الفن أقوى من الإعلام: سوريا والسعودية مثالاً
بقلم/ دكتور/فيصل القاسم
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 8 أيام
الأحد 21 أكتوبر-تشرين الأول 2007 05:19 م

في الوقت الذي فشل فيه الإعلام السوري فشلاً ذريعاً في الدفاع عن البلاد في وجه الحملات الإعلامية الأجنبية والأخرى الناطقة بالعربية المسعورة، استطاع الفن السوري أن يرتقي باسم سوريا إلى قمم شاهقة، وأن يبرز وجهها الحضاري المشرق. واتحدث هنا طبعاً عن المسلسلات السورية التي وحدت العرب في شهر رمضان المبارك من المحيط إلى الخليج في بوتقة واحدة، راتقة بذلك ما مزقته السياسة والإعلام على حد سواء.

لقد استطاع بعض الإعلام العربي المتصهين شيطنة سوريا وتشويهها على مدى الأعوام القليلة الماضية، بينما بقي الإعلام السوري يجتر خطابه البائس غير قادر حتى على مجاراة السياسة السورية، مما حدا بالكاتب السوري مروان قبلان إلى التساؤل: "هل أصبح الإعلام السوري عبئاً على السياسة؟".

وإذا كان للحكومة السورية أن تشكر أحداً على تصحيح الصورة، لا بل تلميعها، فلا بد لها أن تشكر أولاً وأخيراً الدراما السورية التي ما انفكت تحرز النجاح تلو الآخر على مدى السنوات الماضية، إلى حد أنها قد تكون الماركة السورية المسجلة الأولى التي اخترقت الأسواق العربية بقوة عز نظيرها. لاعجب إذن أن بدأت بعض الجهات العربية تحارب الدراما السورية ذاتها باعتبارها أحد أذرع السياسة السورية المؤثرة جداً.

ويقال إن بعض أجهزة الاستخبارات العربية وضعت أمام رؤوساء عدة دول عربية تسعى لتحجيم الدور السوري في المنطقة وتشويهه، وضعت تقارير تحذر فيها من التأثير البالغ للدراما السورية على الشارع العربي، خاصة بعد أن تمكن المسلسل الشهير "باب الحارة 2" من تحقيق وحدة عربية عز نظيرها فشل في تحقيقها كل الأحزاب العربية القومية وغير القومية مجتمعة، على الأقل على صعيد لم شمل المشاهدين العرب من الماء إلى الماء حول شاشة واحدة، مما جعل حتى الصحافة الإسرائيلية تشتكي من هذا الإقبال الجنوني لدى عرب ثمانية وأربعين على "باب الحارة" السوري.

ووفقاً لتلك التقارير "فإن المسلسل السوري حقق اختراقاً سورياً شعبياً لعواصم عربية دأب إعلامها خلال العام الماضي على مهاجمة سوريا والتشكيك بالدور السوري، فجاء مسلسل "باب الحارة" حاملاً معه عبق دمشق ورجالها الى كل بيت عربي طوال شهر رمضان مفسداً ما خطط له السياسيون وأبواقهم الإعلامية المفضوحة.

وقد نبه البعض مثلاً إلى ظاهرة لم تحدث من قبل في الشارع الأردني، وهو اختفاء الناس من الشوارع خلال عرض حلقات المسلسل السوري وتعاطف الاردنيين بكل مشاربهم مع شخصيات المسلسل التي تعكس نماذج سورية عاشت في مطلع القرن الماضي، خاصة أن المسلسل ركز على الدور السوري في مد الثوار الفلسطينيين بالسلاح أيام الانتداب البريطاني، بينما كان آخرون يتآمرون على تقسيم فلسطين مع الصهاينة.

ووفقاً للمصادر ذاتها فإن ما حدث في العاصمة الأردنية حدث أيضاً في جميع المدن السعودية وقراها، حيث كانت الحياة تتوقف تماما ًخلال عرض حلقات المسلسل السوري. لا بل إن السعوديين استوحوا رسائل المعايدة التي تبادلوها أيام العيد من عبارات ومفردات "باب الحارة".

