كيف حصل الملف السعودي على أعلى تقييم لاستضافة مونديال 2034؟ الكويت تسحب الجنسية عن فنان ومطربة مشهورين النجم الكروي ميسي مدلل الفيفا يثير الجدل في جائزة جديدة أول بيان لجيش النظام السوري: أقر ضمنياً بالهزيمة في حلب وقال أنه انسحب ليعيد الإنتشار الكشف عرض مثير وصفقة من العيار الثقيل من ليفربول لضم نجم جديد بمناسبة عيد الإستقلال: العليمي يتحدث عن السبيل لإسقاط الإنقلاب وعلي محسن يشير إلى علم الحرية الذي رفرف في عدن الحبيبة أكثر من 60 نائباً في بريطانيا يدعون لمعاقبة إسرائيل مظاهرة حاشدة بمدينة مأرب دعما للمقاومة الفلسطينية والمتظاهرون يوجهون رسائل للمجتمع الدولى (تقرير) جبايات الحوثيين تدفع القطاعات التجارية في اليمن نحو الانهيار وشكاوى الضحايا تتصاعد مليشيا الحوثي تجبر قبائل إب على رفع اعتصامهم في دار سلم بعد تهديدات بفضه بالقوة
مأرب برس - خاص
يقرأ الكاتب والمفكر الإسلامي جمال البنا فوز حزب العدالة والتنمية التركي بطريقة تختلف عن كثير من الإسلاميين وبلا شك بعيداً كل البعد عن قراءة "الإسلامويين" على فرض أنهم يقرؤون أو يناقشون أو يعترفون بالآخر القريب فضلاً عن البعيد .
وهو يتفق مع خط الليبراليين الواضح في تأكيدهم لفشل الحركات والأحزاب الإسلامية العربية حيث يقول : " لقد ألفنا في مصر، وفي العالم العربي، أن نتصور أن الحركة الإسلامية لدينا، أقوى منها في تركيا، وأقرب إلى الإسلام وأدرى به ، وأن ما في تركيا، إنما هو ظل باهت لما في مصر، والحقيقة عكس ذلك، وهذا هو درس تركيا الذي يجب أن نتعلمه، وأن نستفيد به ، وأن نعترف أنهم كانوا أهدى ســبيلاً وأشد تواصلاً، من الحركات الإسلامية في المنطقة العربية، التي لم تنجح واحدة منها في تقلد زمام الحكم والانتصار على التحديات رغم أنها أقل مما جوبهت به في تركيا" (1)(مقال "درس من تركيا"،منشور بموقع "آفاق"/واشنطن) .
وأما الليبراليون فيذهبون –بعد مغازلة الحزب التركي الفائز- إلى التحذير من الإسلاميين العرب والمشرقيين خاصة . الكاتب الليبرالي د. أحمد البغدادي كتب صراحةً :"نتمنى على قادة الحزب لو أنهم أعلنوا مقاطعتهم الكاملة والتامة لجميع الجماعات الدينية في العالمين العربي والإسلامي، لأن هذه الجماعات لم تجلب سوى الشر والكراهية والتفتت للمجتمعات العربية، فضلا عن عجزها في تحقيق أي نجاح اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي يستحق الإشادة، باستثناء نجاحهم في تحويل المسلمين إلى شعوب متسولة على أبواب صدقات اللجان الخيرية"
(2)(مقال منشور بموقع آفاق) ، وأعتقد أنه ينطلق في ذلك من رؤية سوداوية يشترك فيها الليبرايون والإسلاميون التنويريون إزاء ما أفرزته الجارة الكبرى منذ تأسيسها من تيارات تفخيخية متطرفة وقامت بتصديرها إلى مختلف أصقاع الأرض بالاستعانة بالثروة النفطية والأموال الطائلة التي وجدت أرضية مناسبة ، مناخ من التخلف والفقر والتشرذم والضياع والكبت . فكان التغني بالماضي وبدولة الخلافة المُنبنية على معول الهدم بدل البناء هدم المزارات والقبور واحدة من الطرق الملبية لرغبات المنهزمين الذين وقعوا تحت تأثير عقدة نقص تاريخية مفصلية ، فعاش سياسيوا الأيدلوجية المتطرفة التي تنبعث منها روائح تزكم الأنوف حالة يمكن أن يعبر عنها بـ"الفوقية المتخلفة" ، وأما الذين أطبق على عقولهم وقلوبهم متن الأيدلوجيا المريض فقد باتوا أسلحة وقنابل موقوتة بيد جماعة العهر السياسي المشار إليهم ، والذين يريدون العالم أن يشاركهم حصادهم المر بانقلابهم الشكلي التكتيكي المفضوح ، والذي ما كان له أن يُعلن –وهو لا يزال إعلان خجول وممجوج- لولا صبر الكثير من المعتدلين والتنويريين الإسلاميين وجهادهم الفكري الدؤوب ، وتشاركهم الفعّال مع بعض القوى الليبرالية العربية الناضجة والتي تمكنت من الانفلات من ربقة الانبهار الأعمى بالغرب واستندت في رؤيتها إلى القواسم المشتركة ، مضافاً إلى ذلك تغير الظروف الموضوعية و تطورات الأحداث السياسية وظهور عالم ما بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 الذي فرض قوانيناً جديدة لنسق سياسي كوني مختلف .
