السر الكبير وراء عدم أمكانية استقواء تنظيم القاعدة في اليمن !
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 4 أسابيع و يومين
الإثنين 24 أكتوبر-تشرين الأول 2011 05:16 م

صحيح إن ال دولة ال مدنية من شأنه ا أن ت حد أو ت ساعد في تحجيم تنظيم مثل تنظيم القاعدة؛ لكن بشكل غير مبالغ فيه؛ بمعنى أن قيام الدولة المدنية ليس هو الضمانة الوحيدة والمهمة في كبح جماح دموية هذا التنظيم؛ بدليل أن هذا التنظيم ما زال يتبنى عملياته في أكبر الدول المدنية تحضرا وتقدما ؛ بمعنى أنه مهما بلغت إمكانيات الدولة المدنية - أيا كان دينها أو جنسها أو هويتها – فإنها لم تستطع و لن تستطيع أن تقتلع جذور هذا التنظيم أو تدفنه إلى غير رجعة تحت التراب فهذا يتجاوز حقيقة لواقع المعاش ويجانب الصواب؛ فعلى الرغم من أن اليمن لم يتوفر لها حتى سمة واحدة من سمات الدولة المدنية أو مرتكز من مرتكزاتها؛ فقد عاشت عقودا طويلة بعد حكم الإمام ة حياة العشوائية ومراحل اللانظام؛ وإذا ما سميناه نظاما ؛ فإنه حينها يكون نظاما عصبويا؛ حيث أدار اليمن طيلة تلك العقود عن طريق اختلاق الأزمات والحروب. هكذا ألفنا يمننا وعشنا عقود ه ما بعد عصر الإمامة في عصر العصابة وعقودها؛ فقد سمعنا جعجعة ثورة حصلت في اليمن لكننا لم نر قطا - طحينها حتى ساعة كتابة هذا المقال؛ إذا ما استثنينا – طبعا - التسعة أشهر التي هي عمر الثروة الحالية؛ فهي بالنسبة لنا كيمنيين العمر الحقيقي والميلاد السعيد واليمن الجديد؛ أما ما قبلها ف لم نرى أكثر من سراب في صحراء علي صالح وإن حسبه هذا الأخير و عصابته ماء زلالا .

وعودا على بدء؛ فإن المناخ في اليمن كان مهيئا جدا لأن يفرخ فيه تنظيم القاعدة ويعشعش بل ويعرش؛ لكن ذلك لم يحصل ولم تكن هناك ثمة علامات للدولة المدنية؛ إذا ما كان الأمر - بحسب ال تقرير الاستراتيجي اليمني الصادر عن المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية 2010 - يتعلق بقيام الدولة المدنية ؛ لتكون هذه الأخيرة بحسبه ؛ هي الدرع الواقي والحصن الحصين لمنع تفريخ مثل هذا تنظيم يهلك الحرث والنسل، وإنني هنا لا أ قلل من أهمية قيام دولة مدنية في اليمن ولا من حصول الأمن والاستقرار في ظلها وتحت قانونها ؛ بيد أنني في الوقت نفسه لا أبالغ؛ فأجعلها في صورة السيف البتار لما يسمى تنظيم قاعدة؛ فهذا التنظيم ما زال- كما سلف - متواجدا في الدول المدنية الأكثر تقدما ؛ والتي تمتلك في الوقت نفسه أرقى وسائل التص ن ت وأ كبر أجهزة المخابرات دقة وتحريا ؛ ومع ذلك ما ي زال هذا التنظيم يتبنى عمليات كبيرة ونوعية؛ ولعل ما حصل في أمريكا خير دليل على ذلك.

