لو غريمك الدولة إلى من تشتكي!!؟؟
بقلم/ د.عبدالكريم القدسي
نشر منذ: 12 سنة و أسبوعين و 5 أيام
الإثنين 05 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 04:54 م

في طريق العودة إلى صنعاء استوقفتني تعز لتشكوا حالها من عصابات الانتهاز والفساد ، وكنت قد حملت آلامي الذاتية وطويتها علي أجد الأمل جزأ من نسائم أفراح العيد، كي يكون قلمي هو الآخر ضيف تعز،نعم أيها القراء والأحبة الكرام: أن كل يوم يمر هو جزأ من متنفس حرفي وعطر شجوني وشدو كلماتي الراسمة لروح الانتماء لوطني الحبيب (اليمن)،وهاهي منطقتي(قدس) وقريتي المعطرة بالذكريات وخطوات الصبا الأولى، التي لا تمحوها السنوات لمجرد أن يكون الألم والحزن جزأ من عثرات الأقدام عند القدوم إليها،وثمة مواقف ومحطات توقف كثيرة تستوحي الذكريات وأيام الطفولة، وهي وحي الذكرى العطرة التي تنثر عبيرها على رحى الخطوات الأولى، تلك النسائم تجعلنا اليوم أكثر ارتباط بماضينا وترسم خطوات حاضرنا،وإيماننا الثابت بأن الوطن جزأ من ذاكرة الأيمان المتوقد بجذوة النصر على الانتهاز والظواهر السلبية التي تولدت بفعل غياب العدالة في وطني الحبيب، ولا شك بأن الكثير من الظواهر السلبية قد تلازمت مع ماضي السياسات التي رسمت معالم الانتصار على الوطن والشرفاء من بسطائه، وأضحت تلك السياسات جزأ من مرتع الفساد وعصابات الاستبداد المتلازم مع لغة الأنا المتقيح في صدور الأحزاب التي أرادت وتريد اختزال الوطن على مقياس الربحية الذاتية البعيد عن رفعة السمو بالوطن نحو العدالة وتساوي الحقوق والواجبات، وكلما لاح خير التغيير المنشود تبرز قرون الشياطين من المنتفعين والمتنطعين ممن لا يدركون حاجة الوطن إلى البناء واستغلال الموارد ورسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية على الوجه الأمثل، ومع ذلك يبقى الوطن أسير التقيحات التي تحدثها عصابات الانتهاز من أحزاب وجماعات وار باب فساد بما في ذلك مراكز القوى العسكرية ومليشيات البشمرجة التابعة للمشيخات، إضافة إلى مشاريع العداء و مشاريع الارتزاق والربحية الآتية من خارج أسوار الوطن،،،،،

لكننا اليوم أكثر أدراك من أن العدالة لم ولن تمت لكنها ترتحل من مكان إلى آخر، ولن يسكنها السبات الطويل، وسنبقى على موعد انتظار،أيماناً منا بأن الحقوق لن تسلب للأبد، حتى وان حفت سواعد الحرية بأجسام الجلادين والجلاوزة والطغاة أجمعين، حتماً لنا موعد لقاء مع القدر ونور اليقين وستنتصر الحرية ولو بعد حين، وسيصلى في محراب العدالة كل خائن وفاسد وعميل، طالما حياة الأباة والذاكرين جزأ من متنفس العشق للوطن، وسيأتي الصباح ليبدد ظلمة الانتهاز والفساد والمظالم، وكما هي سنن الحياة المتداولة التي تنشد روح التغيير بين الحين والأخر عبر القرون، كما أن بقاء الحال من المحال كما يقال من عظة الأجيال التي سبقتنا، نعم أيها الأعزاء الكرام: إن بقينا على موعد الترحال لقصد العيش والبحث عن الأرزاق فتلك مشيئة الرحمن، وسيبقى رحيل البحث عن العيش الكريم مقصداً لكل الأكف الشريفة، التي تكد وتعمل ليل نهار دون كلل، طالما الحاجة جزأ من غنيمة الانتصار على الفقر والكسل، ومع مرور الزمن تبقى معالم الهجرة الداخلية والسعي وراء الأرزاق خارج الوطن وداخله متنفساً لشرف الرجولة وعطر القيم وطهر الخطى التي لا تستكين للخنوع أو الارتكان لهزائم الزمن واستجدائه بأن يتكفل الشأن والحال، وكثيرة هي المناسبات التي تشدنا للبوح بذكرياتنا فيما مضى من زمننا العمري الذي رحل دون رجعة،فكم كان لطعم الأعياد (عيد الفطر-عيد الأضحى) والمناسبات من جمال الأذواق ونسائم عبير الذكريات، وكم كنت أتشوق أن يحين موعد اللقاء مع سويعات عيد الأضحى ، وقتها فقط كانت فرحتي لا تضاهيها فرحة، كنا نخرج لنحتفل على طريقة الطفولة المليئة بفرحة العيد وحلة التجديد ولبس الجديد، وتبدأ رحلة استشراف الساعات الأولى أيام العيد بتما هي النشوة- وخيلاء الألوان التي تمتشق التباهي بملابس العيد، وكانت العيدية كذلك جزأ من تلك الفرحة وبما تأتينا من هدايا وعطايا ، وأكثر ما نحرص عليه من طقوس العيد زيارة الجوار والأقارب، ولا تبقى بيت إلا ونمر لنسلم على أهلها ونتبادل أفراح العيد ،وذلك بعد عودتنا من صلاة العيد ، ومن ثم نتجه نحو الأضحية لنشارك في جلب احتياجات القائمون على الأضحية،،أما اليوم لم نعد نستحضر تلك المراسيم الجميلة وألفة اللقاء بمن حولنا، كما كان في تلك المناسبات، إذ نرى الوجوم والصمت والانكسار جزأ مما تبوح به الأرواح والقلوب، يا للعجب!! يا يمني ويا زمني، كيف غدت حياتنا وسويعات العيد جزأ من الحزن وغصة الألم المسكون بالهموم والكدر،، وكم اسمع من البسطاء من دعاء عندما يرفعون أكفهم إلى باري السماء بأن ينتقم من كل ظالم ممن أوصل حياتهم إلى هذه الظلمة التي استبدلت الأفراح بالبكاء والنواح وتوديع الدموع المنسابة من مقل العيون،،

