من تناقضات المصالح .. صالح معافى ومبارك في المشفى
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 8 أيام
الأربعاء 10 أغسطس-آب 2011 12:30 ص

إنه عندما تكون كلمة المصالح هي العليا؛ ويدها هي الطولى؛ فعليك أن تعلم – يقينا - بأنه قد أصبح لها دين لا يرضاه رب العالمين ولا قيم المنصفين؛ وهذا يعني أننا صرنا في زمن انقلاب الموازين وتراجع شرائع الدين، وتخوين المصلحين؛ وأينما تجد للمصالح دين؛ تجد التجاوزات والتناقضات؛ فمن الأولى – مثلا لا حصرا – تحريف مسميات الثورات إلى أزمات، فما يوجد في اليمن بحسب قراءة الدول الخليجية أزمة سياسية؛ لهذا تم اختزال الشعوب في المعارضات، فهذا الدين - مثلا - هو من أجاز اختزال الشعب المصري في الإخوان المسلمين؛ واليمني في المشترك تارة وأخرى في الإصلاحيين، وعلى الشعبين المصري واليمني أن يؤمنا بمبدأ تناقضات المصالح؛ فيقتنعا بأن صالحا [السقيم] معافى ومبارك [السليم] في المشفى.

وإذا اللبيب تساءل فكرُه: لم كل هذا التحوير/التشفير ؟ حدثه هاجسه: حتى الثورة - في البلدين - لا تسير وتصبح على الشعبين حمل ثقيل، وقبل أوانها تحط الرحيل؛ فلا ثورة مصر تتبارك؛ بل تضل تطالب بـ (حبس مبارك/محاكمة مبارك)، ومثلها ثورة اليمن تضل في ميادينها لا تراوح؛ بل تجدها – راغمة - تحدث نفسها عن (صحة صالح/عودة صالح)؛ فلا هي تزيد باحثة عن المزيد ولا هي تمضي – مسرعة - نحو يمن جديد. هكذا في عموم الثورات ظن المرجفون وخيب ظنهم الثائرون؛ فلسان حال الآخرين يقول: إنا على درب شهدائنا سائرون وعنه – قيد أنملة – غير متراجعين وإنا في الميادين صابرون ومصابرون ومرابطون وسيعلم المتآمرون - الذين لصد الثورات أموالهم بسخاء ينفقون أن هذه الأموال ستكون عليهم حسرة ثم يغلبون.

وهكذا كلما تداعت الثورات زادت – متسارعة - المتناقضات؛ فثورة البحرين – من وجهة نظر إيرانية – [أصيلة] وثورة سوريا لإسرائيل [عميلة]؛ لهذا وجهت إيران للأولى (الشيعية) نفيرها وكأن قناة العالم أوجدت لأجلها، وللأخرى (الشعبية) وجهت - محذرة - نذيرها، وهكذا بين الأمم - إيران - ذاع صيت نفاقها؛ لأن دين المصالح أصبح ديدنها ودينها. وإذا ما نظرنا إلى ثورتي سورية واليمن من زاوية (الجيران لإيران) نجد أنفسنا في سياق التناقض نفسه؛ فمثلما قناة العالم كأنها وجدت لأجل ثورة البحرين؛ ظهرت قناة العربية وكأنها لأجل ثورة سوريا وجدت؛ لأن ما يحدث في سوريا بالنسبة لهذه القناة (ثورة شعبية) أما ما يحدث في اليمن - كما سلف - ليس سوى (أزمة سياسية)؛ فالأخيرة لا تخدم إسرائيل في حين الأولى تخدمها أو على الأقل تحاول إسقاط نظام يدعم حزب الله الذي هو - ظاهرا - عدو لدود لإسرائيل؛ لهذا كان هذا الأخير على أمريكا وإسرائيل حمل ثقيل وفي الوقت نفسه رقم صعب وعسير لا يمكن اقتلاعه أو اجتثاثه أو إضعافه؛ ليس لحقيقة قوته؛ إذ هي لا تساوي شيئا أمام قوة أمريكا وإسرائيل - إذا ما حسبناها ماديا - إنما لحقيقة علاقة المصالح الأمريكية الإيرانية.

