الإعتذار للحزب الإشتراكي والإماميين تخوين الأبرياء وتبرئة الخونة
بقلم/ حارث عبدالحميد الشوكاني
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 17 يوماً
الأربعاء 12 سبتمبر-أيلول 2012 06:21 م

إن مطالبة قيادات الحزب الإشتراكي بالإعتذار عبر نقاطه الإثنا عشر التي قدمها لقيادات المشترك ، وإن تكرار هذا الطلب عبر ما يسمى لجنة الحوار التي يفترض فيها أنها لجنة فنية لا لجنة آمرة ناهية أمر غير مقبول أو غير مبرر وليس من مصلحة الحزب المطالبة به لأننا قد سكتنا عن الكثير من أخطائه وتجاوزاته وجرائمه وانتهاكه للثوابت الوطنية، لكن ما دام الحزب الإشتراكي مصر على الإعتذار وعلى فتح ملفات الماضي فلنناقش بموضوعية هذه المطالب لنرى من يجب أن يعتذر لمن ومن الأجدر بفتح ملفاته ومحاكمته وإدانته حتى لا نقع في خطأ تبرئة الخونة وتخوين الأبرياء ، وسأناقش هذا الموضوع من عدة زوايا على النحو التالي:

1-إبتداء لا بد من الإتفاق على المعيار الموضوعي الدستوري والقانوني الذي نقيس به أداء الأحزاب خطأً وصواباً، وعلى ضوء هذا المعيار يتم قياس أداء الأحزاب وتحديد من أخطأ ومن أصاب ومحاسبته ومطالبته بالاعتذار.

ومن المعلوم في هذا الصدد وفي كل دول العالم أن الأداء الحزبي في الدول الديمقراطية مؤطر بالمصالح الوطنية العليا والثوابت الوطنية العليا التي ينص عليها الدستور.

فالعمل الحزبي والمصالح الحزبية يجب أن تستمد مشروعيتها من خلال سعيها لتحقيق المصالح الوطنية ومن خلال المحافظة على الثوابت الوطنية المنصوص عليها في الدستور لا إعتبار المصلحة الحزبية أهم من المصلحة الوطنية بحيث إذا تقاطعت مصالح الحزب مع مصالح الوطن تم تقديم مصلحة الحزب على حساب مصالح الوطن وثوابته.

ومن المعلوم أن كل دساتير العالم متفقة على ثابت وطني وهو مبدأ سيادة الدولة ووحدة أراضيها ويعتبر الخارج على هذا المبدأ والثابت الوطني خائن للوطن خيانة عظمى.

وهذا الثابت الوطني في دساتير العالم يبيح للدولة في حال إنتهاك سيادة الدولة بإعلان التمرد أو الخروج على وحدة الدولة بإعلان الإنفصال إستخدام القوة العسكرية لفرض مبدأ سيادة الدولة وللحفاظ على وحدة أراضي الدولة الواحدة والشعب الواحدة.

وهذا الثابت الوطني عند كافة دول العالم هو ثابت عند المسلمين شرعي إلى جوار أنه ثابت وطني فالخارج على الوحدة وعلى مبدأ سيادة الدولة يعتبر كالخارج على التوحيد ويبيح الإسلام قتاله باعتباره خائن لوطنه ودولته خيانة عظمى كما تبيح ذلك كافة دساتير دول العالم العلمانية.

وقد جسد هذا الفهم للإسلام ولأرقى ما وصلت إليه دساتير دول العالم (مبدأ سيادة الدولة ووحدة أراضيها) الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فالردة التي حصلت في أيامه لم تكن ردة عقائدية وإنما ردة سياسية وتمرد على مبدأ سيادة الدولة ووحدة أراضيها ، فجرد أبو بكر الصديق الجيوش وقاتلهم مع أن العرب وقتها لم يطالبوا باللامركزية السياسية بل طالبوا باللامركزية الإقتصادية فحسب فكان جواب أبو بكر الصديق رضي الله عنه (والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله (ص) لقاتلتهم عليه).

والعالم الإسلامي اليوم يدرك أهمية العمل الذي قام به أبو بكر الصديق حيث أقام دولة مركزية واحدة وحّدت العرب لأول مرة ولو لم يفعل ذلك لما قامت لدولة الإسلام قائمة إلى يومنا هذا ، وما إن أقام دولة مركزية عربية واحدة حتى إستطاع أن يسقط الإمبراطورية الفارسية في العراق والإمبراطورة الرومانية في الشام فأقام إمبراطورية إسلامية في غضون سنتين.

