قرارات في القبض على مساعدي اللواء شلال شايع بأوامر قهرية من الينابة العامة في عدن قطاع الإرشاد يدشن برنامج دبلوم البناء الفكري للخطباء والدعاة في حضرموت مكتب المبعوث الأممي يلتقي بمؤتمر مأرب الجامع ويؤكد حرص الأمم المتحدة الاستماع إلى الأطراف الفاعلة مجلس القيادة يجتمع ويناقش عدة ملفات في مقدمتها سعر العملة والتصعيد الحوثي بالجبهات بترومسيلة بحضرموت تعلن نجاح تشغيل وحدة تكرير المازوت بمناسبة اليوم العالمي للجودة...جامعة إقليم سبأ تدشن فعاليات أسبوع الجودة اعتذار رسمي في ايطاليا بسبب القدس من هو ''أبو علي حيدر'' العقل الأمني لحزب الله الذي فشلت اسرائيل في اغتياله؟ رصد طائرات مسيرة ''مجهولة'' تحلق فوق 3 قواعد تستخدمها أميركا في بريطانيا صحيفة أميركية تتوقع أن يوجه ترمب ضربات تستهدف قادة الحوثيين وتُعيد الجماعة إلى قائمة الإرهاب
يقول العالم المصري الراحل أحمد زويل: «الغرب ليسوا عباقرة، ونحن لسنا أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل».
عبارة وجيزة، يبين بها العالم الراحل أسباب هجرة العقول والمواهب، التي لا نسمع عنها ويذيع صيتها، إلا بعد أن تستكمل بناء الموهبة والاستعدادات والطاقات التي خرجت بها من الأوطان، بالعلم والتجربة والرعاية والاستيعاب الذي تجده في محاضن الغرب.
ربما يطل علينا أحدهم مشيرًا إلى أن الغرب لا يحتضن فقط رموز العلم من الدول العربية، بل من دول شتى في الشرق والغرب، فأقول نعم هذا الكلام صحيح، فبالنظر إلى العلماء الهنود، سنجد أن 12% من العلماء الأمريكيين من أصل هندي، و36% من علماء (ناسا) هم من الهنود، وكذلك 38% من أطبائهم من الهنود أيضا.
لكن الفرق شاسع، فهجرة علمائنا ومواهبنا إلى الغرب كانت نتاجا للتجاهل في أوطانهم، بينما وجود العلماء الهنود في تلك المكانة بدول الغرب، كان نتاجا لنجاح التجربة الهندية التي أحدثت طفرة في مجالات العلوم والفضاء والتكنولوجيا، بسبب النظام التعليمي المتطور، والتمويل القوي من الحكومة المركزية والحكومات المحلية، وإشراف وزارة تنمية الموارد البشرية على المسارات التعليمية، والاهتمام البالغ بالرياضيات والعلوم، ما أنتج أعدادا هائلة من خريجي العلوم والهندسة مفحقق الطلب العالمي على تكنولوجيا المعلومات للدولة، وغير ذلك من أسباب النهضة التعليمية، فما نراه من الوجود الهندي في الدول الغربية، إنما هو انعكاس لمخرجات التعليم في الهند، فظهرت في سوق العمل المهمة في أمريكا وأوروبا وافريقيا والخليج العربي.
الوطن العربي ليس ضعيفا في ثرواته، ولا يعاني من فقر الإمكانات، فلماذا نفتقر إلى وجود العلماء على الشكل الذي يوازي الدول المتقدمة أو يقترب منها؟ إنه افتقاد البيئة الحاضنة التي تسمح بتنشئة العلماء، وغياب تلك البيئة يعود إلى السلطة الحاكمة المسيطرة على مقدرات البلاد وثرواتها، وصاحبة الكلمة العليا فيها، التي لا تولي للعلم وأهله اهتماما كافيا، فمعظم ميزانيات التعليم في الدول العربية ضئيلة مقابل الإنفاق على السلاح والجيوش، رغم أنها في حالة سلام دائم مع أعدائها، وينصب تركيزها على محاربة الإرهاب داخل الحدود.
لننظر إلى واقع العلماء في الوطن العربي مقابل أهل الفن والرياضة، فأهل العلم قلما يعرفهم الناس، لأن الدولة لا توليهم اهتماما، وفي الوقت نفسه لا يُعرفون بالثراء داخل أوطانهم غالبا، وكثير منهم في مستوى معيشي متدنٍ. أما أهل الفن والرياضة، فهم أصحاب التمثيل في المحافل الدولية إلى جانب الرؤساء والأمراء، وأجورهم ودخولهم خيالية، حتى غدا حلم كل شاب عربي أن يصير ممثلا أو لاعب كرة. وحسبك أن براءات الاختراع تُطوى في أدراج المكاتب، ويُمنح أصحابها فتاتًا، وأحيانا تتم سرقتها ونسبتها إلى شخصيات أخرى مرموقة، ولا يجد المخترع بدًا من السفر لأنه يعلم مسبقا مصير إبداعاته.
