الدلالات الخليجية الأمريكية .. لتنصيب هادي رئيسا
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و يومين
السبت 18 فبراير-شباط 2012 11:45 م

لا يختلف اثنان أن مرشح الرئاسة عبدربه منصور هادي لم يكن هدفا ثوريا بحتا او مطلبا شعبيا ملحا , منذ انطلاقة عجلة التغيير في اليمن والثورة الشبابية الشعبية , ولم يكن يوما ما يمثل الإرادة الشعبية للتغيير السلمي إطلاقا , وهذا ما صرح به فعلا حينها في اجتماع اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام بجوار الرئيس السابق , بعد سرد محاسنه وصفاته السياسية والقيادية الفذة والحكيمة , وقوله انه ليس جديرا بهذا المنصب إطلاقا وإنما ساقته اليه الأقدار مكرها رغما عنه , وغير قادرا على تحمل إدارة المرحلة القادمة بنفس الكفآءة والقدرة العالية , التي يتحلى بها الرئيس الصالح ويتمتع بها - حسب زعمه- , وهذا ما يضع علامات استفهام كبيره عن معطيات السياسة الداخليه والخارجية ومدى جديتها والغاية من تحقيقها , التي أفرزت عبدربه منصور هادي رئيسا توافقيا لقيادة مرحلة جديدة , رغم أكثر التحفظات الشعبيه والثورية الحزبية منها والمستقلة على مصطلح توافقي , كونه أتى بقرار دولي خارجي وتنصيب اقليمي مطلق , يلبي الأطماع السياسية الدوليه ويخدم أجندتها الخاصة , وهذا ما سنسرده لاحقا في هذه الرؤية المقتضبه بعدة محاورها و أبعادها وتأثيراتها المختلفة , عن الثأثيرات الخارجية السلبية على القرار السياسي الداخلي والمحلي والإجماع الوطني , ومدى العمق المأمول في تحقيق اكثر التطلعات السياسيه والمصالح الدولية في تجنيد السياسه الداخلية لخدمة أجندتها بأيادي النظام السابق وهياكله وجميع محاوره وقياداته دون تغيير يذكر , بما يفقد اليمن أي صفه سيادية حاليه او مستقبليه مطلقة , على جميع القرارات السيادية الوطنية , ويطعن في صميم الارادة السياسية السيادية المستقله , ويخدش بصورة مباشرة كرامة وعزة وطن بأكمله , اختار شبابه وفتيته وكافة كوادره التغيير السلمي والانطلاق الى فضاء الحرية والديموقراطية والدولة المدنية الحديثة , والعدالة و المواطنة المتساوية , بعيدا عن التأثير المجاور والعالمي لتحركاته التنموية الخاصة , وعدم المس بخصوصياته الثقافية والإنسانية والحضاريه الضاربه في عمق التأريخ البشري والإنساني , الذي ظل لمدة عقود طويله بعد ثورتي سبتمبر واكتوبر المجيدتين وما قبلهما رهن التغييرات الدوليه وتقلباتها المستمره , وصداماتها وحروبها أثرت بشكل سلبي على مكانته الدولية وامنه واستقراره .

كان اليمن خلال العهد البائد -ومازال- عموما مسرحا حيا ومرتعا خصبا لكافة التناقضات والتوجهات وتصادم المصالح وتباين السياسات وعلى مدى عقود عديدة , أدت الى تراكمات زمنية مستعصيه مركبة من السياسات الخاطئة والإرادة الغير مستقلة والتبعية السياسية للخارج كليا , أوصلت اليمن تباعا الى ما هو عليه اليوم من الفقر والانهيار الاقتصادي والسياسي والأمني , اقل ما يقال عنه انه وطنا فاشلا كليا في مقياس الأمم والشعوب في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية , وتوجت هذه المرحلة المعقدة بتنصيب هادي رئيسا جديدا لليمن ومرشحا توافقيا , وتصوير الأمر برمته للشعب المغلوب على أمره وللمواطن العادي انه انتصارا حقيقيا للديموقراطية وتحررا من نظام الحكم الأسري الديكتاتوري , وتحقيقا للمصالحة الوطنية والعادلة , التي نتجت عن الخلافات والانقسامات السياسيه والوطنية نتيجة الثورة الشعبيه وما رافقها من تغييرات جذرية شاملة في المكون السياسي والاجتماعي , وتم طرح هادي سياسيا بانه توافقي وشعبيا بانه المنقذ الوحيد وثوريا بانه النصر الاكيد باسقاط نظام على صالح كليا , وهذا ما يجعلنا نتسائل عن ماهية ومفهومية المعاني والدلالات التالية , هل فعلا عبدربه منصور هادي مرشحا توافقيا, ام انه تم تنصيبه بقرار دولي ومبادرة خليجية ؟ وهل فعلا هو المخرج الآمن للأوضاع المتردية والمتلاطمه التي يخوض بها الوطن , وهل فعلا بانتخابه رئيسا جديدا يمثل نصرا ثوريا أكيدا ؟

