هل وجدها عفاش
بقلم/ طارق مصطفى سلام
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 9 أيام
الجمعة 14 سبتمبر-أيلول 2012 10:51 ص

أولا وقبل الولوج في أي حديث أو سرد تفاصيل أحداث لا يفوتني هنا أن أدين بشدة الإساءة للرسول الكريم محمد صلى الله عيه وسلم التي جاءت في سياق تفاصيل الفلم الرديء المضمون والمستوي المسمى (براءة الإسلام Innocence of Muslims ) مع العلم بأن الفيلم قد حصل على دعم القس الأمريكي المثير للجدل تيري جونز الذي أثار ضجة من خلال حرقه نسخا من القرآن في نيسان/ابريل الماضي ومعارضته الحازمة لإقامة مسجد قريب من موقع برجي مركز التجارة العالمي السابق في مدينة نيويورك وكان عدد من المسيحيين المصريين في الولايات المتحدة، يتزعمهم موريس صادق وعصمت زقلمة (من مؤسسي ما يسمى بالدولة القبطية) وذلك القس الأمريكي المعروف بعدائه للمسلمين، تيري جونز، أعلنوا أنهم سيعرضون في ولاية فلوريدا هذا الفيلم، لإظهار عنف المسلمين .

إذن كان الهدف من صناعة الفلم سيء الصيت هو إظهار عنف المسلمين ! فهل نجح مروجوه في ذلك مرتين ؟ مرة عند صناعته وعرضه بمضمونه المسيء والأخرى بعد عرضه عندما دفع المسلمين (في أقطار الربيع العربي تحديدا وخاصة في اليمن ) لردة الفعل العنيفة لتأكيد حقيقة وجود العنف المصاحب لسلوكهم !؟ .

سبق لي أن قلت في احد مقالاتي السابقة ما يلي : -((ولمن لا يعلم , لو أن هناك أي حدث قديم أو مستجد في أي بقعة في العالم أمكن لعفاش توظيفه وتكريسه في معمعة عرقلة عملية التغيير والانتقال السلمي للسلطة الجاري حاليا في اليمن فوالله لفعل عفاش , هذا أن كنتم لا تعلمون ؟ )) , قلت ذلك في نهاية مقال لي قبل أيام بعنوان - نواب وشيوخ (الكاوبوي ) اليمني - والغريب في الأمر أن عفاش لم يمهلني كثيرا ليثبت صدق مقولتي هذه وهذا ما يحدث الآن .

عندما أنبرى بعضهم لصناعة هذا الفلم لم يعرف مموليهم من غلاة الساسة الأمريكيين بأن عفاش اليمني سوف يسرق مجهودهم هذا وإلا لما فعلوا !! فتوقيت صناعة الفلم وبثه ينبئ أن الدوافع الأساسية سياسية بامتياز متعلقة بمعركة الانتخابات الأمريكية لترجيح كفة حزب على أخر وربما إسقاط اوباما وتدخل هنا إسرائيل في صراع المصالح وتعزيزها لتضرب بحجر واحد أكثر من هدف ليس أخرها تشويه صورة الربيع العربي الذي ترك انطباع حضاري جيد لدى شعوب العالم خاصة ما يتعلق بربيعي مصر وتونس ! وحيث ينتهي الأخريين من لعبتهم يحلوا لصاحبنا عفاش وأشباهه من الحكام السابقين وخلاياهم النائمة واليقظة أن يمسكوا بها (اللعبة) ويبدءوا لعبهم العابث بالوطن ومصالحه العلياء (إذ أنه وفي خضم الأحداث التي تتعرض لها سفارات أمريكا في معظم دول الربيع العربي والتي تثبت محاولة قوى تابعة للأنظمة السابقة ايصال رسالة لأمريكا والمجتمع الدولي مفادها ان الشعوب التي وقفتم معها لم تحفظ لكم الجميل وان الأنظمة السابقة كانت تحفظ سفارتكم ومصالحكم معها ؟؟ ) .

كما حدث في العاصمة المصرية القاهرة، تظاهر آلاف المصريين لثلاث أيام متتالية بلياليها أمام السفارة الأميركية، وتسلقوا جدرانها، وأنزلوا العلم الأمريكي، احتجاجا على الفيلم الذي أنتجه أقباط المهجر، ويحمل إساءات للإسلام.

