الثوار الجدد
بقلم/ دكتورة/رؤوفة حسن
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 7 أيام
السبت 20 أكتوبر-تشرين الأول 2007 04:00 م

أثارت جملة لي في مقالي الماضي بعنوان "عيد الأعياد"، ردود أفعال لطيفة تستحق أن أتوقف عندها في مقال هذا الأسبوع.

الجملة هي " فانهماك اليمنيين في شأنهم الخاص، هو أمر مستجد. والجديد فيه اليوم أن الناس يحتفلون بعيد الفطر، وفي وقت واحد يحتفلون بذكرى ثورتهم ضد الاستعمار البريطاني، فيجمعون بين دينهم ودنياهم في احتفال واحد. فكل عام ونحن اليمنيون بخير بثوارنا القدامى والجدد. بأعيادنا الدينية والدنيوية".

فقد كتب لي القارئ محمود علي حسن يقول أنه يعتقد "أن الثورة في اليمن قد انتهت وأن الحس الثوري لدى الناس قد مات، وأن القول بالثوار الجدد، مجازفة لغوية". وكتبت القارئة فاطمة التي تظهر أحيانا في ردود وتفاعلات المواقع الالكترونية دون أن تضيف إلى اسمها لقبا:"أنها تستغرب كل هذا التكرار حول الثورات، بينما يحتاج اهل اليمن إلى ثورة جديدة على كل ما يعيق تقدمهم".

وكانت قد دارت نقاشات متعددة من قبل، مع مجاميع من الأصدقاء ذات اجتماع، حول أهداف الثورات اليمنية وحول عدم تطبيق بعض أهداف الثورة التي لا تزال شعارا حتى اليوم لم يتم إلغاؤه ولا تم تطبيقه كالهدف الخاص بإزالة الفوارق بين الطبقات الذي جاء في أهداف ثورة سبتمبر.

وفي بعض المواقع على الانترنت وجدت أن مقالي المنشور في صحيفة الثورة تم وضعه مع فتح الباب للقراء للتعليق مبا شرة، وفيه أيضا قارئ يسأل عما أعنيه بـ«الثوار الجدد».

ومن الواضح "أن اللبس قد حدث وأنني ملزمة بالتوضيح"، فالمقال ليس حاله مثل حال العمل الفني يحتمل التأويل الكبير ومعاني تتعدد بتعدد القراء أو المشاهدين له، بل هو خطاب مباشر واضح بلغة عربية فصحى، تستخدم فيه العبارات بأقل قدر ممكن من الابهام أو الغموض.

الثورة الجديدة

عندما كتبت أهنئ الثوار القدامى فقد قصدت من بقي منهم على قيد الحياة، فهم اليوم على أقل حال في مطلع الستينات من أعمارهم. وأنا بذلك أعني أن الحديث باسم تلكما الثورتين هو ملك اليوم لعدد قليل ممن بقي منهم ولكل الناس الذين لهم رأي لكنهم لم يقوموا بالفعل الثوري لأن مجيئهم إلى هذا العالم تم بعد ذلك.

أما الثوار الجدد فهم نوع آخر، منهم أنا وأنت وهي وهو من سكان الأرض، جميعنا شركاء فيه بشكل أو بآخر. وأنا أتحدث هنا عن هؤلاء الذين يشاركون ويستفيدون ويؤسسون ويسهمون في ثورة المعلومات. فالثورة اليوم لم تعد تلك التي كان ينادي بها ماركس لحرق الأخضر واليابس في سبيل سيطرة البروليتاريا ،أي طبقة العمال، بوعيهم للحكم بالتحالف مع طبقة الفلاحين.

فهذه العبارات لم تعد تقال إلا في معرض المحاضرات العلمية في الجامعات عن فترات معينة من التاريخ الذي انقضى ومضى مع أصحابه. والثورة اليمنية ضد الاستعمار أو الأخرى ضد الإمامة تمت في فترة هاج بها هذا النوع من الثورات في كل مكان من العالم النامي، بعد أن ترسخت الدول القائمة على ثورات في فرنسا وأمريكا ثم في ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي.

فالعالم اليوم يعيش ثورة معلوماتية مرتبطة بتطور تكنولوجيا الاتصالات. وكلمة ثورة ليس فيها أي مجافاة للحقيقة، ففيها كل العوامل التي تسمح بوصفها ثورة، فهي لا تحرق الاخضر واليابس، لكنها تملك القدرة على توفير المعلومات الكفيلة بهذا الحرق.

ومثلما تم اعتماد مصطلح الثورة الصناعية على الفترة التي سيطرت فيها الميكنة وطاقة الفحم الحجري ثم البترولي وحتى النووي، وبالتالي غيرت النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلدان التي نجحت وتواجدت الثورة الصناعية بها. فإن الثورة المعلوماتية اليوم هي في طريقها لتغيير كثير من البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القائمة. وبالتالي فإن الثورية واضحة في ملامحها.