وبنظرة كلية وموجزة نجد , نفي جميع الاستفسارات السابقة والفرضيات المطروحة والقائمة عموما وكليا , فمن المنظور الشعبي والشبابي العام , نجد انه ليس مرشحا توافقيا بل تم تنصيبه فرضا واجبا وإملائا خارجيا , وهذا ما ولدته القناعات الشعبيه , القبول بالسئ تجنبا للأسوأ , ونصف الشر ولا الشر كله , حسب قناعات وليدة للهروب من شبح النظام الأسري متمثلا بعلي صالح الى أحضان عبدربه منصورهادي أملا في مرحله إنقاذية مابعد انتقالية جديدة سترسم ملامحها القوى الشعبيه بقوة وجدارة وخيارات أفضل لامكان فيها للفساد , وفرض الخيارات الاستثنآئية , وبغض النظر عن هذه الرؤى والأحلام الوردية والهلامية التي قد لا تتحقق دون الخيارات الثوريه المطروحه بالحسم الاكيد واقتلاع جميع رموز النظام البائد ومحاكمته كليا , وتوفير الارضيه الوطنية الصلبه والراسخه لأية تغييرات مستقبلية مأمولة, فصرنا كمن يبيع وطنا للشيطان أملا في انتظار الجنة الموعودة , التي قد لا يتحقق العيش فيها يوما واحدا , وهذا ما يسمى العبث السياسي والانهزام الفكري وضياع الثقه بكفآءات وكوادر الوطن ومقوماته الاساسيه القادرة على انتشاله من لظى الأوضاع الملتهبة واخراجه من عنق الزجاجه الى بر الأمان , وهذا ما حذا بالرئيس ان يقول بكل ثقه مطمئنا أنصاره في نيويورك ساخرا: لقد نقلنا الحكم من اليد اليمين الى اليد الشمال !

إذن ومما سبق نجد وجود الفتور الإعلامي وضعف القناعات الشعبيه في الانتخابات القادمة , وما زاد الطين بلة انه تم وضع مرشحا وحيدا لاغير, جعل الانتخابات في مجملها صورة انتخابيه ضعيفه وهزيلة جدا, لاترقى لمستوى الانتخاب الديموقراطي الحر والنزيه , والاحترام الجماهيري والشعبي الكبير , إذن اذا لم تكن هناك قناعات حتمية ونتائج مضمونه وأكيدة للانتخابات الرئاسية فلماذا نصوُت لها إذن؟ وهذا ما يجعلنا هنا نفرز التغييرات الحاصلة والنتائج حسب التأثيرات الدوليه والإقليمية الخارجية والمحيطة لترشيح - تنصيب- هادي مرشحا رئاسيا , الدلالات السياسية الخليجية الامريكية لتنصيب هادي رئيسا منتخبا:

1- الحفاظ على السياسة الخليجية -السعودية خاصة- في المنطقة واليمن ككل , بحيث لا تتغير سياسات الجوار المتبعة مع الجارة الكبرى عبر الأيادي المتنفذه والمصالح المحكمة لها في الداخل اليمني , وبضمانات وافية بوجود عبدربه منصور هادي في رأس السلطة , يمثل ديمومة واستمرار السياسات الخليجية المتبعة في اليمن , ووضعه تحت الحصار السياسي والإقتصادي , وفي مرمى بصر السياسة الخليجية , وكما كان ذلك متوفرا ودائما إبان حكم الرئيس الصالح , الذي أعلن ولاؤه التام ووفاؤه المطلق على مدى سنوات حكمه للسعودية والخليج .

