محمد الحمدي: قاتل الرئيس الحمدي لا يزال موجوداً وضباط من حاشد ابلغوني بالمؤامرة
بقلم/ مأرب برس - الجمهورية نت
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 10 أيام
الخميس 11 أكتوبر-تشرين الأول 2012 06:46 م

اليوم الخميس يصادف الذكرى الخامسة والثلاثين لاستشهاد الرئيس إبراهيم الحمدي، وفي ظل الثورة الشبابية الشعبية السلمية تتجلى حقيقة المكانة التي يحتلها الشهيد الحمدي في قلوب اليمنيين وتتملكهم الرغبة في معرفة أدق التفاصيل عن حياته لما حمله من مشروع وطني وهم وحدوي وتحقيقه إنجازات للشعب في فترة وجيزة وتوق اليمنيين لتحقيق مشروع التغيير والدولة المدنية الحديثة في المرحلة الانتقالية الحالية .. (الجمهورية) بهذه المناسبة أجرت حواراً خاصاً ومقتضباً مع شقيقه الأكبر - محمد الحمدي.

حاوره - ثابت الأحمدي

- نمر اليوم بالذكرى الخامسة والثلاثين لاستشهاد فقيد الوطن الكبير الشهيد إبراهيم الحمدي رحمه الله.. ما الجديد بشأن الحادثة حتى الآن؟

لا جديد غير أنه سيقام في يوم 11 اكتوبر، وهي الذكرى الخامسة والثلاثين لاستشهاده مسيرة من جولة كنتاكي بشارع الزبيري، إلى مقبرة الشهداء، وسيوزع نداء باسم الشهيد يطالب بإنصافه من قتلته، وهذا المنشور بين يديك، أما عن الجديد بشأن مقتله فلا جديد فيما يتصل بمحاكمة الجناة والقتلة حتى الآن.

- ولكن هل ترتبون أو تسعون لتحريك ملفه لدى المحاكم؟

نحن الآن بداية ترتيب لنقل قضيته إلى المحكمة الدولية طبعاً مع أخي السفير عبد الرحمن الحمدي، سفير اليمن في التشيك.. ونحن ننادي الجميع من على هذا المنبر ممن يملكون وثائق عن مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي أن يقدموها للاستعانة بها.

- خمسة وثلاثون عاما ولم تحركوا القضية.. لماذا؟

في الخمسة والثلاثين عاماً السابقة كان الحاكم فيها يحمي القتلة، فكيف نستطيع الانتصار لقضيتنا وقد قبضوا على اليمن قبضة حديدية ما بالك بنا نحن كأسرة؟ لقد حاولوا طمس اسمه وتاريخه ومنجزاته خلال الفترة الماضية فكيف يعملون على كشف حقيقة مقتله؟ طمسوا اسمه من فوق الأحجار، من لوحات المنشآت، من كل شيء، علي عبدالله صالح كرم الرؤساء السابقين كلهم ما عدا الحمدي! كرم الغشمي وهو حكم اليمن تسعة أشهر وكرم أيضا السلال والإرياني، لكن إبراهيم الحمدي لم يكرمه، فما ذا يعني هذا؟!

- قلت لي القاتل لا يزال موجوداً.. أحس أنك تشير هنا إلى اسم محدد؟

القاتل لا يزال موجودا، وكثير من القتلة قد ماتوا واقتص الله منهم للمظلوم بأمراض خبيثة، أربعة من خارج اليمن وواحد من اليمن ممن تآمر عليه مات بالسرطان، والباقي سيأخذ الله منهم.

- هل هناك قتلة من خارج اليمن؟

طبعا. مشاركون بالتآمر وبالفعل وهم معروفون.

- لما ذا تآمروا عليه؟

إبراهيم الحمدي لم يقتل لشخصه، بل بسبب المشروع الذي كان يحمله لليمن، هناك أناس من الداخل والخارج يعملون على إماتة أي مشروع وطني، هناك عداوة إقليمية لأي تقدم في اليمن، مشروع الرئيس الحمدي ضايق أيضا القوى الدولية التي لا يعجبها مثل هذا التوجه. عملية التصفية هي دولية/ إقليمية تم تنفيذها بأيادٍ يمنية! إبراهيم الحمدي قتل لئلا تقوم بعده لليمن قائمة.