وقد كانت الصورة في لبنان أكثر وضوحاً، حتى أن زعيم أحد الأحزاب "الاشتراكية" المزعومة حاول منع الناس من متابعة حلقات المسلسل السوري، في حين تدخل آخرون لدى بعض المحطات للحيلولة دون انتاج الجزء الثالث من المسلسل، لأنه، برأيهم، خرّب كل سياساتهم الرامية لشيطنة سوريا وتسويد سمعتها وعزلها عربياً.

وبالرغم من أن مسلسل "باب الحارة" لم يحظ بنفس الشعبية في مصر، فإن هذا لا يعني أن سوريا لم تكن حاضرة فنياً في رمضان مصر هذا العام، فمسلسل "الملك فاروق" الذي هز بيوت المصريين، وحصد أعلى نسب مشاهدة، ونشرت عنه عشرات المقالات في الصحف المصرية، مخرجه سوري، وبطله الذي جسد شخصية ملك مصر سوري أيضاً.

متى يدرك العرب أن الفن يمكن أن يكون أقوى من السياسة والإعلام بعشرات المرات، فبينما السياسة والإعلام يفرقان، فإن الفن يجمّع، ويحقق حتى الأهداف السياسية بطرقة أنجع وأقوى؟ ولو كنت مكان الحكومة السورية لأنفقت على الفن أضعاف ما أنفقه على الإعلام، على الأقل طالما أن الإعلام السوري يستهلك الكثير ولا ينتج. وقد كانت خطوة رائعة من القيادة السورية أن أمرت بشراء العديد من المسلسلات السورية بعد أن بدأ يضيق الخناق حول رقبتها عربياً.

وما ينطبق على الفن السوري ينسحب على الفن السعودي، فبينما فشل الإعلام السعودي الممول بالمليارات في تلميع صورة السعودية عربياً، نجح مسلسل كوميدي رائع، ألا وهو مسلسل "طاش ما طاش" في اختراق ملايين البيوت العربية حتى في المغرب العربي. وتشير التقارير إلى أن المغاربة انصرفوا عن مسلسلاتهم المحلية إلى المسلسل السعودي الذي استحوذ على اهتمام بالغ. ويعود الفضل فيه إلى الفريق العامل في "طاش ما طاش" من كتــّاب ومخرج كبير. أما الفضل الأول فيعود إلى الممثلين السعوديين الرائعين جداً ناصر القصبي وعبد الله السدحان اللذين تفوقا على بقية ممثلي الكوميديا في العالم العربي، ومنهم المصريون، ليصبحا، محبوبي الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، وأنا منهم.

وكما نجح مسلسل كوميدي في جعل عيون ملايين العرب ترنو إلى السعودية، استطاع من قبل اللاعب السعودي الشهير سعيد العويران في جذب أنظار العالم إلى بلاده، وذلك في إحدى دورات كأس العالم السابقة لكرة القدم. فكلنا يتذكر المعلقين العالميين وقتها وهم يتداولون اسمه اللامع على ألسنتهم عبر فضائيات العالم وإذاعاته.

لقد استطاع الشبان الثلاثة ناصر وعبد الله وسعيد أن يحققوا للسعودية إعلامياً أكثر من عشرات الفضائيات والصحف والمجلات والبعثات والملحقيات والسفارات والأقلام المستأجرة "بالأرطال".

لماذا أصبحت محطة ( MBC1 ) مثلاً قبلة ملايين المشاهدين العرب بامتياز، بينما حسّبُ أخواتها الأخريات اللعن والشتم؟

ألم يحن الوقت لأن نستثمر بالفن عُشر ما نستثمره في السياسة والإعلام؟

ما أروع الفن، وما أسفل السياسة وأبواقها الإعلامية! فالفنانون هم الخالدون، والساسة وكتبتهم المأجورون هم المندثرون، إلا ما ندر. هل يستطيع أحد أن يتذكر اسم رئيس وزراء مصر في أيام الفنان الكبير سيد درويش؟ أتحداكم