الحياة أولاً..!!
بقلم/ سام عبدالله الغباري
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 27 يوماً
الثلاثاء 27 سبتمبر-أيلول 2011 04:20 م

نظر "عبدالله" ببشرته السوداء الداكنة إلى عينيّ .. و تفرس ملامحي .. قبل أن يخاطبني بلهجة متكسرة : أريد طعاماً .!! ، كان هذا الفتى البالغ من العمر أربعة عشر سنة .. يقضي غربة إجبارية فرضها عليه أمراء الحرب الإسلاميين في الصومال الشقيق .. و كانوا رغم فقرهم وجوعهم .. يؤصلون لأحكام الكراهية التي تبرأ منها الإسلام ، كإقامة الحد على شاب في عمر "عبدالله" سرق مكرهاً بعض الخردوات وباعها إلى تاجر قديم في بلدته ليشتري بثمنها ما يمنح أشقائه و عائلته سبب الحياة .!!.

في أيام القحط .. كان خليفة النبي يُـسقط حد السرقة .. مُـدركاً أن العسر لا يتبعه حُـكم و إن وصل إلى الحد موجب التنفيذ .. كانت رحمة الإسلام تتجلى هناك .. روحه العظيمة تسمو .. فتنظر إلى الحياة و الواقع و طبيعة المعيشة و ترى ما يُـسهم في ثراء الروح و تجاوز السيئات الصغيرة بما لا يهدد أمن و استقرار المجتمع ، و لا يستفز الغاضبين الجياع .. رغم أن القحط كان سبباً إلهياً محضاً .. جعل رجال الرسول السابقين ينظرون إلى أفعالهم .. و يذهبون بـ"عم النبي" إلى ساحة الاستسقاء تقرباً إلى الله سبحانه و تعالى بأفضاله عليهم ، و اعترافا بذنوبهم .. و هم الراشدون صحابة خاتم الأنبياء .. كانت الحياة همّ فاروق الأمة و مرشدها العادل .. و ما سوى الحياة همّ لا يفارق حاكم أمة أو تغادره قضاياها و همومها عليه و على صراعات من وجدوا في زمنه أو في أزمان متعاقبة .. حيث كان إمام المتقين : علي بن أبي طالب يفتك بأعداء خرجوا عن طاعته و رفضوا مبايعته .. فانهارت عشرات الآلاف من الجثث الصماء في موقعتي الجمل و صفين .. لم يصفهم تاريخ الأمم و الملوك بالثوار .. كانوا في موقع الخطأ .. و إمامهم في صف الصواب و عنده تتجلى حقيقة الله .. و حقيقة إرساء دعائم الأمن و الاستقرار .. جاء "الحسن" و تنازل لخصم والده .. ثار من ثار على قرار الابن الزاهد .. حينها خرج الجند و الناس .. يقولون لمن ثار .. تعبنا .. أنهكتنا سنين الحرب ، و لظى القتال و مآسي الدم و تدفقه .!! فتوقف كل شيء .. أمام موج الحياة المتدفق كارهاً صراع الأجيال من أجل كرسي الحكم و بُـغض من صاروا إليه .. إلا أن "علياً" كان يؤصل لفكرة رافضة للخروج على الحاكم بتمرد يشق عصا المسلمين ، و كان يعرف بإيمانه العميق أن أي جهد يمزق رقعة الحكم .. سيأتي ما بعدها مليئاً بأحقادً و ثارات متوالية .. و هو ما فعله الأمويون حين علقوا مشانق الثأر و التصفية على أبواب العلويين ، و هنا يأتي خطأ التنازل المرير الذي وقعه "الحسن" لحاكم لم يكن همه دم "عثمان" بقدر ما جعل السلطة مغنمه و مطمعه و حين وصلها إغتال أول ما قرر سيد شباب أهل الجنة .!!