وفي ليبيا تم مهاجمة القنصلية الأمريكية في بنغازي يوم الثلاثاء 11-9-2012م في عمل غوغائي ليقتل السفير الأمريكي جون كريستوفر ستيفنس وثلاثة أعضاء دبلوماسيين أخريين ,هذا السفير الذي قال عنه مصطفى أبو شاقور رئيس الوزراء الليبي (كان صديقا للشعب الليبي وساهم بإنسانية كبيرة في إنقاذ مدينة بنغازي وأهلها من جحافل القذافي والموت المحقق الذي كانوا يحملوه لها حينذاك )وقالت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون \"حظيت بشرف تنصيب كريس في منصبه في ليبيا قبل بضعة أشهر فقط\". وأضافت \"لقد تحدث ببلاغة عن حماسه للخدمة وللدبلوماسية وللشعب الليبي..ومع توسع الصراع في ليبيا، كان كريس من بين أوائل الأمريكيين في الميدان في بنغازي. وخاطر بحياته من أجل تقديم يد المساعدة للشعب الليبي وبناء أسس دولة جديدة وحرة\".

ثم ماذا عن عفاش ؟ لقد صرخ بأعلى صوته (وجدتها ..وجدتها ) كان ذلك في وقت متأخر من ليلة الخميس الموافق 13/سبتمبر/2012م بعد أن أشتم ريحة فاسدة قادمة من بعيد تلك الروائح للأعمال الغوغائية المنبعثة من قاهرة المعز وليبيا المختار فحدث نفسه عن إمكانية الاصطياد في الماء العكر فأرسل لكبار بطانته الفاسدة فكان مقدم سلطان وأخوته العابثين من تنابلة الديوان وتمخض اجتماع العجلان عن رأي لا يأتي به سوى خذلان قدموا من رحم الشيطان , دعوا ودعموا أصدقائهم الجدد ليكملوا المشوار الذي بدأوه يوم الثلاثاء 11/سبتمبر/2012م وأسندوهم بالمال والعتاد والرجال, يعني دعم لوجستي زائد لصوص و مخربين !! وتم تكلف جماعة الحمقان بتدبير المؤامرة وقيادتها مع الخبرة الحوثان القادمين من الشمال , فلم تمت أمريكا أو ربيبتها إسرائيل بل خسرنا خمسة قتلى وخمسة وثلاثين جريح من اليمنيين المغرر بهم في يوم واحد هو الخميس الموافق 13/9/2012م ومازالت الفتنة قائمة والقائمة مفتوحة لمزيد من القتل والتضليل حيث دفعوا بجحافل من عناصرهم الوافدين وأعداد أخرى من الشباب العاطلين معظمهم لا يتجاوز سنهم الخامسة عشر عاما وأخريين تحت سن العشرين جلهم لم يشاهد أي مقطع من ذلك الفلم الفاجر ليتفاعل ويتقدم الصفوف بل هو ذاك الشعار الجامع الجامح (الموت لأمريكا الموت لإسرائيل ) ثم أنه التقليد الأعمى للغير ولا شيئا غير ذلك يحفظ الأفئدة ويصون العقول , أما التعبير عن الحب للرسول الأعظم وتجسيد مظاهر الغيرة عليه فله أوجه عديدة تفيد ولا تضر وعودا على بدء فقد سارعت أبواق عفاش لاستغلال الحدث الجلل من كل النواحي والأطراف , بدء من المزايدة ودفع الأخرين للمنافسة وتبني مواقف متطرفة وطارئة ثم محاولة دق اسفين بين أهل الدار الواحد ثم عملت على خلط الأوراق كعادتها القديمة في مثل هذه المواقف الكبيرة باحتسابهم الأرباح لهم فقط وتجييرهم الخسارة لحكومة الوفاق وسلطة الرئيس هادي!

