الكليبتوقراطية.. وكلنا محترمون
بقلم/ منال القدسي
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 12 يوماً
الإثنين 08 أكتوبر-تشرين الأول 2012 10:27 م

الكليبتوقراطية هي كلمه يونانية تعني حكومة اللصوص. وهذه الكلمة لو بحثنا دون عناء سنجد أنها كلمة تنطبق على نظام الحكم الساقط في اليمن، وإن كان هناك الكثير من السقط لم يسقطوا حتى الآن فما زالت عروقهم تضرب في كل المؤسسات وما زالت عمامتهم تتحرك هنا وهناك، تحركها مافيا من المشايخ والمنتفعين وممن يسمون أنفسهم برجال الأعمال ومنهم بالطبع وزراء ومسؤولون أفرزهم النظام الساقط.. تلك الطبقة أو الفئات والتي يجمعها مسمى الكليبتوقراط ترفض بل تنشب مخالبها بأي مشاريع تغييرية؛ كونها ستقضي على مصالحهم ومن الطبيعي أن ينظروا إلى هذا البلد بأنه إقطاعية يملكونها هم وأبناؤهم، وما الشعب إلا عبدًا لهم مسخرًا لخدمتهم وخدمة أولادهم وأزلامهم.

جاءت الثورة الشعبية وفُرضت التغيير، إلا أن الكليبتوقراط حتى اللحظة يرون أن الحكم ملكهم وحقهم وليس من حق هذا الشعب أن يغير حياته.. فـ 34 عامًا خلقت حالة من الإدمان في التسلط والنهب والبطش لدى تلك الفئة الساقطة والتي ما زالت تحكم بـ 50% من الحكومة الانتقالية وتمتلك أكثر من (60%) من القوى العسكرية (قوةً وعتادًا) وأكثر من 70% من ثروات وأموال البلاد، وما زالوا يطمحون للعودة للحكم مجددًا، لذا فإنهم يرون أن أبسط وسيلة لعودتهم للحكم هي خلخلة الأوضاع الأمنية وعرقلة أي تقدم نحو الاستقرار، وافتعال الحروب والأزمات هنا وهناك ولعل الموارد المالية التي نهبوها هي أكبر عامل مساعد لإدارة سياستهم وتحقيق مآربهم اللأخلاقية.

لقد استطاع النظام الساقط أن يفتعل المشاكل بين أبناء هذا الوطن ليمزقه وليضمن بقاءه بالحكم, واستطاع أن يصنع ثعابين ويرقص على رؤوسهم, ولعب بالبلاد على رقعة الشطرنج ولكن ليس الشطرنج الذي نعرفه؛ فله شطرنج عجيب ولغز لم نعرفه بعد!! وبعد أن سقطوا أمام إرادة الشعب قرروا تأديب هذا الشعب المغلوب على أمره، وأن يشعروه والمجتمع الدولي بأنهم كانوا الأقدر على ضبط الأمن في هذا البلد ومحاربة الإرهاب في حين المجتمع الدولي قد فهم اللعبة ولن نعود كثيرًا للوراء لنتحدث عن الإرهاب والقاعدة، ومحاربة الإرهاب من قبل أمريكا وهل يوجد قاعدة في اليمن، ومن صنع القاعدة، وما دور أمريكا في صناعة الإرهاب مع الأنظمة.. فكل تلك الأمور قد كثر الحديث عنها ولن ينتهي؛ طالما أن دولًا عظمى مثل أمريكا تدعم الأنظمة الإرهابية في العالم وتدعي الديمقراطية وتتغنى بالحرية, وتدعم الأـنظمة اللصوصية الدكتاتورية ولا تأبه بالضحايا طالما أنهم ليسوا أمريكان.. مواضيع تحتاج لمزيد من البحث والإشباع ولابد لنا من عودة إليها وسبق أن تحدثنا عنها.