جهل الرعية أهم الأسباب التي يقوم عليها سلطان المستبدين، فالظالم لا يستطيع أن يقود شعبا مستنيرًا واعيا بالسوط والعصا
كيف تنهض دولة والمعلمون يتسولون فيها، ولا تكفيهم رواتبهم فيضطرون للانخراط في أعمال إضافية، ويتجه كثير منهم للتغاضي عن رسالته ودوره التعليمي ليتخذها تجارة عن طريق الدروس الخصوصية، وإنه لمن العار أن يتظاهر المعلمون ويضربون عن عملهم من أجل علاوات أقرتها الحكومات على غرار ما يحصل في الأردن. لا يزال السؤال قائما: لماذا يتم تجاهل العلماء في الوطن العربي على هذا النحو؟ لماذا لا تولي الدول أهمية قصوى للتعليم والعلماء؟ بل لماذا يُحارب العلماء في كثير من هذه الدول؟
إنه استبداد الأنظمة القمعية، التي تدرك حتما قيمة العلم ودوره في نهضة البلاد، ومع ذلك تتخوف منه، وتعيش في رعب من أن يسود العلم، لأنهم يعلمون تمام العلم أن جهل الرعية أهم الأسباب التي يقوم عليها سلطانهم، فالظالم لا يستطيع أن يقود شعبا مستنيرًا واعيا بالسوط والعصا. فكما يقول الكواكبي في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستبداد»: «كما أنّه ليس من صالح الوصيّ أن يبلغ الأيتام رشدهم، كذلك ليس من غرض المستبدّ أن تتنوّر الرعية بالعلم، لا يخفى على المستبدّ، مهما كان غبياً، أنْ لا استعباد ولا اعتساف إلا مادامت الرّعية حمقاء تخبط في ظلامةِ جهلٍ وتيهِ عماء، فلو كان المستبدُّ طيراً لكان خفّاشاً يصطاد هوام العوام في ظلام الجهل، ولو كان وحشاً لكان ابن آوى يتلقّف دواجن الحواضر في غشاء الليل، ولكنّه هو الإنسان يصيد عالِمَه جاهلُهُ».
تخيل معي، لو كانت الدولة تهتم بتخريج العلماء وتأهيلهم والاهتمام بهم وتقديمهم كرموز وقدوات للمجتمع، كيف سيكون الحال؟ حينئذ سيتحول همّ الناشئة والشباب إلى الاقتداء بهؤلاء العلماء المُكرّمين والسير على خطاهم في العلم، ومن ثم يستنير المجتمع ويتحول إلى مجتمع واعٍ متفتح، يعرف ما له وما عليه، ويبصر مواطن الظلم والخلل في شتى الميادين، وهو ما يخشاه الطغاة والمستبدون. فالعلوم كما يقول الكواكبي تُكبر النفوس، وتوسّع العقول، وتعرّف الإنسان ما هي حقوقه وكم هو مغبون فيها، وسلطان العلم أقوى من كل سلطان.
يحرص المستبدون على الجهل، لأنه بالعلم يقل الظلم، وإن تخلى المجتمع عن الظلم فيما بينه، نظر إلى الظلم الصادر عن الحكام ودقق في سبل الخلاص منه، كما أن الظلم عندما يرتفع بالعلم تقل الخلافات الداخلية بين أبناء المجتمع الواحد، وهو ضد ما تهواه الأنظمة التي تحرص على إبقاء المشاكل الداخلية لإلهاء الناس عن سياساتها النائية عن مصالح الجماهير. يحرص المستبدون على إغراق الناس في الجهل، حتى يتمكن سحرة فرعون من غسل الأدمغة لصالح السلطة، وأعني بذلك الإعلام الذي يوجه الرأي العام، كيفما يريد سادته، ويتلاعب بالعقول ويغرس فيها المفاهيم المغلوطة والمعلومات المضللة، فهل كانت الشعوب تسلم عقولها للإعلام المأجور بهذه الطريقة التي نشاهدها في الوطن العربي، لو كانت شعوبًا متشبعة بالعلم والثقافة والمعرفة؟
كل الدول الناهضة كان الاهتمام بالتعليم هو كلمة السر في نهضتها، وكلمة سر السر، هي وجود إرادة حقيقية صادقة من قبل القيادات للنهوض بالبلاد عن طريق العلم والتعليم، بعيدًا عن حسابات الحفاظ على الكراسي والعروش والحرص على ديمومة إثراء المُطبّلين من الفاسدين في القصر الحاكم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.