الصحافي شائع.. إخفاء الصورة أيضا
بقلم/ عبد الرزاق الجمل
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 19 يوماً
الخميس 05 يناير-كانون الثاني 2012 12:14 ص

الحكومة الجديدة في صنعاء وأنصار الشريعة في أبين.. من سيحاور من هذه المرة.. وعلى ماذا؟

في ساحة التغيير وضعوا صورة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر فوق صورة الصحافي عبد الإله حيدر شائع، المعتقل في جهاز الأمن السياسي منذ أكثر من عام، بعد أن حُكم عليه بالسجن لمدة خمسة أعوام، والصورة هي الوحيدة لهذا الصحافي هناك، كما أنه الصحافي الوحيد الذي لم يخرج من السجن ولم يستجد في قضيته شيء حتى الآن، رغم أنه في سجن الأمن السياسي القريب مسئولوه من رجال الإصلاح الذين كان شائع قريبا منهم قبل أن يختلف معهم قليلا في الرأي ويختلفوا معه كثيرا في الحرية.

ربما يكون العمل الذي حل بالصورة بريئا، وربما بكون غير ذلك، خصوصا وأن ساحة التغيير كبيرة جدا وبها أماكن كثيرة خالية يمكن أن تُعلق فيها صورة أو حتى مئات بل آلاف الصور للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وللشيخ الفندم علي محسن الأحمر أيضا، كما أن قضية شائع قضية حقوقية ويجب أن تبقى حية ويجب أن يبقى ما يُذكِّـر بها قائما، وليستْ صورته كغيرها مما عُلق في مناسبة أو لها ثم انتهت بانتهاء مناسبتها.

شائع أيضا غائب، إلا في النادر جدا، عن فعاليات منصة ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء، فخلال إطلاق الصحافي عبد الكريم ثعيل من سجن الأمن القومـي، كان خطباء الإخوان على المنصة ـ واحدا تلو الآخر ـ يتحدثون عن القمع للصحافيين من قبل نظام صالح أو بقايا نظام صالح العائلي، كما يحلو لهم أن يعبروا، ويوردون نماذج كثيرة، لكنهم لم يتطرقوا، ولو لمرة واحدة، لقضية الصحافي عبد الإله حيدر شائع.

وحينما حاولتُ أن أثير القضية داخل الساحة، في المرة الأولى وفي المرة الثانية، وجدتُ من ينصحني بالابتعاد عن ذلك، لأن الإخوان سيتهمونني أو سيعتقلونني بتهمة الانتماء إلى الأمن القومي، ولم أفكر حينها بعواقب ما قد يحصل لي من قبل الإخوة الإخوان بقدر تفكيري بشكل التهمة، وتساءلت حينها: لماذا يتهم الإخوان في الساحة من يخالف طريقتهم في إدارتها بالانتماء إلى الأمن القومي ولا يتهمونه بالانتماء إلى الأمن السياسي؟!!.

ربما كان تساؤلا ساذجا، بالنسبة لمن يعرف البئر وغطاه، كما يقال، فالذين يتهمون الناس هنا بالانتماء إلى الأمن القومي زورا هم الأمن السياسي حقيقةً، على اعتبار أن الإخوان حاضرون بقوة في هذا الجهاز، بل ومتحكمون فيه بشكل كبير، خصوصا في مرحلة الثورة. ويكفي أن قياديين كبار في حزب الإصلاح شغلوا مناصب كبيرة فيه.

وهذا الأمر ربما يعيدنا إلى ما كتبته قبل أسبوعين في هذه الصحيفة، عن علاقة جماعة الإخوان المسلمين في ساحة التغيير باعتقالات لأشخاص من حركة شباب الأمة بتهمة القاعدة، تحت عنوان "تطرف الإسلام المعتدل ضد الإسلام المتطرف شرط أمريكي لوصول الإسلاميين إلى الحكم". والشاهد هنا أنهم فعلوا ذلك بالتنسيق مع جهاز الأمن السياسي الذي استقبل أولئك الأفراد، كما قاموا بإغلاق الأكشاك التابعة لهم وبمصادرة بعض أجهزة الحاسوب (لازالت إلى الآن لديهم).

