آخر الاخبار
ضحايا الدراجات النارية
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 11 سنة و 10 أشهر و 20 يوماً
الثلاثاء 01 يناير-كانون الثاني 2013 09:02 م

تستمر عمليات الاغتيال للضباط الأكفاء المعروفين بولائهم الوطني والرافضين لسياسات التسيب الأمني والانفلات المتعمد الذي شهدته وتشهده البلاد منذ عقود والذي تضاعف في السنوات الأخيرة كسياسة رسمية الغرض منها إنهاك أجهزة الأمن وإرباك العملية السياسية وإلهاء الناس عن مطالبهم بحياة حركة كريمة ومزدهرة، وإرغامهم على الاكتفاء بالحلم بحياة آمنة حتى وإن ناموا على الطوى، ويلاحظ هنا أن أيا من هذه العمليات لم تطل أيا من أمراء الحروب المعروفين بالتورط في جرائم عسكرية أو عمليات فساد مالي أو إداري أو قانوني ولا من أساطين النهب والسلب ممن حولوا مواقعهم في المؤسسة العسكرية والأمنية للقيام بعمليات السطو على المال العام وأراضي وعقارات ومنشآت الدولة أو الحقوق الخاصة بالأفراد أو حتى ممتلكات القبائل والعشائر.

روى لي أحد الجنود الذين كانوا حاضرين عند الهجوم على مقر الأمن السياسي في محافظة أبين، في العام 2009 بأن ملثمين كانا يركبان دراجة نارية بدون رقم، وهو الظاهرة التي انتشرت بعد العام 1990م حيث أن الدراجات النارية والهوائية كانت في الجنوب تحمل أرقاما تصدر من شرطة المرور وتعامل كسائر المركبات كما يعامل سائقوها معاملة سائقي السيارات والمركبات المختلفة.

قال لي محدثي: بأن الملثمين باشرا إطلاق النار على الحراسة وقتلا بعض الجنود، فما كان من الضابط الشهيد الذيب إلا إن اتخذ مكانه وبادلهما بإطلاق النار وأردى أحدهما قتيلا، لكن زميله (الملثم الآخر) أطلق النار على الشهيد الذيب وقتله، ولاذ بالفرار فوق دراجته، عندها باشر الجنود رفع جثة القتيل (الملثم)، لكن وفي ثواني أقبلت سيارة بدون رقم وفوقها مسلحون غير معروفين، هجموا علينا، (والكلام للراوي) وخطفوا الجثة منا قبل كشف أي من وثائقه ، وهكذا اختفى الملثمان (الحي والميت) من بين يدينا دون أن نتمكن من العثور على ما يدل على هويتيهما ، وهو ما يعني أن هناك جهات معينة تقود عمليات الاغتيال وتتحكم فيها بدقة وإتقان لا يتقنها إلا من لديهم من النفوذ والسلطة والإمكانيات التقنية ما يفوق التصور.

تكررت عمليات الاغتيال التي تستهدف ضباط وجود أمنيين وعسكريين في الجنوب والشمال لكن الملاحظ أن الحظ الأوفر من هذه العمليات الإجرامية كان من نصيب ضباط وجنود جنوبيين هم إما من ضحايا حرب 1994م أو حتى ممن وقفوا مع السلطة منذ ذلك التاريخ، لكنهم يعملون بمهنية وجدية وهم يتصدون للعمليات الإرهابية وفي الحروب الداخلية بمختلف مواقعها وليس الشهيد قطن والشهيد عمر با رشيد والشهيد فضل الردفاني سوى عينات لعشرات الحالات المماثلة.

يسود اعتقاد واسع لدى بعض الأوساط الإعلامية بأن تنظيم القاعدة، وأنصار الشريعة، هما وحدهما من يقف وراء هذه العمليات وهو ما يتبدى عند الإعلان عن أن عملية إرهابية استهدفت الضابط الفلاني أو الجندي الفلاني، وهنا لا بد من ملاحظة، إن هذه العمليات هي إرهابية بحق سواء كان من يقف وراءها تنظيم القاعدة أو جهة استبخاراتية من الداخل، لكن السؤال ما مدى التداخل في عمليات كهذه، وما هي نسبة كل طرف من هذه الأطراف في كل منها؟ ؟ . . . . لا يمكن تصور بلد لديها عدد من الأجهزة الأمنية والعسكرية ما يزيد على أصابع اليدين والرجلين وتعجز عن كشف عملية سافرة تنفذ عند بوابة وزارة الدفاع، أو داخل مبنى الأمن السياسي أو أمام بوابة كلية الشرطة أو على بعد عشرات الأمتار من قصر رئاسة الجمهورية،. . . لا يمكن تصور عجز وفشل كل هذه الأجهزة إلا بأن يكون بعض هذه الأجهزة متورطا في تلك العمليات أو أن هذه الأجهزة مشغولة بشيء آخر غير وظيفتها الأمنية، وهذا الشيء لا علاقة له بالوطن والوطنية، والأمن والأمان.

