اللواء سلطان العرادة يختتم المرحلة 2 من مشروع إنارة شوارع مدينة مأرب .. شاهد بالصور بشرى سارة بشأن تشغيل خدمة 4G في عدن دولة عربية تعلن أنها أكثر البلدان تضررا من هجمات الحوثيين مجموعة الدول السبع تعلن موقفا موحدا بخصوص اعتداءات الحوثيين الإدارة الأمريكية تبحث مع قادة ست دول عربية خطط ردع الحوثيين مصادر سعودية تكشف عن جهود إقليمية ودولية لتحريك عملية السلام الشامل في اليمن برعاية أممية الحوثيون يعممون على التجار مرسوما جديدا لجباية الأموال بإسم دعم المعلم والتعليم في صنعاء. زراعة الحياة والأمل .. مشاريع إنسانية لمؤسسة توكل كرمان تزاحم الانجازات الحكومية والمنظمات الدولية .. ومن أحياها قصة الإنسان والحياة محمد بن سلمان يتوقع أن تسجل المملكة ثاني أسرع معدل نمو في الناتج المحلي مقتل بائع متجول من أبناء محافظة إب على يد موظفين حوثيين في الضالع
هناك الكثير ممن يتخوفون من سقوط النظام في اليمن. وليس كل المتخوفين من سقوط النظام هم من شريحة المنتفعين من النظام بالطبع. هناك من يخاف الفوضى، ومن يخشى الفراغ والانقسامات، هناك من الليبراليين من يخشى سيطرة الإسلاميين على البلاد، وهناك من يلوح بـ«القاعدة» وخطرها، وهناك من يقول: الحوثيون يهيئون لدولة ثيوقراطية على الطريقة الإيرانية. وفوق ذلك، هناك من يطرح عدم وضوح الرؤية لدى شباب الثورة، وعدم اتضاح ملامح المرحلة القادمة، رغم التأكيدات على أن الدولة المدنية الديمقراطية هي الإطار العام لشكل الدولة اليمنية بعد الثورة، حسب زعماء الاحتجاجات والمعارضة السياسية على حد سواء.
هناك من يقول إن المعارضة اليمنية ليست أقل سوءا من النظام ذاته على اعتبار أن كل نظام يفرز دائما معارضة شبيهة به، وهناك من يقول إن أولاد الشيخ الأحمر يريدون الانقضاض على السلطة، وبالتالي فنحن إنما نستبدل أحمر بأحمر، وبالتالي فإنه حسب المثل اليمني (جني تعرفه خير من إنسي ما تعرفه)، كل هذه المخاوف والشكوك واردة بالطبع، ولكنها لن تستطيع منع عملية التغيير في البلاد. وبالنسبة لي لو سئلت هل التغيير حتمي في اليمن؟ لأجبت من دون تردد نعم. ولو سئلت لماذا؟ لأجبت على الفور: لسبب بسيط وهو أن الذين يريدون التغيير أكثر ممن لا يريدون ذلك، ولأن الذين يريدون التغيير موجودون في المؤتمر الحاكم والمشترك المعارض والشباب الثائر على السواء، وهذا بالنسبة لي سبب كاف للتغيير، إذ تقتضي قواعد اللعبة الديمقراطية أن نستمع للأغلبية الجماهيرية. وحتى لو تصورنا - على سبيل الافتراض - أن النظام الحالي في اليمن قد أوصل اليمن إلى مصاف مجموعة الثماني، لكان عليه أن يترك الفرصة لدماء سياسية جديدة، فكيف وهو يرزح تحت عبء أخطاء ومآخذ قاتلة.
وعلى سبيل التمثيل، مع الفارق بالطبع، فإن تشرشل صانع مجد الإنجليز ترك رئاسة الوزراء عندما كان ذلك هو خيار الإنجليز. وفعلها ديغول وجورج بوش الأب مع أنهم قد قدموا خدمات جليلة لشعوبهم، بل زادوا عظمتهم عندما انصاعوا للشعوب التي أرادت التغيير. صحيح أن هناك منجزات لهذا النظام يقتضي الإنصاف الاعتراف بها، لكن الصحيح أنه ليس الوحيد في هذه المنجزات، والصحيح أنه بتمسكه بالسلطة إنما يحيل هذه المنجزات إلى حطام منجزات. صحيح أن هناك من يقول للنظام لا ترحل، لكن الصحيح أنهم أقلية جماهيرية، ولئن كان النظام يتهم المعارضة بتجييش الشارع لأغراضها السياسية، فما الذي يمنعه من تجييش الشارع بالزخم نفسه والاستمرارية نفسها رغم كل الإمكانات المادية التي يملكها؟ هذا على اعتبار أن المعارضة وحدها هي التي تسير الشارع وهو طرح غير دقيق.
