اليمن بين الذاكرة والظاهرة
بقلم/ جمال محمد الدويري
نشر منذ: 13 سنة و شهرين و 20 يوماً
السبت 03 سبتمبر-أيلول 2011 01:09 م

قبل ان نبدأ تحليل الفيدرالية واهميتها الاقتصادية واشكاليتها السياسية لابد من استقراء التاريخ مجددا في صورته المعاصرة.

قبل الاسلام كانت اليمن منقسمة ومجزأة بين قوى قبلية هي حمير وحضرموت وكندة وهمدان وبين حكم فارسي في صنعاء وعدن وما حولها وبين جيب في نجران للنفوذ الروماني الحبشي حتى جاء الاسلام فانشغلت اليمانية بالفتوحات وتوحدت اليمن جميعها لدولة المدينة المنورة ومع هذا لم تكن هذه الفصائل تدعوا الى تقسيم اليمن وانما كانت تريد كل اسرة منهم ان تبسط نفوذها على اليمن وتحت رايتها باستثناء الفرس والروم والذين كانوا يرتضون بتقسيم اليمن بين نفوذهما وهي الدعوة الانفصالية المتجددة حاليا على غرار المنهجين وعلى الرغم ان نفوذ الفرس كان يتركز اساسا في صنعاء وعدن كما كان الاحتلال الحبشي الرومي يرتكز ايضا في عدن وصنعاء ودارات صراعات القوة بينهما ولهذا نجد مفهومي البراغلة والدحابشة جاءتا من عدن وصنعاء ويعود ذلك الى دور القبائل اليمنية المعاصرة للاحتلال الحبشي والفارسي وما له من دور اساسي في اعتزاز اليمانية بانسابها مما ادى الى بروز النظرة الدونية للفرس والحبشة ومن ثم سعوا الى السلطة ثم النسب ومن ثم بسطوا قوتهم الفكرية على تشكيل انسابهم وفق ما يراه المجتمع اليماني من اصالة واصبح الفارسي والحبشي ينظر الى اليماني الاصيل على انه دحباشي او برغلي او ليسوا قبائل ومن هذه النظرات الدونية التى توارثوها ونجد عبر الامتداد التاريخي ومنذ تشكيل كتاب الانساب للكلبي استطاع الفرس والحبش ان ينتسبوا الى الحميرية والقحطانية وهذا ما تدل عليهم فعالهم . اما اليمانية فلم يشغلهم سوى المبدأ الذي عاشوا وماتوا لأجله .

فاذا كان التقوى هو المعيار الاساسي لتحديد معالم التدين والالتزام فإن الانساب هي المعيار الاساس لتحديد الهوية الوطنية والمصلحة هي المحدد الاساس للإقامة ولهذا شرعت الهجرة اذا غابت المصالح وضاعت مقاصدها في ظل الطائفية العنصرية التى اختلقها برامكة اليوم واحباش العصر.

ويجدر بنا ان نقول ان الانتماء الكلي هو الذي صنع الزعيم جمال عبد الناصر عربيا وانسانيا والملك فيصل اسلاميا وليس دعاة الانفصال المتيمننين.

فاليمن سنة فيها ان يحكمها من غير اهلها في الغالب وقد تولى في عهد بني امية خمسة وعشرين واليا جلهم من غير اليمن الا واحدا وهو بحيرا الحميري وقس على ذلك عصر بني العباس والشيباني الوالي العباسي في حضرموت والبربري في تهامة والدويلات بعد ذلك ، ومقصود هذا ان اليمن دائما تتمزق فيما بينها حتى تضعف وتقع فريسة للقوى الخارجية عبر التاريخ واذا تولاها من ابنائها يتربع على كرسي الحكم ويحتكره ويظلم بني قومه مما يضعف قوة الوحدة وصلابتها وهذه هي الاطماع السياسية التى تهدد صفاء الثورة اليمانية و سلميتها وجمالها واصالتها.

ومن حضرموت قامت دولة الخوارج بقيادة عبد الله بن يحيى الحضرمي وامتدت الى مكة والمدينة في اواخر العصر الاموي غير انها اخمدت حتى موطن نشأتها في حضرموت فلماذا اخمدت وانتهت على يد مروان بن محمد الخليفة الاموي وتشتت حتى لم تقم لها قائمة؟ فالتاريخ منهج ميداني متجدد يمنهج السياسية والاجتماع ويعيد قراءة نفسه بقواعد معاصرة.

وبعد استقراء الدويلات في اليمن وحددنا فيها مواريث الدول السابقة وتراكماتها نجدها تفتقر الى عدة مقومات وطنية تمثلت بما يلي:

- استحداث النظام الاسري الطائفي وهو ما تمخض عنه في صراعات بني نجاح ذات الاصول الحبشية مع الدولة الزيادية الاموية في تهامة وبني مهدي الحميري ايضا في زبيد وآل يعفر الحواليون الحميريون في صنعاء وشبام وجلهم سنية المذهب ويدينون بالولاء لبني العباس و واليوم تتواجد ضمن الخارطة السنية اليمنية عددا من المشيخيات السنية التى اصبحت مرجعيات تحذر بعضها من بعض تتخذ لها ولاءات خارجية.