وبطبيعة الحال فإن ذلك يتم في الساحة بالتنسيق مع جهات ذات صلة بقضية الحرب على الإرهاب، ويأتي ذلك في إطار طمأنة الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص الشراكة في الحرب على الإرهاب بعد رحيل الرئيس صالح الذي قدم لأمريكا الكثير والكثير من الخدمات في هذا المجال.

وقد حدثت أمور كثيرة مشابهة خلال الثورة مُررت تحت أكثر من غطاء، ونتحدث هنا عما تتحسس منه الولايات المتحدة الأمريكية أو عما تتخوف منه وكانت بحاجة إلى طمأنة بوجود بديل بمواصفات مطلوبة تشجعها على قرار التخلص من صالح، وهو ما حدث بالفعل، ولم يكن للضغط الشعبي أي دور في ذلك، بدليل أن المطالب الشعبية خارج ما تم تماما.

وهذا الأمر أيضا سيعيدنا إلى قضية الصحافي عبد الإله حيدر شائع المحبوس بقرار أمريكي، والتي بدأنا بها هذا الموضوع، فقضيته من القضايا التي تثير حساسية أمريكا. وبما أن الاعتبار الذي أعطي من قبل المعارضة، وبالذات حزب الإصلاح، لهذه الحساسية كان كبيرا جدا، بل وفاق كل اعتبارات القضايا الأخرى الداخلية، فإن على هذه القضية أن تظل قيد النسيان أو الإهمال حتى حين.

ومعلوم أن أزمة الصحافي شائع لم تكن إلا واحدة من الآثار السيئة التي أوجدتها سياسة نظام صالح، والتي انتفض الشعب من أقصاه إلى أدناه ضدها، قبل أن يحل بالثورة هذا التمييز بين الأزمات لاعتبارات لا تمت للثورة بصلة ولا للصالح العام لهذا الوطن، وإن مررت عبر ما يوحي بذلك. غير أن قضيته بقت استثناء حتى مع التطورات الأخيرة التي حظيت أكثر المطالب في ظلها بتجاوب غير مسبوق يكفي أنه وصل إلى هرم التوجيه المعنوي. علما أن الإخوان هم المحركون لما يُسمى ثورة المؤسسات.

وهي فوق ذلك (أي قضية شائع) صادفت هوى في قلوب الإخوان، بسبب نقد هذا الصحافي لبعض سلوكياتهم، خصوصا ما يتعلق منها بنوعية التعامل مع الغرب، والغريب أن شائع يقع الآن ضحية الأخطاء التي كان ينتقدها على الإخوان، فمغازلة إخوان اليمن للغرب، لم تكن وليدة الثورة، بل سبقتها بسنين، في اليمن وفي خارج اليمن، وكان شائع من الذين تنبهوا لهذا الأمر في وقت مبكر، من خلال متابعته الدقيقة للسياسية الأمريكية في اليمني ولأجندتها، وتحدث شائع عما يريده الإخوان لمستقبل علاقتهم بالغرب كما لو أنه اطلع ما يحدث اليوم قبل أن يحدث. وهو ما أثار حفيظة الإخوان بل ودفع أقربهم إليه إلى التخلي عنه، أو الخوف من الاقتراب من قضيته في أحسن الأحوال.

أي أن بقاء الصحافي شائع في سجن الأمن السياسي هو أيضا نتيجة رغبتين، داخلية وخارجية، ومع ارتهان الحكومة الجديدة للخارج بصورة أسوأ مما كان عليه أمر حكومة صالح، لن تتمكن من فعل شيء لهذه القضية، بل ستتعاطى معها وفق رغبة واشنطن، وتقول الأخبار إن رغبة واشنطن ألغت قرار الرئيس صالح بالإفراج عن هذا الصحافي في وقت سابق.

الجدير بالذكر أن نقد شائع لنظام صالح كان عنيفا أيضا، ومع ذلك فقد أصدر صالح قرارا بإطلاق سراح هذا الصحافي، قبل أن يكتشف أن صلاحياته في هذا البلد تنتهي حيث تبدأ مخاوف أمريكا، بعد أن تدخل رئيس أمريكا وسفيرها شخصيا في قضية مواطن يمني مظلوم.

