نقابة المعلمين اليمنيين تدين الاعتداء السافر على المعلمين في شبوة وتطالب بتحقيق عاجل ''أكد أنه لا أحد فوق القانون''.. أول مسئول كبير يحيله رئيس الحكومة للتحقيق بسبب قضايا فساد ومخالفات الحكومة اليمنية تتطلع إلى شراكات استثمارية وتنموية مع الصين حضرموت.. وزير الدفاع يشدد على مسئولية المنطقة الثانية في تأمين السواحل ومكافحة التهريب أوتشا باليمن: نحو 10 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات إنسانية #لا_لتطييف_التعليم.. حملة على مواقع التواصل الإجتماعي تكشف عبث الحوثي بالمناهج وقطاع التعليم حماس توافق على تشكيل لجنة لإدارة غزة بشرط واحد عيدروس الزبيدي يستبعد تحقيق سلام في المنطقة بسبب الحوثيين ويلتقي مسئولين من روسيا وأسبانيا النقد الدولي: قناة السويس تفقد 70% من الإيرادات بسبب هجمات الحوثيين أول رد لتركيا بعد هجوم حوثي استهدف احدى سفنها
هذا الفيلم شاهدته من قبل أكثر من مرة، كان ذلك أول تعليق جرى على لساني حين علمت بخبر عودة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن قراره الذي أعلنه قبل عام بعدم ترشيح نفسه للرئاسة، بعدما أمضى 28 عاماً في منصبه، ذلك أننا في العالم العربي ـ وباستثناء حالة لبنان ونموذج المشير سوار الذهب في السودان ـ لم نعرف خلال نصف القرن الأخير رئيساً للجمهورية غادر منصبه طواعية، فهو إما تخلى عنه بانقلاب، أو بالوفاة. أما فيما عدا ذلك فإن جميعهم ـ حماهم الله ـ ظلوا في مقاعدهم لم يغادروها، بناء على رغبة الجماهير بطبيعة الحال، وكله بالقانون، فإذا كان لا يحدد مدة لتولي رئاسة الدولة، فلا مشكلة، وإذا حدد الدستور تلك المدة فإن تعديله ـ بإرادة الشعب واستجابة لرغبته! ـ ممكن، إذ للشعب في هذه الحالة كلمته التي لا ترد وقراره غير قابل للطعن أو النقض، ولئن كانت للدستور قدسيته باعتباره «أبو القوانين» فإن قرار الشعب له قدسية أكبر باعتباره مصدر السلطات، ومن ثم فهو منبع القوانين، أو «حدها» إذا كان لا بد من إثبات النسب في هذه الحالة.
في الفيلم الذي حفظناه ومللنا مشاهده، لكثرة تكرارها، تلعب الأبواق دوراً جوهرياً، إذ حين تقترب نهاية ولاية الرئيس تسرب التصريحات التي تتحدث عن أنه تحمل الكثير كي يوفر للشعب الاستقرار والرخاء (لا أحد بالطبع يجرؤ على السؤال: أين هما؟)، وحرم نفسه من دفء الأسرة والحياة الاجتماعية المريحة، و............ كل ما يتمتع به الناس من متع في الدنيا، لأن الأقدار اختارته كي يخدم الجماهير، فامتثل لحكمة القدر ونذر نفسه ووهب حياته لأجل تلك الجماهير، وبعد أن حمل الرسالة وأدى الأمانة، فقد آن له أن يستريح، وأن يعطي الفرصة لغيره (ابنه في الأغلب).
