الرئيس والشيخ الزنداني.. كروت ومصالح
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 17 سنة و 6 أشهر و 24 يوماً
الخميس 03 مايو 2007 09:00 م

قبل شهرين فقط قال الشيخ الزنداني إنه تعرض لمحاولتي اغتيال عن طريق تفكيك صواميل إطارات سيارته، دون أن يسمي الجهة التي حاولت اغتياله، أيضا قال للإعلامي سامي كليب إن العميد يحيى المتوكل (رحمة الله تغشاه) تم اغتياله وإن الحادث الذي تعرضت له سيارته كان مدبراً، في تصريح هو الأخطر، نظراً لثقل شخصيته ومركزه على رأس هرم حزب الإصلاح المعارض، لكن ذلك التصريح مر بهدوء ولم يرد عليه أحد، وبالتأكيد كان الشيخ جاداً في هذا الطرح، وهو متكئ على اسمه المدرج ضمن لائحة المطلوبين بحجة دعم الإرهاب وفق الأجندة الأمريكية وقرار مجلس الأمن، ويعتقد الشيخ أن هناك أطرافاً خارجية وراء ما وصفها بحادثة اغتيال، وقبلها كان بيان صادر عن مكتب الشيخ يؤكد وجود مخطط لاغتياله عن طريق شخص مجنون، لكن حراسات منزله تمكنت من إلقاء القبض عليه، وتم تسليم ذلك الشخص للجهات الأمنية التي سرعان ما أفرجت عنه لعدم وجود أدلة تؤكد تلك التهمه.

ويراهن الشيخ الزنداني الذي يرأس ويدير جامعة الإيمان الدينية والذي يقول الأمريكان أنه الأب الروحي لزعيم تنظيم القاعدة الشيخ أسامه بن لادن خلال عقد الثمانينات، إبان تواجد الزنداني في أفغانستان خلال الجهاد ضد ما كان يسمى بالجهاد ضد الشيوعية (الاتحاد السوفيتي السابق) وهي العلاقة التي كان الشيخ يفاخر بها خلال تلك الحقبة حيث ساهم حينها في تجنيد آلاف الشباب اليمني للجهاد ضد الشيوعية. دوماً على الرئيس صالح الذي أعلن مراراً وتكراراً رفضه تسليم الزنداني لأي جهة خارجية وغالباً ما يرسل تطمينات للزنداني بهذا الخصوص، وتعتبر جامعة الإيمان إحدى ثمار العلاقة التي تربط بين الشخصين، يؤكد ذلك حضور الرئيس صالح حفل افتتاح الجامعة، والزيارات المتباعدة التي يقوم بها للجامعة.

فهناك علاقة خاصة جداً تربط الشيخ الذي لم يكمل أي تعليم عالٍ، والذي أصبح رئيسا لجامعة أثارت الكثير من الجدل حولها وتمنح منتسبيها درجة الماجستير والدكتوراه في العلوم الشرعية وفق معايير خاصة يضعها مؤسسها وراعيها- والجندي الذي لم ينتسب لأي كلية عسكرية والذي أصبح قائدا للقوات المسلحة وواحداً من أفضل من حكموا البلد وأطولهم فترة زمنية، تلك العلاقة تتبدى بوضوح كلما تعرض أحدهما لضائقة سياسية، أو وقع تحت ضغط سياسي.