الرئيس الأمريكي وسفيره في صنعاء تدخلا شخصيا في هذه القضية بعد قرار صالح بالإفراج عن الصحافي شائع، وحالا بالفعل دون تنفيذه، وهذان الشخصان اللذان تحكما في مصير مواطن يمني مظلوم، هما أيضا اللذان عادا وتحكما في مصير الرئيس صالح نفسه، بل وفي مصير البلد برمته، فكل الترتيبات تتم الآن بناء على إعطاء المخاوف الأمريكية كامل الاعتبار، ولم يكن ليتم ذلك على النحو المشاهد لو لم يقدم الإخوان المسلمون في اليمن أنفسهم كبديل يمكن أن يعطي الخدمات التي كان يقدمها نظام صالح وما هو أكبر.

وبالعودة إلى قدم الرغبة الإخوانية في تحسين العلاقة مع الغرب على حساب تقديم تنازلات متعلقة بالسيادة الوطنية بل ومتنافرة قبل ذلك مع المبادئ التي يؤمن بها الإخوان المسلمون، يمكننا العودة إلى ما كتبه الصحافي عبد الإله حيدر شائع نفسه قبل زمن. ولا أظن أن ذلك سيؤثر على قضيته بشكل سلبي ما دام أن حق البت فيها عائد لبيت أبيض أمريكا وليس لرئاسة الجمهورية هنا أو لوزارة العدل، ككثير من القضايا.

إخوان مسلمون في الإف بي آي

فتحت عنوان "الإصلاح حليف أمريكا في الحرب على الإرهاب" ينقل الصحافي شائع عن صحيفة "الإندبندنت" معلومة وصفها بأنها الأكثر خطورة. وتشير المعلومة إلى "تواجد 50 عميلا للـ FBI في اليمن، ومهمتهم الرئيسية تكمن في تحليل معلومات استخباراتية مقدمة من أجهزة الأمن ومكتب عمليات مكافحة الإرهاب اليمنية.

وقالت شبكة أيوراسيانيت المعلوماتية الإخبارية الأمريكية ـ والتي تتخذ من نيويورك مقراً لها ـ إنه بالإضافة إلي المعلومات التي أوردتها الإندبندت بشأن النتيجة التي توصل إليها عملاء الـ FBI أنه لم يعد هناك مؤشرات لهجمات أو عمليات إرهابية في اليمن فإن تحليلات الـ FBI لم تقتصر علي المعلومات الأمنية والإستخباراتية المقدمة من أجهزة الأمن اليمنية فقط، بل تعدت إلي معلومات سرية تتحفظ عليها كل من الملحقية السياسية والثقافية في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالعاصمة صنعاء.

وقالت أيوراسيانيت إن الملحقية السياسية والثقافية قد ساعدت سرية الـ FBI في الوصول إلي هذه النتيجة عن طريق تزويد السرية بمعلومات استخباراتية حصلت عليها عن طريق نشاطات وتواصل معلوماتي مكثف بين السفارة وبين عناصر حزبية إسلامية معارضة وقومية.

وأشارت (أيوراسيانيت) إلي أن عناصر من حزب إسلامي كبير معارض في اليمن، يصفهم مسؤولون أمريكيون في بصنعاء بأنهم حداثيون ومعتدلون في أفكارهم، يقفون وراء كم هائل ونشيط من المعلومات الأمنية والإستخباراتية والسياسية والاقتصادية عن اليمن، حيث يقومون بتقديم خدماتهم المعلوماتية طوعاً إلي دبلوماسيين في الملحقية السياسية والثقافية بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية في صنعاء. 

الإصلاح يُكرم قتلة اليمنيين في الداخل والخارج

وتحت عنوان "نموذج إسلامي معتدل" قال أو نقل الصحافي شائع معلومات مهمة سنوردها هنا ضمن فقراتها كما هي لأهميتها:

"وتؤكد اللقاءات المتكررة للأمانة العامة بالسفارة الأمريكية علي أن ثنائي الإصلاح يجتهد في إقناع الأمريكيين أنه الأصلح لقيادة البلد وأكثر استيفاء للشروط التي تؤهلهم للحكم علي الطريقة الأمريكية كما فعل نظيرهم في تركيا رجب طيب أردوغان ـ وهو مثل أعلي يستشهد اليدومي به دائما علي الحكمة والإسلام النبوي الصحيح ـ وحكمة أردوغان تمثلت في عقد صفقة أسلحة لـ إسرائيل أثناء زيارته لشارون في تل أبيب قبل ثلاثة أشهر ليقتل بها المسلمين، وتمثلت في سحبه لقانون تجريم الزنا من البرلمان التركي لأنه يتعارض مع حقوق الإنسان!.

