هادي وصالح..من سيُحجم الآخر؟
بقلم/ د. عبد الله أبو الغيث
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 8 أيام
الجمعة 16 مارس - آذار 2012 07:11 م

مثّل الكلام الذي قاله الرئيس عبدربه هادي لصحيفة عكاظ السعودية في الثامن من شهر مارس الحالي اعترافاً بثورة اليمن الشبابية الشعبية، كان ذلك عندما ذكر بأن الشباب هم من قادوا إرادة التغيير في اليمن، وقدموا التضحيات الجسيمة والعظيمة، وبذلوا الأرواح من أجل تحقيق التغيير المنشود، واعترافه صراحة بأن صمودهم واعتصاماتهم ومسيراتهم هي التي أتت بالمبادرة الخليجية وبقرار مجلس الأمن رقم 2014.

ولا يخفى بأن ذلك قد مثل – بطريقة غير مباشرة- رفضاً لما يردده الرئيس السابق صالح واللوبي المناصر له بأنه قد تنازل عن السلطة باختياره، وهو الأمر الذي أرادوا تكريسه من خلال إصرارهم على حفل التنصيب في دار الرئاسة. لكن أفعالهم سرعان مافضحتهم عندما خرج صالح بعد يومين بخطاب حنان طنان - ألقاه من الجامع الذي أطلق عليه أسمه- كان واضحاً أنه يرد به على ما ورد في مقابلة هادي، عندما خاطب الحاضرين أمامه بقوله "عن أي ثورة يتحدث هؤلاء، هذه ثورة البلاطجة والتخلف".

ولا أدري كيف يمكننا التوفيق بين ما يردده أنصار صالح عن تنازله الاختياري عن السلطة حفاظاً على الوطن حسب قولهم؛ وبين وصفه الدائم للمبادرة الخليجية بأنها عبارة عن مؤامرة انقلابية، إلى جانب حرقته المستمرة من القوى العسكرية والقبلية المساندة للثورة، التي يرى أنها قد غدرت به وطعنته في الظهر بانضمامها للثورة؛ بما شكله ذلك الانضمام من تداعيات هزت أركان حكمه، وقادت إلى ظهور المبادرة الخليجية التي مثلت في نهاية المطاف السبب لرحيله عن كرسي الرئاسة الوثير، الذي كان قد اعتقد في غفلة من الزمن أنه قد امتلكه إلى الأبد وصار بمقدوره توريثه لأسرته من بعده. وذلك ما يجعله يقول عن المنضمين للثورة بأنهم إنما هربوا إلى الأمام، رغم أنهم - من وجهة نظره- فاسدون ومفسدون. ونحن هنا لن ندافع عنهم ولن ندينهم لكون ذلك من مهام القضاء النزيه والعادل الذي ننشده، لكننا نقول إن إدانتهم إن صحت هي في حقيقة الأمر إدانة للرئيس السابق وعهده، لأنه سيكون من حق الناس أن يتساءلوا عن سر سكوته عن فسادهم المذكور قبل انضمامهم للثورة؟! رغم أنه كان صاحب الأمر والنهي المتحكم بكل صغيرة وكبيرة تجري في البلد!. 

 وبغض النظر عن استخدام صالح للجامع في ممارسة السياسة الحزبية وهو ما تجرمه القوانين اليمنية، إلا أنه يمكننا الاستنتاج من خلال خطاب صالح في جامعه أن هناك بوادر صراع داخل أروقة حزب المؤتمر؛ تدور رحاه بين جناح متطرف يقوده صالح ويعد معظم أعضائه من أصحاب المصالح؛ وبين جناح معتدل يقوده الرئيس هادي وعبدالكريم الإرياني يرغب في إعادة صياغة الحزب على أسس جديدة تمكنه من المنافسة في قادم الأيام. وقد اتضحت بوادر ذلك الصراع من خلال الهجوم الذي شنه صالح في خطابه المذكور على حكومة باسندوة، ووصفه لها بأنها "حكومة ضعيفة لا تعرف أبجديات السياسة"، وتسليطه لوسائل الاعلام المحسوبة عليه للهجوم عليها والسخرية منها.. وإذا ما عرفنا أن حزب صالح يمتلك نصف مقاعد هذه الحكومة وبإمكانه إيقاف أي قرار يصدر عنها سنفهم من ذلك الهجوم بأن معظم وزراء المؤتمر صاروا يأتمرون بأوامر هادي بدرجة أساسية، وهو ما أثار غضب صالح وحنقه عليهم وعلى حكومتهم.

كل ذلك يجعلنا ننتظر في قادم الأيام تطورات درماتيكية في الصراع الدائر على زعامة المؤتمر، وهي في الغالب لن تقتصر على الأروقة الحزبية للمؤتمر الشعبي، لكنها ستشهد تدخل الخارج الإقليمي والدولي الذي يريد للمؤتمر أن يبقى شريكاً فاعلا في العملية السياسة اليمنية رغبة في إحداث نوع من التوازن، وهو ما تراه أيضاً معظم القوى السياسية اليمنية وعلى رأسها الإصلاح والاشتراكي؛ على اختلاف في دوافعها من ذلك، وهو ما سيرجح كفة الرئيس هادي.