والشيء المؤسف أن اليمن اليوم تشهد ردة شيوعية شيعية عن الوحدة اليمنية لا تطالب بفصل الجنوب عن الشمال فحسب بل بتجزئة الجنوب والشمال معاً إلى دويلات وسلطنات عبر المشروع الفيدرالي الإيراني المجوسي وهذه الردة الشيعية الشيوعية لا أبا بكر لها.

والغريب أن القيادات الشيوعية والشيعية معاً أصبحت مدعومة من إيران لزعزعة أمن اليمن واستقراره ووحدته ولن يتم ذلك إلا عبر تجزئته فيدرالياً ويريدون تمرير مؤامراتهم تحت مظلة الحوار الوطني مع أن المبادرة الخليجية قد جعلت الوحدة سقف هذا الحوار ، فعلى البعدين الإقليمي والدولي أن يتنبها لهذا الخطر قبل وقوعه لأن اليمن إذا تجزأت إلى سلطنات ومشيخات سيكون وضعها أخطر من الصومال لأن اليمن تعاني من ضعف الدولة بدون فيدرالية وبالفيدرالية ستنتقل إلى مرحلة اللادولة فتندلع الحرب الأهلية.

2-بناء على هذا المعيار الوطني والشرعي المتفق عليه في كافة دساتير ودول العالم للنناقش حرب 94م نقاشاً موضوعياً لمعرفة التكييف الوطني والشرعي لها وسأناقش هذا الموضوع من عدة زوايا كالتالي:

أ‌-حرب 94م لم تكن موجهة ضد أبناء الجنوب كما روّج لذلك إعلام الحزب الإشتراكي بل موجهة ضد الجناح الإنفصالي في الحزب الإشتراكي بدليل مشاركة أبناء الجنوب في هذه الحرب على رأسهم الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي.

ب‌- التكييف الدستوري والقانوني لهذه الحرب في كافة دول العالم أنها حرب مشروعة ضد الجناح الإنفصالي في الحزب الإشتراكي الذي إنتهك ثابت من الثوابت الوطنية عندما تصادمت مصالحه الحزبية مع المصالح الوطنية، وبموجب هذا الخرق الدستوري يصبح الجناح الإنفصالي في الحزب متهم دستورياً بالخيانة العظمى ، والأطراف التي قاتلت هذا الجناح (المؤتمر + الإصلاح + الجناح الوحدوي الإشتراكي بقيادة الأخ الرئيس عبد ربه هادي) قامت بعمل مشروع دستورياً وقانونياً أدى إلى الحفاظ على الوحدة اليمنية.

ج- وعلى ضوء هذا المعيار الدستوري القانوني يتضح لنا أن مطالبة الحزب بالإعتذار عن حرب 94م من قبيل تخوين الأبرياء بانتزاع إعتراف منهم بأنهم أخطأوا والإعتراف سيد الأدلة ، ثم عبر قانون العدالة الإنتقامية تُنصب للأطراف التي شاركت في الحرب المحاكم لإدانتهم وكان الأولى أن يعتذر الحزب الإشتراكي لا أن يعتذر له ، ولا يعتذر الحزب الإشتراكي إعتذار واحد بل إعتذارين: الإعتذار الأول يقدمه الحزب الإشتراكي لأبناء الجنوب عما إقترفه من جرائم قبل الوحدة طوال فترة حكمه قتلاً للأنفس لا سيما بعد أحداث 86م الدامية الذي ذهب ضحيتها 30 ألف مواطن ونهباً للأموال وتأميماً للبيوت.

والإعتذار الثاني عن ممارسات الحزب الإشتراكي بعد الوحدة حيث ثبت من خلال أدائه الحزبي طوال هذه المرحلة أنه تعامل مع الوحدة اليمنية من منظور مصلحته الحزبية لا المصلحة الوطنية فقبل بها وسارع إليها عام 90م عند سقوط الإتحاد السوفيتي وتهاوي دول المنظومة الإشتراكية فاعتبر الوحدة عندئذٍ طوق نجاة لإنقاذ الحزب الإشتراكي من المصير الذي حل بالأحزاب الإشتراكية في العالم لكن الحزب بعد قيام الوحدة وانتهاء المرحلة الإنتقالية بدأ يشعر أنه سقط في مأزق الديمقراطية لأنه يفتقد للبعد الشعبي في الجنوب بسبب جرائمه وممارساته طوال فترة حكمة كما يفتقده في الشمال لما سمعه أهل الشمال من جرائم الحزب وممارساته من أهل الجنوب فبدأ يخطط للسيطرة أو الإنفصال وقام بتفجير حرب 94م من هذا المنظور ، وبهذا يتضح أن الوحدة عند قيادات الحزب ليست ثابتاً وطنياً وإنما مصلحة حزبية قبلها عندما خاف أن يلحق به مصير دول المنظومة الإشتراكية ورفضها عندما تضررت مصالحه وسقط في مأزق الديمقراطية ، وقد عبر علي سالم البيض عن رفضه للديمقراطية أثناء أزمة 94م قبل إندلاع الحرب عندما ألقى كلمة وقال: (نرفض الإستقواء بالديمقراطية).