قال لي أحد موظفي السفارة اليمنية في القاهرة عقب مقتل إبراهيم الحمدي رحمه الله وأنا مقيم هناك: إن أحمد فرج انفتح عليهم بالحديث عن مقتل إبراهيم الحمدي في مقيل خاص في اليمن مع بعض أصدقائه، وقال عن الغشمي: “إن إبراهيم الحمدي لما عرف أنه سيقتل اختلف وجهه مثل حبة الليمون، وأنه عاتب الغشمي في اللحظات الأخيرة قائلاً له: أنا فعلت لك وأنا عملت لك ولا داعي لقتلي .. أنا مستعد أن أخرج من البلاد وأغادر اليمن” وبعدين أحمد فرج هذا الذي قتل في عهد علي عبدالله صالح في الطائرة مع محمد أحمد إسماعيل وابن حورية، المهم.. وافق الغشمي على الحل الذي اقترحه إبراهيم في اللحظة الأخيرة، وقال نأتي له بطائرة ويرحل، فرد عليه علي عبدالله صالح مباشرة وقال له: “لا تخليه يخرج والله عيقلب علينا اليمن” ثم باشره بإطلاق النار عليه من مسدس كاتم الصوت، وهذا المسدس كان قد أُهدي للرئيس الحمدي نفسه لكنه أهداه لمحمد الغشمي أخو أحمد الغشمي، فقتل به!! هذه الرواية كما وصلت إلينا عن أحمد فرج. وكان محمد الغشمي هذا واحد من المتآمرين. وأكد الرواية أيضاً يحيى المتوكل، زارني إلى القاهرة وأكد لي الكلام. ولا أدري هل ذكر ذلك عبد العزيز عبد الغني أم لا؟ أعتقد أنه كتب ذلك. والجنيد يعرف ذلك.

- وعبدالله من قتله؟

محمد الغشمي زعيم المتآمرين.

- الحديث يجر بعضه بعضاً.. كنت أود في البدء معرفة نشأة وتعليم الشهيد إبراهيم الحمدي رحمه الله؟

قد ذكرتها عدة مرات وفي مناسبات عدة، إبراهيم ولد عام 1942م في قعطبة، بقي فيها سنة ونصف سنة، كان والدي هناك عاملا وحاكما ورئيسا أعلى للجمرك، وكان جمرك قعطبة مهماً جداً في الدخل للدولة المتوكلية، ولم يكن هناك إلا جمركان اثنان فقط: جمرك قعطبة، وجمرك الراهدة، وكلاهما مرتبطان بعدن المتقدمة آنذاك وكانت قعطبة تتبع إب يومها، بعدها انتقلنا جميعا بعد سنة ونصف إلى صنعاء، وبعد فترة انتقل عاملا لبلاد آنس من ذمار وهناك بدأ إبراهيم يدرس في الكتاب في آنس، وكان له أستاذان الأول في الكتاب وهو العلامة الزبيدي، ابنه اليوم أستاذ في الجامعة، إضافة إلى أستاذ خاص هو القاضي مطهر العيزري رحمه الله قتل في زلزال ذمار. كان القاضي مطهر رحمه الله مرافقا لنا ومدرسا لإبراهيم، وكان خطاطا جميلا ومرافقا للوالد أينما ذهب. وقضينا في آنس سبع سنوات، ثم انتقلنا إلى بلاد الطويلة من المحويت وهناك ختم القرآن الكريم وعملنا له حفلا كبيرا على طريقة ذلك الوقت، يلبس الزهور ويركب البغلة، ثم بدأ يدرس لدى القاضي حسين الويسي ويعمل على مرافقته بشكل دائم، وانتقل الوالد مرة ثانية إلى ذمار، وكان عمر إبراهيم تقريباً آنذاك حوالي اثني عشر عاما، وبدأ يلتحق بالمدرس الشمسية وكان من أساتذته العلامة محمد الآنسي، والد المهندس أحمد الآنسي وزير المواصلات السابق، وفي المدرسة الشمسية تتلمذ على يد الصفي أحمد أحمد سلامة. وكان أيضا يدرس على يد الوالد، بعد فترة عاد إلى صنعاء والتحق بالمدرسة التحضيرية، وكان من زملائه فيها المرحوم يحيى المتوكل رحمه الله وعلي قاسم المؤيد وحسين المسوري، وانقسموا في المدرسة التحضيرية إلى فرقتين منها فرقة كانت نواة للكلية الحربية، وأخرى للطيران، وكان من ضمن من التحق بكلية الطيران، وقامت الثورة وانخرط في القوات المسلحة..وقد اختلف مع السلال في الكلية الأمر الذي جعله يترك الكلية ويعود إلى ذمار قاضياً بدل أبيه الذي انتقل منها إلى تعز. وقامت الثورة وإبراهيم قاضٍ في ذمار، وقد تكلم عن هذه المرحلة الأستاذ البردوني في كتابه اليمن الجمهوري.

