الاختلاف بين النقد والتسفيه
بقلم/ مصطفى أحمد النعمان
نشر منذ: 7 سنوات و 7 أشهر و 15 يوماً
السبت 15 إبريل-نيسان 2017 02:25 متمتلئ صفحات التواصل الاجتماعي في العالم العربي بالغث والسمين، والأمر طبيعي باختلاف مستويات التعليم ومدى صلابته، والأهم من هذا البيئة التي تحيط بأصحاب المنشورات ومتابعيهم، ولعل جولة في الصفحات التي تنتشر كما النار في الهشيم تؤكد أن أكثرها حضورا ومتابعة هي التي يصرخ فيها الكاتب بما يروق للمتابعين الممتلئين بالغضب من الأوضاع التي تحيط بهم حتى وإن كان المنشور لا يعبر عن الحقيقة، ومن اليقين أن منسوب الوعي - وليس التعليم - له التأثير الأهم في تحديد القناعات التي تستثمرها الجماعات المؤدلجة وبعض الأسماء التي تحمل بريقا لدى الفئات الأقل تدقيقا في المعلومة ومصدرها، فتبث من خلالهم أخبارا وتعليقات وتحليلات لا تكون بالضرورة صحيحة، ولكنها تتحول إلى مسلمات عند القارئ البسيط الذي لا يجهد نفسه في التمحيص والتأكد، خاصة إذا جاء المنشور متوافقا مع مستواه الثقافي ورؤيته البسيطة للأحداث.
اقرأ الأمر من زاوية واحدة وهي المدى الذي وصل إليه من يفترض فيهم التروي قبل إطلاق الأحكام، إذ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي العربية مساحة مشوهة تعبر عن واقع محزن من الهبوط، وتسفيه الاختلاف ومقاومة النقد، وليس بالإمكان فرض رقابة على الانتشار ولا تحجيمه ولكن يظل الحل ممكنا في إتاحة المجال للحوار الجاد في وسائل الانتشار التي تستطيع الحكومات فتحها على مصراعيها للجدل الإيجابي والمزيد من الارتقاء في مستويات التعليم الذي لا يعتمد على التلقين وإنما التحفيز على التفكير الحر وتفهم أهمية الاختلاف وضرورته لإثراء الحوارات واعتبارها سياقا طبيعيا داخل أي كيان بشري وهذا سيسهم في تقليص مساحات الاحتقان في المجتمعات التي لا يتمكن الناس فيها من الوصول إلى المسؤولين فيها.
تشير متابعة الجدل والنقاش على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي إلى صعوبة التوصل إلى فهم دقيق لما يدور في أعماق المكونات الاجتماعية؛ لأن الأحزاب التي تستخدم الدين غطاء لتحركاتها السياسية سيطرت على الساحة الإلكترونية ووظفت لها مناصريها من الشباب لنشر الأكاذيب والشائعات التي تروج لها ضد خصومها، وقد ساعدها على هذا كسل المكونات الأخرى وتهاونها، والأمر قد يبدو طبيعيا في مجتمعات يستطيع المتابعون فيها تقدير مصداقية ما يدور في هذه المواقع، ولكن التبعات تصبح شديدة السلبية عندما يكون الوعي متدنيا، ومع صعوبة التحقق من المعلومة وجدية مصدرها يصبح الفضاء الافتراضي أشد خطورة على الأمن الاجتماعي فكريا فينعكس أثرها على كافة مناحي الحياة، ومن المثير للدهشة أن أكثر الصفحات متابعة في العالم العربي هي تلك التي تحرض على العنف والكراهية والدعوة لنبذ الآخر وتسفيه آرائه وصولا إلى تخوينه وإنكار حقوقه في التعبير عن رأي مخالف.
لعل الفارق الجوهري بين التعليم والوعي شاسع ويؤدي اختلاط المفهومين إلى ارتباك شديد عند العامة، فالتعليم ليس سوى عملية تمهيدية تعين متلقيها على الحصول على قدرة الانفتاح والاطلاع والتمييز، ولكن يختلط الأمر فيتصور حملة الشهادة الجامعية خطأً أن وعيهم صار مكتملا وأن أفكارهم قد نضجت فيتسبب هذا في خلق مناخ من الغوغائية يصعب التحكم في مخرجاتها.
إن الخلاف والاختلاف حتى وإن وصلا حد التناقض لا يمكن قمعهما بالترهيب، ومن الحيوي التعامل معهما واستغلالهما للارتقاء بمستويات النقاش في المجتمع، وجعله مدخلا لعلاج المشكلات المزمنة، وما أكثرها، وهذه مسؤولية الحكومات الواعية المدركة لمخاطر إطلاق العنان لهذه الأجواء دون تحكم – ولا أقصد السيطرة – في مسارات التعليم وجعله الأولوية في خططها مبتعدة عن الكم والتركيز على نوعية المنتج الفكري الذي ستفرزه.