حين يغضب الرئيس مبارك!!
بقلم/ ياسر سعد
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 19 يوماً
الثلاثاء 05 يونيو-حزيران 2007 11:01 ص

تمنيت أن أرى الرئيس المصري مرة واحدة غاضبا وصارما، حين يتعلق الأمر بالتعدي على مصر وعلى شعبها الطيب، أوحين تنتهك سيادتها وكرامتها ولا يقام وزنا للاتفاقيات معها، خاصة إذا كان الطرف المقابل أمريكيا أو إسرائيليا. عندما قتل الجيش الإسرائيلي جنودا مصريين على الحدود مع فلسطين، وحين تجاوزت قوات الاحتلال الاتفاقيات وحشدت قواتها العسكرية على الحدود المصرية، وحين ترسل حكومة الاحتلال أفواج الجواسيس ليعيثوا في أرض الكنانة فسادا وإفسادا, تمنيت أن أرى الرئيس المصري مرة واحدة غاضبا وصارما، حين يتعلق الأمر بالتعدي على مصر وعلى شعبها الطيب، أوحين تنتهك سيادتها وكرامتها ولا يقام وزنا للاتفاقيات معها، خاصة إذا كان الطرف المقابل أمريكيا أو إسرائيليا.

عندما قتل الجيش الإسرائيلي جنودا مصريين على الحدود مع فلسطين، وحين تجاوزت قوات الاحتلال الاتفاقيات وحشدت قواتها العسكرية على الحدود المصرية، وحين ترسل حكومة الاحتلال أفواج الجواسيس ليعيثوا في أرض الكنانة فسادا وإفسادا, بل على العكس تماما، يفرج عن الجاسوس عزام عزام، وتفتح أبواب مصر مشرعة وعلى الدوام لمجرمي الحرب الإسرائيليين.

ولما عرض التلفاز الإسرائيلي الفيلم الوثائقي، الذي يظهر عملية قتل أسرى مصريين بدم بارد في حرب يونيو 1967م في جريمة حرب، شارك فيها وزير البنية التحتية الإسرائيلي بنيامين بن أليعازر، الصديق الشخصي لمبارك، وثارت ثائرة الشعب المصري، لم نسمع موقفا واضحا للرئيس، بل إن وزير خارجيته صرح بأن مصر لن تقطع علاقاتها مع إسرائيل من أجل فيلم تلفازي.

لا أحداث فلسطين ولا تهديد المسجد الأقصى ولا تفكيك العراق وإشعال الحرائق في جنباته، أو تهديد الأمن القومي المصري من خلال التمهيد لتفتيت السودان عبر تحركات أمريكية وغربية حثيثة ومتواصلة, كل ذلك وأكثر منه، لا يستدعى من الرئيس غضبا أو موقفا حازما ولو إعلاميا.

بيد أن الرئيس يتحرك وبحرارة من أجل جندي إسرائيلي أسير، ويتوعد الفلسطينيين ويغضب منهم، إذا ما خالفوا سياساته أو انتقدوا ولو تلميحا مواقفه. كما تظهر مواقفه القوية والصارمة في حالات الخلاف مع دولة عربية، وتظهر عندها جولاته وصولاته.

آخر مواقف الغضب والحزم للرئيس المصري، كانت بشأن مشروع الجسر، الذي كان من المفترض أن يربط بين مصر والسعودية, فبعد أن نشرت الصحف المصرية القومية وأجهزة الإعلام الرسمية الخبر مؤخرا، وبشكل بارز واحتفالي، فاجأنا الرئيس المصري حسني مبارك بتصريحات نارية لصحيفة "المساء" المصرية، مفادها أنه لن يسمح بإقامة جسر فوق مدخل خليج العقبة، مشددا على أن من شأن الجسر الإضرار بالسياحة والهدوء والأمن بمدينة شرم الشيخ، مؤكدا ببساطة بأن ما أثير مؤخراً عن وضع حجر أساس الجسر البري لربط مصر بالسعودية، مجرد إشاعة لا أساس لها من الصحة.

وقال: "أرفض تماما إقامة الجسر أو أن يخترق مدينة شرم الشيخ وهذا مبدأ". وقالت الصحيفة إن الرئيس المصري "أشار إلى أن اختراق الجسر لمدينة شرم الشيخ، معناه إلحاق الضرر بالعديد من الفنادق والمنشآت السياحية، وإفساد الحياة الهادئة والآمنة هناك، مما يدفع السياح إلى الهروب منها، وهذا لن أسمح به أبدا".

بناء الجسر كان مطلبا مصريا وأمنية عربية, فهناك حركة بشرية كثيفة بين مصر والسعودية للعمل والزيارة والحج والعمرة, كما أن تعدد الحوادث المؤسفة غرقا وحرقا، والتي أوقعت المئات من الضحايا الأبرياء من الفقراء المصريين، وتعكس وجوه الفساد الإداري المنتشر والمتفشي والمزمن في مصر، تجعل من هذا الجسر ضرورة ملزمة.

الرئيس المصري، والذي يقضي جل وقته في شرم الشيخ، يعلن أن رفض إقامة جسر يخترق شرم الشيخ يشكل مبدأ للحفاظ على الحياة الهادئة لحضرته وللسياح الأجانب، دون اعتبار للمصالح القومية وللفوائد المرجوة من المشروع للملايين من المصريين البسطاء ولغيرهم وللحركة التجارية بين البلدين العربيين.

هناك تفسيران للموقف المصري: الأول، يمكن رصده من خلال انتقادات واسعة يشنها صحافيون مقربون من الحكومة المصرية ضد السعودية، بعد رعايتها مؤخرا لاتفاقية سلام بين تشاد والسودان, وللنجاح الدبلوماسي السعودي في رعاية الاتفاق الفلسطيني في ساحة تعتبرها الدبلوماسية المصرية منطقة نفوذ لها.

أما الثاني، فيمكن رصده من خلال تحذير الاستخبارات الإسرائيلية من المشروع ومخاطره على الأمن القومي الإسرائيلي، كما أن الصحف العبرية أشارت إلى قلق تل أبيب من أن يؤدي الجسر إلى تهديد أمن الملاحة في خليج العقبة.

في كل الأحوال، فإن الموقف الرئاسي المصري سلبي للغاية وغير مبرر على الإطلاق, ولا يأخذ بالاعتبار المصالح الحقيقية لمصر بلدا وشعبا. فهل تريد مصر مبارك، والتي تعاني من عجز سياسي فاضح وواضح, معاقبة السعودية لمواقفها الإيجابية الأخيرة في إطفاء الحرائق ومحاصرة الخلافات؟ أم تريد أن تعاقبها بالوكالة لرفضها استقبال المالكي، ولانتقاد ملكها الصريح للاحتلال الأمريكي للعراق؟ أم تُراها تجاوبت مع الرغبات الإسرائيلية، والتي ترفض أي عمل عربي مشترك، يؤثر على مكانتها المأمولة في الشرق الأوسط الجديد، كقوة إقليمية مطلقة النفوذ؟