2- الحفاظ على الاتفاقيات الدوليه والمعاهدات المبرمة بين اليمن ودول الجوار العربي خاصه فيما يتعلق بالحدود اليمنية السعودية , نتيجة ما شابها الكثير من التذمر والجدل في الأوساط القانونية و الجماهيرية , وعن الظروف التي تمت بها المصادقة على هذه الاتفاقيات التي حسب اغلب الجماهير انها انتقاصا للسيادة الوطنية على أراضيها وكانت مجحفه وظالمة جدا , وهذا ما تم تناقله عبر الثورة الشعبيه , وبروز تكتلات شعبيه و تيارات شبابيه تنادي بإعادة النظر في هذه المسأله بالذات, رغم اعتراض أكثر القوى الثوريه حينها بطرح مسائل هكذا لا تخدم التوجة الثوري إطلاقا, والمطالبه بتأجيل النظر فيها لما بعد النصر الثوري , وما يخص ايضا اتفاقيات النفط والغاز الدولية , واتفاقيات ميناء عدن عبر شركة مواني دبي العالمية ومدى جديتها ومصداقيتها , وعن كآفة الاتفاقيات والاستثمارات الاقتصادية والسياحية, اذن وجود سياسه منتخبة ومعينة خارجيا سيكون في حد ذاته الطريق الأفضل لوجود جدار امني قوي ومتين يحمي الجوار من تقلبات الداخل وتبعاته السياسية والثورية المتنقله تباعا عبر الأقطار العربيه , وحفاظا على الجوانب الاقتصادية والامنية من اية تغيرات طارئة لاتخدم مصالح مجلس التعاون الخليجي .

3- أمريكيا انتخاب هادي يمثل النهج السياسي المقيت والمستمر في الساحة السياسه اليمنية , فالخوف من التيار الإسلامي المتشدد او اي حكومة اخوانيه مستقبليه , وضع الإدارة الامريكية وعلى مدى عام من الثورة في مواقف ضبابيه غير معلنه و قادرة على حسم موقفها من اليمن بسبب وجود تيارات اسلامية اصولية في عمق العمل الثوري , وبذا التخوف من أية إفرازات مستقبليه لحكومة إسلامية جديدة قد تفرخ الإرهاب العصري من تحت عباءتها , وبذا يصعب التحكم به خاصة في وجود عناصر معارضه ضمن الجداول الامريكيه المنظر فيها وشبهة مدى علاقتها الوطيدة بالإرهاب الدولي , وهذا ما جعل الإدارة الأمريكية تخول الملف اليمني كاملا ودون استثاءآت بكل تداعياته الى الإدارة السعودية للنظر والبت فيه , ورسم مراحلة السياسية المستقبليه بما يخدم الحضور الامريكي ومصالحة في اليمن والمنطقة , وكانت المبادرة الخليجيه التوافقية امريكيا خليجيا الحل الأنسب لمسك زمام الامور دوليا في اليمن , وما نتج عنها تباعا ترشيح هادي رئيسا منتخبا , وهذا ما نستطيع قرآءته بين سطور المبادرة ونصوصها وآلياتها التنفيذيه وشروطها التعجيزية جماهيريا وثوريا , وقبل بها الشعب على مضض تحت وطأة سياسة العقاب الجماعي المتبع , وتردى الاوضاع المعيشيه والاقتصادية وطول أمد الثورة والإنهاك الثوري الطامح للتغيير.

 4-امريكيا وخليجيا بقآء هادي ونظام على صالح حفاظا من توسع مد القاعدة والإرهاب الدولي , وهذه الورقه بالذات أحسن النظام السابق إستغلالها الاستغلال الصحيح والتلاعب بها عدة مرات في أبين ومأرب وأخيرا في رداع حسب الضغوطات ومتطلبات المرحله السياسيه لكسب مزيدا من الرهانات والضمانات والخروج الآمن , فحين كانت القاعدة قادمة فعليا من القصر ومدعومة كليا من الرئاسة , تم تقديم اليمن للعالم انه موطن الارهاب , ومنه يتم تفريخ العناصر الإرهابية وإنتاجها وتصديرها للعالم الحر, مما أثار الرعب الدولي والعالمي حيال اليمن , ووجود نظام صالح يعتبر الطريق الافضل للخروج من تبعات اي مجهول قادم او اي نفق سياسي مظلم قد يفرز جماعات إرهابية قاعدية خطيرة , يصعب التحكم بها عبر نظام جديد منتخب شعبيا.