وها هي - بدين المصالح - تصبح [عزيزية القذافي] أيضا رقما صعبا وعصيا؛ فلم تقدر عليها الطلعات الجوية الفرنسية والأمريكية والإيطالية وغيرها؛ ولا حلف النيتو الذي وقف هو أيضا عاجزا أمام الوصول إليها؛ وكأنها بدت لنا في صورة (إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد)؛ إذ لا يقدر عليها إلا رب العباد؛ وذلك ليسمحوا للقذافي بالمزيد من القتل، وهو نفسه ما يحدث في سوريا، على الرغم من أهميتها لإسرائيل – بزعمهم – إلا أنه من الأفضل أن يتركوا النظام السوري حتى يسرف في القتل؛ فموقف أمريكا من النظام السوري لا يختلف عن موقفها من النظام الإيراني، ومثلما كانت التهديدات طعما للخليجيين كان وضع رموز نظام الأسد في القائمة السوداء طعما للسوريين؛ فأمريكا تمسك العصا من النصف حتى ترضي الشعب السوري والنظام الإيراني، فإذا ما انتصر الشعب السوري دون دعم غربي تكون أمريكا قد حفظت شيئا من ماء وجهها أمام الرأيين (الرأي الشعبي العربي ومنه السوري، وأمام النظام الإيراني؛ فيترك النظام السوري يقتل في السوريين؛ حتى لا تتأثر المصالح الإيرانية الأمريكية من جهة؛ ومن جهة ثانية تحسب بقية الشعوب - التي لم تطلها رياح الثورة – ألف حساب قبل أن تبدأ أو تفكر بعمل ثورة مشابهة لما سبق من ثورات في بلدانها، ومن جهة ثالثة تزيد فاتورة حساب الثورات؛ فلا تسقط الثورة النظام - أو بمعنى أدق - لا يسمح دين المصالح لهذا الأخير بالسقوط إلا وقد سقطت الثورات اقتصاديا؛ حتى تضطر أن تمد أيديها ومع هذا المد تبدأ المساومات على التشكيلة الجديدة للنظام الجديد الذي لا بد أن يكون فيه لإسرائيل نصيب. 

وعودا إلى إيران؛ فلولا هذه الأخيرة وقوتها وحرص أمريكا على بقائها؛ لما ابتزت الأخيرة - ماليا وسياسيا وأخلاقيا – جيرانها - وبالأخص السعودية - ولما رضيت هذه الأخيرة – التي كانت مهبطا للرسالات السماوية - أن تصير - في زمن تداعي الثورات - مهبطا للنفايات الثورية، ويذكر اسمها أينما ذكر الدفاع عن رئيس مخلوع أو دعم نظام متهالك أو بقية نظام غير صالح، وها هي مسكوا وألمانيا ترفض استقبال صالح بصفته كرئيس حتى لا تتأثر سياستها الخارجية وأخلاقها مع شعوب المنطقة العربية فلماذا قبلت السعودية بذلك إنها مكرهة تحت مظلة الفزاعة الإيرانية التي بيد أمريكا؛ ومن هنا نتأكد أنه قد انطلى عليها وأخوتها لعبة أو طعم التهديدات الأمريكية بمعاقبة إيران عسكريا؛ وقد كانت تلك التهديدات طويلة المدى لإيران طعما ليفهم الجيران أن العلاقة بينهما علاقة عدوان؛ في حين هي في حقيقتها علاقة خلان، ومن يعد يقرأ العلاقة بغير ذلك ويظهر نفسه في صورة الحليم الحيران؛ فإنه سوف يبوء - حتما - بالخسران؛ فالجميع - منذ زمن بعيد - يسمع جعجعة التهديدات الأمريكية ولم ير - قط - طحين آلاتها الحربية، فالتهديدات أضمن لبقاء قوة إيران حتى تضل فزاعة بيد أمريكا تضمن لها أن تبقى (وصية) على الدول الخليجية؛ إذ جعلت الأخيرة نفسها لها من الخطر الإيراني (حميّة).

مما سبق يتضح لنا سبب مناهضة الموقف السياسي الخليجي للثورات؛ ليس كرها للتغيير وإنما لأن الثورات جميعها لا تتوافق مع مصالح إسرائيل – إذا ما استثنينا ثورة سوريا، وما يدعو إلى التناقض هو لموقف الدول الخليجية من ثورة اليمن؛ فهذه الأخيرة – على الرغم من أنها كلها مصالح للخليج - وبالأخص السعودية - يجب أن تمثل للجميع شر البلية؛ وهذا يقتضي منهم دعم النظام أو ما بقى منه من بقية، والاحتفاظ بصالح وإبرازه – دونما مراعاة لحالته النفسية - بأنه ما زال صالح الشرعية؛ وصحيحا وإن اعتلت صحته الجسدية، وبعد ذلك على اليمنيين أن يقتنعوا أو يقنعوا أنفسهم بصحة وصلاحية صالح؛ كما اقتنعت السعودية بأن عمل الثورة غير صالح؛ لهذا أوجب دين المصالح على اليمنيين التابعين لصالح أن يظهروا الفرح على الرغم من أنهم رأوا صالحا في حال يوجب الترح.