- ماهي حقيقة الخلاف بينه وبين السلال قبل الجمهورية؟

كان قد اختلف مع السلال وهو في كلية الطيران، وكان السلال رئيس الكلية، فحنق منه وذهب إلى ذمار، فبقي السلال يتابعه إما أن يدرس أو أن يدفع غرامة على خروجه من الكلية مبلغ مائة وخمسة ريال فرانصي “ما ريا تريزا” فكلم الوالد، فعمل الوالد مذكرة للبدر مع أخي عبد الوهاب فعفا البدر عن المبلغ.

- ما هي المواقع التي شغلها قبل أن يكون رئيساً؟

طبعاً بعد أن التحق بالقوات المسلحة وترقى في المناصب وصل إلى قائد للمنطقة الشمالية الغربية، الطويلة والمحويت وثلا وحجة وغيرها، واستمر فيها لفترة، وكانت هذه مناطق قتال مشتعلة بحكم تواجد الملكيين فيها، ولعب دورا كبيرا في استقطاب كثير من الوجاهات والشخصيات الاجتماعية من الصف الملكي إلى الصف الجمهوري عقب الثورة، إذ كانت له علاقة سابقة بكثير من البيوتات والوجاهات في تلك المناطق ومعتمدا على إرث أبيه وحسن سمعته، بعدها عمل سكرتيرا للفريق العمري القائد العام للقوات المسلحة ومرافقا له. وأذكر من تفاصيل تلك الفترة أنه كان له مقيل قات يومي هو ومحمد أبو لحوم، وأحمد الغشمي، وكثير من الضباط آنذاك، وكان أحمد الغشمي هو الذي يحضر لهم القات يوميا من قريته من ضلاع، وفي يوم من الأيام وبينما الغشمي ذاهب كعادته لإحضار القات دهس بسيارته مواطناً من مأرب في صنعاء، ومات بعد يومين، فاحتج أهل مأرب على ذلك واحتشدوا مطالبين برأس الغشمي قصاصاً بدل صاحبهم وجاءوا إلى عند السلال قائلين له: إما القصاص من الغشمي أو نترك الجمهورية و”نميلك” وكان الوضع حرجا إذ إن أركان الجمهورية لما تتثبت بعد. ووقع السلال في حرج، وقال: نسلم لهم الغشمي أحسن من أن ينضموا للملكيين. فتدخل إبراهيم الحمدي في الموضوع، وقال له: اترك هذا الموضوع عليّ يا رئيس الجمهورية. فوافق رئيس الجمهورية على ذلك. وبدأ إبراهيم في مفاوضات طويلة معهم حتى أقنعهم عن التنازل عن المطالبة برأس الغشمي وقبول الدية وتنتهي القضية، وتبنى جمع الدية من رواتب القوات المسلحة وجمعها إبراهيم بنفسه، وتم سجن الغشمي تأديباً لفترة محدودة بينما ذهب القبائل، وهذه المرة الأولى التي أنقذ فيها الغشمي، المرة الثانية عقب حرب السبعين حيث أصيب الغشمي بشظية في ظهره وقد كان قائد الفرقة الأولى مدرع، أصيب على إثرها بـ “التيتانوس” ولم يجدوا له علاجا إلا في أسمرة، فتبنى إبراهيم الحمدي علاجه وتابع نفقة علاجه لدى القائد العام العمري، وكان أمر علاجه صعبا وكان بين خيار الموت والحياة على حد سواء، وقد صحب أيضاً معه علي عبدالله صالح، وبعد أن تم ضرب تلك الإبرة له فتح عيونه بعد طول إغماء وعادوا إلى صنعاء، وانظر كيف كان رد الجميل أن تم اغتياله في بيته!!