د- الأعجب من ذلك أن قيادات الحزب تطالب بالإعتذار وفتح ملفات الماضي وما زالت قيادات الحزب على رأسهم علي سالم البيض يطالبون بالإنفصال إلى اليوم ، وهذه المطالبة تعتبر من الناحية الدستورية والقانونية خيانة وطنية عظمى ويجب على ضوء هذه الإعترافات المعلنة أن يتم محاكمتهم محاكمة غيابية وتوجيه تهمة الخيانة العظمى وبدلاً أن يخجلوا من أنفسهم ويطالبوا بالعفو عنهم عما صدر منهم في حق الوطن تبلغ الجرأة بهم إلى حد المطالبة بالإعتذار من الآخرين لمشاركتهم في حرب 94م ولم تتوقف جرأتهم عند هذا الحد .. حد تبرئة الخونة بل بلغت بهم الوقاحة إلى درجة أنهم يطالبون بالإعتذار من جهة ويطالبون بإدانة الأبرياء من جهة أخرى عبر قانون العدالة الإنتقامية مستغلين السذاجة السياسية عند قيادات المؤتمر والإصلاح عبر المقدرة الإعلامية للإشتراكيين والإماميين وتقديمهم الرؤى السياسية والمبادرات مقابل غياب المبادرات والرؤى عند الأطراف الأخرى.

3-قانون العدالة الإنتقالية يفتقر لأدنى مقومات العدالة حيث بموجبه يتم إدانة الأطراف التي شاركت في حرب 94م بما فيهم قيادات الإصلاح والرئيس عبد ربه منصور هادي وكل القيادات الوطنية وعناصر الجيش وتبرئة الخونة الإنفصاليين من قيادات الحزب ، وهو قانون باطل لأنه يخالف الدستور الذي يعتبر الخارج على سيادة الدولة ووحدة أراضيها متهم بالخيانة العظمى ، ومن المعلوم دستورياً وقانونياً أن القواعد القانونية يجب أن لا تخالف القواعد الدستورية.

كما أنه يدعو للإزدواجية المؤسسية عبر إنشاء مؤسسة لمحاكمة الأطراف التي شاركت في حرب 94م وكان الأجدر أن تسند هذه المهمة لقضاء الدولة القائم.

وهذا القانون السخيف أغفل جرائم الحزب وممارساته الفاسدة طوال مرحلة حكم الحزب للمحافظات الجنوبية قبل الوحدة كما أغفل جرائم وملف الحوثيين الإماميين طوال ألف عام من حكم اليمن قبل إندلاع ثورة سبتمبر العظيمة إبتداء من جرائم إبراهيم الجزار سنة 198هـ إلى جرائم الهادي يحيى بن الحسين سنة 284هـ وعبد الله بن حمزة الذي ذبح ما يقرب من أربعمائة ألف يمني عندما طالبوا بحقوقهم السياسية والمواطنة المتساوية وانتهاء بالمجرم الحوثي الذي تمرد على الدولة وسفك دماء أبناء قواتنا المسلحة ظلماً وعدواناً بحجة عدم جواز تولي أبناء اليمن لرئاسة الدولة بحسب قواعد المذهب الهادوي الطاغوتي الذي حصر الحقوق السياسية في بني هاشم .

فهذه هي الملفات التي يجب أن تفتح وتنشط ذاكرة الأجيال اليمنية ، منها ملف الحزب الإشتراكي قبل الوحدة عامل الهدم الرئيسي للمحافظات الجنوبية ، وملف الإمامة عامل الهدم الرئيسي للمحافظات الشمالية فلماذا تجاهل هذا القانون السخيف هذه المراحل الهامة من تاريخ اليمن واقتصر على إدانة مرحلة ما بعد الوحدة الإنجاز الإستراتيجي الأهم لليمن بعد الثورة اليمنية في محاولة لا قانونية لتشويه مسار الوحدة اليمنية وتسويغ الإنفصال ومظاهر التجزئة والمساس بوحدة اليمن السياسية ووحدة اليمن الوطنية.

وهكذا عبر هذا القانون اللاقانوني غدا منكر الإنفصال معروفاً ومعروف الوحدة والحفاظ عليها منكراً ، ولكن ستذهب كل مؤامرات الخونة والإنفصاليين أدراج الرياح وستبقى الوحدة اليمنية راسخة رسوخ الجبال يحميها أبناء اليمن قاطبة وصدق رسول الله (ص) القائل في الحديث الصحيح: (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمة)