تعز ثانية .. إني أحبكم ورب الكعبة
بقلم/ عزالدين سعيد الأصبحي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 14 يوماً
الأربعاء 11 مايو 2011 03:24 م

هاهي تعز ثانية تحتل كياني وأنا بين أرصفة الشتات !

هل قلت ثانية ؟؟ .. ومتى كانت قد غادر تني أصلا لتعود ثانية تجتاحني ؟؟!!

ياالله كيف تحضر هذه المدينة ببهائها وشموخها وتحتلني لا ليس السبب إن العمر الأجمل كان ولا يزال فيها ؟ لا هو شيء من عشق المكان الذي لا يفسر دوما أقول عن الإحساس بالحب انه صعب التوصيف أنت تحس به مثل الضغط الجوي الذي يفجر أذنيك من شدته ولكن لا تراه ؟ هذه أشياء لا تفسر .

هاهي تعز تطل علي عبر الشاشات بالوجوه الشابة الغاضبة والنساء الجميلات اللاتي تقدمن صفوف الثورة والغضب .. هتاف الحناجر يملأ السماء ويملأني بالعزة ما أن افرغ من لقاء أو اجتماع أو محاضرة إلا ويأتي من يشد على يدي ويقول

- يسلموا ها الشباب ما أروعهم

- ما أعظم نسائكم

- هذه ثورة نبيلة تستحق الاحترام

هرعت إلي زميلة لم أرها من سنوات طوال ربما خمسة عشر سنه مضت الآن ( يا للعمر الذي يمضي ) ؟!!

كانت تعدو والدمعة بعينها وتكاد تصرخ رأيتك بالتلفزيون رأيت تعز مدينتك التي طالما تحدثنا عنها هل تذكر؟

تسمرت في مكاني ياالله ؟ كل هذا العمر مضى ؟ كيف لي ان أنسى ؟ أقول لها

كيف ننسى تعز وأيام وعمر ؟\

رأيت تلك الدمعة التي تنبع من نبع الذاكرة والحنين رأيت تأثر الناس المحيطين بنا ونحن نتحدث بحرارة

عن الشباب نحكي عن حلم يولد من جديد عن اليمن الذي ينبعث ثانية ؟

اليمن الذي يولد الآن بالعراء الرحيم في ساحات الحرية وفضاءات التغيير في هذه الميادين الحنونة التي تعيد لنا طعم الحياة

نعم اذكر وكيف لي ان انسي ؟ أنسى هذه المدينة التي تعيش في قلبي ها أنا أرى في وجوه الشباب عشرات من الصور التي اعرفها والأصوات التي أحفظ نبراتها لأصدقاء وزملاء لا أنساهم أبدا

يأتيني الهاتف من تعز بصوت متردد معتذرا بأنه حصل على هاتفي من الأهل في الحارة القديمة واسترسل يعرف بنفسه ويذكرني بالأيام الأجمل 

- نعم أذكرك اذكر كل تفاصيل الحارة وكل شبر في أزقتها

وأبهجتني نبرة الفرح بصوته وأنا اذكر له تفاصيل قديمه وأسماء عديدة

كيف لي ان انسي هذا الفرح المتدفق من المدينة البهيجة .. من باب موسى والمصلى .والميدان والباب الكبير

اذكر أيام الجحملية وسوق الاشبط والقات العوارض من صينا وعلبة الكولا المصنوعة بالحصب ؟

كيف لي ان أنسى هذا العمر المبعثر على أرصفة فيها من الحنان بما لا يوصف ويا الله كيف يهجم الألم على القلب وانا أرى شباب يحملون قتلى وارى الأطفال المطاردين في الأزقة من رجال الجيش البواسل والأمن الميامين ؟ أرى كيف يتمنطق قادة الحرس والأمن بالأسلحة الكاسحة ويتباهون بقوتهم على المدينة التي يرونها ( غنيمة ) مع قلة من المهووسين بقتل ابتسامات الأطفال الودودين الذين صبروا سنين على القهر أسئلة لا يرد عليها غير هذا الصمت الذي مزقه الآن صرخة الغضب للشباب الأكثر شجاعة شباب يولد من جديد ويوجد معه حلمه في الخروج من دوائر القهر والخوف الى ساحات الحرية رافضا أن يقبع كالأبله يصفق لخطابات مسئولين لا يدركون قول معلوم ولا يكونون جملة مفيدة واحده وان ينضم لمجموعة المصفقين وفرقة القابعين تحت الأحذية يحمدون الحاكم على قهره

تعز مثل المدن الأخرى في هذا البلد المسمى بكتب التاريخ ( اليمن السعيد) رفضت أن تبقى مع المدن الغنيمة

تحمد المولى على تسامح العسكر فقط ؟!