- لو سألتك عن طبيعة زيارة الشهيد إبراهيم الحمدي إلى منزل الغشمي؟

العملية كانت مدبرة من أساسها، ومرتبة من سابق، وقد عملوا حفلة تكريم أو ما يشبهها للدكتور عبد السلام مقبل الذي تم تعينه وزيراً للشئون الاجتماعية والعمل آنذاك، ودعوا عبد العزيز عبد الغني رئيس الوزراء ومحمد الجنيد، وآخرين، وقد حاولوا بقوة جرجرة أخينا عبدالله قائد قوات العمالقة حينها، واغتياله قبل إبراهيم لمعرفتهم بأهميته، ومكانته وقوته، ولن ينجحوا في أي انقلاب إلا إذا قد قتل عبدالله، وقد سمعوا من عبدالله يقول لإبراهيم قبلها: “إذا وقع بك شي باخلي الدم للركب” وكانوا يسمعونه. فعملوا بها. المهم ذهب عبدالله إلى منطقة عصر بعد الغشمي وكان على وشك نزوله إلى ذمار، فلقي الغشمي هناك في عصر، وأخبره بما يريد منه لكن الغشمي قال له: معك أمر بأربع سيارات للواء روح استلم المفاتيح من عند الآنسي “سكرتير الغشمي” فذهب إلى مكتب الآنسي يسأل عنه، فقالوا له: لقد ذهب إلى بيت الغشمي، وتحرك عبدالله إلى بيت الغشمي للقاء الآنسي، ولما وصل إلى هناك قالوا له: تفضل للغداء أولاً، وبعدها نعطيك مفاتيح السيارات وتذهب، فدخل عبدالله، وكان القتلة في انتظاره فقتلوه بمجرد دخوله. ولما عرفوا أنهم قد وقعوا في ورطة أصروا على إبراهيم للحضور إلى الغداء وكان قد اعتذر لهم من سابق. ولما كرر اعتذاره لهم: قال له الغشمي: “الناس عيقولوا مدري ما بيني وبينك” فأثرت هذه الكلمة على إبراهيم، وخرج من بيته مباشرة ليلحق الغداء عندهم في بيت الغشمي بالخط الدائري جوار السفارة السعودية، وصادف وصوله أمام بيت الغشمي وصول محمد أحمد الجنيد، فأمسك بيده ودخل معه، وقد أدى الغشمي له التحية، وبمجرد دخولهما قال الغشمي للجنيد: معنا كلام مهم للرئيس وأخذه جانبا بعيدا عن الديوان الذي فيه عبد العزيز عبد الغني وآخرين، وهناك في زاوية قصية من المنزل نفذوا العملية، ورجعوا يقدمون الغداء لبقية الضيوف وأثر الارتباك عليهم، وقد شعر عبد العزيز عبد الغني والضيوف الحاضرون معه بالأمر، خاصة بعد أن جاء محمد الغشمي أخو أحمد الغشمي وطلب خروج عبدالله من الديوان، فخرج وطال انتظاره ولكنه كان الخروج الأخير، وقد لقي أثناء خروجه من الديوان محسن دحابة أبو البرلماني المعروف فؤاد دحابة، الذي روى الحادثة فقال: بعد خروجه من الديوان لم نسمع إلا إطلاق الرصاص، وقد سمعت هذا من محسن دحابة نفسه وبحضور ابنه فؤاد.

- هل كان علي عبدالله صالح حاضراً معهم؟

نعم. علي عبدالله صالح كان حاضراً معهم.

- أين الحرس والمرافقون لإبراهيم الحمدي؟

إبراهيم كان متواضعاً جداً، فما كان يهمه الحرس، كان عنده فقط سيارتان فقط، وهم قليل جلسوا منتظرين خارج، ومعهم المرافقون التابعون لعبدالله، بعد أن تمت عملية الاغتيال خرجوا وقالوا للمرافقين: الرئيس خرج إلى القيادة من البوابة الثانية مع أخيه، فانطلق الحرس بعض منهم إلى القيادة، وبعض منهم إلى بيته، ومنهم ذهب إلى ثلا. بعدها افتضحت المسألة.