وأنا على يقين من أن اجتثاثاً حقيقياً فكرياً وأيدلوجياً وتعليمياً وليس شكلياً كالذي تحاول الدوائر الإعلامية التابعة لما يسمى محور الاعتدال ومن يتشبهون بها ويعتبرونها قدوة حسنة كاليمن مثلاً ، لن يتم ولن يرى النور مادامت القوى التي تتاجر بمقولات إسلامية حوّلتها إلى "مفرقعات" من مثل "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ، و"الجهاد" و"شكل المرأة" "والصلاة قسراً" وغير ذلك هي القوى السائدة والمهيمنة في حقيقة الأمر علماً أن التضليل الذي تمارسه تلك الدوائر الإعلام والمحطات الفضائية التي تدور في فلكها لن يمر على عقلاء الأمة ، لا بل أن البعض ممن تغريهم الأشكال البهلوانية وتؤثر فيهم يريد أن يمنح هذه الأضاليل صكوك الانفتاح والاعتدال وبعضهم يشطح أكثر من ذلك فيجعل من تلك الأضاليل -معروفة الدوافع- حقائق بإزاء قيم الإسلاميين التنويريين والليبراليين الناضجين .
وعودة إلى النصر الكاسح الذي حققه حزب العدالة والتنمية التركي حيث يقول الأستاذ جمال البنا :" ظفر حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية العامة الأخيرة بأغلبية ساحقة، تتيح له بمفرده تشكيل الوزارة، وهذا النصر المؤزر هو في الحقيقة خاتمة جهاد طويل استمر طوال ثلاثين عامًا - أي منذ أن استطاع المهندس نجم الدين أربكان - تكوين أول حزب إسلامي في تركيا الكمالية سنة 1970 " .
هنا يريد الكاتب أن يلفت إلى الامتداد التاريخي للتجربة الحزبية الإسلامية في تركيا الأتاتوركية العلمانية ، هذا من جهة ومن جهة يتابع من خلالها قراءة تطور التجربة خلال فترة لا تعد قاسية فحسب بالنسبة للإسلاميين بل شبه مستحيلة بالنظر إلى قوة العسكر /الجيش الذي مُنح حق حماية العلمانية إضافة إلى التأثير الأوروبي الذي تقع نصف تركيا فيه –جغرافياً- وتأثيرات الحلم التركي للانضمام للاتحاد الأوروبي .
وبعد أن يرصد المفكر جمال البنا حركة التطور الحزبي الإسلامي في تركيا العلمانية وتجاوبها مع الشعب حتى تظفر بأصواته، "حيث ظهر هذا في الحزب الديمقراطي الذي أسسه "مندريس" وغلب حزب الشعب، وهو حزب مصطفى كمال، فسمح ببعض الحريات الإسلامية، مما جعل الجيش يودي به ، ويحاكم قادته ويقضي بالإعدام على رئيسه مندريس، ولكن هذا لم يحل دون ظهور نجم الدين أربكان الذي كون حزب النظام الوطني سنة 1970 وحزب السلامة سنة 1972 وحزب الرفاه سنة 1983، وهو الحزب الذي رأس الوزارة وحقق تجديداً في الأداء السياسي والاقتصادي، ولكن الأحزاب الثلاثة حلت وحكم على أربكان بالحرمان من الحقوق السياسية لمدة خمس سنوات".
وبعد الانشقاق الذي حصل في صفوف حزب الرفاه وأدى إلى فشله لم يعبر الإسلاميون الأتراك عن قنوطهم ويأسهم بالرغم من وجود المناخ المؤدي إلى ذلك ، ولم يركنوا كما الإسلاميين العرب إلى اللجوء إلى الغيبيات والتضرع للسماء بغية إنقاذهم أو التحول إلى ممارسة العنف والإرهاب والتكفير والقتل للآخر وتشويه سمعة الإسلام والمسلمين وإثارة الرعب .
