إعادة بناء وليس هيكلة الجيش !
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 18 يوماً
السبت 03 مارس - آذار 2012 04:37 م

ربما إنه لمن السابق لأوانه الحديث مجددا عن هيكلة الجيش والخوض في غمار هذا الشأن , وطرح الرؤى والتصورات لإعادة هيكلة الجيش في ظل حكومة وفاق فاقدة الشرعية ونظام وليد مستمد شرعيته- أصلا- من نظام سابق , ولكن مادار من حديث الساعة وجدل مستفيض في هذا الشأن جعلنا نقف وقفة جادة و مسؤولة لتوضيح معاني ودلالات هيكلة الجيش والمصطلحات المرافقه لإعادة الهيكلة , ووضع رؤية صادقة بخصوص هذا الشأن , يتبادر الى الذهن للوهلة الأولى ان هيكلة الجيش تعني إقالة جميع قيادات ومراكز وقوى الجيش والأمن المقربة من الرئيس السابق والمحسوبة علية سوآء اخوانه او ابناءه او ابناء اخيه أو أقاربه وشبكات محسوبياته , وهذا في حد ذاته يعتبر فهما قاصرا وناقصا للأمور الهيكلية والتأسيسية للجيش اليمني ومراكز القوى المتحكمة فيه , ونظره ضيقة لمفهوم التغيير الكلي والجذري التام والمطلق في البنية التحتية للقوات المسلحة والأمن .

بغض النظر عن هذه الأطروحات والمعاني ما نجده فعلا مثمرا ومفيدا هو المطالبه الكلية والجدية بإعادة بناء وتأسيس الجيش اليمني ككل , وليس مجرد تغييرات محصورة فقط في قمة الهرم القيادي دون المساس بقواعده وكتائبه ووحداته العسكرية والأمنية , والتأسيس البناء الوطني والجذري لقوات الأمن المركزي والحرس الجمهوري , لعدة أسباب أساسية:

1 - إن مفهوم تغيير هيكلي فقط للقيادات في القوات المسلحة وإخراج أقارب الرئيس السابق من مراكز القوى لا يفي بالغرض الأساسي و الكلي في بناء الجيش البناء الوطني الصحيح وإعادة ترتيب صفوفه ووطنيته وولاءه , لأن التسلسل القائم وعلى مدى حكم النظام السابق 33 عاما ولد من قمة الهرم الى القاعدة سلسلة متتالية من القيادات والرتب العسكرية الغير وطنية أفرزتها العلاقات الأسرية الحميمة وصلات القرابة والقبيلة والمناطقية المتجذرة في القيادات والأفراد , عبر الوساطات والمحسوبيات وتسلسل الابناء تباعا وتوريث القيادات ودمجها في تبوؤ المراكز القيادية والعملية الحساسة , أفقدت الجيش اليمني وقوات الأمن المركزي والحرس الجمهوري القيادة الفعليه والانصياع للإرادة الشعبية العامة , فتغيير أشخاص فقط بحد ذاته لا يفي بالغرض ولا يكفي لتحقيق الهدف المنشود منه , نظرا للكم الهائل والمتسلسل من القيادات التي أعلنت الولاء للقيادة الأسرية دون الوطن , وهذا تم تقسيمه حسب الولاءات والقناعات الحاكمة والمقربة في تشكيلة الحرس الجمهورية تحديدا وتدريبه وإنفاق الأموال الطائلة عليه من الخزينة العامة , وإعادة انتشار الويته كمنظومة دفاعية وحامية للنظام الأسري المفصلي المتمركز في صنعاء والسبعين على وجه الخصوص .