الآن دعونا نعترف بصدق ونقول للشباب والصبايا الذين نفضوا عنا غبار الخوف

– شكرا

شكرا لهذا الفعل الثوري لهذا الانجاز الذي يبقى أهم ما في جوهره انه أعاد الإحساس بالكرامة ألينا

أعاد إلينا الشعور باادميتنا

أعاد إلينا هذه اللحظة بالإحساس بالكرامة ونحن نقف أمام موظف الجوازات في مطار أوربي ولا نخجل من جواز سفرنا اليمن ولا من النسر المحلق عليه والذي تحول خلال سنوات إلى طائر ذليل يقف في طوابير المتسللين بالصحراء يريد ان يدخل فقط دول شقيقه ليس فيها غير الذل ؟ّ

ها نحن لا نحلم الآن بجنسية أخرى ولا هجرة أخرى لأن ما كان ينقصنا هو الشعور بكرامة الوطن لا الأرض نفسها وهاهي الكرامة تأتي مع خروجكم الشامخ عن حالة الذل

لقد أدركنا الآن أن على هذه الأرض ما يستحق ان نحيا لأجله وان يمن أخر ممكن

وإن ما كان ينقصنا ليس ( مشروع مكافحة الفقر) ولا مساعدات الخليج وبرامج وكالة التنمية الأمريكية والاتحاد الاوربي إن ما كان ينقصنا ونحتاج اليه هو ( هذا الإحساس بالكرامة )

- في المطار العربي أرى كيف يتطلع موظف الجوازات بجواز سفري ويتطلع إلى البلد والمدينة ويقول وابتسامة الرضا تملأ وجهه 

- نتابع ثورة الشباب في اليمن وقلوبنا معكم صرنا نعرف تعز وعدن واب والمكلا والحديده و و و

ولا يكف يسأل ويتحدث ويقول بصدق

شو ها لشباب اليمني الرائع شو ها النساء البطلات ؟؟

ولا احبس دمعة تسقط من الفرح والحزن وأقول نعم

أولئك أهلي أنهم الأكثر روعة على هذه الأرض

في الطريق إلى جنيف أتوقف باسطنبول مدينة رائعة أحب ا ن أزورها ولو لساعات لأرقب جمال لا يوصف وشموخ مجد لا ينسى هز الكون كله ( لدى الأتراك نظرة شموخ مميزة تجذبك غصبا عنك )

أقول للسائق لنسرع لأن الوقت أثمن ولألحق لقاء صغير تضامني مع اليمن

في اللقاء الودي يغمرني الأصدقاء بحميميتهم وهم يتحدثون عن اليمن والمنطقة التي تفيق من سباتها ويسألون عن كل شيء بشغف ومحبه كانت ألصديقه التركية الرائعة جوليشان قد أخبرتني ان اليوم هو يوم الأمهات الأتراك ورأيتها فرصة لأحدثهم عن عمق التحولات والتضحيات التي تتم

قلت لهم سأخبركم قصة أم يمنية عظيمه لكنها

قصة الأم الشابة التي رأت ابنها اليافع على شاشة التلفزيون صدفة إثناء الأخبار ضمن الذين يهتفون مع المتظاهرين سلميا ورايته محمولا على الأكتاف وطارت من الفرح وهي تصرخ بمن بالمنزل أن يحضروا ليروا وحيدها الذي يظهر بالتلفزيون للمرة الأولى ولم تكتمل الساعة لتتبدد الفرحة وتعود نفس الشاشة بنفس اليوم لتنقل الصورة لشباب محمولين مضرجين بالدم وبينهم ابنها

نفس الأسرة رأت ابنها محمولا ثانية هذه المرة كجثه

لم تدرك الأم التي شلتها المفاجأة ان ابنها كان يودعها بإطلالته الأولى على شاشة التلفزيون وأنها لن تراه ثانية وسيصبح الشاب الذي كان يحلم بوطن أجمل مجرد صورة على الجدار تذكرها بحجم التضحية التي ندفعها من اجل حلمنا

لم اكمل الحكاية لأني تجمدت بين ادمع الأمهات الحاضرات أدركت أنهن جميعا يعرفن أم الشاب ويحطن بها الآن

ااااه كيف يمكن لي ان أنسى كيف ؟؟

لا ادري ماذا أقول ولا كيف اختتم مقالي بغير ان أقول يا شباب

إني أحبكم ورب الكعبة