- أنتم أفراد أسرته متى علمتم بالحادثة؟

أنا علمت بها بالظهر، ربما قبل أن تقع. الساعة الثانية بعد الظهر. كنت في صبيحة ذلك اليوم في سفر خارج صنعاء في همدان للتعاونيات ، كنا نحفر لهم سدوداً ونبني لهم المدارس، وأثناء عودتي وبعد أن دخلت البيت مباشرة فإذا بالأخ علي حمود الجايفي يأتيني فجأة وكان زميلا لنا في التعاونيات، ومعه اثنان من الضباط من حاشد، فقلت له: تعال نتغدى. فقال: “مش وقت الغداء” أحمل إليك كلاما مهما وخطيرا، ومعي اثنان من الضباط، دخل الضابطان وقالا لي: سنقول لك كلاما خطيرا ومهماً فقط نرجو أن تكتم السر، نحن ضباط في القوات المسلحة، قل لأخيك “إبراهيم” لا يذهب يتغدى اليوم بيت الغشمي، ولا ينام الليلة في بيته، ولا يركب الطائرة غدوة، “كان مسافرا إلى عدن للاتفاق على الوحدة مع سالم ربيع علي” قد يقتلونه في بيت الغشمي أو يقصفون البيت في الليل بصاروخ، أو يقصفوا الطائرة أثناء إقلاعها، فرفعت سماعة الهاتف أتصل له إلى بيته، فجاوبتني زوجته. قلت لها: أين إبراهيم؟ فقالت ذهب يتغدى بيت الغشمي. فصحت مباشرة: “قد قتلوه”؟ وتفاجأت هي حتى أفلتت السماعة من يدها. فترجى الضباط مني كتم السر لئلا يطالهم أي تساؤل أو عقاب، مع أني لم أعرفهم ولم أعرف أسماءهم، وكانوا طبعا كما قلت لك من حاشد من جماعة الشيخ عبدالله وهو أحد المتآمرين على قتل إبراهيم. ولطالما كان يقول في حديثه: إننا كنا متآمرين على قتل إبراهيم الحمدي لكن ما كنا راضين عن العملة “الفاسلة” التي عملوها. كان مع قتله في طريق أو بانقلاب، أو ما أشبه، وكان ضد أن يقتلوه في البيت ويضيفوا أيضاً البنات لتشويهه.. وكان يقول: هذه “فسالة” ومش تصرف رجال. وتخيل أن الغشمي قال مرة لإبراهيم بعد أن عزل محمد أبو لحوم ومجاهد أبو شوارب من مناصبهم، قال له: بشأن مجاهد أبو شوارب أنا أعزمه وأدي لك رأسه. فنهره إبراهيم ولم يرض بهذا الكلام، ونفس الكلام قاله بشأن محمد أبو لحوم طلب الغشمي من إبراهيم القضاء عليه بنفس الطريقة، وكان دائما يحذره من الذهاب إليه، لأن إبراهيم بعد عزله من منصبه كان يذهب للمقيل عنده، وبيت أبو لحوم على خلق عالٍ للأمانة، وكان إبراهيم يقول لمن يعاتبه أو يحذره منهما: هذا عمل حكومي وهذه علاقات شخصية، وكل في طريقه. ولم يفكر إبراهيم بنفسه في آخر يوم له وهو يصر على حضوره للغداء معه أن يغتاله بتلك الطريقة الغادرة. مع أن عبدالله حمران وأحمد عبده سعيد قد حذروا إبراهيم أيضاً سابقًا من الغداء عنده.

- ألم تكن خيوط المؤامرة قد اتضحت للبعض من قبل ولو في طرف منها؟

أذكر أن إبراهيم قال لي يوم الجمعة التي سبقت مقتله وهو طبعاً قتل يوم الثلاثاء، قال لي: هناك مؤامرة علينا كبيرة، وعليّ شخصياً.

- فقلت له ممن؟

فقال: المؤامرة إقليمية ونحن نبحث الآن عن رأسها. واستدرك قائلاً: أنا مستغرب تآمر هؤلاء.

- المعروف أن السعوديين دعموا إبراهيم الحمدي من البداية؟

دعمه الملك فيصل، وكان يقول عنه: إنه ابني، وأذكر مرة أن مجلس الوزراء السعودي أثار قضية الحدود اليمنية السعودية في عهد فيصل، بعضهم بسوء نية وخاصة من السديريين الذين كانوا ضد إبراهيم، فأحس إبراهيم بخطورة الأمر، فاتصل بعبدالله عبد العالم وقال له: اذهب إلى القيادة وامسكها حتى أرجع، وتحرك مباشرة إلى مطار صنعاء واستقل طائرة خاصة باتجاه المملكة ولم يُشعر المملكة بزيارته إلا وقد وصل سماء الرياض، فتعجب الملك فيصل من هذه الزيارة المفاجئة وخرجوا لاستقباله إلى المطار، وذهب الموكب إلى رئاسة الوزراء الذي كان منعقدا ذلك اليوم برئاسة الملك فيصل، واستقبله الملك فيصل في المكتب، وقال له مباشرة: أنتم تريدون فتح قضية نحن في غنى عنها، ولا لزوم لها، بيننا اتفاقيات وبيننا أخوة، وأريد أن أقول لك يا جلالة الملك: إن حدود اليمن الرياض، وحدود المملكة صنعاء. فماذا تريدون؟ فأعجب الملك فيصل بهذا الكلام وقام وأخذ بيده مباشرة وأدخله قاعة مجلس الوزراء مباشرة والوزراء مجتمعون، ولما رأوا الرئيس الحمدي مع الملك تفاجأوا، وقال لهم: لا نقاش بشأن الحدود لا نقاش لا نقاش. اقفلوا هذا الملف نهائيا. وفي ذات اللحظة غادر إبراهيم المملكة، وقد طلبوا منه إعلان الزيارة فاعتذر عن ذلك، طبعا كان هذا قبل مقتل الملك فيصل بقليل، وهذا الكلام أخبرني به إبراهيم بنفسه.

- طبعاً الشهيد إبراهيم قتل أيام الملك خالد بعد فيصل؟

نعم. نعم لقد بكى خالد عندما سمع بمقتل إبراهيم. العملية كلها من تخطيط سلطان وفهد. وانظر الملك فيصل والرئيس إبراهيم الحمدي كانوا أصحاب مشاريع صادقة فقتلا الاثنان، قتلا وكلٌ على طريقته، وبقي الذين هم طيعون للأجندات الخارجية في اليمن وغير اليمن.

