وسيسألونك عن الجندر
بقلم/ مي محمود
نشر منذ: 17 سنة و 7 أشهر و يومين
الأحد 22 إبريل-نيسان 2007 10:27 م

حذرت د. فرحة الدوسري ـ أستاذة العقيدة والمذاهب المعاصرة ـ بقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب للبنات بالمملكة العربية السعودية ـ من الخطة التي بدأ تطبيقها لفرض مؤتمرات دولية مشبوهة تسعى إلى جعل المرأة الغربية هي النموذج الأمثل لتحتذي به المرأة المسلمة في منهجها الإصلاحي فضلا عن مناداتها بتطبيق مصطلح «الجندر» في النوع وهو بديل كلمة ( sex ) التي تشير إلى الذكر والأنثى والسعي إلى تمرير ما يسمى بـ«المثلية الج نسية» أو الاتصال المثلي أو الفطري .

 ومن منظور اجتماعي ، فإن "الجندر" هو مفهوم يسعى ، فيما يسعى ، إلى تقويض دور الأب ورفض الكيان الحالي للأسرة واشتراط إطار الزواج لممارسة العلاقات الجنسية ، من مبدأ ملكية المرأة لجسدها ، وهي بذلك دعوة صريحة للإباحية ورفض الإنجاب وإباحة الإجهاض والشذوذ الجنسي .

لكن المصطلح في عالمنا العربي يروج له على أنه في مصلحة مساواة المرأة بالرجل دون التطرق لكل ما سبق .

 وقد ظهر أول تعريف لمصطلح الجندر، في مؤتمر القاهرة للسكان عام 1994 ، الذي دعا لمنع ختان الإناث ، وجاء بمعنى (النوع) أو الجنس أي الذكر أو الأنثى، ثم عاد هذا المصطلح للظهور في مؤتمر بكين عام 1995.

 وتعرف منظمة الصحة العالمية (الجندر) بأنه الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات اجتماعية مركبة لا علاقة لها بالاختلافات العضوية).

 بمعنى أن اختلاف الرجل والمرأة البيولوجي لا علاقة له باختيار النشاط الجنسي الذي يمارسه كل منهما وهنا دعوة صريحة للشذوذ الجنسي .

 وتعرف الموسوعة البريطانية (الجندر) بأنه: شعور الإنسان بنفسه كذكر أو كأنثى، ومن ثم فإذا قام الرجل بوظيفة الأنثى أو قامت الأنثى بوظيفة الذكر، فإنه لن يكون هنالك ذكر أو أنثى وإنما سيكون هنالك (نوع) أي (جندر)، بحيث لا تكون لدينا أسرة تقليدية ولا أبناء ولا رجل ولا امرأة.

 ولفرض المصطلح دعا مؤتمر لاهاي عام 1999 إلى إنشاء جهاز خاص في كل مدرسة في دول العالم لتحطيم الصورة التقليدية والسلبية للهوية الجندرية ولتعليم الطلبة على حقوقهم الجنسية والإنجابية كما دعا المؤتمر الحكومات إلى سن قوانين جديدة تتناسب مع حقوق المراهقين والشباب للاستمتاع بحقوقهم الجنسية دون التفرقة بين ذكر أو أنثى.

 الأجندة الخبيثة

 من أهم الأفكار التي ينادي بها مفهوم (الجندر) التشكيك بصحة الدين عن طريق بث الشبهات مثل إن الدين الإسلامي سبب في عدم المساواة في أمور عدة كالقوامة والميراث ونقصان شهادة المرأة وتعدد الزوجات وعدم تعدد الأزواج والحجاب حتى قضايا مثل ذكورة لفظ الجلالة وإشارة القران إلى ضمير المذكر أكثر من ضمير المؤنث لم تسلم من سموم (الجندر).