 6- ما يجري في اليمن فعليا هو صراع اقطاب القوى السياسيه و الدوليه ضمن دآئرة صراع الشرق الأوسط الجديد, والصراع الدائر بين الدول العظمى متمثلا بين امريكا وروسيا والصين وإيران حفاظا على مصالحها وسياساتها امتد الى المنطقه وبصورة جديدة ليكون صراعا بين ايران والسعودية في الشرق الأوسط , وما نراه تباعا من تذبذب المواقف السياسية والعربية والدولية تجاه ثورات الربيع العربي المؤيدة والمعارضه وتقلباتها , إلا ترجمة واضحة لعمق الخلاف وتحقيق المصالح والحضور القوي في تلك المناطق و الدول , عبر اياديها ووسائلها الممكنة والمتاحة للتدخل المباشر والسريع , والحفاظ على اليمن في إبط المملكة من الانزلاق الى السيطرة الايرانية سيجنب هذه الدول مستقبلا الكثير من الصراعات ويخفف من حدة المواجهات وإدخار الكثير من الجهد مستقبلا , حال وصول قيادة متحرره في اليمن السعيد شبت عن الطوق , وتحررت كليا من الوجود الامريكي والخليجي , وهذا ما يفسره التدخل السافر للسفير الأمريكي في اليمن في كل شاردة وواردة , حتى ما يخص الإنتخابات واللجنه العسكريه والوعود بتغييرات الجيش وقياداته والإفراج عن المعتقلين , والتطمينات المستمرة بنجاح العمليه الديموقراطية في ترشيح هادي وانها ستقود اليمن الى واقع أفضل , وهي في حقيقة الأمر لا تخدم الا التوجة السياسي الامريكي في اليمن , وتلبي رغباته وطموحه بالبقاء وفرض سطوته لأيه سياسات وأنظمة يمنية قادمة .

اما داخليا فوجود هادي كمرشح توافقي على الأقل من الناحية السياسيه والتحالف القائم بين المشترك والمؤتمر , يحقق رغبات الجميع أولا بإيجاد مناصب ومراكز ومواقع جديدة لقوى المعارضة طالما حلمت بها لسنين , ثانيا باستمرار نظام على صالح بكآفة رموزه دون محاكمة وبضمانات وحصانات أضفت له الشرعيه وحرية التحرك والأمان , والديمومة والاستمرار والانعتاق كليا من المسآئله مستقبلا عن جرائم القتل والفساد والعبث المالي والإداري , إذن ما الذي يرجى تحقيقه فعليا و الجدوى من إقامة الإنتخابات الرئاسية , وهل حققت الثورة أهدافها في إسقاط النظام باكمله ليس في شخص الرئيس فحسب بل نظاما كاملا بكل رموزة واباطرته وشبكات محسوبياته , وماهي الرؤية المستقبليه لليمن الجديد في ظل هذه الأطروحات الواقعية والمنطقية , والمتغيرات السياسية المتناقضة, وهل فعلا ستحقق الانتخابات الرئاسية القادمة أية تغييرات عسكرية وامنية , وإخلاء مواقع قيادة القوات المسلحة والأمن من الحكم الأسري , وهل ستحقق ايضا التغيير الاقتصادي المنشود ورفع المعاناه عن كاهل المواطن .

لذا نصيحة لأي ناخب اذا لم تجد الإجابات المقنعه والاكيده لهذه الاستفسارات جميعا, وفي حال عدم توافر القناعات الشخصية والعامة بالانتخابات ونتائجها كليا , فلا تصوُت حتى لاتكون شريكا في أية تبعات كارثيه ومستقبليه قد تهوي باليمن الى مرحله جديدة من الديكتاتورية والاستبداد, لأن صوتك أمانه في عنقك فلا تفرط بهذه الأمانة , وهذا ما يجعلنا نتسائل عن الدور الذي لعبتة القوى الحزبية المنضمة للثورة ومدى مصداقيتها و كيف كانت الثورة الشعبية حينها قادرة فعليا على اقتلاع النظام واسقاط على صالح من سدة الحكم , وأصبحت ألآن عاجزة عن انتخاب الرجل المناسب , وتشكيل مجلس وطني رئاسي انتقالي لا يضم احدا من رموز العهد البائد , وتحقيق العدالة الشعبية والقصاص العادل المنشود , وفرض السيادة الوطنية المستقله القادره على انتشال الوطن من جميع الأزمات والكوارث التي تحيق به من كل جانب