حراكيش ودحابيش !
بقلم/ عبدالقوي الشامي
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 10 أيام
الأحد 11 مارس - آذار 2012 04:12 م

مجزرة وادي (دوفس) فجر الاحد 4 فبراير الجاري التي سقط فيها المئات من الجنود الأبرياء بين قتيل وجريح, تلخص اسلوب التفاهم الذي يراد له ان يسود خلال المرحلة الـ (انتقالية), فمن اجل اقالة حاكم عدن العسكري الصالحي وتعيين محافظ عدن الأصلاحي, كان الثمن كقتل الناس اجمعين لـ 184 مرّه, ومن اجل تسلم واستلام القصر الجمهوري من قائد الحرس بمنطقة (فوه) بمدينة المكلا كان الثمن 33 نفس بريئة ثكلتهم نسائهم على الطريق الصالح وتيتم اطفالهم بهدى الأصلاح .. فكم هو رخيص سعر الأنسان والدم في سوق المخالصة هذا؟ اما البرلمان فقد علقوه الى ان يتوافق صالح الأمر واصلاح الحال على مكتب رئاسته!

امور كهذه تؤكد بان الانتقال الى المستقبل يبقى رهنآ على مثل هذه الحلول الموزونة بالدم والأنفس, حلول تغذيها رغبة انتقام اعمى (عليا وعلى اعدائي) من جهة, ومن الجهة الاخرى, رغبة استحواذ وسيطره على التركة ( ايآ كان الثمن) وسيكون الدم المسكوب في هذا الصراع غير المباشر, اضعاف مضاعفة لما تم سكبه خلال المراحل السابقة, اذ ان اعداد الضحايا البريئة, اصبحت بالجملة بعد ان كانت في مرحلة التثوير بالمفرق.

فطبيعة التغييرات يبدو عليها نفس الوفاق الدموي, على الرغم ان الأتفاقية الخليجية تنص على 90 يوم توافق, ثم عامين انتقاليين, اما بهتان توافقهم الحالي فيأتي من خارج النص, مستمد من سلطان القوة التي يمتلكاها, اي انهما تجاوزا الأتفاقية الخليجية وعادا بالجميع الى (الأتفاقية الموقعة قبل عامين والتي عرفت بأتفاقية 23 فبراير, والى محضر تنفيذها الموقع يوم عيد الجلوس في القصر الجمهوري في 17 يوليو 2010م) تلك الأ تفاقية التي قامت على مبدأ المناصفة, مع فارق دخول السفير الامريكي كـ (موزع موسيقي للأوركسترأ الوفاقية) وسفراء الخليج كـ (رعاة) للمرحلة الوفاقية المستحلبه من تلك الأتفاقية ومن خيام ثورة الشباب بشقيها الستيني والسبعيني.

 اما القضية الجنوبية فـ المؤشرات تدل على تسارع جهودهم في عدن وابين وحضرموت بهدف اخضاعها للمناقصة والمزايدة في الـ (حراج) الوفاقي, كونها لا تستند الى سلاح القبيلة ولا الى فرقة الاخوان المدرعة او امنهم السياسي القمش, ولا الى الحرس الجمهوري او الخاص, ولكونها غير محمية بألوية صحراوية او جبلية, ولا يأتمر لها اي فرع من افرع الأمن العلنية والخفية ولا تستقوي بقوة مسلحة لشباب مؤمن بولاية الفقيه او بولاية الامام, فكونها بهذا العوز القبلي والعسكري فان سعرها بالنازل في عكاظهم الوفاقي, وان كانوا قد عمدوا على اسناد رأسي الحكومة والدولة لشخصيتين جنوبيتين لأعطاء الأنطباع بأنها قد حلت او تكاد, ومن يعرف كيف يسير نظام الحكم في صنعاء يدرك بانه وجود جنوبي منزوع الدسم, مختزل بعملية ختم وتوقيع القرارات التي تصل جاهزة من الطرفين كاملي الدسم. 