صحيح أن الرئيس فاز في انتخابات دخلتها المعارضة مما أضفى على المؤسسات القائمة صبغة شرعية، لكن الصحيح أن الانتخابات جرت في أجواء ما كان بالإمكان فوز أحد غير الرئيس فيها، نظرا لسيطرة الحزب الحاكم على كل مقدرات البلاد وتوظيفها لصالحه، وهذا خلل في العملية الديمقراطية يجعل مبدأ الفرص المتكافئة في الانتخابات وهما. صحيح أن «القاعدة» موجودة في بعض المناطق اليمنية، لكن الصحيح أيضا - حسب تقارير غربية متواترة ومنشورة في كبريات الصحف الغربية - أن النظام أسهم في تقوية هذه العناصر، إما لخطأ التعامل مع الملف وإما لحسابات معينة، صحيح أن هذه «القاعدة» صالت وجالت مؤخرا في أبين، وأنها تهدد عدن، لكن الثابت اليوم أن النظام بشكله الحالي ليس البديل المعول عليه في الحرب على «القاعدة»، ولا بد من التعامل مع «القاعدة» بطريقة أخرى للقضاء على التطرف.
صحيح أن بعض العناصر في الحراك الجنوبي لا تزال تطالب باستعادة دولة الجنوب وتقسيم اليمن رغم كل تلك الوحدة الشعبية الملحمية التي أبدتها جماهير الشعب في كافة محافظات الجمهورية، لكن الصحيح كذلك أن غالبية من دعوا إلى فك الارتباط يراجعون اليوم حساباتهم لصالح بقاء اليمن الموحد اللامركزي، وأنهم أبدوا قدرا عاليا من المسؤولية الوطنية بما جعلنا ندرك أن رفع شعار «فك الارتباط» كانت له ظروفه وملابساته الخاصة التي عندما انتفت راجعوا أنفسهم والتحموا بجماهير الشعب الواحد في طموحاته، والواحد في معاناته أيضا. صحيح أن الحوثيين يسيطرون اليوم على محافظة صعدة بقوة السلاح، لكن الصحيح أنهم ما بلغوا ذلك بـ«نصر إلهي»، كما يزعمون، فالله أبعد ما يكون - في اعتقادي - عمن يزعم أن الله أعطاه ما لم يؤت أحدا من العالمين، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا.
الصحيح أيضا أنهم انهزموا عسكريا في الحرب الأخيرة عليهم، غير أن لعبة التوازنات التي أجادها النظام هي التي أعادت لهم النفس من جديد، كما أن سحب المعسكرات من صعدة كان عن قصد تماما كما سحبت المعسكرات من أبين. الصحيح أن الحوثيين لم ينتصروا وأن «القاعدة» لم تنتصر، ولكن النظام أراد لهذه الحركات الراديكالية أن تبدو منتصرة للضغط على جهات بعينها بهذين الملفين، الصحيح كذلك أن «القاعدة» والحوثيين مشاريع صغيرة سيلتهمها المشروع الوطني الكبير، مهما استفادت من أخطاء النظام في إطالة أمدها، فلا الشعب في وارد إقامة الخلافة الإسلامية على طريقة «القاعديين»، ولا هو في طريقه لإقامة الدولة الثيوقراطية التي يطمح إليها الحوثيون. معظم جماهير الشعب تريد دولة مدنية تتكئ بالطبع على تراثها الثقافي الإسلامي، ولكن دون سيطرة من أدعياء الحق الإلهي أيا كانوا. صحيح أن الرؤية السياسية للمستقبل لم تتضح بعد، وأن الاقتصاد سوف يعاني أكثر مما عانى، لكن الصحيح أننا من دون التجربة لن نتعلم، وأننا كغيرنا لا بد أن ندفع ثمن التغيير، والصحيح أيضا أنه على المدى البعيد سنكسب الرهان وستتضح الرؤية وسنتخطى العقابيل الاقتصادية، وكل شيء بثمنه بالطبع.
على النظام في اليمن أن يعي أن بقاءه على الشكل الذي هو عليه الآن يشكل خطرا - شئنا أم أبينا - على وحدة اليمن وأمنه واستقراره وتطوره الاقتصادي والاجتماعي، وتلك مفارقة عجيبة قد لا يستطيع البعض فهمها وتقبلها. عليه أن يتحلى بقدر من الشجاعة لإتاحة الفرصة للشعب ليختار من يشاء حتى لو اختار الشعب أولئك الذين نتخوف منهم. دعوا الشعب يختار بحرية حتى لو أخطأ في الاختيار، لأنه سيتعلم من خطئه إن أخطأ، وسيعاقب من أخطأ في اختيارهم في أقرب فرصة تتاح له ما دام قد أقر مبدأ الديمقراطية والمحاسبة والنزول إلى الشوارع للتغيير.
نحن اليوم في اليمن أمام فرصة تاريخية قد لا تعوض مرة أخرى، إن هي ضاعت بتمسك النظام بالسلطة، أو بفتور حماس الشباب في الميادين وهو ما لا نتوقعه إطلاقا، ليس لأن الشباب زمرة من الأبطال الأسطوريين، ولا لأن النظام جبل «نقم» الذي لا يتزحزح من مكانه، بل لأن الشباب ليس لديهم خيار آخر وقد أحرقوا سفنهم على الشاطئ وغامروا بركوب الموج جهة الشاطئ الآخر، ولأن النظام مجموعة من البشر ليس فيهم قوة الجبال، على أن فيهم من العقلاء من يقول علينا أن نعي المتغيرات. لا بد من تهيئة الفرصة - إذن - للشباب للوصول إلى الشاطئ الآخر بسلام لأن الخيار الآخر هو غرق الشباب وغرق اليمن في طوفان نوح الذي لا يستطيع جبل «نقم» أن يعصم أحدا لجأ إليه من موجه إذا حال بين الموت والحياة.
*الشرق الأوسط