الرئيس الذي تجنبه الزعماء العرب
بقلم/ احمد منصور
نشر منذ: 17 سنة و 7 أشهر و 17 يوماً
السبت 07 إبريل-نيسان 2007 08:07 ص

حينما رأيت صورة الرئيس الموريتاني المنتهية ولايته علي ولد محمد فال بين الزعماء العرب الذين حضورا القمة العربية الأخيرة فى الرياض ، شغلني التفكير في كيفية تعامل الزعماء العرب معه لاسيما العسكر الذين يحكمون قبضتهم منذ عشرات السنين علي دولهم بعد انقلابات عسكرية قاموا بها أو ورثوها عن غيرهم يسعي بعضهم الآن لتحويلها إلي جمهوريات وراثية ، وكنت أتمني أن أجد أحد الزملاء من الصحفيين الذين حضروا القمة وقاموا بتغطيتها منشغلا بما كان يشغلني فيقوم بتغطية ما وراء الكواليس في هذا الجانب ، وبالفعل وجدت بغيتي في تقرير بثته وكالة رويترز يوم الخميس 29 مارس الماضي وهو اليوم الثاني للقمة..

 حيث نقل التقرير عن مسئولين موريتانيين أن القادة العرب المشاركين فى ا لقمة كان استقبالهم فاترا للرئيس الموريتاني ولد محمد فال ، ونقل التقرير عن عضو الوفد عبد الله ولد محمدي قوله إن الرئيس " لم يحصل علي الترحيب اللائق برئيس نفذ وعوده وسلم السلطة لرئيس منتخب ديمقراطيا " وفي حفل الأستقبال شوهد زعماء مثل المصري حسني مبارك والجزائري عبد العزيز بوتفليقة والسوري بشار الأسد يتبادلون أطراف الحديث بينما كان فال وحيدا " وذكر التقرير أنه باستثناء الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي رحب بفال قائلا :

" أهلا وسهلا بالولد الذي وفي " فإن أيا من الزعماء الآخرين لم يحفل بهذا الرجل الذي دخل التاريخ العربي الحديث ليس فقط كأول عسكري تخلي عن السلطة وقد سبقه الفريق سوار الذهب في السوادان ، ولكن أول زعيم عسكري يجري انتخابات ديمقراطية شهد بها الجميع ، وأن خلفه المرشح ولد الشيخ عبد الله هو أول رئيس عربي يحصل على النسب التى يحصل عليها الرؤساء المنتخبون عالميا انتخابا ديمقراطيا نزيها وهي نسبة 53% وليس 99% كما يحصل الزعماء المغتصبون للسلطة في كثير من دول المنطقة ، ولذا فإن لد فال بتجربته أصبح خطرا علي كل هؤلاء الذين لم يرحبوا به ، فلم يحدث منذ بداية تسلسل الأنقلابات العسكرية فى المنطقة بعد انقلاب حسني الزعيم في سوريا في شهر مارس عام 1949 ، أن سلم عسكري السلطة طواعية إلي المدنيين أو وعد ووفي بوعده ، حتي ثوار يوليو فى مصر كما جاء فى مذكرات السادات وعبد اللطيف البغدادي وآخرين حينما تناقشوا في الشهور الأولي لانقلابهم هل يعودون إلي الثكنات ويسلموا السلطة للمدنيين ويقيمون حكما ديمقراطيا يكونون حماته أم يبقوا يحكمون هم البلاد إذا بأغلبية الذين سطوا علي السلطة يرفضون العودة للثكنات ، فوصلت مصر إلي ما وصلت إليه بفضل إنهاء الدور الأحترافي العسكري للجيش المصري وتوظيف العسكر فى كافة أشكال الوظائف المدنية للدولة وذلك عي حساب المدنيين الذين هاجر معظمهم خارج مصر أو يشعرون بغبن وإحباط داخلها ، وماحدث فى مصر حدث فى كل الدول العربية التى يحكمها العسكر الذين لم يعودوا للثكنات ، وقد روي لي الدكتور مراد غالب وزير الخارجية المصري الأسبق ومهندس العلاقات المصرية السوفيتية طوال فترة حكم عبد الناصر تقريبا أن السوفيت كانوا يبخلون بإمداد المصريين بأحدث الأسلحة لعدم قناعتهم بوجود احتراف عسكري حقيقي فى مصر حيث أن معظم العسكر لم يكونوا يكملوا مهامهم في الجيش ولكن سرعان ما كانو ينتقلوا إلي وظائف مدنية سواء فى الحكم المحلي الذي يسيطر العسكر علي أكثر من 70% من وظائفه ، أو حتى الوظائف الديبلوماسية ، وهذا ما جعل الذين يلتحقون بالكليات العسكرية في مصر خلال الخمسين عاما الماضية يتطلعون بالدرجة الأولي إلي كرسي الرئاسة وما دونه ، ومن يثبت منهم احترافه العسكري النابغ يتم تحويله للتقاعد في سن ورتبة مبكرة خوفا منه حتى أن الكثيرين منهم بدلا من أن يكونوا في أماكنهم الطبيعية فى الجيش يعملون مدراء أمن للفنادق والشركات الخاصة ، ولأن العسكر الذين اغتصبوا السلطة ولم يقدموا على الخطوة التى أقدم عليها ولد فال ظل هاجسهم المخيف هو الجيش ، وبالتالي فإنه لن تكون هناك جيوش عسكرية محترفة في العالم العربي إلا إذا عاد العسكر للثكنات مرة أخرى ، وأصبح دورهم هو حماية النظام الديمقراطي وليس السيطرة علي السلطة واستلابها من الشعوب ، من هنا فإن هؤلاء المغتصبين لم يرحبوا بولد فال بينهم ، بل اعتبروه كشف سوأتهم وأحرجهم أمام شعوبهم بعدما أصبح في العالم العربي تجربة نتمني أن تكتمل اسمها " التجربة الموريتانية