أيامنا هذه .. مليئة بعبر كثيرة و حياة يقطفها من يريد بسهولة ، و قد تطورت أساليب الخداع .. لا يريد طامع السلطة تنازلاً بقدر ما يسعى أنصاره إلى تكوين فكرة مغلوطة عن أساسيات الحكم .. و بأنه سبب الفتنة و بلاط جديد لمحاكم التفتيش .. حين قاتل صدام حسين غزو أميركا شنقه العراقيون بقرار أميركي و بقية أركان نظامه المصلوب على أحقاد ماضٍ لم يسامحه أحد أو يملك روح الرحمة .. لم يسأل العراقيون أسيادهم الغزاة : و هل حاكمتم رئيساً كـ نيكسون قاتل رئيسه الذي قبله ، أو ترومان صاحب قنبلتي هيروشيما و ناكازاكي ؟! ، سيجيبه أميركي صغير : بالطبع لا .. الرئيس مرحلة من تاريخ أميركا و انتخبته هذه الأمة العظيمة التي لا تحاكم رموزها لأنهم يحكمون باسمها و إن أخطأوا .. فإن محاكمتهم تعني التشكيك بقرار أمة تاهت عن قرارها ..!!.

لا أحد هنا يسأل عن الحياة .. كل ما نبغاه و نسعاه هو الموت ، و لا أدري ما هو أحق .. و ما يملكهما سوى الله مانح الحياة و مُـقدر الموت، فمن قضى بنفسه فقد باع دينه و دنياه .. و من ألقى الناس عبثاً إلى وجه الدبابة و الصاروخ فقد أفتى بما يؤجج الفتنة و يُـعمق صراع الموت و الأجيال المتناحرة .

لا اريد أن نتذكر أفغانستان ، و كيف كان الشيخ يبتسم لنا و يهتف حالفاً : أن برهان الدين يُلقي بحجر في وجه دبابة سوفيتية .. فتـتفجر .. و نصرخ بغباء : الله أكبر .!!، كان العقل غائباً .. و فتواه تدفعنا إلى تحرير الشعب الأفغاني من آلة القتل السوفيتية ، وفي الخفاء كان الأميركيين يدفعون للشيخ ألف دولار على الرأس الواحد .. و ما أكثر رؤوسنا .. و ما أهون دمنا .. بقرار واحد من صاحب اللحية ترانا نتزاحم كالنعاج نُـساق إلى حتفنا بإسم الله ، و لم يكن الله يريد لنا هذا الموت .. حيث ليس هذا مصيرنا ، و لا مصير عائلاتنا التي ثُـكلت و يُـتمت . و هو يُـرسل فقراءنا و بسطائنا و يُـبقي أبناءه في بيته .. يتأكد مساءاً من غطاء نومهم .. و يسهر قلقاً على مرضهم بالإنفلونزا .. بينما لا يكترث لجماجم الموت المهدورة في جبال تورا بورا الشاهقة .

كان التحالف الأميركي في أوجّه مع متشددي الإخوان المسلمين و جهادييه .. و جاء عهد الصدام .. تحول "بن لادن و الزنداني و غيرهما" من مجاهدين يستحقون مكافأة العالم .. إلى إرهابيين بعد خروجهم عن عصا الطاعة الأميركي .. و حان دور المعتدلين منهم .. فتأطير الجهد الجهادي صار ممكناً في الداخل .. أصبح الرؤساء الذين قدسهم هؤلاء المعتدلون و أزعجونا صباحاً و مساءاً بفتاواهم غير القابلة للنقض أو التشكيك بوجوب طاعة ولي الأمر و إن ضربك على ظهرك .. !! أنجاساً و طغاة و سفاحين و ظالمين لا تجوز شرعيتهم و لا حكمهم .. منذ متى يا هؤلاء .. ؟! لا أحد يجيبك .. و مثلما تدافعت الرؤوس إلى قندهار .. ها هي تتزاحم على أبواب أرحب ، و نهم في صنعاء و مناطق أخرى كأبين .. و في ساحات الإعتصام حيث يساق الشباب الجوعى و الغاضبين إلى صراع بإسم الثورة بينما يرقبهم شيخ تفسخت عقائد الفساد أمامه من قصره المترف ، و هناك يقف ببدلته الأنيقة رجل سبعيني أغرق مدن اليمن بأصحابه و فرقته .. يريدها حرب شوارع ، و ما أشهى الدماء في مواقع الصدام و أحياء العاصمة .. !!
أيها الشباب .. يكفيكم عبدالسلام الحيلة شاهد على خيانة هؤلاء الذين لا يرعون الأبرياء ، فهو من أوساط لا تعترف بتحالف قبلي أو له يد طولى سوى أنه كان مستخدم الشيخ ذو اللحية الحمراء لجلب الرؤوس الحامية التي تبرد في أفغانستان ، و جيفارا الأجنبي يُـذكي مواقع الإغراء الثوري في كل جبال و مدن البلقان .. فأفاق الرجال على صًُـبح مختلف .. و رأوا دماؤهم تلوث قمصان أخوتهم في الحرب و الجهاد .. أفاقوا على خيانة ، و على مطامع رفعت قميص "عُـثمان" ليس رغبة في الثأر لدمه المهدور .. إنما سعياً وراء مغانم الدولة و سعياً لتجربة حكم (الملا عُـمر) على فراش الحصير الوهمي .. حيث يتقمصون حياة ما عادت تكون .. كأنهم ممثلون في فيلم أميركي مدفوع الأجــر و النوايا .!!