ففي 14 أغسطس سنة 2001 كوّن مجموعة من الشباب حزب العدالة والتنمية وانتخبوا رجب طيب أردوغان رئيساً. تلك كانت بداية إسلامية جديدة تختلف عن تجارب أربكان الثلاث.
وهنا تقرأ تجارب أربكان بوصفها فعلاً تراكمياً ينبغي أن يُبنى عليه لا أن ُيعاد كما هو ، ويستنسخ ليفشل مجدداً وربما بل بالتأكيد فشلاً ذريعاً أشد وطأة وسوءً يقول الأستاذ البنا :"فمع أن أربكان كان مثقفاً ثقافة أوروبية، ومع أنه مكان يتمتع بميزات عديدة ، إلا أن أربكان كان ينتمي إلى العهد القديم بصلة ما، وقد كان يضع قدماً في عهد تركيا العثمانية وقدماً أخرى في تركيا الكمالية، وقد كانت الحركة النقشبندية بزعامة الشيخ محمد زاهد كتكو، والحركة النورسية التي أنشأها سعيد النورسي هما اللذان دفعا أربكان لتأسيس حزب النظام".
ليصل إلى حقيقة لا يريد أن يفهمها الكثير من الإسلاميين العرب وهي أنه "من المؤكد أن سياسة نجم الدين أربكان كانت أكثر إسلامية، وأن خطته الاقتصادية كانت أكثر سلامة، ولكن ماذا حدث؟ لقد حل الجيش حزبه وحال دون أن يشتغل بالسياسة، ولا شك أن الحزب الجديد لو سلك مثله لحُل مثله أيضاً".
وللأسف يأتينا ما يسمى بحزب التحرير الإسلامي ليستقطب الخلافة الإسلامية البائدة ويريدها نسخة مكررة في هذا الزمن ويقول من بين الحجج التي قرأتها لأحدهم بأنه "ومادام أن الخلقة البشرية هي الخلقة لم تتغير، لا من حيث الغرائز والحاجات العضوية ، ولا من حيث العقول، ومادام العلاقات بين البشر هي نفسها مع تغير في الأساليب والوسائل فان النظام هو نفسه لن يتغير" ، وهذا كلام مردود فكل شيء مما ذُكر قد تغير فعلاً ولكن يبدو أن القائل لديه حساسية من التغيير ، ولن أقول كما قال أحد العلمانيين المعاصرين متحدياً أي خليفة من خلفاء الدولة الإسلامية أن يعيش لأسبوع واحد في كوكب الأرض بصورته الحالية لأنه لن يستطيع مقاومة التلوث البيئي والغازات والبواعث القاتلة التي نتمكن نحن من العيش فيها ونتحكم بها ، بل سأقول بأن العقول أيضاً تغيرت والحاجات البشرية تغيرت وحتى النظرة إلى الجمال قد تغيرت هي الأخرى .
ومن يقرأ كتاب لمؤسس الحزب "النبهاني" "نظام الحكم في الإسلام" لن يعجز عن اكتشاف مكامن الخلل الكبرى التي لا تغتفر والتي لا تُصلح ليس عملياً في زمننا هذا بل حتى نظرياً غير مقبولة لأنها تبدو كمن يريد أن يشعل ناراً بطريقة ضرب حجر بحجر وعلى سبيل المثال لا الحصر يرى حزب التحرير أن "طلب الخلافة والتنازع عليها جائز لجميع المسلمين، وليس من المكروهات... وأما النهي عن طلب الإمارة الوارد في الأحاديث، فهو نهي للضعفاء، أمثال أبي ذر ممن لا يصلحون لها ، أما الذين يصلحون للإمارة فإنه يجوز لهم أن يطلبوها".
وأن الخلافة "هي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم".
وأن إقامة الخلافة "فرض على المسلمين كافة في جميع أقطار العالم". والتقصير في إقامتها "معصية من أكبر المعاصي، يعذب الله عليها أشد العذاب".
كما يرى أن "السيادة للشرع والسلطان للأمة". ويدعو إلى تنصيب خليفة واحد لكل العالم الإسلامي، فالحديث النبوي يقول: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما".
وأعتقد أن القارئ بات متفهماً بطلان مثل هذه المقولات الاستجرارية التي تبدو كالوقوف على الأطلال ولكن دون إبداع معلقات ولا حتى مواويل .