وهذه الثورة لا تقوم بدون ثوار يتبنونها، ومنظرين يضعون أطرها، ومثقفين يناقشون طروحاتها، ومتخصصين يطورون تطبيقاتها، ومستهلكين يستخدمونها ويستفيدون أو يتضررون من منتجاتها.

حال الثوار الجدد في المنطقة

في كتاب نشرته مؤسسة راند الأمريكية، حول "ثورة المعلومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" يشير فيه المؤلفان جراي بوركهارت وسوزان أولدر، وهما يتناولان التوقعات لثورة المعلومات في المنطقة خلال الخمسة وعشرين عاما القادمة، أن احتمالات لحاق المنطقة بمجتمع المعلومات العالمي محتمل وممكن إذا قامت فيه دول المنطقة بإيجاد البنية الأساسية اللازمة. وبالاستناد إلى البيانات عن خطوط الهاتف وتوفر الحاسب الآلي يصل الفصل الأول من هذا الكتاب إلى هذه النتائج الثلاث:

1- اليمن تعد أفقر دول المنطقة امتلاكا للبنية التحتية.

2-إيران هى أول دول المنطقة اتصالا بالإنترنت وتليها الامارات.

3- ثورة الاتصالات اللاسلكية لم تظهر بقوة في المنطقة باستثناء مصر والاردن - التليفون المحمول يشهد نموا في الاستخدام بالمنطقة حيث يستخدمه 68 % من الاماراتيين، و20 % في لبنان، و12 % في السعودية، و5.7 % في مصر.. وأشار إلى النمو السريع لاستخدامه في مصر.

ولأن الاحصائيات تعود إلى عام 2001م فإن المؤلفين سوف تغلب عليهما الدهشة لو علما أن أربع شركات للمحمول صارت عاملة في اليمن وحاجتها إلى البنية التحتية أقل. وأن احتمالات التطور المتسارع لجهاز الهاتف المحمول يحوله بسرعة إلى جهاز كمبيوتر وتلفزيون وصحيفة ويجعله متاحا لكل من يستطيع أن يشتريه أو يهديه أو يوفره لناخبيه أو زبائنه.

ويقول المؤلفان " ان ثورة المعلومات ليست لعبة تأخذ منها ما تريد وتترك ما لا تريده، فكل الدول والثقافات والمذاهب والشعوب يمكنها أن تجني ثمارها، لكن هناك جوهرا أساسيا لثورة المعلومات لا يمكن أن تثمر وتعم فائدتها بدونه وهو: حرية التعبير، وتبادلية المنافع بين الأفراد، وعالمية الوصول إلى المعلومات "

وفي الفصل السادس عن تحديات الأمن يقول الكتاب" كان للأمن القومي مفهوم يقوم على السيطرة أو ردع أي شيء يمثل تهديدا للمؤسسات الحاكمة، ولمصالحها، ولا تشمل هذه المصالح كبار المسئولين في الحكومة فقط لكنها تشمل ايضا كبار رجال الأعمال، ومؤسسات أخرى، وعلى هذا فإن التوصيف الاوسع لمفهوم الأمن، هو على قدر اتساعه لا يشمل التهديدات التي ينبغي اتخاذ موقف الدفاع عنها . ولقد وعت الحكومات كون التدفق غير الخاضع للقيود للمعلومات عبر الحدود يمثل تهديدا محتملا للأمن، لكن يظل الجمود الاقتصادي ونقص التعددية مصادر تهديد أكبر لأنها تغذي التطرف" .

ولأننا في بلاد التعددية ونحاول التعامل مع المشكلة الاقتصادية ونسعى لضمان حرية التعبير فإننا في ظل ثورة ومع ثوار جدد يعملون من منطلق المعرفة القائمة على الحصول على المعلومة المتمثلة في بيانات أو حقائق، أو تعليمات، ومجال لحروب ومعارك نصر وهزيمة مغايرة فالحصول على السيادة المعلوماتية سواء في الهجوم أو الدفاع أو التأثير على معنويات الخصم، أوجد مسميات متعددة لأنواع الحروب منها الحروب النفسية والحروب الاقتصادية، وحروب الفضاء، وحروب القراصنة والفيروسات، وهي جميعها جزء من الثورة المعلوماتية.

أليس ذلك يعني أن بيننا اليوم ثواراً جدداً يتحدثون لغة العصر ويحاربون بأدواته ويولدون اليوم ليكونوا، إذا منحناهم الفرصة، أداة شعوبنا للخروج من صراعات الأزمنة القديمة؟. 

raufah@hotmail.com

* الثورة نت