- كيف كان تعامل الشهيد إبراهيم الحمدي معكم أفراد أسرته؟

يا أخي إبراهيم إنسان متواضع جداً، خُلق في فكره ومنطقه، كان مملوءا بالوطنية، وكان متواضعا في مأكله وملبسه وفي تعامله، بصورة نادرة ليس لها مثيل، والكثير يتحدثون عن ذلك، خلال فترة رئاسته كاملة وهو يتغدى مع مرافقيه وحرسه في الحوش كأنه واحد منهم. لم يكن يهوى الملك والأبهة. خرج ذات مرة في بداية المطر وفي سيارته منفردا، فلقي امرأة تحمل الكبا “مخلفات الأبقار الجافة” ذاهبة إلى بيتها في الحارة الأخرى، وهي تحاول أن تخبئها من المطر، لأن المطر يتلفها، فأوقف سيارته ووضع شوالة الكبا في خانة السيارة وسألها أين تسكنين؟ فقالت في هبرة. فوصلها إلى بيتها بسيارته وأنزلها باب منزلها وكان المطر قد خف وخرج بعض الناس، ولما رأوه الناس تعجبوا، هذه المرأة لا تعرف أن الذي أوصلها بسيارته هو إبراهيم الحمدي، فقامت المرأة تبكي لما عرفت أن هذا هو الرئيس وله قصص كثيرة من هذا القبيل.

- هل كان منتمياً إلى حزب من الأحزاب؟

كان منتمياً لليمن، وكان على علاقة جيدة بالجميع، إلا أنه كان أميل للناصري. سأله أحد أقاربه مرة هل أنت ناصري؟ فقال: أنا رئيس للبلاد وللكل، ومن منا ليس وحدويا ولا عروبيا ولا يهمه الشأن اليمني أو العربي أو الإسلامي؟ وطبعاً قبل مقتله كان يعد لتأسيس المؤتمر الشعبي العام وكانت أوراقه جاهزة ستعلن في المؤتمر الذي سينعقد في شهر نوفمبر بعد مقتله بشهر تقريبا، وهو مؤتمر ليس على أساس كونه حزبا، وإنما على أساس كونه برلمانا جامعا للبلاد يختار نظم الحكم ويؤسس لليمن دستورها وقوانينها. وكان ينوي تقديم استقالته من منصبه عقب انعقاد المؤتمر مباشرة وينتخبون غيره، وكان قد طلب مني تجهيز بيت له في تونس، قائلا لي: “نريد نهرب إلى دولة ما يقدروا يلحقونا إليها” إشارة إلى حال القاضي الإرياني قبله، كان يذهب إلى سوريا وسرعان ما يلحقونه إلى هناك. فقال: نريد نذهب إلى تونس أبعد. المؤتمر هو مؤتمر شعبي عام يضم كل التيارات والجماعات والفئات لتقرر ـ كما قلت ـ نظام الحكم وطريقته خلال المرحلة القادمة.

- وماذا عن الوحدة؟

الوحدة كان ذاهباً للتوقيع عليها اليوم الثاني أو الثالث من مقتله لو بقي، سألته مرة عن الخطوات الإجرائية لتحقيقها، وعن الرئيس القادم فقال: طبعا الرئيس هو سالم ربيع علي. فقلت له لمَ؟ فقال له من أجل أن يشعر إخواننا في الجنوب أنهم أهل حق. وأنا سأكون مساعداً له أو نائبا. وتخيل النشيد الوطني لليمن الذي هو اليوم كان تم اختياره في تلك الفترة، كان على نية أن تكون العاصمة صنعاء أو عدن.

- ما ذا عن قصة الفتاتين الفرنسيتين اللتين وضعتا بجانب جثته مع أخيه؟

قصة الفتاتين، أرجو أن تأخذ الحقيقة من الأخ فضل عباس الباشا كان موظفا في السفارة اليمنية في باريس، وكان على تواصل دائم مع السفير هناك، وقد روى لي قصة مجيء الفرنسيتين طالب يمني لم أعد أتذكر اسمه وقد زارني إلى بيتي في القاهرة، صادف جلوسه إلى جانبهن في الطائرة تعرف عليهن وأخبرنه أنهن سيأتين إلى اليمن، وقال لهن: سوف أعرفكن على اليمن والأماكن التي تنزلن فيها، فقال: لم أصل المطار إلا ورأيت سيارة خاصة قد حضرت لأخذ الفتاتين عقب نزولهما من الطائرة مباشرة، وتعجبت من هذا الاهتمام، طبعا الذي أتى للفتاتين سكرتير الغشمي، وذهبوا بهما إلى فندق سام بشارع القيادة. وقد روى فضل عباس أن الاتصالات كانت مستمرة إلى السفارة بخصوص ترتيب سفر الفتاتين إلى اليمن من باريس.

