الإسلام والمسلمين في أوروبا فرنسا نموذجاً
بقلم/ عبدالغني الحاجبي
نشر منذ: 17 سنة و أسبوعين و 4 أيام
الأحد 11 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 06:43 م

مأرب برس – خاص

أوروبا القارة العجوز بتركيباتها المتنوعة والمعقدة بعض الشيء يتعايش فيها جنباً إلى جنب أجناس بشرية مختلفة في المدن الكبيرة والصغيرة وبعض القرى والأرياف. مدن مكتظة بالسكان، ووجوه بألوان الطيف، متعددة القوميات والأعراق، متعددة الجنسيات والأديان وبلا أديان، متعددة اللغات والثقافات، ومتعددة الأحزاب والتوجهات، ومتعددة الموضات والأساليب. كل هذا الطيف نجده في مدينة واحدة مثل باريس أو لندن أو برلين أو غيرهما من المدن الأوروبية، بل و نجد في كل مجموعة تنوعات أخرى أصغر.

الجالية المسلمة في أوروبا تعتبر أقلية دينية مقارنة بالكاثوليكية إلا أن الإسلام يعد ثاني ديانة بعد الكاثوليكية، وأكبر جالية مسلمة في أوروبا توجد في فرنسا (5 مليون مسلم) تليها ألمانيا ( 3.5 مليون مسلم). أما إجمالي المهاجرين في فرنسا من أصول أجنبية بدياناتهم وقومياتهم ولغاتهم المختلفة فيقدر عددهم بحوالي 6.5 مليون ش خص من العرب والأفارقة والهنود والأسيويين والأتراك والأوربيين. والكثير من هذه الجاليات الأجنبية في فرنسا لديها الجنسية الفرنسية ويعتبرون مواطنين فرنسيين إلا أنهم يواجهون الكثير من العراقيل والصعوبات في الاندماج في المجتمع الفرنسي سواء في مجال العمل أو في الجانب الإداري أو الاجتماعي أو الثقافي أو الديني. ويرى الكثير من السياسيين والمثقفين أن أسلوب النجاح في تحسين أوضاع المهاجرين هو دمجهم في المجتمع الذي يعيشون فيه. فرنسا هي إحدى الدول التي وضعت في سياستها دمج الأجانب ليكونوا عامل إيجابي وفعال في المجتمع. تنعقد الندوات والمحاضرات وتبث البرامج الإعلامية من وقت إلى آخر، لكن عملية الاندماج لم ينجح بعد أو لم يراد لها النجاح، وما زال الطريق طويلاً أما البلد التي تبنت إعلان حقوق الإنسان في 26 أغسطس 1789م أي بعد شهر واثنى عشر يوما من قيام الثورة الفرنسية في 14 يوليو 1989م.

النظام التعليمي الحكومي في أوروبا نظام علماني ولذا فالمدارس ليس لها الحق في تدريس المواد الدينية سواء كانت المسيحية (بمذهبيها الكاثوليكي والبروتستانتي) أو الإسلام أو اليهودية. لكن كون أن الأديان هي جزء من التاريخ والحضارة الإنسانية فإنه تم إدراج تعليم الأحداث والوقائع الدينية إلى مناهج التاريخي باعتبارها أحداث تاريخية. لكن المُطلع على المناهج والمتتبع لسير العملية التعليمية في فرنسا مثلاً يدرك أن هناك تحايل على مفهوم العلمانية فيما يخص تدريس الوقائع والأحداث الدينية. صحيح أن المناهج تحتوي على الوقائع والأحداث الدينية من ناحية تاريخية إلا أن المدرسين لهم مساحة كافية في التوسع في المعلومات بحيث يصعب مراقبة ذلك. وكثير من الطلاب يشتكون من بعض الأساتذة الذين يحولون دروس التاريخ إلى دروس دينية عن المسيحية أو عن اليهودية، دون أن يعطوا للإسلام نصيبه من ذلك أسوة بالديانتين السابقتين.

