الوجه الناعم.. لآيات الله
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 16 يوماً
الخميس 07 يونيو-حزيران 2007 04:54 م

ان تدعو منظمات حقوق النساء في إيران الى المساواة بين الرجال والنساء في القوانين المعمول بها في البلاد، فهو أمر طبيعي، لكن ان تكون الدعوة من قلب الحوزة العلمية في قم، وعلى يد آيات الله الكبار، فهذا شيء ليس شائعا جدا، فعندما قامت الثورة الايرانية عام 1979، اتخذ الكثير من آيات الله الكبار، في الحوزة العلمية بقم، موقفا سلبيا من حقوق النساء، والكثير من القوانين التي وضعت وميزت ضد النساء، مثل ان دية المرأة نصف دية الرجل ومنح الرجل حق الطلاق وحضانة الاطفال، خرجت من قم. اليوم الحوزة العلمية ذاتها، التي انطلقت منها الافكار ضد حقوق النساء، باتت حاليا معقل الكثير من آيات الله الذين يدعون لتغيير القوانين التي تميز ضد النساء. الكثير من آيات الله بات يدعو الى اعطاء المرأة نفس حقوق الرجل، في الطلاق والدية وحق العمل من دون أذن الزوج، وحق تولي المناصب السياسية، بما في ذلك الرئاسة. بعض آيات الله في الحوزة العلمية أفتى بجواز عمليات الت جميل، والبعض الآخر يدعو المجتمع بكل فئاته للنضال من أجل حقوق النساء في إيران. الكثير من تحولات آيات الله لا تعود فقط الى التغييرات التدريجية فى الحوزة العلمية، بل كذلك الى القوة التي باتت النساء تتمتع بها، فالنساء بتن قوة تصويت في الانتخابات، وقوة شراء في السوق، وقوة فى مجال الاعلام، وقوة في مجال العمل الحقوقي ومنظمات حقوق الانسان. مع هذه التحولات، هناك نوع من آيات الله، بات يتكاثر تدريجيا، يشد بعضه بعضا الى قضايا وافكار لم تكن مطروحة للنقاش من قبل في الحوزة بهذه الطريقة، نوع من آيات الله منفتح على العالم الى حد كبير، يقرأون ويكتبون بلغتين او ثلاث لغات، يسافرون للخارج كثيرا، لديهم مواقع شخصية على الانترنت، وزوجاتهم يعملن خارج المنزل، ويرون ان آية الله «لقب اكاديمي»، وأنه ليس هناك مبرر للفزع منه، فأصحابه ليسوا شخصيات متحجرة او قاسية او منغلقة العقول، كما يتصور الكثيرون، ولهذا بات هؤلاء ملتصقين أكثر بالمجتمع، ويرون أنه من الافضل ان تتحرك افكارهم وفتاواهم الدينية في اطار التحولات في المجتمع. مثلا خلال الايام الماضية ايد عدد من آيات الله اقتراح رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني مساواة دية النساء بالرجال، من بين هؤلاء آية الله صانعي احد رجال الدين البارزين في قم. وقبل ذلك أفتى آية الله مهدي طهراني بشرعية عمليات التجميل المنتشرة في إيران، بالرغم من ان رجال دين محافظين اخرين يهاجمون عمليات التجميل. وفتوى طهراني ليست فتوى دينية صرفة، بل ايضا فتوى سياسية بمعنى ما. فاحد اشكال المقاومة التي تبديها النساء الإيرانيات للقيود التي تفرض على ملابسهن، هو ان يبدين جميلات، على الرغم من ارتداء غطاء على الشعر، ومن الوسائل الرائجة لتحقيق هذا فى إيران اجراء عمليات تجميل، فهي ليست مكلفة كثيرا، ويستطيع الكثير من النساء المنتميات للطبقة الوسطي اجراءها بدون مشقة مالية كبيرة. وهناك اعتقاد سائد لدى الايرانيين، هو ان انفهم أكبر قليلا في المتوسط من الانف الاوروبي والاسيوي، ولهذا تزايدت عمليات التجميل في الآونة الاخيرة. لكن عمليات التجميل بدأت مباشرة بعد الثورة الايرانية وفرض لبس غطاء الرأس. اجراء عمليات التجميل آنذاك وحتى الان، كان تعبيرا عن رفض سياسي لفرض الحجاب، وتعبيرا عن القدرة المالية