 ومن هنا ظهرت فئة من دعاة المساواة (الإسلاميين) تطلق على نفسها اسم الحداثيين أو المتنورين لصبغ أفكارهم هذه بالشرعية، وكل هذه الدعاوى تنطلق من منطلق المساواة ذلك الستار الذي يختبئ خلفه مروجو (الجندر).

 بدأ مصطلح الجندر وتطبيقاته بالتغلغل في الدول العربية، بداية التسعينات مع تزايد نفوذ مؤسسات التمويل الأجنبي ولجان المرأة ومؤسسات الأمم المتحدة.

 وأهم الآليات التي تغلغلت بها مفاهيم الجندر ، هي الاتفاقيات الصادرة عن المؤتمرات الدولية وهذه الآلية الدولية فيها طابع من الإلزام للحكومات العربية بما وقعت عليه من اتفاقيات قد يتبع عدم تنفيذها ضغوط سياسية واقتصادية أو إغراءات اقتصادية وسياسية، مثلما هو الحال في محاولات إلغاء عقوبة الإعدام ، وما تبعه من اتفاقية اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي .

دور الإعلام

 ثمة دور نشط تضطلع به المنظمات الأهلية ومؤسسات التمويل الأجنبي لفرض هذا المفهوم "الجندر" في كثير من البلدان العربية ، وقد كثرت هذه المنظمات مؤخرا بشكل ملفت وتزايد نشاطها في الجوانب الخطيرة من قبيل مواضيع الأسرة وحقوق الطفل والمرأة والمساواة والثقافة الجنسية.

 أما الإعلام، فإنه في أغلبه يمارس دورا مشابها في الترويج لمثل مفهوم الجندر فضلا عن لعب الضغوطات الداخلية والخارجية لدور مهم في تغلغل هذه المفاهيم ، فقد استحدثت الدول الغربية شروطا جديدة لانضمام دولة ما إلى اتفاقيات الاقتصاد العالمية من أبرزها تمرير مفاهيم المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والحرية في ممارسة العلاقات الجنسية دون التقيد بشرط الزواج ، ووقعت بعض البلدان العربية على العديد من نوعية هذه الاتفاقيات من بينها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي ربط تنفيذها بكل مناحي الحياة وشؤونها .

 ويحذر المحللون من الخلط المتعمد الذي واكب مفهوم (النوع الاجتماعي) وقولهم إنهم لا يقصدون هذا المعنى وإنما يقصدون (الجنوسة)!! فمفهوم (الجندر) Gender كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتيني وتعني في الإطار اللغوي Genus أي (الجنس من حيث الذكورة والأنوثة) .

 وإذا استعرنا ما ذكرته "آن أوكلي" التي أدخلت المصطلح إلى علم الاجتماع ، سنجد أنها توضح أن كلمة Sex أي الجنس تشير إلى التقسيم البيولوجي بين الذكر والأنثى، بينما يشير النوع Gender إلى التقسيمات الموازية وغير المتكافئة (اجتماعياً إلى الذكورة والأنوثة) ولديها كتاب عن هذا الموضوع عنوانه (الجنس والنوع والمجتمع عام 1972م)، ومن هذا نجد أن مفهوم (النوع) يلفت الانتباه إلى الجوانب ذات (الأساس الاجتماعي) للفروق بين الرجال والنساء .

 وقد اتسع منذ ذلك الوقت استخدام هذا المصطلح ليشير ليس فقط إلى الهوية الفردية وإلى الشخصية ولكن يشير على المستوى الرمزي أيضاً إلى الصور النمطية الثقافية للرجولة والأنوثة، ويشير على المستوى البنائي إلى تقسيم العمل على أساس النوع في المؤسسات والتنظيمات. ورغم استخدامه بكثرة في الآونة الأخيرة إلا أنه ظل بصفته (مفهوما) غامضاً إذ يتم تعريبه وترجمته إلى اللغة العربية إلى مصطلحات عدة منها (الجنس البيولوجي، الجنس الاجتماعي، الدور الاجتماعي، النوع الاجتماعي) وحالياً يستخدم مفهوم النوع الاجتماعي (الجندر) للتعبير عن عملية دراسة العلاقة المتداخلة بين المرأة والرجل في المجتمع .