وعودة أخرى إلى صُلب موضوعنا حيث يذكرنا الأستاذ البنا بأنه "عندما نصدر الأحكام على سياسة ما لابد أن نلم بالظروف والملابسات القائمة وقت هذه السياسة، فربما لم يكن هناك بديل أفضل، إن زعيم حزب الرفاه - رجب طيب أردوغان- هو الذي أدين سنة 1998 بتهمة الكراهية الدينية، لأنه استشهد بقصيدة للشاعر المسلم تقول "المساجد ثكناتنا، والقباب خوذاتنا، والمآذن حرابنا، والمؤمنون جنودنا".
فيقول مؤكداً : "ومثل هذا لا نشك في إيمانه، كل ما في الأمر أن إيمانه ليس شرطاً أن يكون كإيمان من يقول "الإسلام دين ودولة"، أو "الإسلام منهج حياة"، لأن القسم الأول من هذه الفكرة خاطئ تماماً، ولأن القسم الثاني "وإن كان صحيحاً فإن فهمه السائد متخلف بحيث لا يمثل إسلام العصر – إسلام القرآن والرسول- ولكن إسلام الفقهاء".
وواقع الحال إن إسلام الفقهاء هذا الذي أشار إليه البنا هو الإسلام الذي يستهوي السلطات العربية ويجعلها في مأمن فهو في جناح السلطان هامد أو متمرد لا يفقه في السياسة شيء فينقلب على نفسه وعلى تاريخه ويتورط دون أن يقرأ التجارب ودون أن يستفيد من الأخطاء.وبالتالي يخسر الرهان أمام الجمهور الذي لم يعد جمهوراً ساذجاً كما يعتقد هؤلاء بل بات يقرأ ويحلل ويراقب ويتابع ويصدر أحكاماً واعية .
وبالرغم من أن التسميات الإسلامية التي عادة ما يحب الإسلاميون أن يلتصقوا بها ويلصقوها لأحزابهم وتجمعاتهم وجمعياتهم ليست مؤثرة وذات أهمية بحجم التأثير والأهمية بالنسبة لحزب إسلامي في دولة علمانية كتركيا التي يحرس علمانيتها جيش منيع قوي وقاهر إلا أنه من المفيد أن نذكر التكتيك الذي لفت إليه الأستاذ البنا فيما يخص اسم الحزب التركي المظفر "العدالة والتنمية " حيث يقول : "إن حزب العدالة والتنمية عندما جعل اسمه هكذا كان أدنى إلى الإسلام من أي اسم آخر يحمل معنى محدداً مثل تطبيق الشريعة أو من يحمل شعاراً عاماً أن تكون كلمة الله هي العليا. لأن العدالة والتنمية هما أصدق ما يمكن أن يطلق علي الشريعة".
ويفسر المصلحة –ليس على الطريقة الميكافيلية ولا البراغماتية- وإنما كما نقلها "عن الفقيه الحنبلي نجم الدين الطوفي - مثل ابن القيم - نادى بأن المصلحة هي الهدف الأسمى للشارع، فإن وجد نص يخالف المصلحة أخذنا بالمصلحة، وأولنا النص وقد استمد هذا المبدأ من تفسيره لحديث "لا ضرر ولا ضرار"، وكذلك "درء المفسدة بالمصلحة".
وأعتقد أن شيئاً من هذا ينتظم ويتساوق مع "قاعدة الحسن والقبح العقليين فالعقل لدية من الملكة والقوة ما يؤهله لتمييز الحسن والقبح "فما حسنه العقل حسنه الشرع وما قبحه العقل قبحه الشرع " وهي القاعدة التي أثراها المعتزلة ، وقال بها حتى بعض خصوم المعتزلة كالمذهب "الماتريدي" ، وهو مذهب عقائدي متوسط بين الأشعري والمعتزلي يحاول التوفيق بين العقل والنقل إلا أنه ذو طابع عقلاني أقوى من الأشعرية مؤسسه (محمد بن محمد الماتريدي السمرقندي المتوفي سنة 333هـ). وبالمناسبة فقد هُجر هذا المذهب لكنه لقي اهتماماً في العهد العثماني من قبل عدد من الدعاة ومنهم الشيخ زاهر الكوثري المصري. وقد يأتي يوم أقوم فيه أنا أو غيري بإحيائه لنستند في ما قد ننوي القيام به إلى خلفية تاريخية وحتى لا يقال لنا ومن أين لكم هذا ؟ ، فنحن قومٌ كارهون للإبداع طاردون له ونصمه بالبدعة ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
ويتابع الأستاذ البنا :"إذا كان الحزب يرفع راية العدالة، وإذا كانت الشريعة في حقيقتها، وكما قال ابن القيم هي العدالة، فحزب العدالة يرفع راية الشريعة في الحقيقة. وليس هذا إلا مثالاً واحداً في موضوع رئيسي مهم هو ألا ندع الأسماء تقيدنا، وألا ندع الشعارات العامة تضللنا، إن من الممكن أن نستبعد اسماً لأن له تداعيات معينة تجعله محلاً للكره، أو لسوء الظن أو لإمكان الاستغلال ويصبح من الحكمة والكياسة أن تأخذ اسماً يحقق الجوهر دون إشارة إلى الاسم القديم، كما في إحلال "العدالة" محل "الشريعة".