وهذه الخطوات دفعت الإدارة الأمريكية إلي الإشادة بالتجربة الإسلامية المعتدلة الرائدة في تركيا، وبناء عليها تصرح كوندليزا رايس أن أمريكا لا تمانع أن يحكم الإسلاميون المعتدلون!.

وتنشر صحيفة اليدومي ـ الصحوة ـ لقاءاته المتكررة ومآدب العشاء والغداء واحتفالات التوديع والإستقبال بالسفراء الأمريكيين الراحلين والجدد، علي صدر صفحاتها الأولي وبالبنط العريض، وحين التقي عمرو خالد بالشيخ الأحمر رئيس الهيئة العليا للإصلاح ورئيس مجلس النواب وحث فيه عمرو خالد علي توعية الشباب بالجهاد وتعليمهم لقاء الأعداء بدلا من لقاء الأحبة ـ وهو عنوان لبرنامج عمرو خالد ـ وحثهم علي الجهاد الذي تحاول أمريكا طمسه وتصويره علي أنه إرهاب، لم يلق هذا الخبر حظه علي صدر الصحيفة بل تم رميه في أخر صفحة وبالبنط الصغير كي لايلتفت إليه أحد!.

وكان ثنائي اليدومي ـ قحطان قد أقام مأدبة لتوديع السفير الأمريكي في صنعاء ـ آدموند هول ـ في الأمانة العامة للإصلاح، وهو السفير الذي عبر أكثر من مرة عن قلقه من جامعة الإيمان التي أسسها ويترأسها الشيخ عبد المجيد الزنداني ولم يغادر اليمن إلا وقد أدرج الزنداني ضمن قائمة أخطر المطلوبين وفق معلومات قال أنه حصل عليها من يمنيين في الداخل!.

وهو السفير الذي اعترف في نفس المقابلة مع صحيفة 26 سبتمبر أنه أشرف ونفذ عملية اغتيال الحارثي ورفاقه في صحراء مآرب وكان يومها هناك أواخر 2002م.

ولأن الستة المواطنين اليمنيين المسلمين، الذين قضوا نحبهم بالصاروخ الأمريكية الملتهب الذي أطلقته طائرة بدون طيار تابعة للمخابرات الأمريكية أقلعت من قاعدة أمريكية قبالة السواحل اليمنية في جيبوتي، لأنهم ليسوا أعضاء في حزب اليدومي ـ قحطان فلا يستحقون بيان عزاء ومواساة كما فعلت الأمانة العامة للإصلاح لقتلي أنفاق لندن، ولا تستحق العملية التي قتلتهم أي استنكار أو حتي وصف بأنها جريمة بشعة كما يصفون في بيانات إداناتهم وتجريمهم لحوادث لندن ومدريد والحادي عشر من سبتمبر وحتي عمليات القاعدة في العراق وقتل السياح الإسرائيليين في شرم الشيخ وطابا!.

وتستنكر بيانات الأمانة العامة ذبح الأمريكيين وتصفها أنها بشاعة والإسلام منها بريء.

وكشفت صحيفة جيراليزم بوست الأمريكية أن حزب الإصلاح أصدر تعميما إلي الخطباء التابعين له في اليمن أن لا يتحدثوا عن الجرعة عقب إعلانها وينصرفوا بالناس للحديث عن الجنة والنار واليوم الآخر!.

وأول من أعلن الجرعات الإقتصادية وتبني برنامج البنك الدولي الأمريكي الأمين العام المساعد للإصلاح عبد الوهاب الآنسي حين كان نائبا لرئيس الوزراء في العام 1995م.