2 - تغيير القيادات -فقط -اذا حدث فعلا دون التوجه الى إعداد القوات المسلحة وكوادرها وإعادة بناءها وتأهيلها التأهيل الوطني الصحيح على أسس القيم والولاء الوطنية المطلقة , يكون غير كافيا وناضجا لتحقيق الهدف المنشود من إعادة الهيكلة بمفهومها الشامل , إذا لم يكن هناك تغيير جذري وتربية وطنية خالصة واعدة وصادقة, وغرس قيم الولاء والتضحية والفداء , تخرج العقلية العسكريه من قيم الولاء المطلق للقائد العام الى عامة الشعب, وتحرره من أسر الهيمنة العسكرية المستبدة الى رحابة وخدمة الشعب , وتلبي المكتسبات الوطنية بحماية المواطن والذود والدفاع عن الوطن, وتسخير الإمكانيات والقدرات والآلة العسكرية لخدمة الوطن , وما تم خلال اندلاع الثورة الشبابية ليوضح مدى القصور والفتور في هذا الجانب , وانتفاء مبدأ الولاء الوطني كليا , و الخروج عن الإرادة الشعبية والإجماع الوطني والارتهان للحاكم الأسري المطلق والدفاع والذود عنه , حسب التعبية الذهنية السابقة والخاطئة بأن الوطن هو الرئيس , والرئيس هو الوطن , نتج عنه سلسلة من المجازر وسقوط عدد من الشهداء والضحايا , ووجهت فوهات البنادق وآلة القمع العسكرية الى الصدور العارية , وقصفت المنازل وقتل الأطفال والنساء والشباب بلا رحمة او أدنى مسئولية وطنية , كما حدث في أرحب وتعز و التعرض لمسيرات صنعاء وفي عموم محافظات الجمهورية شمالا وجنوبا , وما حدث قبلها خلال حروب صعدة الست وما نتج عنها من قتلى وخراب وإزهاق للأرواح والأنفس , يوضح مدى الفقر والنقص والإفلاس في قيم الولاء الوطني الخالص لدى القوات المسلحة بشكل عام , والانصياع طوعا لأوامر القائد وتنفيذها دون النظر الى العواقب , ودون وضع اية اعتبارات للدماء الزكية ولحقوق الشعب وسقوط العدد المهول من الضحايا.

يجعل في نهاية المطاف من النظرة الى هيكلة القيادات الاساسيه دون النظر الى الجيش كوحدة كلية وقيادة متكاملة يجب اعادة تأهيلها وبناءها يعتبر انجازا منقوصا لا يلبي الطموحات الشعبية بالتغيير , كما حدث في الإنجازات إبان الثورة الشبابية والتي تمخض عنها ثورة شبه كاملة او نصف ثورة , وتباعا تولد عنها نظاما هشا مشوشا وخليطا من النظام السابق والمعارضة أكسب النظام ككل شرعية ناقصة ومفقودة , انه لمن الصعب بمكان هنا المطالبة الى التسريح الكلي لقوى الجيش والأمن وإعادة بنآءه من جديد , نظرا للعوامل والظروف الأمنية الخاصة والمعاصرة التي تمر بها اليمن , ولكن الدعوة الى البنآء في ظل وجود الجيش القائم مع التغيير الجذري للقيادات العليا والتحتية والدون تحتية مع الإبقاء على قواعد الجيش وكتائبة ووحداته العسكريه دون تغيير مع مراعاة إعادة التأهيل والتأطير وبنآء الجيش البناء الوطني القويم , ربما يؤدي الى تحقيق الغايات المنشودة من هذا الطرح والآلية التنفيذية بنجاح في حال تحقيق شروطها كاملة .

رغم عدم وجود صورة كلية وتوافقية لإعادة الهيكلة المزعومة للجيش والأليات المتبعة لتنفيذها , وما تم الفتره الأخيره من قرارات عزل وإقصاء لبعض القيادات الأسرية وأركان النظام السابق من الوية الجنوب والشرق , وإعادة دمجها بقرارات رئاسية ايضا في مراكز قوية أخرى ومؤثرة لهو في حد ذاته مدعاة للتعجب لتغيير القيادات على طاولة الشطرنج الوطنية وتبادل الأدوار لامتصاص غضب الشارع , والإيحاء للرأي العام ان هناك ثمة تغييرات في الأفق القريب وان الأمور تبشر بخير , ولكن ما يحدث فعليا هو تبادل الأدوار وهيكلة الأوضاع وإعادة ترتيب الأوراق تبعا لرغبات ومصالح النظام , وتنفيذ قرارت سابقة مجمدة وإعادة تفعيلها ضمن المغازلة والمجاملة السياسية والعسكرية التي الغت معها كل سبل الولآء والانتماء لبناء وطن جديد .

