الحديدة خارج نطاق التغيير
بقلم/ د. محمد حسين النظاري
نشر منذ: 12 سنة و أسبوعين و يوم واحد
الأربعاء 07 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 05:02 م

قد يعتقد البعض أن افتراش الشباب لحديقة الشعب بمدينة الحديدة، وتحويلهم لها من متنزه للأسر إلى صنادق، وعشش شوهت بالمنظر الجميل الذي يتوسط المدينة، تغييراً كان يحلم به سكان الحديدة، وقد يبالغ البعض الأخر بالاعتقاد أن التغيير يتمثل بقطع شارع الميناء من أجل الصلاة فيه، مع أن الحديقة خاوية إلا من الصنادق والعشش، بجوار مساجد كثيرة تحيط بالمكان هجرها المصلون لأنهم استسهلوا الصلاة في الشارع، في منظر لا ينم إلا أن نظرتنا للتغيير لا زالت قاصرة، وأهدافنا إليه غير سوية.

الحديدة يا سادة ما زالت خارج نطاق التغيير المنشود، فالخدمات فيها متردية إذا لم نقل مزرية، مجارٍ تفيض ولا تجد من يقول لها يكفي، وكهرباء تغيب –إلا هذه الأيام- ومن يتعجب لغيابها؟، مع أن المحافظة تغذي محافظات أخرى من رأس كثيب، فيما رأسها هي عشعش فيه الظلام.

مدراء عموم من خارج المحافظة لا يقلّون عن عمر الوحدة المباركة بقاء في مكاتبهم، والغريبة أن بعضهم في الأزمة التي مرت بها البلاد، خرج ناقماً على الرئيس السابق، منادياً برحيله مسايرة للموجة، ونسيَ أو تناسى أن سنيناً طويلة يصعب عدها ظل جاثماً على كرسيه، فالتغيير الذي حدث أن بعض هؤلاء غير انتماءه من أجل البقاء فقط.

أهذا هو التغيير الذي بشروتموني به تقول: محافظة الحديدة!؟ إن كان ذلك هو فعلي السلام، فالجرائم توالت، فتصوروا معي امرأة تهامية تقتل جارتها بمسدس زوجها في حارة المشرع بمديرية الحوك، وتقطعات للسيارات والموترات، وختامها فضيحة الفضائح، بنك التسليف الزراعي –الموجود أصلاً في منطقة نائية- يسطى عليه ويقتل من بداخله، وكاميراته مطلة، هل التغيير الحاصل في أن لا يسمع أحد وابل الرصاص الذي انهال به المجرمون على رؤوس الضحايا؟، وهل التغيير في أن تعطى أجهزة الإنذار والمراقبة إجازة مفتوحة حتى يفلت الجناة ولا يتركون أثراً يدل عليهم؟ أين هي الجهات الأمنية بالمحافظة من حراسة مبالغ مالية كبيرة من مديرية بعيدة لمركز المحافظة؟ أسئلة محيرة تقود مفادها:أن هناك أمر دبر بليل، لتقيد القضية ضد مجهول .

التغيير الحاصل امتد الى التوسع في السطو المنظم على أملاك الدولة والمواطنين، ومطار الحديدة العسكري والمدني خير شاهد على ذلك، فقد أصبح مستباحاً، يريد من يغيثه من أيادي العابثين فيه، المغيّرين لمساحته، وكل ذلك وأهل منظر القريبين منه ممنوعون من البناء لأكثر من دورين، فيما العتاولة بالمساحات الشاسعة من كل جهة، وهو ما دعا أحد الشباب للانتحار حرقاً بعد أن صُدرت أرضيته.

رعى الله الأخ محمد صالح شملان الذي -من وجهة نظري- فقدته الحديدة، وكل منطقة عمل فيها، ويثبت من تولوا بعده، أنهم لم يبلغوا ما بلغ من الحرص، فالرجل كان نشيطاً تجده يتلمس هموم المناطق على الدوام، ليس على مستوى المدينة، بل في المديريات البعيدة، كان من السهل على الجميع مقابلته، وإذا ما وجدته يستمع إليك ويوجه بإنصافك، أما الان ففتش عن المحافظ، وقد تدوخ السبع دوخات، ولن تجد إلا سكرتاريته، لقد كان شملان يعرف الرجل ويقيمه من أول نظرة، أما الآن فحتى النظارات لا تفي بالغرض.

في اعتقادي أن الأخ أكرم عطية –محافظ الحديدة الحالي- محتاج أكثر للتقرب من الناس، وتلمس همومهم، وعدم الاكتفاء بتقارير من حوله، حتى وإن ظنهم أصدق الصادقين، فالوضع في المحافظة ليس كما هو في تقاريرهم.. على الأخ المحافظ أن يشد الرحال إلى كل منطقة، وألا يُوكل الآخرين عنه، فهو المسؤول الأول عن قضاء حوائج الناس.. أستاذ أكرم أقولها لك بكل صراحة السكان يشتكون، ولكن من يوصل إليك شكواهم، فالبطون المنتفخة، لا تنظر اطلاقاً لتلك الجائعة إلا بالتحقير والازدراء.

جامعة الحديدة يدور ما يدور فيها، وكأنها في فلك غير فلك المحافظة، كلية طب بشري بلا معامل ولا أدوات، ولا مستشفى جامعي، أي طبيب بشري سيتخرج منها!، إذا كان تعليمه كله نظري، هذا إذا سلمنا أن أساتذة كبار في الطب هم من يتولون تدرسيه، صراحة، لم تكن الجامعة بحاجة إلى قاعة ضخمة تقارب تكلفتها المليارين ريال، في ظل كليات طبية، وهي شبه طبية تفتقر لأبسط المقومات، لن نتحدث عن بقية الكليات، ولكنا تحدثنا عن الطب لأن أرواح المرضى في أيديهم، فهل سيعالجونهم نظرياً؟؟.

الحديدة بوضعها الحالي تسير نحو السوء، والأسوأ من ذلك أنها لم تحظى بزيارة الرجل الأول في الحكومة، فكم تنتظر الحكومة لكي تنظر إلى الحديدة بعين الرحمة، وتعقد إحدى جلساتها هناك؟ لتقف على وضعها، ولتسد حاجياتها.. والحقيقة أن ما لمسته من قبل من رأيتهم في الحديدة يجمعون على أنها مازالت خارج نطاق التغيير، بل هي أسوء مما كانت عليه سابقاً.