إن ما أود قوله أو أصل به من هذا التمهيد؛ أن وعي الشعب اليمني ورقته المشهود له بها  وسلميته المفطور عليها وحكمته الرائدة وإيمانه العميق؛ كل ذلك هو حقيقة الأمر الكامن وراء ضعف تنظيم القاعدة في اليمن ؛ إن لم يكن وجوده في اليمن سوى سراب ووهم كبير جنى من خلاله صالح الكثير من الأموال؛ إذ طبيعة هذا التنظيم - من تلذذه بالقتل وسفك دماء الأبرياء - يتنافى من حيث هذه الطبيعة الدموية مع طبيعة اليمنيين ومع أ شياء هي - جدا - أصيلة وكامنة في دماء هذا الشعب اليمني العظيم وعروقه ووجدانه ؛ فأهله - كما وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم " أرق قلوبا وألين أفئد ة" وهذا الوصف أو الرصيد الأخلاقي الراقي لليمنيين من قبل سيد المرسلين من شأنه أن يتنافى مع طبيعة تنظيم مولع ة هي جدا مولعة بسفك الدماء المحرمة؛ أضف إلى ذلك ما يتمتع به الشعب اليمني من رصيد آخر - لا ينفد – وهو رصيد الإيمان والحكمة؛ فـ " الإيمان يمان والحكمة يمانية " أضف إلى ذلك رصيدا آخر يتمثل في قوله - صلى الله عليه وسلم – " إذا هاجت الفتن فعليكم بأهل اليمن " وهذا الرصيد الأخير؛ يدل على أمرين: الأول أنه مبشر بأن اليمن وأرضه لن يكن أبدا مرتعا للقاعدة، لأن هذا التنظيم هو من أشد الفتن في العصر الحديث؛ حيث جعل العالم ومنه الخليج في أمر مريج، وثانيا أن ما يحدث في اليمن ليس فتنة ولا محنة ؛ كما يروج لذلك المتآمرون والذين هم في الثورة - دائما - مرجفون؛ إنما ما يحدث في اليمن هو منحة إلهية تمثلت في الثورة الشعبية.

وتأكيدا وتعميدا لما سبق أن ذكرنا من رصيد أخلاقي متنوع ومتعدد لليمنيين بشهادة خاتم المرسلين – صلى الله عليه وسلم – فإنه قد حصل في الواقع العملي لليمنيين ما يدعم تلك الحقائق وذلكم الرصيد الروحي والأخلاقي والإيماني والحكمي ؛ إذ جاءت الثورة اليمنية التي رفعت شعار السلمية ؛ كشاهد عيان وعمدت ذلك الشعار بدماء ثوارها وصدورها العارية في مقابلة آلة قتل السفاح علي صالح، و لتعمد في الوقت نفسه ذلك الرصيد الراقي الذي منحه اليمنيين رسولهم الذي (لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى) فأثبتت الثورة في اليمن و من خلال السلوك والأعمال لا الشعارات و الأقوال أن الشعب اليمني - الأكثر تسليحا والأكثر خبرة في السلاح – هو الأكثر سلمية والأكثر لينا والأكثر رقة؛ فكان من أنجح الشعوب الثورية سلمية ونضوجا؛ أضف إلى ذلك أن الثورة اليمنية - عن طريق توكل كرمان - قد حازت جائزة نوبل للسلمية و للسلام ؛ وهذا تأكيد آخر على ما وسمنا به رسول الإسلام والسلام عليه الصلاة والسلام.

فبالله عليكم – وأخيرا - هل ي مكن لتنظيم قاعدة تلك طبيعته أن يتنفس في شعب تجري السلمية في سلوك ثورته وفي سلوكه العام؛ كما يجري الدم في العروق ؟ إن الشعب اليمني وهو يمتلك ذلكم الرصيد الكبير من الرقي الأخلاقي ورقة القلوب وإيمانها وحكمة العقول ورجحانها وسلمية الثورة وديدنها ؛ يستحيل لتنظيم دموي أن يعيش في أرضه ويعرش ؛ بيد أن الذي يحدث بين الفينة والأخرى هي اختلاقات من عمل رئيس العصابات ؛ وإذا ما أصر المتآمرون إصرارا أن من يحدث مثل تلكم الأعمال التخريبية هو تنظيم القاعدة؛ فإن قائده - ساعة ذلك الإصرار – هو علي عبد الله صالح عفاش من دون ذرة شك في ذلك وحتى برهة نقاش، وذلك الرصيد مثلما لم يسمح لتنظيم القاعدة أن يتنفس في أرض اليمن؛ لن يسمح بالقدر نفسه وفي الوقت نفسه لعلي عفاش أن يقرع فيه طبول حربه.