وبعيدا عما نقله الصحافي شائع بخصوص تكريم قيادات إخوانية لسفير أمريكي أشرف على قتل يمنيين، كرم وزير الداخلية الجديد، والمحسوب على حزب الإصلاح في توجهه، كرم وزير الداخلية السابق، رغم القتل الذي مارسته قوات الأمن المركزي في حق شباب الثورة طوال ما يقرب من عام دون أن تقوم الداخلية بواجبها لإيقاف هذا القتل.

الموقف لم يتغير يا شائع رغم الثورة

ما انتقده شائع على الإخوان المسلمين قبل أعوام لازال يحدث إلى اليوم، وبشكل بشع جدا، وهذا الوصف ليس رأي الكاتب بل رأي الإخوان أنفسهم وكذا المعارضة اليمنية بشكل عام، من خلال تعليقاتهم على ما ورد في وثائق ويكيليكس المسربة بخصوص تعاون الرئيس صالح مع الأمريكان في تنفيذ غارات جوية أدت إلى سقوط عدد كبير من القتلى المدنيين في محافظتي أبين وشبوة نهاية عام 2009م، وادعت الحكومة اليمنية حينها أنها من نفذت العملية وأن دور واشنطن اقتصر على تقديم الدعم اللوجستي. حد تعبير وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي في تراجعه عن تصريح له في صحيفة الحياة اللندنية أكد العكس، وقد استُغل هذا من قبل المعارضة انتصارا للسيادة الوطنية، كما يمكن أن يفهم من كلامهم آنذاك.

وقد استغلت صحف ومواقع المعارضة ما جاء في الوثائق الأمريكية المسربة، على أكمل وجه ضد نظام صالح يومها، أو لأقصى درجة لتشويه صورة النظام اليمني، حد تعبير مراسل القدس العربي في صنعاء خالد الحمادي. هذا قبل أن يجدوا أنفسهم اليوم مضطرين للتخلي عن السيادة الوطنية بصورة لم تكن معهودة في عهد صالح الذي وجهت له أطنان من التهم، خصوصا في جانب ولائه الوطني. ولو أجرينا مقارنة بين ما كان يقدمه نظام صالح للأمريكان، وبين ما تعتزم المعارضة وحزب الإصلاح تقديمه لهم، لقلنا سلام الله على نظام الرئيس صالح وعلى وطنيته، ويمكن مراجعة تصريحات عبد الرحمن بافضل ومحمد قحطان للتأكد من حقيقة هـذا الأمـر، ناهيك عما يمكن أن يتم في التواصلات السرية بين الطرفين.

ومع أن إبداء الاستعداد لتعاون من هذا النوع قد يمهد الطريق أمام حزب الإخوان للوصول إلى الحكم إلا أنه لن يضمن له البقاء ولن يضمن له الاستقرار خلال الفترة التي سيحكم فيها، حتى لو حاول تغيير أدواته السياسية في التعامل مع بعض الملفات الشائكة، كملف الحرب على "الإرهاب"، خشية أن يكرروا نظام صالح وأدواته مرة أخرى، وآخر ما قيل إن هناك ترتيبا لإجراء حوار مع أنصار الشريعة في محافظة أبين، رغم أن ذلك لم يكن مجديا مع نظام صالح الذي لم يصل إلى صراحة كصراحة المعارضة في التعاون مع الأمريكان في قضية الحرب على تنظيم القاعدة.

هل هي رغبة في الحوار أم خوف من واقع ما بعد صالح؟

دعا القاضي حمود الهتار أنصار الشريعة الذين يسيطرون على محافظة أبين منذ نهاية شهر مايو الماضي، والحكومة اليمنية الجديدة إلى الحوار. وقيل إن الشيخ طارق الفضلي، وهو أحد مشايخ أبين البارزين وقيادي في الحراك الجنوبي، بارك هذه الدعـوة، لأن خيار القوة مع تنظيم القاعدة أثبت فشله في أفغانستان وفي العراق وفي دول أخرى، وسيكون مصيره الفشل في اليمن أيضا، حد تعبيره.