ومثال آخر "الحجاب مثلاً، كلمة تفتح المجال على مصراعيه لمفاهيم مغلوطة، تحظر على المرأة وتبعدها عن النشاط العام وتكاد تجعلها (عورة) ، وتلتف حوله كل الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة عن دونية المرأة، ويدخل فيه النقاب الذي لا يظهر إلا عيناً واحدة، والذي يري كثير من الفقهاء أنه هو الحجاب حقاً ، وأن كشف الوجه واليدين سفور، لماذا نتمسك بهذه الكلمة الحافلة بالثغرات، ولماذا لا نحل محلها "رفض التبرج أو الخلاعة وإيثار الاحتشام".
وفي مسألة العلمانية مادة أخرى للاستفادة حيث يقول "حتى (العلمانية) التي اعتبرها الإسلاميون نقيضاً للإسلام، إذا أريد بها الفصل ما بين الدين والسلطة، فهذا هو صميم الإسلام، فما أرسل الله تعالى الرسل ليكونوا ملوكاً، ولا ليؤسسوا دولة، وإنما أرسلهم ليبلغوا دعوة الإسلام ودون أن يمنحهم أي سلطة إلا التبليغ، ويحيط هذه الصلاحية بأدوات الحصر بحيث لا تتعداها، فالرسول ليس حفيظاً ولا جباراً ولا مسيطراً ولا حتى وكيلاً على المؤمنين، ودوره أن يبلغ الرسالة "فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر"، "فَمَنْ اهْتَدَي فَإنَّمَا يهْتَّدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإنَّمَا يضِلُّ عَلَيهَا وَمَا أنَا عَلَيكُمْ بِوَكِيلٍ" (يونس : 108).
ثم يصل إلى نتيجة في غاية الأهمية وهي أنه "إذا كان حزب العدالة والتنمية يحقق الشريعة باعتبارها العدالة، وإذا كان ينادي بالاحتشام دون أن يذكر الحجاب وإذ كان يريد بالعلمانية التي يدعو إليها شيئًا فرضه القرآن على الرسل بحيث أن كل صور الحكم لا تعد أمرًا دينياً، ولكن دنيوياً، فإن حزب العدالة والتنمية حقق المفاهيم الإسلامية تحت أسماء أخرى، ولعله عبر عن ذلك عندما قال "أنا لا أبيع، ولكن أتسوق"، وأنه بالإضافة إلى أن هذا هو الأسلوب الحكيم، فإنه قطع الطريق على الجيش".
ويختم الأستاذ البنا بكلمة أخيرة تصلح لأن تكون مادة للتأمل وإعادة النظر في كثير من أحكامنا المطلقة والتي كثيراً ما تكون مرجعيتها النقل دون إعمال للعقل : "أقولها للإسلاميين لا تطلبوا من الدولة أن تقيم الفضيلة، أو تدعم العبادة أو حتى أن تكون كلمة الله هي العليا، فهذه هي مهمة "الأمة" التي تؤسس الهيئات وتربي الدعاة، وهي الأب والأم اللذان ينشئان الجيل المسلم، فإذا استخدمت الأمة أو تقاعست عن واجبها، فلا تلومن إلا نفسها، لأن الدولة لا تستطيع أن تفعل شيئًا مجديا في هذا المجال، ولا هو يدخل في مجال اختصاصها، ولو دخلته لأفسدته، فلا قيمة لإسلام بوازع السلطان وقانون العقوبات، وإنما يقوم الإسلام على الإيمان القلبي، وإن ما يدخل في نطاق عمل الدولة هو "العدل" الذي هو جوهر الشريعة، وهو خدمة شعبها ورفع مستوى الحياة وتيسير الخدمات وإشاعة الثقافة ومنح الأولوية للبحث العلمي الذي هو طريق القوة والمشاركة في العصر، هذا هو واجب الدولة الإسلامية، وهذا هو ما استهدفه حزب العدالة والتنمية".
وأخيراً .. هل يستفيد الإسلاميون العرب من الدرس التركي وتجربة حزب العدالة والتنمية بهواه الإسلامي وهواياته الليبرالية ؟!
* باحث وكاتب صحافي يمني
eskandarsh@yahoo.com