فانبرى لهم الإعلامي عبدالله غراب وزميله احمد الشلفي حيث ساهموا من حيث لا يدروا في فضح المؤامرة وكشف خيوطها وهي ما زالت في مهدها مما أثار جنون الزعيم فترك الجمل بما حمل وسعى بسخط للانتقام منهم

( وكان مراسل قناة بي بي سي البريطانية عبدالله غراب قد نقل عن قيادات حوثية تأكيدها أنها دعت لهذه المسيرة الاحتجاجية إلى السفارة الأمريكية بالعاصمة صنعاء وعزز ظهور شعارات \"الموت لأمريكا\" التي يرفعها الحوثيون مكتوبة على جدران السفارة الأمريكية من خلال الصور التي نشرتها وكالات الأنباء، من مسؤولية جماعة الحوثي عن اقتحام السفارة الأمريكية, كما أفادت مصادر إخبارية نقلا عن سكان في محافظة صعدة القول أن جماعة الحوثي أعلنوا مسؤوليتهم عن اقتحام السفارة الأمريكية في صنعاء اليوم الخميس الموافق 13/9/2012م وأشارت تلك المصادر إلى أن الحوثيين أعلنوا عبر مكبرات الصوت \"بشرى\" اقتحام السفارة الأمريكية من قبل \"أنصار الله\" وهي الصفة التي يطلقها الحوثيون على أنفسهم في مواقعهم وصحفهم الصادرة عنهم. ) .

(وتحدث متظاهرون لقناة الجزيرة في تقرير لمراسلها أحمد الشلفي عن تساهل قوات الأمن اليمنية مع المتظاهرين ومساعدتهم على اقتحام مبنى السفارة، وأعقب ذلك إحراق سيارات داخل وخارج السفارة وتكسير زجاج السور الخارجي وغرف الحراسة ) .

(كما التقطت عدسة المركز الإعلامي اللحظات الأولى التي عبر فيها محتجون غاضبون حاجز السفارة الأمريكية بتعاون من قوات الأمن المتمركزة والمسئولة عن حماية محيط السفارة بما لديها من أسلحة وعتاد ومدرعات ويبين فيديو مصور محاولة بعض الجنود إسكات زملائهم من اعتراض طريق المحتجين الغاضبين ورافق بعض هؤلاء الجنود المحتجين إلى داخل السفارة وكانوا يوجهونهم بحسب شهود عيان بان يكسروا ويحرقوا ولكن دون ان يأخذوا شيئا ..ليثبت بما لا يدع مجال للشك تواطئ قادة هذه الوحدات مع مدسوسين وسط المحتجين لإثارة الشغب داخل السفارة ونهب وحرق محتوياتها خاصة السيارة الهامر التي حرص البعض على إحراقها ؟.وعندما أرادت هذه القوات إخراج المتظاهرين لم يكلفها ذلك سوى عدت طلقات في الهواء لاذ بعدها المحتجين بالفرار بعد ان تم نهب وتخريب وحرق بعض المعدات والأدوات والسيارات التي كانت متواجدة في حوش السفارة .) .

وهنا يبرز سؤال هام ..أين تلك القوات الخاصة اليمنية التي دربتها الولايات المتحدة الأمريكية وأنفقت عليها ملايين الدولارات للقيام بالمهام الصعبة وجهزتها لمثل هذه المواقف وغيرها , تلك القوات التي ما زالت تحت إشراف العميد يحي صالح في الأمن المركزي والأخرى تحت أمرة العميد احمد علي في القوات الخاصة , وهنا تقع المسؤولية عليهم الاثنين ولا أحد غيرهم خاصة وأن الأمور تتفاعل منذ ثلاثة أيام مضت وليست مفاجأة لأحد , فأما أن يسألا العميدان احمد ويحي ويقالان ليعين الأكفاء بدلا عنهم أو تسحب منهم تلك القوات وتجمع تحت مسمى واحد وقيادة وإدارة واحدة لما فيه الصالح العام .

