ الجميع بأن الرئيس هادي لا يجيد الرقص على رؤوس الثعابين لكنه يجيد موهبة نادرة في إخراج الأفاعي من أوكارها, ومن ثم اتقاء لدغاتها بالاحتماء خلف الشعب..!! سيادة الرئيس أن يكون الجيش محايدًا فهذا أمر في غاية المثالية والوطنية لكن ليس معنى الحياد أن يتفرج الجيش على الشعب يقتل بعضه بعضــًا, يحرق نفسه بنفسه, يعتدي طرف على طرف, ثم لا يهرول الجيش لحقن الدماء, ومنع العنف, وإيقاف الحرب لأن هذا بكل بساطة هو دور الجيوش في كل دول العالم, ألا توافقني الرأي سيدي الرئيس؟ كيف تقدم مبادرة وطنية ثم تحاول قضم رأسها وأطرافها؟ ألا يعد هذا استغلالًا للأزمة وابتزازًا لحلفائك في السلطة؟

الانقلاب الثاني, جاء من جماعة الحوثي نفسها التي قضت عشرة أشهر تلعق العسل في صالات موفمبيك وتحصد دولارات مؤتمر الحوار الوطني, ثم تتجرأ اليوم وتنادي بتطبيق مخرجات الحوار وهي بتصعيدها وسلاحها أول المنتهكين لمخرجاته عندما ترفع شعار السلمية في شوارع صنعاء مع أنها هي ذاتها من تحارب الناس في الجوف كما فعلت سابقــًا في عمران. هذه الجماعة باعت نفسها للخارج, واستحدثت أجندة جديدة بقوة السلاح, واستغلت احتقان الشارع ووضع الحكومة الاقتصادي لتقفز قفزات براغماتية بل أثبتت هذه الحركة أنها لا تؤمن إلا بفوهات البنادق لأنها على عجلة من أمرها وتستبعد الحوار والسبل الدبلوماسية وأدوات السياسة لأنها تأخذ وقتـــًا طويلاً, إن الجماعة تدرك بأن هذه هي الفرصة السانحة لخوض الجولة الأخيرة لتصفي حسابات قديمة بعيدة كل البعد عن هموم الشعب ممن أنخدع بمطالبها, أنها حركة لا تهتم بتاتــًا بانهيار الدولة شأنها في ذلك شأن بقية المليشيات المسلحة التي لا تنمو ولا تعيش إلا في غياب النظام والقانون.

الانقلاب الثالث, جاء من حزب عريق كان يومـــًا مظلة لكل الأطراف السياسية المتصارعة اليوم. حزب المؤتمر الشعبي العام ينظر بنرجسية إلى الأحداث الراهنة وكأنه ما مرت عليه ثلاثون عامـــًا وهو يحلب البقرة بمفرده. من المخجل أن ترى في المؤتمر الكوادر القوية المؤثرة المؤهلة التي حازت على ثـقـتـنا واحترامنا طيلة السنين الماضية ثم تكتفي تلك الهامات بدور النعامة عندما تحس الخطر فتدس رأسها في نفق شارع الجزائر غير مكترثة بالخطر حال انفرط العقد أو انهارت الدولة, واهمة تلك القيادات إن ظنت أن نفق الجزائر سيتسع للجميع. هذا الحزب العريق يشارك بنصف الحكومة ثم ينقلب الآن ضد نفسه, وكأن الناس لا يعلمون أن الحكومة إذا كانت فاسدة وفاشلة فمعنى ذلك أن المؤتمر الشعبي العام كان سببـــًا في نصف الفساد ونصف الفشل. سيذهب الحجاج لأداء مناسك الحج والعمرة ويعودون إلى ديارهم والمؤتمر لم يعـد بعد من صدمة النفق..!!

الابتزاز السياسي مرفوض, والكيد الحزبي مردود, والرضوخ للأمر الواقع بقوة السلاح ممنوع, الحل لن يكون خليجيــــًا لأن هناك معادلات سياسية متغيرة في المنطقة تجعل اليمن ليس من أولويات دول الخليج, الدول العظمى لن تغامر بخوض حرب من أجل سلامتنا, الحل لن يكون إلا يمنيـــًا يمنيـــًا, لا يكفي الاصطفاف الوطني إذا لم تكن هناك نية خالصة للخروج من هذا المأزق مع أن الوقت ليس في صالح الجميع, وتذكروا كلمة العميد محسن خصروف حين قال:" إذا اشتعلت الحرب فإن المنتصر لن يجد ما يحكم.."

مجلي أحمد الجرباني