 اذن ما نحن بحاجة الية هو بناء جيش وطني جديد , قائم على الوطنية الحقة وحماية الشعب والدفاع عن أراضيه ومكتسباته وانجازاته الثورية والجمهورية , وهذا ما يضع مسألة هيكلة الجيش ومدى جديتها ومصداقيتها على المحك , نظرا للارتباط القائم والتغيير القوي المتزامن في ظل وجود أركان النظام السابق سياسيا في الحكم , فكيف سيتم سحب البساط من تحت أقدام الاسرة الحاكمة وقياداتها في ظل الولاء المطلق الحاصل من بعض رموز النظام , والعلاقة الجادة مع أطراف العملية العسكرية السابقة , والتي كانت خلال الثورة الشعبية تنفذ الأجندة السياسية للنظام وبأوامر رئاسية وسياسية بحتة , وهذا ما يؤدي مباشرة الى التساؤل عن جدية إتباع أسلوب الثواب والعقاب والمحاكمة والقصاص ممن ارتكبوا جرائم إنسانية وقتل المتظاهرين والشباب خلال الانتفاضة الشعبية .

 فأي رغبة لإعادة هيكلة محاور الجيش وقياداته دون النظر الى مسألة المحاكمة وفتح جميع الملفات الأمنية والعسكرية , وماترتب عليها من إصدار الأوامر وارتكاب الجرائم يجعل منها لاغية كليا وباطلة , و اذا لم يكن هنا تزامن وتوازي فعلي في التغيير السياسي والعسكري معا , يقود وبصورة مباشره الى اسقاط النظام كليا , يجعل من اية مخططات لترتيب أوراق ومراكز الجيش والأمن فاشلة حتما , وربما هذه النظرة بالذات هي من جعلت النظام السابق يستبق الأحداث ضمن خطط مدروسة و يتمسك بزمام المبادرة الخليجية لانقاذه وإخراجه مستقبلا من تبعات اية ملاحقات قضائية سواء سياسية او عسكرية , مما ترتب عليها لاحقا العدالة الانتقالية والحصانة الكاملة , والتي هي في مفهومها الصحيح مجرد مصالحة وطنية لاعتبار ان ما حدث في اليمن ازمة سياسية , كان الثمن الباهض والمكلف لهكذا تسويات هو تقديم الشهداء والتنازل عن حقوق ذويهم ومطالبهم المشروعة بالقصاص العادل ككبش فداء للعملية السياسية .

3-إن إعادة هيكلة الجيش بمفهومها القائم ستواجة عراقيل وتحديات كبيرة جدا تتثمل في التراكم البنيوي والعملياتي وتوزيع الوحدات والكتائب والألوية العسكرية لما بعد الوحدة ومانتج من تراكمات ومخلفات حرب صيف 94 من إعادة خلط الأوراق وتوزيعها على أسس مناطقية وأسرية بحتة , استحوذت فيها قبيلة الرئيس السابق نصيب الأسد في تركيبة وتركة الجيش والتحكم في مفاصل الحكم والقرار , وبذا تغير تباعا التوزيع الكلي للوحدات والالوية في عموم محافظات الجمهورية على هذا الأساس , مما يعيد ترتيب الأوضاع لمجرد هيكله -فحسب- غاية في الصعوبة , وما نجم عنه في المناطق والمحافظات الجنوبية والشرقيه من تحديات قاصمة أنهكت جنوب الوطن على مدى سنين في ظل حروب وصراعات وعمليات انتقامية وعسكرية , نظرا لان أكثر الوحدات ومراكز القوى المسيطرة -شماليا- حسب التعريف العسكري السائد على ارض الواقع , نجم عنها إفرازات من التمرد خاصة في الضالع وابين وحضرموت , وصلت لحد المطالبه بإعلان فك الارتباط والانفصال , كانت احدى ثماره الحراك الجنوبي السلمي كممثل لجنوب الوطن وقضيته المشروعة , ضد تمادي الحكم الأسري والقمع العسكري الممتد في جنوب الوطن , وارتكاب الجرائم والتهميش والإقصاء وفرض السلطة بقوة السلاح , دون النظر الى العواقب المستقبلية التي تهدد دولة الوحدة الوليدة , مما يجعل الآن اية تسويات عسكرية قيادية دون النظر الى المكونات القاعدية والبنيوية للجيش وإدماج القوى البشرية من المحافظات الجنوبية بل وتسليمها زمام الأمور في اية هيكلة قادمة , يكون عجزا و إعلانا مبكرا بفشل اية تسويات أو هيكلة قائمة على هذا الأساس , تجنبا لاية عواقب وخيمه مستقبلا قد تؤدي الى الفيدرالية او الكونفيدرالية او فك الارتباط في حال فشل الوحدة الاندماجية .