ومن بداهة القول إن قدرة المؤتمر على التنافس ستنخفض إلى حدٍ كبير في حال بقاء صالح رئيساً له، خصوصاً مع الاحتمالات المرجحة في هذه الحالة من انسحاب الرئيس هادي من المؤتمر لكي لا يكون رئيساً للدولة مرؤساً للرئيس السابق صالح، لكون ذلك سيحد من شعبية هادي؛ ونكاد نجزم أنه لن يقبل على نفسه الاستمرار بمثل هكذا وضع. بينما ستؤدي رئاسة هادي للمؤتمر إلى تنامي قدرته على المنافسة لعوامل كثيرة؛ أبرزها أنه سيصبح حزب الرئيس، بما سيعنيه ذلك من دافع للالتحاق به والتصويت له، خصوصاً ونحن نعيش في مجتمع ترتفع فيه نسبة الأمية وتؤثر فيه مثل هذه الأمور.

وسيكون من السذاجة إذا توقعنا أن صالح وأولاده وأنصاره سيستسلمون بسهولة، بدليل أنهم إلى الآن لم يلغوا من أذهانهم فكرة الانقضاض على السلطة عن طريق استخدام القوة؛ أو لنقل الاحتفاظ بمكامن القوة بأيدييهم ليستخدموها في فرض مشروع التوريث عن طريق الانتخابات القادمة؛ أو على الأقل الدفع بدمية تمثلهم وتجعلهم يديرون مقاليد الأمور من وراء الستار، نقول ذلك لشواهد عديدة تتبدى لنا؛ كان آخرها أعمال البلطجة والاختطافات التي مارستها عصابات موالية لصالح ضد أبناء ريمة في الأسبوع المنصرم، بذريعة أنهم أوقفوا شحنات سلاح كانت في طريقها من الحديدة إلى معسكرات الحرس الجمهوري في ذمار وصنعاء في سبتمبر الماضي. والسؤال هو لماذا أجل الحرس الجمهوري انتقامه من أهالي ريمة كل هذه المدة؟ والإجابة الطبيعية عليه ستجعلنا نعرف بأن الحرس الجمهوري يريد الآن نقل أسلحته التي أُجبر على تكديسها في الحديدة طوال الفترة الماضية إلى صنعاء لترجيح موازين قوته، وتعتقد قيادته أن إرهاب أبناء ريمة هي وسيلتها لعبور تلك الأسلحة من أراضيهم بعد أن انسدت أمامها الطرق الأخرى التي تمر في بني مطر والمحويت، وذلك يدل على أن قيادته مازالت تصر على اللعب بطريقة غير مشروعة، وإلا لطلبت نقل تلك الأسلحة بواسطة اللجنة العسكرية وبطريقة رسمية.

وذلك سيجعلنا نفهم سر إصرار الرئيس السابق على ممارسة سلطاته الحزبية من جامع الصالح الواقع على مرمى حجر من بوابة دار الرئاسة، بل وتسلله يوم الإثنين المنصرم إلى دار الرئاسة ذاتها عبر إحدى البوبات الخلفية، حيث عقد اجتماعاً مع بعض الموالين له أثناء تواجد هادي في الدار، وكان ذلك بعد رفض الرئيس هادي تنفيذ برنامج عمل أعدته له اللجنة العامة للمؤتمر، الأمر الذي سيزيل لدينا الغموض عن أسباب رفض هادي إلى الآن السكن في دار الرئاسة ورغبته في نقل مقر إقامته إلى القصر الجمهوري. أما إن صحت التسريبات التي حاولت التبرير لتواجد صالح في دار الرئاسة بأنه كان بالاتفاق مع الرئيس هادي الذي أقطع صالح قسماً من الدار حسب قولها، فذلك سيتطلب من جميع القوى الوطنية الوقوف بحزم أمام تلك الخطوة، لأن دار الرئاسة ليست ملك خاص بالرئيس هادي ليوزعها إقطاعيات شخصية لكائن من كان، والثورة الشعبية لم تقم في الأساس إلا ضد مثل هذه التصرفات التي تماهت فيها الدولة مع شخص رئيسها وحزبه الحاكم. لكن إقالة الرئيس هادي لقائد الحرس الرئاسي إبن شقيق صالح في اليوم التالي لذلك التسلل توحي بعكس تلك التسريبات.

ورغم أن الخارج المشرف على تنفيذ المبادرة الخليجية يمتلك أوراق ضغط كثيرة لإجبار صالح على مغادرة المؤتمر واليمن، لكن الواضح أن مواقف الخارج بهذا الخصوص صارت تخضع بدرجة أساسية لتوجهات الموقف الأمريكي، الذي ما زال يراهن حتى الآن على بقاء أقارب الرئيس السابق على رأس الأجهزة الأمنية والعسكرية بدعوى مكافحة الإرهاب، وهو ما يجعلنا نتساءل عن الخدمات التي يقدمها صالح وأقاربه للأمريكان وتجعلهم يشُكون في قدرة غيرهم على تقديمها!، أو بالأصح تجعلهم غير قادرين على طرحها وطلبها من الذين سيخلفونهم على تلك الأجهزة لكونها تتعارض مع معايير العلاقات الدولية.

ونحن إذ نسلم بوجود مصالح للقوى الإقليمية والدولية في اليمن، مع علمنا بحاجة اليمن للدعم الذي تقدمه هذه القوى - خصوصاً خلال الفترة الانتقالية- إلا أننا نثق بأن الشعب اليمني لن يقبل بعد اليوم التسليم بأي مصالح تمنح لأي دولة كانت خارج الأطر الدبلوماسية المتعارف عليها، وسيزداد الرفض إذا ما رُبطت تلك المصالح ببقاء صالح أو أفراد أسرته على رأس بعض المؤسسات الحزبية والعسكرية والأمنية، مهما كانت المبررات التي تطرح لتمرير تلك المشاريع المشبوهة.. وما ضاع حق وراءه مُطالب