بأصواتنا .. نُنقذ ثورتنا
بقلم/ حبيب العزي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 4 أيام
الخميس 16 فبراير-شباط 2012 07:58 م

أجمل ما في ثورات الربيع العربي ، أنها حقاً ثورات شعوب محضة ، أي أنه فعلاً لم يُخطَّط لها سلفاً ، وإن كانت قد استُشرِفت ملامحها وتنبأ بها العديد من المراقبين والباحثين الاستراتيجيين ، لكنهم – ومع كل ذلك – لم يكونوا يدركون متى؟! وأين؟! وكيف؟! ومن يقول بغير ذلك فهو – بتقديري – لم يستطع قراءة المشهد كما هو على أرض الواقع ، إما لضبابية في الرؤية لديه ، أو لتواضع مدركاته في فهم المعطيات الدائرة من حوله ، ربما بسبب ارتفاع حدة الصخب وكثرة الضجيج المصاحب للأحداث بغية التشويش عليها .

بمعنى آخر لا يستطيع أحد أياً كان حجمه أو وزنه وثقله السياسي أو القبلي في أي دولة من تلك الدول التي قامت بها ثورات الربيع العربي ، أن يدَّعي بأنه قد قام بها منفرداً ، كما لا يستطيع حزب أو جماعة أو طائفة أو فصيل أو لون سياسي بعينه أن يستأثر بها ، أو يدعي بأنه المالك الحصري لها ، لأن المالك الحصري وصاحب الحق الحقيقي لهذه الثورة أو تلك هو الشعب .. الشعب وحده وحسب .. وحينما نقول "الشعب" فإننا نعنيه كما هو ، بكل فئاته وطوائفه ، ومشاربه واتجاهاته ، وولاءاته وانتماءاته ، والشعب كما هو معلوم لا يمكن لأحد - مهما كبُر حجمه - أن يكون وصياً عليه بأي شكل من الأشكال عدا خالقه عز وجل.

وشعبنا اليمني العظيم – أو لنقل تلك الطليعة من خيرة الشباب بين أبناءه - حين قررت الخروج عن صمتها في الـ 11 من فبراير قبل عام - بالتزامن مع باقي شعوب الربيع العربي - كانت تدرك جيداً أنها تملك إرثاً حضاريا وقيمياً متجذراً وضارباً في أعماق تاريخها الطويل ، وتستطيع من خلاله أن تنجز أعظم ثورة يمكن أن يعرفها التاريخ الحديث لمنطقتنا ، بل ويعرفها العالم بأسره ، والمتتبع بعمق لمسيرة ثورة الشباب في اليمن طوال عام قد مضى ، سيجد أنها قد جسدت – إلى حد كبير - تلك القيم الحضارية على أرض الواقع ، فهي قد اختارت "السلمية" سلاحاً وحيداً لها في مجابهة إرهاب النظام ، كما اتسمت بقدر كبير من التمدن والوعي الحضاري خلال مسيرتها ، واستطاعت أن تنفي عن نفسها تلك الصورة النمطية التي كانت قد سادت في معظم أصقاع الأرض لعقود طوال ، من أن اليمن باتت مأوى لقوى التطرف والإرهاب .

إن الوصول إلى صيغة "للتوافق" بين أبناء الوطن الواحد حول شخص "هادي" ليكون رئيساً للبلاد ، وإيذاناً ببدء مرحلة جديدة في تاريخ اليمن الجديد ، يمن ما بعد صالح ، وفي مرحلة دقيقة وحساسة كالتي تمر بها بلادنا في الوقت الراهن ، ليعد ذلك - بحد بذاته - إنجازاً هاماً يجسد ذلك البُعد الحضاري والقيمي لشعبنا اليمني ، التوَّاق لنيل الحرية كما أسلفنا ، والذي يُعد نعمة كبرى يغبطنا عليها الكثيرون ونحن لا ندرك مدى أهميتها ، ولربما ندركها إذا ما قارناها بوضع الأشقاء في المعارضة السورية على سبيل المثال ، الذين ضلوا طوال العشرة أشهر الماضية دون الوصول إلى صيغة للتوافق فيما بينهم ، الأمر الذي أسهم إلى حد كبير في تشجيع نظام الإرهاب "الأسدي" في دمشق على التمادي في ارتكاب المجازر اليومية بحق الأطفال والنساء من أبناء سوريا الأحرار.

علينا – كيمنيين - أن نكون يقظين لما يحاكُ بنا في هذا الظرف تحديداً ، وأن نفوت الفرصة على كل من يحاول تشويه ذاك الرصيد القيمي والأخلاقي ، وذاك الإرث الحضاري لشعبنا ، بتصرفاته الرعناء التي تحاول عبثاً – لا أقول سرقة الثورة وحسب - ولكن سرقة الوطن بأكمله ، كما يجب علينا أن لا ندع الطريق ممهداً أمام ولاية الفقيه في طهران ، كي تعلمنا دروساً في فقه إزالة الطغيان ، ولا لتلامذتها في "حزب الله" جناح صعدة ، أومن سار في ركبهم ، كي يرسموا لنا خارطة طريقنا ، فنحن أهل مكة وأدرى بشعابها .

إن علينا أن ندرك جيداً أن أصواتنا هي السبيل الوحيد لإنقاذ ثورتنا ، وليس بإنشاء الجبهات ، أو بمقاطعة الانتخابات ، فمن يرفع شعار السلمية يقابل "السوط" بـ "الصوت" ، ويفهم معنى إنقاذ الوطن عبر الاصطفاف ، لكنه "بالفطرة" لا يفهم كيف يكون إنقاذ الثورة "السلمية" من خلال تشكيل الجبهات!!

يتوجب علينا ختاماً .. أن ندرك أن باصطفافنا في الـ 21 من فبرير القادم نقدم للعالم نموذجاً حياً لحضارية فكرنا وتفكيرنا ، كما نثبت عملياً مدنية سلوكنا ، ذاك الذي كان قد تشوه عبر 33 عجاف ضاعت من زهرات أعمارنا ، كما يجب علينا أن ندرك أننا ومن خلال أصواتنا تلك ننزع آخر مسمار في نعش "شرعية" صالح المزعومة طوال العقود الماضية ، ثم لأننا بذلك نسد آخر ثقب لصالح كان لازال ينظر من خلاله إلى كرسي السلطة ، ذاك الكرسي الذي بات واضحاً لكل من يشاهد تصريحاته الأخيرة من تلك "اللوكندة" التي يقيم بها في منفاه ، أن انتزاع روحه كان أهون عليه من انتزاعه منه .