وهنا تستحضرني مشاهد غريبة رأيتها على ثغر تعز الحبيبة!!،،،عندما كنت على موعد مع العودة إلى صنعاء ، وبدأت خط السير نحو تعز ووصلت إلى المدينة عند الساعة الحادية عشرة صباحاً، في البداية هممت الركوب من فرزة سيارات البيجوا المتجهة صوب صنعاء ،وسألت الموظف المخول بقطع الكوشن ،كم أجرة الراكب إلى صنعاء ؟،قال لي : (3000) ريال،ذهبت عدة أمتار بعيدا عن الفرزة،لأجد موقف لباصات الهايس (متوسطة الحجم) على قارعة الشارع ، و كان إلى جانبيي إحدى عشر راكب من جبل حبشي، اتفقنا أن نركب معاً وقلنا لهم نعطيكم 2000 ريال عن كل راكب، وافق صاحب الباص المحاط بقطيع الذآب التي تنتظر فرائسها، وكان هؤلاء قد أوصلونا نحن قطيع البشر إلى السائق للاتفاق على سعر الراكب، بعد أن أضيف إلى الركاب راكبان أخريان، تم بعدها استلام الأجرة عن كل فرد منا،رأينا بعدها حالة مشادات كلامية تارة وتارة أخرى استرضاء من قبل السائق(عبد الله)، حينما كان واقفاً لاستلام فلوسه من الزعيم المسؤول عن فلول الذئاب،، عند ذالك أثارني الفضول وسألت السائق كم استقطعوا عليك؟، قال لي: ستة آلاف(6000) ريال، وكان على وجه السائق علامات الألم والحسرات، قلت له:إلى من تذهب هذه المبالغ الغير قانونية، قال لي بالحرف أنهم عصابات أرتهنت أقواتنا بين أيديهم، هكذا هي تعز مقسمة إلى قطاعات ( أسواقها التجارية-وأسواق القات- وأسواق الخضروات - والفرز المسؤلة عن نقل الركاب داخليا وخارجيا،،،،الخ)، كنت حينها أشاهد تلك العصابة وهم يتحدثون للسائق بأن مبلغ الفلوس المدفوعة لهم قليلة ولن تكفي حق العرصة (حق الوقوف في الشارع) -وحق المرور الذي كان معهم يشرع ذلك الاستحقاق، ليبرز كعضو في تلك العصابة،، قلت للسائق لماذا؟: لا تشكون حالكم إلى السلطة المحلية ،فرد قائلاً : لو غريمك الدولة لمن تشتكي!!؟؟،، وأردف قائلا هنالك مراكز بطش وطغيان تعمل لحساب متنفذين في أجهزة السلطة المحلية وسلطة المشيخات- وهنالك زعماء عصابات الأراضي ممن يتملكون الشارع على أساس أن ملكية تعز تعود إلى بعض الإقطاعيون ممن لا زالوا إلى يومنا غير مدركين بأن ثورتي 26 سبتمبر و 14أكتوبر قد رسمتا ملكية وطن، تعجبت وصدمت وتبلدت بتلك المآسي التي تسكن تعز، وتبدد ملامح التغيير مع مرور الزمن،،، وتيقنت أن الوطن بحاجة إلى مزيدا من البذل والتضحية لاجتثاث شأفة الانتهاز والفساد الجاثم على صدر اليمن- وعلى ثغر تعز كجزء من ترابه،

وهنا أتوجه بالنداء العاجل إلى الأخ شوقي احمد هائل سعيد محافظ تعز وأعضاء سلطته الضبطية والأمنية للعمل على اجتثاث تلك المهازل، كي تغدوا تعز وجه اليمن المنتصر للحياة المدنية المأمولة،كي لا تتحول تعز مع مرور الزمن إلى مرتع عصابات تغتال الحياة والحرث والنسل، كما أناشد كل الشرفاء في تعز بأن يكونوا عيون ساهرة لإفشاء السلم الاجتماعي وزرع قيم العدالة والمحبة والكرامة في الوسط المجتمعي، والعمل من أجل محاربة الانتهاز والفساد والنزف ألقيمي الذي يسير بنا إلى التهاوي، وحذاري من سقوط تعز في مستنقع الجريمة واغتصاب الحقوق ومصادرة الحرية والكرامة، لان تعز قلب اليمن النابض باستلهام قيم التسامح الفكري المؤمن بحتمية التغيير وسيادة قيم الحرية والعدالة والكرامة في مجتمعنا اليمني،، تحية إلى كل الخيرون والشرفاء في تعز الحبيبة وفي وطني اليمن على وجه العموم،،، والله من وراء القصد ، وحماك الله يا يمن .