الطائفية المذهبية آخر أوراق الاستبداد والاستعمار
بقلم/ د. علي محمد الأشموري
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 3 أيام
الأربعاء 21 مارس - آذار 2012 05:57 م

يتفق الجميع على أن الأمة الإسلامية تمر بمرحلة صعبة جدا من التمزق والتخلف وضيع الهوية وانهيار المؤسسات السياسية والدينية والعجز من الخروج من حالة التيه التي تتردى فيه ، ويتفقون أيضا على أن التغيير أمر لا بد منه ، بعد أن ذاقت الأمة الأمرين من الاستبداد والاستعمار والخضوع إلى حد سحق كرامة الإنسان المسلم وقيمه ، والتنكر لثقافته ومنهجه ، ومحاولة القضاء عليهما بعد أن عمل على تشويههما.

لذا حاولت الأمة أن تستيقظ من سباتها وتحس أن لها قيمة ثقافية وحضارية ومناهج تربوية ترقى بالإنسان إلى معالي السمو الإنساني والتقدم الحضاري، وإنما أضاعها وأدخلها في أنفاق مظلمة هو التسلط الداخلي المتمثل في السلطات المتعاقبة لقرون عديدة بعيدة عن منهجها وقيمها ، ساعد على ذلك الاستعمار الخبيث الذي حاول مبكرا بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، عن طريق التبشير أو الاستشراق استغلال الانفصال بين القيادة الفكرية والسياسية فعمل على تغذيتها وأوجد لها حملة من هنا ومن هناك ، يلبسون لباس الظأن وقلوبهم قلوب الذئاب ، ذلك أن اليهود والنصارى يدركون أن الأمة الإسلامية إذا ترك لها المجال ، والتزمت منهجها الرباني جملة وتفصيلا ، فإنها ستعلمن العالم وفق لذلك المنهج ، لما يتمتع به من إسعاد البشرية كافة ، وكتب المستشرقين والمبشرين والمتغربين من أذنابهم حافلة شاهدة على ذلك .

من هنا يمكن القول إن عملية التغيير المطلوبة هي قبل كل شيء هي عملية فكرية لا بد أن تقوم على أساس الإسلام الجامع لكل الأطياف الفكرية التي ران عليها الزمن بسبب الجهل والتعصب والتخلف ، بدون أدنى مراجعة ، حيث إن المدقق والمستقرئ والحريص على إنقاذ الأمة يجد أن نسبة التقارب بين الاتجاهات الفكرية لا تبتعد كثيرا ، وأن اللافتات التي ترفع هنا وهناك هي لافتات هشة لا تمتلك ثقافة عميقة ، بعمق منهجها وإنما هراء وراء مصالح حزبية أو مذهبية أو طائفية أو سلطوية يهرول خلفها عوام الناس ويمسك برقابهم وبنواصيهم من يتقمص الدين شكلا ، ولذا عندما يكون الإسلام هو الذي يشكل للأمة الإسلامية الفكر الأساسي الصحيح ، والذي يمثل روح الأمة ويصوغ وجدانها ويستجيش ضميرها ويوقد فيها الطاقة المحركة القادرة على الإبداع والتصدي والمقاومة والعطاء ، حينها تهتدي الأمة بهديه وتعمل من خلال عقائده وقيمه وضوابطه وأخلاقياته ، مستمدة ذلك كله من ثقافة القرآن الكريم والسنة المطهرة بدون تأول أو التفاف مبني على الربات والأهواء، محاولة الخروج من عنق الزجاجة المحصورة فيها ، عند ذلك تستشعر قوى الاستبداد والاستعمار خطورة ذلك ، فترفع اللافتات الخبيثة من جديد وتحرك لها أبواقها من هنا وهناك ، لتشعل نار الفتنة بين أبناء دين واحد وبلد واحد ، مستغلة بذلك ظروف وأحوال الناس لتتاجر بدمائهم وتحرك الماء الآجن عن طريق أدواتها ممن ينسب نفسه للدين والثقافة كما يجري في أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان وبلدان عربية أخرى منها بلد الإيمان والحكمة الذي ظل لقرون عديدة بعيدا عن هذه المسميات المقيتة ، والتي صارت آخر أوراق الاستبداد الخبيث والاستعمار الأخبث والمتمثل في التحركات الأمريكية التي تسعى لساسبيكو جديدة في المنطقة ، والتي من خلالها تطلق يد إسرائيل لمنطقة الشرق الأوسط لتنفذ به مشروعها الشرق أوسطي الذي من خلاله تمتص ثروات البلاد والعباد ، ذلك أنها تدرك بعد أن رصدت الساحة لفترات ممتدة أن الطائفية والمذهبية هي أقل الوسائل كلفة وأكثرها ضررا على أبناء تلك البلدان ..

علما أن دول الاستكبار عملت على رصد كل محاولة صحيحة وصحية للأمة ، خاصة عندما يكون الأمر يتعلق بتصحيح مناهج التفكير والتحذير من خطورة الاستعمار الجديد بكل أدواته ووسائله، وإن العودة إلى جذور الأمور والانتقال من الجزئي إلى الكلي ومن ظاهر المشكلة إلى حقيقتها وبناء وترميم القواعد العامة والضوابط الكلية وتصحيح المنطلقات وفق هدي الإسلام وثقافة القرآن اللذين هما الضمان الحقيقي الذي يجعل عملية التغيير الفكري صحيحة ناجحة ، تضع الأمة به أقدامها على بداية الطريق الصحيح، وهذا الأمر يزعجهم كثيرا مما يضطرهم إلى استدعاء أدواتهم الذين برعوا في الخفاء لحياكة الطائفية والمذهبية في أثواب جديدة وبثمن بخس في الدنيا وخزي وعار في الآخرة ..

لذا هل يدرك أبناء الأمة الإسلامية خطورة هذا الداء الخطير وهذه المؤامرة الخبيثة والمخيفة والمقلقة ؟؟ على ما تبقى للأمة من خيوط عنكبوتية تقلقهم وتفزعهم ، ولهذا أحببت أن ألفت أنظار عقلاء الأمة في أي مكان كان ينطق بكلمة التوحيد أن يعمل على نسج خيوط الألفة والمحبة والاعتصام بحبل الله ونبذ الفرقة الاختلاف وأن يتراص الجميع أمام المؤامرة الخارجية الخطيرة على أمتنا وهويتنا قبل فوات الآوان ، وأن نجعل منطق اللغة والحوار هما السبيل للوقوف أمام هذه التيارات الخطيرة وأن نجعل الدماء خطا أحمر بين أبناء الأمة لا يمكن التمادي فيه أو الاقتراب منه إلا ما خصه دليل ، مستشعرين مخاطر الدماء التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وآله : لا يزال ابن آدم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما.

اللهم فاشهد

* أستاذ مساعد بجامعة عمران