وعلى الرغم من كون الشيخ الزنداني أحد أعمدة حزب الإصلاح المعارض إلا أنه لم يمارس يوماً دور المعارض، باستثناء معارضته لدستور دولة الوحدة، وهي المعارضة التي أفضت به إلى عضوية مجلس الرئاسة رغم الدستور الكافر الذي يحكم اليمن حينها حد قول الزنداني، لكن يبدو أن الشيخ استند على القاعدة الفقهية التي ترى أن "الضرورات تبيح المحظورات" وخلال تواجده في مجلس الرئاسة، والذي ترافق مع ارتفاع وتيرة المماحكات السياسية بين أطراف الائتلاف الحاكم المكون من المؤتمر والحزب الاشتراكي، وتجمع الإصلاح، ترك كرسيه في المجلس ونزل إلى الميدان ومارس تحريضاً ضد الحزب الاشتراكي وتحدث هو بنفسه عن ذلك الدور في أكثر من مقابلة صحافية وقام بتجنيد المئات من الشباب للقتال في حرب صيف 1994م، وترأس لجنة لجمع التبرعات المالية لدعم المجهود الحربي، حتى أن هناك مقولة تقول: "إذا أردت أن تقنع الناس لدفع أموالهم دون أي سبب فأجعل الزنداني يرأس لجنة لجمع التبرعات".الشيخ الزنداني يستمتع بالتنقل بين مربعات السياسة والدين، وهو كذلك عالم ومخترع لعلاج الايدز، الذي يحتكره لنفسه ويرفض اطلاع أحد عليه، مكتفيا بسرد قصص عن أشخاص تناولوا علاجه ومن ثم تم شفاءهم من الفيروس، دون أن يسمح لأحد بمعرفتهم، أو التأكد من حقيقتهم، ويدافع الزنداني عن عدم كشف سر علاجه، أو إنزاله للأسواق بأسباب تتعلق بالحق المادي، حيث تبرز هنا شخصية التاجر والسياسي، على شخصية العالم الديني والمخترع.

ومع أن الزنداني يحب أن يلعب سياسة لكنه يكره أن يوجه له أحد الانتقاد أو يخالفه في الرأي حتى وإن كان من نفس حزبه، وعلاقته مثلاً بمحمد قحطان عضو الهيئة العليا للإصلاح خير دليل على ذلك، ولا يجرؤ أحد أن ينتقد الشيخ الذي يستقوي بالكثير من الأشياء ليس منها بالتأكيد حبه للحقيقة، متناسياً حقيقة كونه شخصية عامة، ومؤثرة وهو قبل ذلك بشر، يخطئ ويصيب، والحلم كما هو معروف من صفة العلماء، وكذلك التواضع وليس من صفات العلماء الاحتجاب عن الناس بالحراس والحجاب وكثرة المرافقين والسيارات المصفحة.

وهو فوق ذلك يكره الصحافة ويكن العداء للصحافيين ويقول إن الصحافة هي التي قدمت العديد من الوثائق والمقالات التي قال إن الأمريكان استخدموها ضده في استصدار قرار من مجلس الأمن بوضعه على قائمة الإرهاب، وهو لا يفوت فرصة للهجوم على الصحافيين، لعل أخرها قبل نحو عام عندما قام بالتحريض على الصحافيين وجمع التبرعات ضد الصحف التي قامت بإعادة نشر الرسوم الدنمركية، وفوض عدداً من المحامين للقيام بدعاوي حسبه ضد أربعة صحافيين يمنيين.

كلما تعرض الزنداني لضائقة التجأ للرئيس علي عبد الله صالح، ويدرك الأخير جيدا حاجة الأول إليه فيعرف كيف يستخدمه، وتعتري علاقة الرجلين حالات من الفتور، لكن الرئيس يعرف متى يزيل تلك الفترات وكلما لوح الرئيس بذراعه التفت الشيخ صارخا أنا هنا هل ناديتني، الشيخ الزنداني "كرت" مثله مثل الكثيرين غيره بيد الرئيس كما قال الرئيس نفسه ذات مقابله مع قناة الجزيرة، لكن الكروت تختلف!!.

فـ "كرت" الزنداني قابل للتعبئة أكثر من غيره؛ والجمعة الماضية أعاد الرئيس تعبئه كرت الزنداني فجاءت النتيجة سريعاً حيث حمل عصاه واعتمر عمامته وأعتلى منبر جامع دار الرئاسة وأرسل الشيخ رسالة مفادها أن الرئيس ذكره بزمن الخلافة الراشدة ووضعه في مصاف الخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم جميعا)، بل وذهب للقول إن ما يحدث في صعدة حرب "طائفيه ومذهبية" في تأصيل كريه لتلك الحرب، وخروج عن دائرة ما يقوله الإعلام الرسمي الذي يصف ما يدور في صعدة بأنه "تمرد سياسي وليس صراعاً مذهبياً أو طائفياً"، وتلك زلة لسان وقع فيها الشيخ فهل يتنبه لها ؟!!وهو ما يستدعي من الشيخ التوضيح حول مقتضي تفسيره للحرب بهذه الطريقة !!!