- أين تم قتل الفتاتين؟

حسبما سمعنا أنه تم قتل الفتاتين في نقم، طبعاً صنعاء لم تكن متوسعة بهذا القدر اليوم، فقتلتا هناك في الخلاء. وقد أخرجهما حمود قطينة والآنسي إلى هناك وتم قتلهما هناك ثم أتوا بهما إلى البيت الذي نقلوا إليه إبراهيم وعبدالله، ووضعوهما في مكان واحد في حارة جامع أبي بكر الصديق حاليا، ونثروا المقذوفات الفارغة للرصاص حولهم، وذهبوا إلى رئيس النجدة بدر خيران، يخبرونه، كما ذهبوا إلى القاضي حسين السياغي وقد نسيت عمله يومها، للتحقيق في الموضوع، وقد أدرك القاضي حسين السياغي بحدسه القوي حقيقة الموقف ورأى المكان كاملا، وقال لهم: المقذوفات موجودة، والقتلى موجودون، لكن أين الدم؟ وأين أثر الرصاص في الجدار أو على أرضية الغرفة؟ وقد قال لي القاضي حسين هذا الكلام رحمه الله. طبعا أرادوا تشويه الرئيس الحمدي. وإسكات أنصاره عن الحديث عنه بحجة أن الذي قتلهما أناس متطرفون وجدوهم في حالة غير أخلاقية.

- بعض الأخبار تقول: إن علي عبدالله صالح كان ذلك اليوم في المخا، ولم يكن في صنعاء؟

هذا من أخبار “المطبلين” حقه، علي عبدالله صالح بشهادة الكثيرين أنه كان موجوداً في صنعاء من عسكريين وغير عسكريين، وقد قضى ليلته السابقة عند التاجر الحريبي في شارع جمال. وطبعاً أنا غادرت اليمن إلى القاهرة بعده، وحاولوا اغتيالي في القاهرة، وقد اكتشفت المخابرات المصرية مخطط الاغتيال، فقرروا لي حراسة عسكرية على منزلي لمدة سنتين. وقد كان منفذ الاغتيال موظفاً في السفارة اليمنية في القاهرة.

- بعد مقتل إبراهيم وأخيه هل شاهدتم جثتيهما؟

لا. لم نشاهدهما. طبعاً طالبنا بذلك لكننا لم نستطع أن نصل لهما. كنا مقررين أن ندفنهما في ثلا مع أبي لكنهم رفضوا.

- من الذي رفض؟

الغشمي وكلهم. كنت أتواصل معهم بواسطة عبدالله الأصنج فرفضوا.

- بعد حضور القاضي السياغي وقائد النجدة إلى أين تم نقل الجثتين؟

تم نقلهما إلى المستشفى العسكري في شعوب. وكان اسمه مستشفى الحوادث، أدخلوهما الثلاجة وقد أخبرني بعض الدكاترة أنهم رأوا الجثتين وهما في وضع حرج. كانت الإصابات بالغة جداً لا أريد الحديث عنها حتى لا يتأذى من ذلك أولاده.

- هل شاركتم في الدفن؟

نعم. أنا شاركت في الدفن وفي الصلاة عليه بجامع العرضي، ودفن بمقبرة الشهداء، وجاء سالم ربيع علي فجأةً طبعاً.

- هل رأيت وجهه قبل مواراته الثرى؟

لا. لم أستطع، بينما كانوا ينزلونه للدفن كان الناس يسلمون عليَّ، حتى السفير الأمريكي حينها الذي كان في ضيافتي الجمعة السابقة في ثلا مع المؤرخ والكاتب الامركي “وليم بوليك” احتضنني وبقي يبكي في المقبرة وهم يدفنون. لم أستطع أن أرى وجهه أبداً، لكن سالم ربيع علي كان على القبر وقالوا: إنه أقسم بأنه سيقتص له.

- هل ما حصل للغشمي في حادثة مقتله علاقة بتلك اليمين التي أقسمها لحظة دفن الشهيد إبراهيم الحمدي؟

لا ندري الحقيقة، لكن ما سمعناه أنه كانت هناك محادثات بينه وبين الغشمي من أجل تسليم الفارين كلٌ إلى شطره، وكل واحد كان يلعب ربما من أجل اصطياد الثاني، وقد قدم كل منهما كشفاً بالأسماء التي يريدونها، واتفق الغشمي مع سالم ربيع على إرسال الأسماء مع مبعوث خاص فأرسلوا “تفاريش” فقالوا إنه تم استبدال الشنطة بشنطة أخرى فيها لغم أدت إلى قتل الغشمي.

