توقيع الرئيس
بقلم/ ناصر محمد الشريف
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 7 أيام
الأربعاء 18 مايو 2011 10:34 م

ظلت اليمن على مدى ثلاثة عقودٌ ونيف من الزمن مرهونة تحت قلم الرئيس وتوقيعه ، كان توقيع الرئيس هو ما تمهر به قرارات الحروب قبل اندلاعها فإذا اندلعت وحصدت الأرواح تباعاً وأنهكت البلد كان لابد ان يحضر توقيع الرئيس إن كتبت لهذه الحروب نهاية لتوقيع قرار السلم بعد الحرب ، ولردحاً من الزمن كان لتوقيع الرئيس القول الفصل في رقاب اليمنيين فمنذ توليه هو شخصياً رئاسة مجلس القضاء الأعلى كان لا يمر حكماً بإعدام أي متهم إلا بعد مروره بتوقيع الرئيس وللرئيس حينها الحق في المصادقة على حكم الإعدام من عدمه ، كان توقيع القاضي الرئيس حينها هو المهم وليس المهم هو إلمامه بحيثيات الحكم وأصول القضاء والأحكام القضائية فالكل يعرف حينها أن الرئيس لا يفقه شيئاً في أمر القضاء وان وظيفته هذه كانت هي عين الباطل .

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل امتد الأمر إلى أن توقيع الرئيس لابد ان تُمهر به جميع القرارات بالتعيينات في جميع السلطات سواءً التشريعية أو التنفيذية أو القضائية فهو من يصدر قرارات بتعيين القضاة وهو من يصدر قرارات بتعيين موظفي الإدارة العليا والسلطة العليا في الجهاز الإداري للدولة وكم كان لهذا التوقيع من إسهام كبير في تدجين أجهزة الدولة المختلفة بعتاولة الفساد وناهبي المال العام وو الخ ، لم يأتي احدهم إلى منصبه اعتباطاً كان لابد لكل فاسدٍ عرفناه طوال الثلاثة العقود الماضية أن يحصل على قراراً جمهورياً بتعيينه ولابد لهذا القرار من توقيع الرئيس حتى يصبح نافذاً ويصبح هذا المسئول نافذاً وفاسداً في الدولة ، والأدهى من ذلك كله أن الرئيس استغل النفوذ والقوة الكبيرة لتوقيعه في تعيين جميع أفراد أسرته في مختلف المؤسسات العسكرية والمدنية والشركات المملوكة للدولة لا بل وامتد الأمر إلى تعيين أنسابه هو ، وأصدقاء أبنائه وابنا أخيه في مرافق الدولة المختلفة .

ليس هذا فقط ما أنتجه قلم الرئيس وتوقيعه بل أن العديد من إشكاليات ومشاكل البلد كان مصدرها توقيع الرئيس وتفرد هذا التوقيع بمصير البلد ومصير خمسه وعشرون مليون نسمه فيه ، فلا يمكن أن تمر القوانين التي تقيد حقوق الإنسان وتصادر حرياته وتساهم في تزوير الانتخابات وتصادر إرادة الأمة إلا بعد مرورها بهذا التوقيع المشئوم ، ولا يمكن أن تمرر الاتفاقيات الدولية المجحفة بحق البلد والمنتهكة لسيادته لولا وجود توقيع الفندم عليها ، اتفاقياتٍ عده كان لها ضرر كبير على ثروة الأجيال كاتفاقية بيع الغاز لكوريا مثلاً وتأجير مينا عدن لموانئ دبي كانت تصل إلى الرئيس ليصادق عليها لتصبح سارية المفعول .

تحت توقيع الرئيس وتوجيهاته ، وزعت ارضي الجنوبيين وممتلكاتهم بعد صيف1994م، وصرفت السيارات الفاخرة للشراء الذمم والو لاءات ، ومُنحت أموال الشعب لشلة قليله من المنتفعين والمقربين دون وجه حق وتم إقرار المرتبات والمعاشات العالية للمشائخ والمخلصين لدار الرئاسة ، صدرت الأوامر تحت توقيع فخامته بتوظيف قليلي الخبرة في الأماكن الهامة كالخارجية والنفط وغيرها ، وتم ابتعاث ألجهله للدراسة في الخارج ليحصدوا فشلاً ذريعاً بإسم اليمن وليس هناك من معيار يسمح بإبتعاثهم لولا هذا التوقيع السيئ الصيت ، وكل توقيعات الرئيس التي تحدثنا عنها كانت توضع بصفته رئيساً للجمهورية وليس بصفته رئيساً للمؤتمر الشعبي العام .

ثار اليمنيون بمختلف شرائحهم الاجتماعية ومستوياتهم العلمية ليضعوا حداً لهذا التوقيع ويكسروا هذا القلم الذي ضل يعبث بحياتهم وبمستقبل أولادهم طيلة 33 عاماً وخرجوا إلى الشوارع مطالبين برحيل التوقيع وإسقاط القلم فسُفكت دماؤهم في الشوارع وزُج ببعضهم في السجون والمعتقلات فجاءت ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية لتستنكر ذلك وتحاول أن تضع حداً له فوضعت الحلول وقُدمت المبادرات لوقف نزيف الدم اليمني وتم اشتراط توقيع الرئيس على ذلك وكانت المفاجأة .. الرئيس يرفض التوقيع !؟

هذا التوقيع الذي حدث تحت وطاء ته كل ما أسلفنا ذكره يمتنع أن يضع حداً لسفك دما اليمنيين وأصبح مثار بحث ونقاش محلياً وخارجياً وأصبحت تعقد لإجله الاجتماعات هنا وهناك واصبح محل تناول وتحليل في العديد من وسائل الإعلام ، وهو التوقيع الذي لم يكن يتورع حتى عن التوجيه بتسجيل مجموعة عجائز في قريةٍ ما في صندوق الضمان الاجتماعي ،، إنها مفارقةٌ عجيبه تحدث هنا في اليمن ومع رئيس اليمن علي عبدالله صالح فقط.