إذا ما صدقت الأنباء القائلة بأن الشهيد العقيد فضل الردفاني كان قد استدعي لتولي مسئولية قيادية في إطار إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من المستفيد من استهداف هؤلاء القادة الذين يراد إعادتهم إلى أعمالهم أو أولائك الذين تولوا مهمات عسكرية وأمنية ممن ظلوا مبعدين ظلما وعدوانا منذ الحرب 1994م؟ وإلى أي مدى يراد باستهداف هذه القيادات قطع الطريق على إعادة ترتيب أوضاع القادة العسكريين والجنود المتضررين من حرب 1994م على طريق بناء الجيش الوطني والحل العادل والمنصف للقضية الجنوبية بأبعادها السياسية والقانونية والحقوقية والتاريخية.

لن تهدأ الأوضاع ولن تتوقف عملية القتل، بالدراجات النارية وبغيرها، ما لم تتخذ إجراءات حازمة وقاطعة وصارمة تجاه من يقود علمية القتل ومن يأوي القتلة ويحميهم ويمولهم ويمونهم ومن داخل العاصمة وربما من داخل معسكرات ومخازن الدولة.

يراد بعمليات القتل للقادة العسكريين والأمنيين المزمع تعيينهم في إطار إعادة الهيكلة، يراد إيصال رسالة بأنه لا مكان لكم في الجيش القادم ومن فكر بالعودة للعمل فليكتب وصيته قبل المجيء إلى صنعا، وهي رسالة مزدوجة الأهداف يراد بها من ناحية خلط الأوراق وإفشال أي محاولة يبذلها الرئيس باتجاه إنصاف ضحايا الحروب ومن ناحية أخرى استمرار حالة الهيمنة على المؤسسة العسكرية من قبل أولائك الذين حولتهم مناصبهم العسكرية إلى مليارديرات لا يرغبون في مفارقة البقرة الحلوب التي يجنون منها الذهب.

سيكون على القيادة السياسية والعسكرية إفشال هذه الخطة لأنها لا تؤدي فقط إلى استمرار الظلم والإقصاء بل ستؤكد فشل الثورة في واحدة من أهم مهماتها وهي بناء الجيش الوطني الواحد وإعادة تضميد اللحمة الوطنية الممزقة، ومن ثم استمرار مبررات الانقسام الوطني الذي لن يتوقف عند هذه النقطة بل سيتناسل ويتكاثر لميتد إلى كل شيء من إدارة البلاد إلى مشاريع التنمية ومن الخدمات الضرورية إلى السكينة الاجتماعية والوطنية ومن تجزئة البلاد أفقيا ورأسيا إلى تفكيك كل جزء فيها إلى أجزاء أصغر وأصغر.

المواطنون ليسوا بحاجة إلى بيانات بليغة لنعي الشهداء ولا إلى مراسيم دفن ومسيرات تأبين مهابة وعالية التنظيم، بل إن المطلوب هو اضطلاع الجهاز الأمني بمهمته في كشف المتلاعبين بالأمن وتعريتهم أخلاقيا وتقديمهم للمحاكمة وإنزال العقوبات القانونية بحقهم، خاصة بعد أن قيل بأن القيادات الجديدة للأمن تمتلك الكفاءة والإخلاص الذين يمكنانها من توفير السكينة للوطن والمواطن والتصدي للعابثين والمتلاعبين ومحترفي القتل ومشعلي الحروب.

برقيات:

* إنتقل إلى رحمة الله الكاتب الصحفي العميد الركن الخضر الحسني، في أحد المستشفيات الهندية بعد سفره للعلاج هناك، وإذا كان الموت حقا علينا جميعا إلا إن المؤلم أن الرجل توفى وهو عاجز عن تسديد فواتير العلاج والإقامة بعد خدمة عشرات السنين في المؤسسة العسكرية والكتابة الصحفية المتميزة، رحم الله الفقيد الحسني وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.

* بحلول العام الميلاد الجديد 2013 نزف أزكي التحيات وأصدق التمنيات لكل من يحتفل بهذا العيد، عسى أن يكون العام الجديد عاما بلا أزمات ولا توتر ولا حروب ولا لصوص ومتنفذين وبلا دراجات نارية تستهدف الشرفاء وتستثني الفاسدين والمجرمين، وكل عام جديد وأنتم بخير.

* قال الشاعر العربي الكبير محمود درويش:

لم تكن أكثر من وصف.. لميلاد المطرْ

و مناديل من البزق الذي يشعل أسرار الشجرْ

فلماذا قاموها؟

حين قالت إن شيئا غير هذا الماء يجري في النّهرْ؟

و حصى الوادي تماثيل، و أشياء أخرْ

و لماذا عذبوها؟

حين قالت إن في الغابة أسرارا

و سكينا على صدر القمرْ؟

ودم البلبل مهدور على ذاك الحجرْ؟