حوار سياسي بشروط ثقيلة

الفرق بين الحوار الذي تولتْ أمره لجنة حوار الهتار في السابق وبين الحوار الذي يدعو إليه اليوم، هو أن الأول كان فكريا، الغرض منه محاولة تغيير بعض أفكار الجماعة التي يرون أنها تقود إلى أعمال عنف، بينما الحوار الثاني سيكون سياسيا بامتياز، الغرض منه التوصل إلى اتفاق يخدم حالة الاستقرار لواقع ما بعد الثورة، وللتنظيم حريته في البقاء على ما هو عليه من الناحية الفكرية، لكنه الواقع الذي لا يرغب فيه التنظيم، لأنه جاء عبر من يدعو أصلا إلى تحييدهم عن اليمن وعن شئونه.

من ناحية أخرى ستحاور القاعدة هذه المرة من موقع قوة أو كند، إن هي حاورت، بل ربما تكون الطرف الأثقل، من حيث القوة ومن حيث الشروط، وليس كما كان عليه حالها في السابق حينما كان الهتار يحاور أعضاءها داخل سجن تابع للنظام لا يشمون فيها هواء عليلا أو يتناولون وجبةً صحيةً، وهو ما اعتبرته الباحثة الأمريكية في الشأن اليمني جين نوفاك خطأ كبيرا من شأنه أن يُفشل الحوار لعـدم وجود تكافؤ وأرضية ملائمة.

ومع أن المناخ لم يكن مناخ حوار بالفعل، إلا أن لجنة الهتار لم تنجح حتى في انتزاع تراجعات واضحة تحت ضغط هذا المناخ غير الملائم. ويصف من التقيت بهم ممن حاورهم الهتار، بأنه كان مسخرة، فإلى جانب كاميرات التصوير التي كانت تطل من وراء قطع كرتونية وضعت في زوايا الطاولة حتى لا تُلحظ، كان الهتار نفسه "يغمز" لمن يحاورونهم من السجناء بأن يمرروا كلام رئيس الجهاز غالب القمش.

لكن وضع التنظيم اليوم مختلف تماما، وشروطه لإجراء حوار ستكون هي ذات الدوافع التي قادته إلى خيار العمل المسلح، بشكل واضح، والأجواء القائمة لن تساعد مطلقا على موافقة كل طرف على ما سيطرحه الطرف الآخر من شروط. فعلى سبيل المثال ستتركز شروط القاعدة حول موضوع التدخل الخارجي في الشأن الداخلي اليمني، وهذا سيتعارض كليا مع ما قطعته الحكومة، أو أطراف فيها كحزب التجمع اليمني للإصلاح، من وعود للولايات المتحدة الأمريكية في مجال الحرب على الإرهاب.

ما يعني أن قرار تنظيم القاعدة في حواره مع الحكومة سيكون بيده، بينما قرار الحكومة في حوارها مع تنظيم القاعدة سيكون بيد آخرين، بل إن قرار الحرب الذي قد تلجأ إليه الحكومة كخيار بديل سيصدره آخرون. وبالتالي فإن فشل هذه الحكومة في تحييد الخارج ومصالحه عن الداخل ومصالحه سيعني فشل الحوار قبل أن يبدأ فعليا. لهذا قلنا إن القاعدة ستشترط على الحكومة الجديدة استقلال قرارها حتى تدخل معها في أي حوار.

ويدرك تنظيم القاعدة أكثر من غيره، كونه المعنى بالأمر، أن أمور الداخل اليمني ترتبت خلال الثورة بناء على مخاوف الخارج على مصالحه، أو أن الخارج نفسه هو الذي يرتبها بناء على ذلك، بمباركة من قوى الداخل التي آل إليها أمر البلد أو يراد لأمر هذا البلد أن يؤول إليها، ومعروف عن القاعدة أنها لا تتحاور على الإطلاق في ظل ما تعتبره احتلالا، ولا تتعامل على الإطلاق أيضا مع من يتعاملون مع المحتل.

ومن يتابع إصدارات القاعدة الأخيرة سيجد أن جملة "العملاء الجدد"، وتقصد بها المعارضة اليمنية، تتكرر كثيرا في خطابها، ومن المستبعد، بل من المستحيل، أن تتحاور القاعدة مع من تعتبرهم عملاء، خصوصا وأن لديها من الوثائق ما يؤيد هذا الأمر، بل إن تركيزها الإعلامي في الآونة الأخيرة، كما تقول أنشطتها، كان على هذه النقطة تحديدا.