 بمعنى أن (الجندر يوضح العلاقة التي تنشأ بين الرجل والمرأة على أساس اجتماعي وسياسي وثقافي وديني) أي الاختلافات التي (صنعها البشر عبر تاريخهم الطويل)!! بمعنى أن (الجنس Sex يولد به الإنسان بيولوجياً فهو غير قابل للتغيير، أما ال Gender النوع الاجتماعي فهو قابل للتغيير لأنه يتكون اجتماعياً.. ولهذا فإن دعاة مصطلح الجندر يقدمونه على أنه يحمل معنى (تحرير المرأة وتحسين دورها في التنمية) ولا يزال الغموض حول ترجمة هذا المصطلح إلى اللغة العربية ، رغم أن البعض يجعله مرادفاً لكلمة Sex بمعنى الجنس والجنوسة وهذا الغموض حول تعريب هذا المصطلح كان واضحاً في وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة التابعة لها بل إن النسخة الإنجليزية لمؤتمر بكين الدولي المشهور ذكرت المصطلح 254 مرة دون أن تعرفه .

 وقد دعت د. فرحة الدوسري إلى تصحيح المفهوم عن المرأة المسلمة عموما والمرأة السعودية خاصة ، مطالبة بتضافر الجهود والسعي الجاد إلى عمل مشترك يبرز ما أحرزته من تقدم وإنجازات في مجالات شتى والسعي إلى مشاركة فعالة للمرأة في قطاعات مهمة بقدر من الوعي وفقا لما تمليه الشريعة الإسلامية وبالصورة التي تسهم في تنمية المجتمع والرقي به .

 كما طالبت في الديوانية الثقافية التي نظمها القسم النسائي بالندوة العالمية للشباب الإسلامي بالمنطقة الشرقية تحت عنوان (المرأة والمؤتمرات الدولية) إلى إيجاد قدوات ونماذج عربية وإسلامية مؤثرة لتكون مثالا للرقي، وعدم الانبهار بالمرأة الغربية والحذر من اعتبارها النموذج الأمثل الذي يحتذى به.. وحذرت المرأة المسلمة من الانسياق خلف الدعاوى البراقة التي تدعو إليها المؤتمرات الدولية .

 وأوصت الدوسري بتنظيم مؤتمرات إقليمية دولية بهذا المجال بحيث تعمل بصورة مضادة للأهداف والمقاصد التي ترمي إليها المؤتمرات الدولية الساعية إلى تقويض كيان الأسرة وزعزعة أركانها، والاجتهاد في إزالة العراقيل والتجاوزات تجاه المرأة في المجتمع من قبل بعض الفئات. وأهابت بالمثقفين والمصلحين في المجتمعات الإسلامية التبصر والتحقق من المؤتمرات الدولية بحيث لا يكون موقف المسلم منها الرفض المطلق أو القبول المطلق ونادت بالمشاركة الفعالة في تلك المؤتمرات، وإبراز رؤى ووجهات نظر الشريعة الإسلامية إزاء ما تحويه تلك المؤتمرات .

 ورأت د. فرحة أن عقد المؤتمرات ومناقشة حقوق المرأة أو غيرها أو أي قضية من القضايا المطروحة لا تشكل أي مشكلة على الصعيد الفكري والواقعي ، موضحة أن المشكلة تكمن حول طبيعة تلك المؤتمرات التي عادة ما تتمحور حول التركيز على المرأة عموما والمرأة في المجتمعات الإسلامية خصوصا، ومحاولة تسويق الأفكار والبنود البعيدة عن أي مرجعية دينية أو أخلاقية

عن ـ محيط