اذن , فليعلم أخي يحي العراسي , من هو المسؤول عن هذه الأحداث الغوغائية ؟, فالأمر دبر بليل والتخطيط والدعم والتوطىء قائم , وبيان الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي الصادر مساء يومنا هذا أوضح الحقائق حيث اتهم أطرافا وصفها بالجماعات الغوغائية باقتحام مبنى السفارة الأمريكية مستغلة \"ظروف الانقسامات في صفوف الأمن من جراء الأزمة السياسية في البلاد\". كما عبر عن اعتذاره الشخصي للرئيس الأمريكي باراك اوباما ولشعب الولايات المتحدة الأمريكية لما حدث اليوم، مؤكدا أنه يتابع الوضع عن كثب, وقال : \"إن من قام بذلك جماعات غوغائية لا تعي ولا تدرك المخططات البعيدة المرامي من قبل القوى الصهيونية خصوصا التي قامت بتأليف ونشر الفيلم المسيء للإسلام\". كما وجه بتشكيل لجنة لمعرفة ملابسات ما حدث وإلحاق العقاب الرادع لمن وصفهم بالمسيئين والمتسببين في تلك الأحداث )) .

بل أن الحقيقة كاملة تختزل في سلوك التعصب المأفون لسلطة سابقة عابثة وفاسدة , أما أخوان اليمن (حزب الاصلاح ) وكذا أحزاب المشترك كافة والأخت توكل كرمان وشباب الثورة في الساحات ممثلين بلجنتهم التنظيمية ليست لهم أي علاقة بما حدث (وما سوف يحدث في قادم الأيام ) في واقعة اقتحام السفارة كما أن مواقفهم الرائعة والمتمثلة بالبيانات الصادرة عنهم مساء يومنا هذا الخميس الموافق 13/9/2012م هي خير برهان بوعيهم العالي بما يدور حولهم من دسائس ومكائد لا يحمد عقباها .

ونختم بمقتطفات من بيانات هامة صادرة يومنا هذا (( وتنظيمية الثورة اذ تؤكد ان ما تعرضت له السفارة الأمريكية من أحداث مؤسفة تقف وراءه أطراف فقدت مصالحها من نتائج ثورة التغيير السلمية في محاولة لتفجير الأوضاع وعرقلة عجلة التغيير لاستعداء المجتمع الدولي الذي يقف مع امن واستقرار ووحدة اليمن)) . (( كما قالت الأخت توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام : في الوقت الذي أدين فيه الإساءة لرسول الرحمة محمد عليه الصلاة والسلام في أحد الأفلام الأمريكية فإنني أرفض تحميل الشعب الأمريكي أو الحكومة الأمريكية المسؤولية، مثلما أرفض كل محاولات الاستغلال السيئة لإساءة الفيلم وتوظيفها للحض على الكراهية والاعتداء على الأفراد والممتلكات الأمريكية العامة والخاصة وأضافت : أدين الاعتداء على السفارة الأمريكية بصنعاء اليوم ، وأعده تصرفاً لا يعبر عن أخلاق وقيم أبناء شعبنا الحضاري العظيم ، وفي الوقت الذي أدعو فيه للتحقيق في حادثة الاعتداء على السفارة فإنني أدين وبشدة قتل احد المحتجين وجرح آخر , وكما أدانت الاعتداء على السفارة الأمريكية في طرابلس ومقتل السفير الأمريكي هناك ، وكذلك الاعتداء الذي طال السفارة الأمريكية في القاهرة ، وفي أي مكان يشهد تعبيراً عنيفاً عن إدانة المحتجين ورفض الإساءة إلى رسول الرحمة والحب والسلام ، لقد تعلمنا منه صلى الله عليه وسلم أن ردة الفعل الصائبة في مثل هكذا إساءات .. هي كما قال القرآن \"وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما\" )) .

خلاصة : في أحد الأيام السالفة سألت صديقي المؤتمر: لماذا لا يغادر عفاش رداء السياسة بعد أن هجر ثوب السلطة ؟ فقال لي هو فقط ينتظر ,فسألته في حيرة , ماذا ينتظر ..هل هي تأشيرة المغادرة ؟ فأجاب ضاحكا لا .. هو ينتظر الفرصة السانحة تماما كما سنحت لكم فخلعتموه من السلطة هو ينتظر مثلها فتحة في الجدار ليلج منها ويستعيد السلطة ثانية !!

أذن هي ليست بثورة بل هي مجرد فرصة سانحة لنا وله ! وانتظارها الطويل من قبلنا ثم من قبله جعلنا ندفع ثمن باهظ لا يسعنا معه المزيد من الانتظار ..فهل يجدها عفاش أم أن واجبه أن يرحل ؟