نداء الشهيد الحمدي

أبنائي، إخواني أبناء اليمن السعيد، مواطنين وجنوداً .. قضاة وعمالاً.. مزارعين وتجارًا.. شباباً وشيوخاً.. ذكراناً وإناثاً.

ألم يحن الوقت بعد لتقفوا إلى جانب الحق في قضيتي, ألم يحن الوقت لإنصافي وأخي وكل من استشهد معنا، من قتلة آثمين مدوا أيدي الغدر والخيانة ليغتالوا مشروع نهضة وحلم وطن.. إنهم باغتيالي إنما اغتالوا أحلامكم وأمانيكم ومستقبلكم الذي كان يلوح في الأفق جميلاً وواعداً.

أي ذنب ارتكبت أستحق عليه الموت.. غير حب وطني وأبناء وطني.. وغير ذلك التفاني والإخلاص في النهوض به إلى مصاف الدول الحديثة بهمة لا تكل وعزيمة لا تلين وإيمان بالله ثم بقدرة هذا الشعب على العطاء؟!.

ما اكتسبتُ مالاً ولا متاعاً, ولا مددت يدي لشيء مما يبيحه الآخرون لأنفسهم ولا مما يوهب لهم ولا أبحت ذلك لأسرتي, حتى الهدايا الشخصية أعدتها إليكم, للبنك والجيش والمتحف, وأنتم تعرفون ذلك كله.

جُبت البلاد منفرداً بسيارتي, أراقب أمنكم, وأسهر على راحتكم, وأطمئن على أحوالكم, أرسي دعائم مشاريع النهضة التنموية والصحية والتعليمية ببناء المدارس والمستشفيات وشق الطرقات وغرس الاشجار ودعم مشاريع التعاونيات في كل باب, وقفت لرجل المرور في الجولات أرسي بذلك قواعد النظام وتواضع الحاكم، ساعدت الشيوخ والأرامل, ووقفت في الطريق للمتحاجين, والشاكين, قضيت حوائجهم ورددت مظالمهم وكنت خادماً لا حاكماً.

أدرت عجلة التنمية بكفاءة واقتدار, فقفزت بالبلاد في زمن قصير ما شاهدتم وسمعتم, ووهبت نفسل لكل أبناء اليمن صغيرهم وكبيرهم, قويهم وضعيفهم, فاستاء مني الكبار من شيوخ وضباط ومنتفعين ممن يرون البلاد ملكهم والعباد عبيدهم، وتآمروا مع من يرون قوتهم في ضعف اليمن وعزهم في إهانته وغناهم في فقره, فأهدروا دمي وسفكوه على مذابح شهواتهم ونثروه في دروب أطماعهم وقدموه هدية لساداتهم, ثم انقضّوا على البلاد ينهشونها فما أبقوا لحماً ولا عظماً, أقلقوا الأمن واغتصبوا الحريات وقتلوا مشاريع التنمية وتقاسموا الأرض وما تحتها وما فوقها وأرهقوها بالديون واستعبدوها بالقروض وجعلوا الشعب فرقاً متناحرة وقبائل متباغضة لا رأي يجمعها ولا هدف يوحدها.

أيها الشعب العظيم..

إن كنتم قد تنازلتم عن حقوقكم فأنا لم أفعل.. إنني أهيب بكم, أصرخ من قبري بالشعب الذي كنت أحد أفراده, وبالجيش الذي كنت جندياً مخلصا فيه, وبالقضاء الذي خدمت في سلكه, وبالشباب الذين كنت أسعى لتحقيق أحلامهم وطموحهم وأمانيهم.. وبكل مواطن من الشريحة العظمى من أبناء اليمن.. الذين لم يسمعوا عني إلا كل خير ولم يعرفوا من أعمالي إلا كل نبيل.

أناشد كل شخص كنت أمثل له ذات يوم الأخ أو الأب أو الصديق أو الملهم..

أناشدهم جميعاً أن يهبوا لنصرتي وأن يقتصوا ممن أراق دمي ودم أخي ودم كل الأبرار الذين سقطوا معي لا لشيء إلا لأنهم شاركوني نفس الحلم.

القتلة تعرفونهم.. والأحداث تعرفونها.. والشهود لا يزالون بينكم.. والزمن تهيأ والرياح مواتية, فاغتنموا نسائم الحرية ولا تجعلونا بكم يا أولياء دمنا أتعس الشهداء.

حمى الله اليمن وأعاد له رفعته وعزته.

المقدم إبراهيم محمد الحمدي

11 أكتوبر 1977م.

* نقلاً عن صحيفة الجمهورية