- تفكك النظام الاسري الحاكم للشيعة بين الإسماعيلية القرامطة في المذيخرة ولاعة وبني حاتم في صنعاء وآل زريع في عدن وجلهم من المذهب الباطني الاسماعيلي ويقرون بالولاء للدولة الفاطمية تونس ومصر واليوم برزت على الخارطة اليمانية عددا من الطوائف الشيعية الدخيلة وتدين بولاءاتها الى مرجعيات خارجية نالت استحقاقها ودعمها من النظام السياسي المحروق.

- انشقاقات الزيدية بظهور فرقة المطرفية ومعارك هذه الاخيرة مع الامام عبد الله بن حمزة مما اضعف التيار الزيدي وحدا بهم ان يخضع لسلطان الدولة الايوبية الكردية

- بروز دولة بني رسول بعد كل هذه الصراعات وتمكنها من توحيد اليمن من حضرموت وحتى مكة قرنين ونصف من الزمن ثم انشقت ببروز التيار القبلي لبني طاهر الذين خلفوها ولم تسلم هذه الدولة من صراعها مع القبائل اليعازبة الذين استعان بهم المماليك ضد توسعات بني طاهر ثم حرب بني طاهر مع ملك الشحر وحرب التوسعات كلا على حساب الاخر

بينما يشهد التاريخ التقارب الفكري والمنهجي بين الزيدية والسنة وهو ما جسده التحالف اليعفري السني مع الزيدية في مواجهة القرامطة الاسماعلية وتقديم المصلحة الوطنية والدينية على المخاطر الخارجية وقد شهدت الثورة التفاف الزيدية مع الثوار لمواجهة خطر النظام السياسي على الوطن والدين.

لهذا نجد ان اكثر الدويلات اليمنية كانت تسعى لتوحيد اليمن بالقوة ولم تسعى اي دولة لان تتقاسم اليمن سلطنات وممالك كما هو دأب المتنازعين اليوم على السلطة مما فيه فساد الهيبة وذهاب الريح والفشل الذي ران عليهم.

لقد وحدت الثورة اليمنية اليمن شمالا وجنوبا توحيدا معنويا خالصا وجعلتهم عصمة واحدة الا قليلا من الهمج الرعاع المرتزقة التابعين لبطونهم والمفسدين لعقولهم حتى اذا اما اوشكت على النهاية اعلن المرتزقة انفصالهم وهم قلة قليلة لا تذكر بينما شعب الجنوب الاصيل ما زالت رحم المودة قائمة ويتذكرها وهو يعلم ان الذي فجر الثورة ضد الاستعمار هو عبود الشرعبي غيرة على العرض ثم اختلطت دماء اليمن شمالا وجنوبا من اجل التحرر والدفاع عن اليمن ، لقد فر الجنوبيون من نار الحكم لليمن الديمقراطية الشعبية التى همشت اعيان واشراف اليمن الجنوبي وولت مرتزقتها ليحكموا اسيادهم كما فعل بنو نجاح في استيلائهم على اسيادهم من بني زياد ، لم تكن الوحدة موفقة مع الرجل الاول للوحدة علي سالم البيض الذي مثل رمزا وطنيا افسدها بإعلان الانفصال ثم ها هو اليوم يكرر النداء لفك الارتباط وسيعود للانتقام اذا ما عاد من اشراف اليمن الجنوبيين الذين على يدهم تحققت الوحدة وبهم انتصرت الشرعية ثم سرقها علي صالح من ايديهم ونسب له ما يسمى صانع الوحدة... مثله كمثل مرتزقة الجنوب الانفصاليين وكلاهما ينصب من معين واحد فاليمن الشمالي والجنوبي ملأ بذوي القلوب المريضة غير ان الحق الزم واقوى واكبر

وما زلت بموقفي الاساس من على ناصر محمد وحيدر العطاس وهيثم من التيارات السابقة لهم مواقف وطنية شريفة وكريمة ونعذرهم لان قراراتهم اصبحت مرهونة بحرياتهم فالحرية التى تنشدها الثورة هي التى تصنع قرارا حرا.

ومن ثم فان القرار اذا كان قادما من الخارج لا شك انه سيكون منصبا لصالح الدولة المضيفة لتجني ثمار ضيافتها في تمزيق اليمن عن طريق الضغوطات المفروضة على اشرافها ومن المفارقة العجيبة ان الخصوم السياسيين القدامى يعيشون في الخليج جنبا الى جنب مما يعني ان قراراتهم رهين دار الضيافة