الأمر الآخر أن المعارضة اليمنية، وفي إطار صراعها السياسي مع نظام علي عبد الله صالح، ظلت تتحدث عن القاعدة كصنيعة رسمية، بل لازالت إلى اليوم تروج لذلك، وهو أمر خلق انطباعا سيئا لدى التنظيم عن أهداف المعارضة من وراء هذا الترويج، حيث ترى أنه ربما يأتي في إطار التشويه الإعلامي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد "المجاهدين"، بحسب المطلوب الثالث في القائمة الأمريكية القيادي اليمني فهد القصع في حوار أجريته معه.

أي أن أجواء المرحلة التي سبقت الحوار وأجواء مرحلته، لن تساعد بحال على نجاحه، بالإضافة إلى اشتراطاته، والحل الوحيد لإجراء حوار ناجح هو أن يكون تدخل الخارج مجرد مرحلة لا أكثر، أما أن يبقى حاضرا وبذات النفوذ، فإنه سيتعارض أولا مع ما قامت القاعدة لأجله، في اليمن وخارجه، وثانيا مع أهداف الثورة الشعبية التي أعلنت القاعدة في اليمن تأييدها لها منذ بدايتها.

لكن الحكومة اليمنية الجديدة ستتعامل مع الخارج ومع نفوذه كشر لا بد منه، إن كانت تعتبره شرا أصلا، وإلا فإن تصريحات بعض سياسيي المعارضة، خصوصا المحسوبين على حزب التجمع اليمني للإصلاح كعبد الرحمن بافضل ومحمد قحطان وغيرهم، لا توحي بذلك، إن لم تكون توحي بالعكس، كما أسلفنا.

ومع ذلك فإنها بحاجة للحوار مع أنصار الشريعة، أو مع تنظيم القاعدة، ليس لأجل الصالح العام، كما قد تدعي، بل لأنها لن تنجح في اختبار كهذا، خصوصا وأنها التي كانت تنفي دوما وجود قاعدة في اليمن أو وجودها بالقوة التي يصورها البعض، وتؤكد بأن المسلحين الموجودين في بعض المحافظات الجنوبية تابعون لنظام الرئيس صالح وسينتهون برحيله أو بسقوط نظامه.

ومن خلال هذه الحاجة لا أستبعد أن تكون المعارضة اليمنية أو جهات فيها هي التي دفعت أو شجعت القاضي حمود الهتار على دعوة أنصار الشريعة في أبين إلى الحوار، لاسيما وأن الهتار الذي أعلن عن انضمامه للثورة الشبابية صحاب سابقة في الحوار مع التنظيم، حتى وإن كانت فاشلة.

الموقف الأمريكي

ربما تقنع المعارضة اليمنية الإدارة الأمريكية بضرورة أجراء حوار مع التنظيم في اليمن بدلا من الحرب في وقت ليس من صالح استقرار البلد ولا أمريكا أيضا أن يُثقل بمزيد من الحروب، وربما تقتنع أمريكا بذلك، على اعتبار أنها أكثر من جرب خيار القوة مع التنظيم وأكثر من فشل فيه. بالإضافة إلى أنها دعت إليه في وقت سابق مع طالبان أفغانستان ومع بعض فصائل المقاومة العراقية. بل اعتبره قائد قوات الأطلسي في أفغانستان الخيار الوحيد.

لكن القناعة الأمريكية تعني أن ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية بالحرب تريده بالحوار أيضا، وهو ما لن يحدث على الإطلاق.

سيتضح في نهاية المطاف، كما اتضح في بدايته، أن التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي اليمني هو مشكلة نجاح الحوار مع الجماعة المسلحة، تماما كما كان مشكلة نجاح الثورة على نحو مما تم في بلدان أخرى، وأن النظر إليه من قبل البعض كشر لا بد منه، نظرا لضخامة القوة الأمريكية وتجنبا لمخاطر هذه القوة المحتملة، لن يقنع تنظيم القاعدة الذي يرى أنه استطاع خلال حربه مع أمريكا التي امتدت لأكثر من عشر سنوات في أكثـر مـن بلد أن يثبت أن هزيمـة قوتها الضخمة غير مستحيلة.