خطبه الجمعة التي خاطب فيها الشيخ الرئيس ومعه مراجع الزيدية وبثها التلفزيون اليمني أكثر من مرة، جاءت بعد يومين من نشر وسائل الإعلام خبر إدراج الانتربول الدولي اسم الشيخ على لائحة المطلوبين الدوليين للانتربول بتهم الإرهاب.

الرئيس صالح يعرف جيداً كيف يستخدم الشيخ كورقة سياسية عندما يحتاجه والتلويح بالمطالبة الأميركية دائماً ما تأتي عبر إعلام الحزب الحاكم وغالباً ما يقوم الرئيس بعدها بالدفاع عنه وغير مرة نفى أن يكون الزنداني إرهابياً وسبق أن رتب لقاء بين الشيخ والسفير الأمريكي العام الماضي لبحث خارطة طريق لإسقاط اسم الشيخ من قائمة الإرهاب لكن وزارة الخارجية اليمنية قالت "إن الشيخ لم يقم بالإجراءات المطلوبة والتي كان من ضمنها توكيل محامي أمريكي لمتابعة القضية في نيويورك".

وفي نفس إطار ذلك الاستخدام قام الرئيس باصطحاب الشيخ الزنداني " المدرج على لائحة الممنوعين من السفر " الى الشقيقة الكبرى (السعودية) رغم معرفته أن تلك الحركة ستؤدي لاحتجاج أمريكي على ذلك الإجراء، لكنه -أي الرئيس– يلعب سياسة ويستخدم الزنداني كورقة يلوح بها للأمريكان كلما أدارت واشنطن ظهرها للرئيس صالح، كما أن زياراته لجامعة الإيمان التي يرأسها الزنداني مرتين العام الماضي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في سبتمبر الماضي، وتوجيهه خلالها بتنفيذ العديد من المشاريع في الجامعة، وزيادة المخصصات المقدمة لها من الحكومة، كان الهدف من ورائها تشتيت المعارضة خلال الانتخابات، ومقابل تلك الزيارة اتخذ الشيخ الزنداني- الذي كان وقتها رئيساً لمجلس شورى التجمع اليمني للإصلاح -أكبر أحزاب اللقاء المشترك- موقفاً مغايراً لحزبه حيث امتنع عن المشاركة في دعم مرشح المعارضة المهندس فيصل بن شملان، وقال إن الرئيس صالح هو رجل المرحلة، الأمر الذي أثر سلباً على مشاركة قاعدة عريضة من محبي وأنصار الشيخ الزنداني داخل التجمع اليمني للإصلاح وخارجه.

نادراً ما يغيب الشيخ الزنداني عن أي فعاليه رئاسية تنظم في القصر الجمهوري أو خارجه، ولعل صورته وهو بجانب الرئيس وحاملا مع الرئيس السكين الذي قطعا به التورتة في الذكرى الخامسة والعشرين لتولي الرئيس صالح مقاليد الحكم في اليمن دليل على أن ما بين الرجلين أعمق من أن يكتب عنه في هذه العجاله، وأن هناك خيوطاً غير معلنه، وأن كل منهما يحاول استغلال الآخر حتى النهاية.

ويدرك الزنداني أكثر من غيره أن الرئيس علي عبد الله صالح هو الوحيد الذي بيده مقاليد الأمور في اليمن، ويؤمن أنه الوحيد الذي سيدافع عنه، وهو تصور خاطئ، فالدستور اليمني ومعه كل الفعاليات السياسية اليمنية بما فيها تلك التي يكن لها الزنداني عداء كبيراً، متفقون على عدم تسليم أي مواطن لأي جهة خارجية، فهل يتنبه الشيخ لهذه النقطة !! خلاصة القول: متى سنسمع شيخنا الجليل يقف إلى جانب الملايين من أبناء الشعب اليمني في قضايا تتعلق بأمور حياتهم اليومية كالغلاء والفساد والظلم والسجون الخاصة، والحريات العامة وقضايا المعسرين في السجون، بدلاً من محاولة تحسين صورته أمام الغرب الذي لن يرضى عنه، حتى لو خرج بعشرات الفتاوى على طريقة "زواج فرند" أو قدم نفسه كمنقذ للبشرية عن طريق علاج الايدز، فهو في نظرهم لن يكون إلا مطلوباً وحكم إدانته قد صدر؟

.
orqa11@hotmail.com

 عن / النداء

 عن / النداء