 فالرئيس عبدربه منصور هادي اختير من قبل صالح, والأصلاح تحمس للأختيار بقوة, وهنا تكمن مفارقة الافشال للرجل الذي وضعت رئاسته على المحك عندما قبل ان يرقى الى رتبة مشير, من قبل شخص لم يعد ذا صله بهكذا قرار, كما لم يكن لينال تلك النسبة الـ(صدامية) 99,8 لو لم يكن قد تراجع تحت تأثير (بنج) الأختيار والحماس, عن قرار تعيين مدير دائرة ( التوجيه المعنوي) في القوت المسلحة, وقد كان محقآ عندما قال لصحيفة عكاظ الاسبوع الماضي: "ولا يمكن أن تكون صعدة للحوثيين أو الجنوب للحراك" واظن ان السيد الرئيس بهذا القول, قد تجنب الأشاره ان الجنوب لم يعد سبيل لحراسات الرئيس السابق وشركات ابنه ولا لحراسات ابن شيخ القبلية وشركات اخيه, فــ الجنوب للجنوبيين سواءآ قصد ذلك ام لم يقصده.

 اما رئيس الوزراء دولة الأستاذ محمد سالم باسندوه فهو يدرك حدود صلاحياته منذ البداية عندما صرح لمراسل الجزيرة غداة تكليفه عندما قال ما معناه: ان ليس له خيارات, وانه يتعامل مع ما يأتيه من فريقي الوفاق, وان كان قد تمنى عليهما, الاّ يحرجاه بوجوه فاسده, وكان له ما لم يرد, كما كان عليه الاكتفاء بالأمور البروتكولية, وبتفقد اوضاع مؤسسة اليتيم, وبزيارة خيمة توكل كرمان في ساحة التغيير , ويبقى رهان الأستاذ باسندوه في اقناع اصحاب الانفصال كما عرفهم في صحيفة الخليج الأماراتية امس (الجمعة) بافضلية الوحدة, التي تأخر وصولها الى الجنوب لـ 22 سنه عجفاء (بفعل اضراب عمال البريد) سيبقى الرهان على المحك ولكن هل بقى في العمر متسع لذلك يا دولة الرئيس ...؟

 وايآ تكن سيناريوهاتهم الوفاقية او الأنتقالية, فقد كانت رسالة الجنوبيون واضحة في التعامل مع سلال الأقتراع, عندما تم طي صفحة الوحدة الساذجة امام الملأ في 21 فبراير الماضي, على نحو يشي بأن الجنوبيين قد تعلموا كيف يحسمون امورهم بعيدآ عن النوايا الحسنه لبعض الشخصيات الجنوبية, وبعيدآ عن صراع الديكة هذا الذي يدور برعاية السفير بطريقة مهينة لكل مشاعر السيادة وعلى نحو فيه تحطيم لكل دواعي الأعتزاز بالذات الوطنية, اي ان القضية الجنوبية لم تعد في متناول هذه العقول المهووسة بالمال والسلطة والأنبطاح لصاحب السيادة السفير. 

 اذ يدور اليوم نقاش استراتيجي واسع بشأن مستقبل العلاقة بين الجنوب والشمال, يدور على كل المستويات الجنوبية في الداخل والخارج ولم يعد الحديث عن بقاء او عدم بقاء الوحدة فأمر كهذا حسم بارادة الاغلبية الساحقة من شعب الجنوب, كما ان الشارعين في الجنوب والشمال قد باشرا هذه الحوار حول رؤية كل منهما لحل القضية الجنوبية, بمعزل عن نقاشات النخب السياسية السرية والمعلنة.

 فالمتتبع لسيل التعليقات الشعبية على كل ما يكتب عن الجنوب, مع وضد في الصحف السيارة وفي الشبكة العنقودية, يكتشف ان الحوار يدور على قاعدة جهوية صريحة وعلى نحو يوفر الحرج على اصحاب شعارات ما قبل الـ 21 من فبراير, وبالذات قيادات الماضي الجنوبي, فالشارع وضعهم على المحك في تتبع الحل المنطقي والسليم اذ لم يعد يتحرج من طرح جنوبي مندفع صوب التحرر والأستقلال مقابل سلوك شمالي مندفع صوب الفيد من خلال النهب, حوار فيه مخرج من نفق وحدة (جمهورية الموز) التي تلفظ انفاسها الأخيرة .. فالسخرية المتبادلة تتجلى في الكنية التي يطلقها كل شارع على الاخر (حراكيش و دحابيش) وان كانت تعكس هزلية في اسلوب الحوار, فانها تدل دلالة صارخة على فشل المشروع الوحدوي شعبيآ!!