ذلك هو الجزء الأول من الفيلم، الذي ما أن تنتهي مشاهده حتى تبدأ أحداث الجزء الثاني الذي تنهض البطانة بالمسؤولية فيه، ويتراجع دور الأبواق خطوة إلى الوراء، في حين تظل على المسرح لا تغادره. في هذا الجزء تتولى البطانة تحريك الجماهير ودفع مؤسسات المجتمع المختلفة للتعبير عن وفائها للزعيم الذي كرس نفسه لخدمتها والسهر على راحتها، وذلك بالإلحاح عليه أن يبقى في موقعه، لكي يتم رسالته، ويظل ممسكاً بميزان الاستقرار ومحققاً لحلم الرخاء الموعود، وإلا فإن غيابه سيفتح الباب للفوضى، وستبدد أحلام الرخاء، ولن تطلع على البلد شمس مرة أخرى، وفي هذه الحالة فإن الجماهير، رداً للجميل وتأكيداً للوفاء، لا بد أن تخرج إلى الشارع بعد أن تتوافد على العاصمة من كل حدب وصوب (محمولة على حافلات مرتبة سلفاً)، لكي تحمل لافتات الإلحاح على البقاء، وتهتف ـ بالروح بالدم ـ راجية الربان أن يظل باقياً في موقع القيادة، حتى لا تضطرب مسيرة السفينة وسط الأمواج والأنواء العاتية، الأمر الذي يعرضها للغرق المحقق، وفي هذه الحالة فإن الحشود لا تتردد في أن تؤكد على أنها ضد التغيير، وضد تداول السلطة، وإنما هي مع تأبيد البقاء على رأس السلطة، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.
هذه التظاهرات الحاشدة لا ينبغي أن تملأ الشوارع فحسب، وإنما لإحكام إخراج المشهد، يجب أن تغطى عبر وسائل الإعلام المختلفة، في الصحف والإذاعة وخصوصاً التلفزيون، حتى يعلم القاصي والداني مدى تمسك الجماهير برئيسها المحبوب، ومدى نفورها من أي تغيير، خصوصاً ذلك العنوان البغيض المسمى «تداول السلطة»، باعتبار أن صلاح الأمر كله لا يتم إلا بتأبيدها.
في هذه الحالة، ما الذي يتعين على أي رئيس مخلص لشعبه أن يفعله، وهو يرى بعينيه الحشود المليونية التي تملأ الشوارع، ويسمع بأذنيه هتافاتها التي تشق عنان السماء راجية منه أن يبقى في موقعه، وألا يدع السفينة تغرق وهي في عرض البحر؟ هنا يأتي دور الجزء الثالث من الفيلم، وفيه يظهر الزعيم أمام الحشود وقد بدا عليه الحرج والتأثر مما رأى وسمع، ليعلن على الملأ أنه كان قد عزم على الرحيل، وحزم أمره بالفعل، ليس فقط كي يستريح من عناء التفاني في خدمة الشعب، ولكن أيضاً لكي يعطي لغيره فرصة تولي القيادة، إعمالاً لمبادئ الديمقراطية التي أرسى قواعدها، وسيظل حريصاً عليها حتى آخر رمق، ولكن إزاء إلحاح الجماهير واستجابة لضغوطها، ولأنه جندي وهب حياته لخدمة الشعب، ولأنه عاهد الله ألا يرد للشعب كلمة ولا يخيب له أملاً، ولا يتخلى عنه أبداً، ورغم أنه كان متمسكاً بقراره، وكدأبه حريصاً على ألا تنزل كلمته إلى الأرض، فإنه في هذه المرة ـ وفي هذه المرة وحدها ولأجل خاطر الشعب الذي يعتصره القلق ـ قرر أن يضحي براحته التي تمناها، وأن يرجع في العهد الذي قطعه على نفسه، وأن يغير من موقفه الذي كان مصراً عليه، ولأنه لا يملك في نهاية المطاف سوى أن يمتثل لإرادة الجماهير الملتاعة، وأن يستجيب لرغبتها، فقد قرر أن يرشح نفسه للرئاسة التالية.
الجزء الرابع من الفيلم لا يحتاج إلى وصف أو تفصيل، لأنه سيتضمن مشاهد الفرحة التي تعم البلاد من جراء انتصار الإرادة الشعبية، الرافضة للتغيير والتداول، وهو ما تعده البطانة انتصاراً تاريخياً يكرس المسيرة الديمقراطية ويضرب حلم الرخاء.