من يصدق أن (الملا عمر) أكثر شخصية وهمية خدعت السحر الإسلامي .. و انفردت بسذاجتنا حد الغرابة ..و سحقت عقولنا و مرغت منطقنا في عالم لم يرى هذا الرجل إلا في خيال الأخبار و حكايا الأساطير الواهية .. و قصة كـ "روبن هود" ذلك الذي يسرق من الأغنياء ليأتي للضعفاء ما يقيهم برد الواقع و سعير الحياة و جحيمها . ، (روبنهم) أفضل من (عُمـرنا) على الأقل هو يمنح الفقراء الحياة ، و صاحبنا ينزعها منهم بدافع الجهاد .. ليحكم هو و لا غيره يستطيع بما أمر الله .. و لا يحتاج الله بالتأكيد لمثل هذه الشخصيات الوهمية .. الغائرة في العقل الإخواني الجهادي .. كقصصهم .. أتذكرونها .. حين يروون لنا أن رجلاً مريضاً من المغرب .. فعل كذا و كذا . فنبكي حتى تخضر لحانا ، و نترك قلوبنا مغلفة بجدار الندم و البكاء .. و هكذا يحكون و يمارسون دور "ابن الرومية" في إخافة الصغار .. فقط .!!

هؤلاء .. لا يمنحون أحداً و لا يسمحون لهم أن يعيشوا الحياة التي يريدون .. لأنهم لا يرونها جديرة بهم ، هؤلاء يريدون لكم و لنا أن نموت لكي يعيشون .. ليس لهم صداقات دائمة و لا حلفاء حقيقيين .. ينكثون العهد كلما ضاق بهم السبيل .. و لا عهد لهم و لا هم يحزنون .. فأثبتوا لهم شيئاً مهماً : أننا نريد أن نعيش .. و أن الحياة أولاً .. قدر مقدس بالنسبة لنا .. جاهدوا إن أردتم بأبنائكم .. و أتركونا لحالنا .. لن نموت إلا إذا كانت يدكم مغلولة بيننا .. و الله المستعان .؟!

و إلى لقاء يتجدد

  • رئيس تحرير صحيفة "الشرق" اليمنية
عودة إلى كتابات
الأكثر قراءة منذ أسبوع
الأكثر قراءة منذ 3 أيام
  أحمد الجعيدي
حرب المسيّرات.. التكنولوجيا التي أعادت تشكيل وجه النزاعات العسكرية
أحمد الجعيدي
الأكثر قراءة منذ 24 ساعة
إحسان الفقيه
نور الدين زنكي.. الهمة المضيئة
إحسان الفقيه
كتابات
عارف علي العمريصالح ومصيرة القادم
عارف علي العمري
فيصل عليخطاب زائف..
فيصل علي
الحسن الجلالواااااوطناه
الحسن الجلال
مشاهدة المزيد