والمستوى الطبقي، وبعضها كان حاجة نفسية لمن لا يستطيع اظهار أكثر من وجهه. لكن المثير ان عمليات التجميل بات لها اعداء من المحافظين، يتزايد عددهم، يرون أن عمليات التجميل، مؤشر فى صالح الاصلاحيين، وأنها «مانيفستو» سياسي، او اعتراض سياسي في شكل غير مباشر. وبسبب الجدل الدائر فى إيران حول تزايد عمليات التجميل، لدرجة ان إيران باتت تعرف بشكل استعاري بوصفها «أمة الانوف» او الانوف التي خضعت لعمليات تجميل، افتى آية الله مهدى طهراني بشرعية عمليات التجميل، موضحا ان «عمليات التجميل مسموح بها، بناء على القاعدة الاسلامية، ان الله جميل يحب كل جميل، وان يكون المرء جميلا، سواء كان رجلا او امرأة، ليس محرما فى الاسلام»، «لا يحرم الشرع اجراء جراحات التجميل. الاسلام لا يحرم ان يكون الفرد جميلا» حسب قوله. ومع ان آية الله طهراني، وهو من مواليد طهران 1961، له اراء تصنف على انها محافظة فى نظر البعض، ومن بينها ان الدور الاساسي للنساء هو وسط اسرهن، وانهن يجب ان يلتزمن بغطاء الرأس، الا انه يرى ايضا ان النساء يمكن ان يخرجن للعمل، فزوجته استاذة للفلسفة الاسلامية في الجامعة، فيما يأمل في ان تواصل ابنته (لديه 4 ابناء) التي تدرس التصميم الفني دراستها الجامعية، هو اذا محاط بنساء يمثلن واقع النساء الايرانيات اليوم، وربما أثر هذا على طريقته في التفكير، فبات أكثر انفتاحا الان مما كان عليه عندما كان أصغر سنا. ففي نهاية السبعينات كان مهدي طهراني، الذي يحب الفيزياء بشكل خاص، وكان نابغا فيها خلال دراسته الثانوية، طالبا للهندسة الكهربائية، في جامعة شريف للتكنولوجيا في طهران، وهي جامعة النخبة، ولا يدخلها غير الطلبة النابهين، وهناك درس الاقتصاد والعلوم التكنولوجية وفلسفة العلوم. لكن بعد الثورة الايرانية 1979 قرر ان يدرس الفقه والتشريع الاسلامي وعلم الاخلاق والكلام والتفسير، فترك طهران التي ولد وتربى وتعلم بها، وذهب الى قم حيث قضى 10 أعوام في دراسة الفقه والفلسفة الاسلامية. تدرج طهراني في الدراسة العملية، ودرس على يد آيات الله الكبار، من أمثال آية الله جواد تبريزي، وآية الله وحيد خرساني، آية الله الطباطبائي، وآية الله شيرازي، وآية الله مصباح يزدي، حتى بات أحد آيات الله البالغ عددهم نحو 350 في الحوزة العلمية بقم، التي يعيش فيها حتى الان، وهو يعطي دروسه فى تفسير الشريعة في الجامعة الاسلامية، وهي احدى مدارس الحوزة البالغ عدد تلاميذها نحو 40 الف طالب يأتون من اميركا الى الصين. يلتزم طهراني بزي رجال الدين، العمامة السوداء، والروب الاسود، وهو يستيقظ كل صباح ليصلي ويقرأ القرآن، ثم يتجه الى مدرسته في الحوزة للتدريس ومواصلة بحوثه في الفقه والتشريع. وبالرغم من ان آية الله طهراني مكث في الحوزة معظم عمره، الا ان افكاره تطورت، وممارساته في حياته اليومية تعكس هذا التطور، فزوجته التي تحمل درجة الماجستير تدرس الفلسفة في الجامعة، وهو لا يجد مانعا في هذا. وقال آية الله طهراني عن زوجته: «زوجتي تقوم بتدريس الفلسفة الاسلامية والمنطق في الجامعة، ابنتي تدرس التصميمات الفنية.. وآمل في ان تدرس ايضا في الجامعة». في المساء يقضي آية الله طهراني الكثير من الساعات في القراءة باللغة الانجليزية، وهي احدى 5 لغات يعرفها، وهي العربية والالمانية والفرنسية، بالاضافة الى الفارسية. كما يقضي ساعات في فتح المواقع المختلفة على الانترنت للاستفادة والاطلاع على ما يحدث حوله في العالم، وهو يعرف الكثير من