للدقة والإنصاف، فمثل هذه الأفلام في العالم العربي لم تتخل عن «التعددية»، واحترمت الخصوصية الثقافية لكل مجتمع، آية ذلك أن إخراج الفيلم اختلف من بلد إلى آخر، وأن البطانة سجلت تلك التعددية بنجاح ملحوظ، فالذي يجري الآن في الجزائر، يختلف عما جرى في تونس، والتجربتان اختلفتا عن الحاصل في ليبيا، وذلك كله لا صلة له ـ في الإخراج ـ بما جرى في مصر وسوريا واليمن، وإن ظل جوهر الفيلم واحدا، إذ كما يحدث في الأفلام العربية التقليدية، حيث ينتهي الأمر بزواج البطل من البطلة، فإن فيلم «التمديد» أصبحت له بدوره نهاية تقليدية، ينعقد في ظله الزواج بين الزعيم والسلطة، وهو في هذه الحالة زواج كاثوليكي لا ينفصم، وليس زواجاً إسلامياً يحتمل التعدد!
الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها من الفيلم تتمثل فيما يلي:
إن موضوع الديمقراطية في العالم العربي ليس مأخوذاً على محمل الجد، رغم بعض الممارسات المتواضعة التي تشكل استثناء عن القاعدة، بالأخص في أقطار مثل المغرب ولبنان والكويت، وبدرجة ما الأردن، وفي كل الأحوال فإن حظوظنا من الديمقراطية لم تتجاوز الهياكل والأشكال (الديكور إن شئت الدقة)، أما الوظائف في الديمقراطية المتمثلة في حقوق المشاركة والمساءلة والتداول، فنحن نسمع بها فقط ولا نراها، مثل الغول والعنقاء والخل الوفي!
إن البنية السياسية والمدنية لمجتمعاتنا بالغة الضعف والهشاشة، فالأحزاب مصابة بالإعاقة، ومنظمات المجتمع المدني، التي يمول أكثرها من الخارج، ليست مشغولة بالإصلاح السياسي الحقيقي، والنقابات العمالية والمهنية إما مصادرة أو معطلة الوظيفة، ورغم وجود استثناءات محدودة على ذلك، فقد أصبح الأصل أنه لا يوجد في العالم العربي رأي عام قوي يستطيع أن يفرض نفسه على السلطة، أو حتى يلقى تقديرها واحترامها.
إن احتكار السلطة لسنوات طويلة خلق طبقات كاملة مستفيدة من ذلك الوضع، ومتمسكة باستمراره، لذلك فإنه إذا كان القادة هم أبطال فيلم «التمديد»، إلا أننا ينبغي ألا نتجاهل دور تلك الطبقات الانتهازية المستفيدة من عملية التمديد، والتي تمثل «الكومبارس» النشيط في الفيلم.
إن التجربة أثبتت أن الكلام الذي تسوقه الولايات المتحدة عن «دمقرطة» المنطقة هو من قبيل الدعاية والنفاق الدولي، كما أثبتت أن ما يشغل الإدارة الأميركية حقاً، ليس ما إذا كان النظام ديمقراطياً أم لا، ولكنه بالدقة ما إذا كان النظام موالياً أم لا، وإذا كان الرد بالإيجاب في هذه الحالة، فلتطلق يد كل نظام في شعبه، ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم.
الملاحظة الأخيرة، الجديرة بالتوقف أمامها طويلاً، هي أن كل النظم الملكية التي تحولت في الستينيات إلى جمهوريات «تقدمية»، بفعل الثورات والانقلابات، عادت إلى سيرتها الأولى (وأحياناً أسوأ)، إذ تحولت بلا استثناء إلى ملكيات مقنعة، فاحتفظت من حيث الشكل برنين كلمة الجمهورية، ومارست في العقل ديمومة الملكية، من ثم فإنها أقامت أنظمة وصفها البعض بأنها «جملوكية»، من ناحيتي فإنني لا أتردد في القول إن الرؤساء المؤبدين هم ملوك العرب الجدد الذين صرنا نقبلهم كما هم ـ حتى إشعار آخر على الأقل ـ وخفضنا في وجودهم من سقف أحلامنا، حتى أصبح غاية ما نتمناه أن يقيموا في بلادنا ملكيات دستورية، وأخشى ما أخشاه ـ في ظل استمرار هشاشة مجتمعاتنا وضعفها ـ أن نجد أنفسنا في نهاية المطاف وقد خسرنا ميزات الاثنين، الملكية والجمهورية، فلا فزنا لا ببلح الشام ولا بعنب اليمن!