 

الإسلام في أوروبا أو "الإسلام الأوروبي" – كما يروج لهذا المفهوم السياسيين والمثقفين الأوربيين– تبرز من خلاله جاليات كبيرة في كل بلد، فنجد المسلمين الأتراك في ألمانيا، والمسلمين الهنود والباكستانيين في بريطانيا، وأبناء المغرب العربي في فرنسا. بالرغم من أن عدد المسلمين في دول الإتحاد الأوروبي يصل إلى ما يقارب أربعة عشر مليون مسلم إلا أن الدول التي يعيشون فيها تمارس سياسة العزل والتهميش لهذه الجاليات، فأغلب المسلمين يعيشون في مجمعات سكنية في ضواحي المدن مما زاد في عزلتهم وارتفاع مستوى البطالة والفقر في أوساط الجاليات المسلمة. فنجد نسبة البطالة لدى السكان البريطانيين من أصول بنجلادشية أو باكستانية أعلى بثلاث مرات من الأقليات الأخرى، ونسبة البطالة في أوساط الفرنسيين من أصول مغاربية مرتفعة جداً مقارنة بنسبة البطالة في فرنسا بشكل عام، وكنتيجة حتمية تبرز في أوساط هذه الجالية وضع اقتصادية هش. فهم أقل تأهيل وظروفهم المعيشية متدنية، وغير مستقرين، ومُركزين في بعض القطاعات دون غيرها كصناعة السيارات، والمعادن، وشركات النظافة، ومصانع الغزل والنسيج وفي المناجم والبناء. هذا هو حال سكان الضواحي في المدن الفرنسية، ومن خلال هذه التجمعات السكنية المعزولة والفقيرة تحاول السياسة الفرنسية أن تبلور صورة عن هذه الجاليات فتجمع بين الإسلام والفقر، وبطريقة مبطنة ومعلنة أحيانا تعتبر أن الإسلام هو المسئول عن تلك الأوضاع.

وقد رافق هذه الحالة السيئة اقتصادياً واجتماعياً لمسلمي أوروبا ظهور الخطاب العدائي (إسلاموفوبي) أو الخطاب العنصري ضدهم، ويستخدم هذا النوع من الخطاب لأغراض سياسية حيث يكون هذا الخطاب أكثر حدة في فترة الحملات الانتخابات. ويجد هذا الخطاب العدائي للمسلمين طريقه بين الأوساط السياسية والمثقفة مع أدنى مشكلة تطفوا على السطح. ففي فرنسا، ظهر في العام الماضي كتاب لأحد السياسيين يدعى فيليب دوفيليه (برلماني ورئيس حزب" الحركة من أجل فرنسا" وهو أحد الأحزاب اليمينية وكان أحد أضعف مرشحي الرئاسة الفرنسية الأخيرة) يحمل عنوان "مساجد رواسي" أي مساجد مطارات "رواسي شارل دو جول"- في إشارة إلى المسلمين العاملين في المطارات حيث يتهمهم بأنهم خطر على أمن وسلامة فرنسا نتج عن ذلك طرد أكثر من أربعين عامل من المسلمين. أحد محرري جريدة لوبوان (النقطة) الفرنسية قال بصريح العبارة في إحدى مقابلاته مع قناة ( LCI ) بأنه معادي للإسلام وليس فقط للإسلاميين: "يجب أن أكون صادقاً، أنا معادي للإسلام، ولست منزعج من قول ذلك". رينيه بوميه، أستاذ أدب القرن السابع عشر في جامعة السوربون قال في إحدى مقالاته :"مازال هناك عدد كبير من الفرنسيين مناهضين للإسلام، ولكنهم ليسوا عدائيين تجاه العرب، وأنا واحد منهم لأني أشعر بعدائي للإسلام". ما زلنا نتذكر أيضاً مقال الكاتب الفرنسي روبير ريديكير في صحيفة الفيغارو في العام الماضي والذي أثار الكثير من ردود الأفعال في فرنسا والكثير من البلدان الإسلامية، حين قال " الكراهية والعنف يملآن الكتاب الذي يتعلم منه كل مسلم وهو القرآن"، وأضاف " إفراط في العنف، قائد حرب لا يرحم، جزار اليهود، ومتعدد الزوجات، هذا هو محمد كما يصوره القرآن" وهذا النوع من الخطاب يذكرنا بالخطاب العدائي للإسلام في القرون الوسطى وحتى القرن الثامن عشر الميلادي. وهناك قضايا أخري تبين مدى تحامل الكثير من السياسيين الفرنسيين على السكان المسلمين كقضية الحجاب وقضية الرسومات الكاريكاتورية في الدنمارك والتي انتشرت في جميع أنحاء العالم وقامت بعض الصحف ومنها الصحف الفرنسية بإعادة نشرها، وكان أبرزها صحيفة شارلي ايبدو التي تم مقاضاتها في المحكمة إلا أن المحكمة برأت الصحيفة في مارس من العام الماضي معتبرة أن نشر الصحيفة لتلك الصور يعتبر جزء من حرية التعبير. كان حينها رئيس الجمهورية الفرنسية الحالي نيكولا ساركوزي وزيرا للداخلية وكان قد صرح بهذا الشأن قائلاً: " الإكثار من الرسومات أفضل من الإكثار من الرقابة". إلى أنه أبدى انزعاجه عندما قام مجموعة من الشباب في 17 أكتوبر الماضي بتعليق صورة كاريكاتورية له شخصياً وهو يشير بإصبعه الوسطى (إشارة سباب) وعلى إثر ذلك قامت الشرطة باحتجاز مجموعة الشبان والتحقيق معهم. مفارقات غربية غريبة! لماذا هي حرية التعبير هنا؟ أضف إلى ذلك الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تنادي بـ"فرنسا للفرنسيين الأصليين" وتطالب بطرد الأجانب. كل ذلك يتم من قبل بعض السياسيين والمثقفين والإعلاميين يحق الإسلام والجاليات المسلمة، إلا أن هناك من الشخصيات الفرنسية المنصفة والتي تتحلى بخطاب متزن ليس حباً في الإسلام ولكن لأنهم وصلوا إلى درجة من القناعة أن الإنسان مهما أختلف دينه أو عرقه أو لونه فهو الإنسان وأن تعدد الثقافات والأديان والأعراق في أي بلد ليس عبئ على هذا البلد ولكنه وتنوع اجتماعي وثروة ثقافية واقتصادية مهمة إذا ما استغل هذا التعدد استغلال إيجابي. وهذه الشخصيات تتجنب الخلط بين الإسلام والمسلمين من ناحية وبين الجماعات المتطرفة من ناحية أخرى.