الكتاب والصحافيين الاجانب، ولا يجد غضاضة فى اجراء حوار صحافي مع وسائل الاعلام الغربية. وفي مقابلة مع برنامج «نايت لاين» بمحطة «اي بى سي» في 20 فبراير (شباط) 2002، ادان هجمات 11 سبتمبر (ايلول)، وقال انه ليس لها تبرير ديني، كما هاجم سياسات اميركا وقال انها «تدمر صورة الاسلام»، وان التفسير الغربي للاسلام يمحي الدور الاجتماعي للنساء وفي هذا تشويه كبير للاسلام، اساءة تفسير للقرآن. ولانه آية الله في عصر العولمة، فقد كان من اوائل آيات الله في قم يقوم بالاجابة على استفسارات دينية على الانترنت. يمارس آية الله طهراني الرياضة، وهو يرى ان الرياضة جزء من تعاليم الاسلام. ويقول في هذا الصدد «اذا كان جسدك في حالة جيدة، ستكون صحتك في حالة جيدة.. وستكون روحك جاهزة لاتصال افضل مع الله.. انا احاول ان أفعل هذا كل يوم». ويقول طهراني ان رتبة آية الله ليست رتبة سياسية، بل هي «رتبة اكاديمية» مرتبطة بالتطور في فهم علوم الدين، وينتقد ارتباط لقب «آية الله» في ذهن الغرب وبعض الثقافات الاخرى بالعنف والتطرف، وهو يرى ان هذا غير حقيقي، وغير منصف، فالكثير من آيات الله يحبون الغناء ومشاهدة الافلام، ويرحبون بالسفر للخارج للسياحة، ولديهم لاقطات هوائية وآلات موسيقية في منازلهم. آية الله طهراني لا يتحرك في قم وحده، فبعد أيام قليلة من قول رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران هاشمي رفسنجاني انه سيطالب ويدعم تغيير القانون الذي يجعل دية المرأة نصف دية الرجل، كان آية الله صانعي في مدرسته بالحوزة العملية يقول لتلاميذه ان «كل شخص عليه واجب الدفاع عن حقوق النساء، وان التمييز بين الرجال والنساء في القوانين لا يمكن الدفاع عنه، وليس له اساس ديني».

وتابع لتلاميذه «جميعنا علينا واجب الوفاء بحقوق النساء، وحقوق كل الكائنات، رجال الدين، والأكاديميين دورهم هو الابحاث التي يقومون بها حول حقوق النساء في الإسلام، وأعضاء البرلمان دورهم في تمرير القوانين التي تنهي التمييز ضد النساء. وكما طلب آية الله هاشمي رفسنجاني، أتمنى انه بالتدريج ستنتهي غالبية هذه المشاكل». وبينما أشاد صانعي باقتراح رفسنجاني مساواة دية الرجال والنساء، وبصياغة مشروع قانون بهذا المعنى وتقديمه للبرلمان، خرج رجل دين آخر في الحوزة العلمية وهو حجة الاسلام محسن غرفيان، وهو محافظ ومن تلاميذ آية الله مصباح يزدي الاب الروحي للرئيس أحمدي نجاد، يضم صوته للاصوات المؤيدة لاقتراح رفسنجاني. وفي تصريحات لوكالة «اسنا» الإيرانية قال غرفيان: «بعض رجال الدين يصل الى الاحكام الشرعية عبر التأويل العلمي والفلسفي، فيما اخرون يصلون الى احكامهم الشرعية عبر تفسير النصوص على نهج السلف. لكن بحكم التطور، التوصل للاحكام الشرعية يعتمد على اعمال المنطق والعقل.. المساواة بين الرجال والنساء سببها تفكير عقلاني في الاجتهاد». منطق آية الله طهراني وصانعي وغرفيان وغيرهم من آيات الله في الحوزة العملية في موقفهم المؤيد لقضايا النساء، هو ان الانفصال الذي حدث بين الحوزة العلمية والطبقة الوسطى في إيران، وطهران خصوصا، خلال ولاية الرئيس السابق محمد خاتمي، يجب الا يحدث ثانية، فالكثير من آيات الله ساعتها لم يرتاحوا للاصلاحات التي دعا اليها خاتمي، ووقفت باقي المؤسسات ضد الاصلاحات القانونية التي كان يريد ادخالها. هذه العزلة علمت بعض رجال الدين الكثير من الدروس، فحتى رجال الدين في قم يريدون ان يكون المجتمع راضيا عنهم.

عن / دنيا الوطن