أتألم حين أرى بلدًا يعج باللصوص والأغلبية من أبنائه يتضورون جوعًا وظلمًا وبؤسًا.. بلدًا فيه (18) مليارديرًا يملكون ما لا يقل عن (130) مليار دولار، ولا يدفعون 10% من الضرائب المستحقة عليهم، خلافًا للتهرب الجمركي ونهب أراضي الدولة.. وآخرون لم يدخلوا في هذه الإحصائية.. و(18) مليون من أبناء جلدتهم يموتون جوعًا..

ويا فاعلين الخير تبرعوا لليمن على أبواب جوامع الدول المجاورة ومليارديرات اليمن أذن من طين وأذن من عجين ولم تتحرك لهم نخوة أو ذرة من الغيرة على أبناء وطنهم؛ والأفظع من ذلك أن تلك المليارات من الدولارات الأمريكية خارج اليمن، تستثمر في بنوك خارجية وتستفيد منها دول أجنبية.. ولو أن هؤلاء المليارديرات يقرضون بلادهم قرضًا حسنًا (ولن نقول التبرع) فقط بـ 7% مما يملكون (ولن نقول مما نهبوه) ربما يكون لهم حسنة قد تكفر عن بعض سيئاتهم التي لا تُغفر, لكن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم سيغني بلادهم عن التسول وإذلال الدول المانحة..

وهناك تساؤل: هل هؤلاء الـ 18 ملياردير مسلمون؟ وماذا لو دفعوا الزكاة المفروضة عليهم؛ وهي قرابة (3.2) مليار دولار أي ما يعادل (698) مليار ريال؟ تخيلوا كم ستستفيد البلاد من حصيلة زكاة هذه الأموال بالعملة الصعبة!!.. علمًا بأن الزكاة المحصلة فعليًا في اليمن تشكل (0.7%) من هذا الرقم أي أقل من 1%.

لقد سمعنا بمحاكمة رئيس فرنسي بتهمة تهرب ضريبي, حتى إسرائيل الملعونة حُوكم فيها لصوص بدليل أكثر من رئيس لوزرائها أو وزير في حكوماتها تم استدعاءهم للتحقيق بتهم «تهرب ضريبي».. وفي أمريكا يتم استدعاء مسؤولين للمحاكم بتهم «الرشوة أو التهرب الضريبي».. أما في اليمن كلهم محترمون نزيهون، من أكبر مسؤول إلى أصغرهم، بدليل أننا لم نسمع أنه تم استدعاء مسؤول بتهمة التهرب الضريبي أو الرشوة؛ لأن المسؤولين في اليمن مساكين، راتب أكبر واحد فيهم (200) ألف ريال.. وهذا الراتب الضئيل ماذا يكفي المسؤول؟!!! هل يكفي قيمة القات أم إيجار البيت أم شراء فيلات وقصور أم مصاريف الخدم أم مصاريف العيال وأم العيال؟..!! إذن على ماذا سيتم استدعاء مسؤول بتهمة تهرب ضريبي وعلى ماذا سيدفع ضريبة؟؟

في القانون لا توجد ضريبة على السرقة. هناك ضرائب أشكال وأنواع إلا الضريبة على الأراضي المنهوبة والأموال العامة المنهوبة والمشاريع المنهوبة فلا يوجد عليها ضريبة؛ ومن أجل ذلك فإن المسؤولين في اليمن والذين يتم اختيارهم بعناية وبصفات محددة لا يمكن أن يكونوا لصوصًا «بلّاعين»... صحيح معظمهم كروشهم منتفخة ورقابهم تكاد تختفي من انتفاخات رؤوسهم، لكن كل ذلك من عرق جبينهم, وأكبر دليل على ذلك أنه لم يسبق أن تم استدعاء مسؤول بتهمة فساد.. لكن أحيانًا ومن باب المكايدة و«المفاحسة» والاختلاف على عَرق السرقات (عفوًا على عَرق جبينهم) فإنه تتم مداعبة طرف لآخر بتوجيه تهم فساد من باب المزح ليس إلا, وأكبر دليل على ذلك أن مثل تلك القضايا تنتهي بالحفظ و«يا دار ما دخلك شر», ومن باب «مَن يحاسب مَن؟».. وكلنا محترمون يا عزيزي.