ومما زاد أوضاع الأقليات المسلمة سوءاً في أوروبا هي أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م التي أضفت بنتائج أكثر سلبية على المسلمين حيث أصبحت المجتمعات الأوروبية تنظر للمسلمين بنظرات شك وريبة. ومن حينها يحاول الكثير الجمع بين ثلاثة أشياء وهي الضواحي (بصورتها السيئة: الفقر، البطالة، المخدرات) والإسلام والإرهاب. منذ أحداث سبتمبر تعمق الخطاب عن الهجرة وتأثيرها على الأمن في كل من فرنسا والنمسا والدنمرك وألمانيا واليونان وإيطاليا والبرتغال وقامت هذه الدول بإصدار قوانين تخول لها القبض على أي شخص وأسرته واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه. وفي حالة من الصمت بل وعدم فهم لما يدور، يبدوا في الأفق ظهور إسلام خاص بالمجتمع الأوروبي، أي إسلام معلمن، يصاحبه نوع من الاستقلالية الدينية الشخصية، يمارس الشخص دينه مع عدم ارتباطه بأي تيارات، مع تحفظ الدول الأوروبية على بعض الشعائر الدينية كالختان والزواج والدفن. 

 

بالرغم من بروز هذه الأوضاع وتفاقمها مع مرور الزمن إلا أن الجالية المسلمة في فرنسا تتعايش مع بقية الجاليات الأخرى والسكان الأصليين بسلام وهذا ما جعلها تعيش ويكبر حجمها شيئاً فشيئا مع مرور الزمن. ولا ننسى السبب الرئيسي في ذلك أن أوروبا أصبحت كما يسمونها أرض "الاستقبال" يقصدها الطلاب والشباب الباحثين عن ظروف معيشية أفضل يتوجهون إلى دول غرب أوروبا والدول الاسكندينافية. كما أن الحركات الإسلامية المتشددة التي تشعر بالخوف في بلدانها تقصد اللجوء في أوروبا والتي بدورها تحتضنهم مع المراقبة المستمرة لهم. وفي هذه السنوات الأخيرة قامت بعض دول الإتحاد الأوروبي بمراجعة قوانينها الخاصة بالهجرة. وهذا ما حدث في فرنسا عام 2005م، حيث تبنت سياسة "الهجرة المختارة" والتي ركزت على استقطاب العقول والأدمغة الموجودة في العالم وخاصة في العالمين العربي والإسلامي والقارة الأفريقية وعرقلة الإجراءات أمام الهجرة التي تضيف عبء أكبر على الدولة. ويبقى السؤال: إلى متى ستظل أوروبا العلمانية أفضل للمسلمين من بلدان الإسلام؟