4-وبالذهاب شمالا إلى محافظة صعدة على خارطة الجمهورية اليمنية نجد تقسيم الولاءات العسكرية والقبلية ظاهرا بشكل اكبر , نظرا لتمركز القوى الحوثية وسيطرتها على اغلب المناطق في إطار الحكم الجمهوري لليمن , نتيجة حتمية ومتلازمة لما تعرضت له تلك المناطق المنكوبة من اعتدآءات متكررة لأسباب مجهولة من النظام السابق , وفي ظل غياب هيبة الدولة وسلطة القانون برز دور القبيلة والتيارات الدينية كقوة مسيطرة وفاعلة في المجتمع والمحافظة ,وامتدت اثارة الى الجوف وحجة ومأرب لنجد دور السلطة المركزية للدولة ضعيف جدا , مما يستدعي النظر بعين جادة الى إعادة البناء في تلك المناطق المنكوبة بعد ستة حروب طاحنة ,أهلكت الحرث والنسل, وعلية يجب فتح الملفات العسكرية والأمنية كاملة ,ومعرفة اسباب تلك الحروب وحصر الضحايا والتعويضات والإضرار , وتقديم الجناة ممن تسببوا بتلك الجرائم للمحاكمة العادلة , وإعادة صعدة الى كنف الجمهورية اليمنية محافظة لها كامل حقوقها ومواردها الإنمائية والاقتصادية, إن ترك هذا الموضوع الشائك دون حلول واقعية وجذرية يقودنا الى طريق مسدود في اية أمنيات مستقبلية بهيكلة الجيش اليمني .

اذا لم تكن هناك نظرة جادة وواقعية لإعادة بناء وليس هيكلة الجيش , لإعادة تأسيس وليس ترميم القوات المسلحة و الأمن , يجعل هذه المهمة شبه مستحيلة ينتج عنها تباعا نتائج لا تحمد عقباها من الآثار السلبية والسياسية قد تؤدي الى حرب أهليه وصراعات مستقبلية , مما يترتب عليه خلق بؤر صراعات قادمة , ومشاكل متجددة الوطن في غنى عنها , في خضم التغييرات السياسيه القادمة والمرحلة الحساسة والخطيرة التي تمر بها اليمن , فاخطبوط الولاءات العسكرية لن يتغير فقط بتغيير القيادات المحسوبة على النظام والأسرة الحاكمة , ومفاهيم الوطنية وقيم الولاء الوطني والإنتمآء لهذا الوطن الكبير لن تتحقق في ثقافة وضمائر عناصر وأفراد القوات المسلحة بإعادة ترتيبات وتغييرات شكلية وسطحية فحسب , اذا لم يكن هنا نظرة عميقة جدا الى صلب الموضوع وجوهر التغيير , والبحث عن مكامن الخطر والنقص , واجتثاث النظام العسكري كليا من جذورة وإعادة بنآء القوات المسلحة بنآءا وطنيا خالصا , سننتظر ربما مزيدا من انتاج الولاءات الأسرية والفردية وشخصنة النظام بشقيه العسكري والسياسي بصور وحلل جديدة , تقودنا في نهاية المطاف الى التسليم الكلي للإرادة الشعبية للتغيير المطلق دون أية استثنآءات.