علاقة الإسلاميين بقيادة الحراك في جنوب اليمن
بقلم/ ربيع بن علي القاسمي
نشر منذ: 11 سنة و 7 أشهر
الأربعاء 24 إبريل-نيسان 2013 07:28 م

مقدمة

لما كان الكثير من الشباب لا يعرفون تاريخ فترة حكم الاشتراكيين رأيت الكثيرين منهم يدافع عن تلك الفترة باعتبارها فترة عز ومجد وتمكين وكرامة, كما يروجه لهم بقايا القيادات الاشتراكية , وقد صار لزاماً علينا بل وأمانة نتحملها في أعناقنا يوم نلقي الله يوم القيامة , أن نكتب عن تلك الفترة التي ليست بعيدة عنا وكلنا عاش فيها وما زال الكثير من أبناء الجنوب الذين عاصروا حكم الاشتراكيين يعيشون بيننا , لكن كتابة التاريخ وتدوينه لتستفيد منه الأجيال القادمة أصبح ضرورة ملحة وحاجة ماسة بحكم أن فترة حكم الاشتراكيين في جنوب اليمن فترة زمنية تاريخية مثلها مثل بقية مراحل الزمان التي كتب فيها التاريخ كتباً ودون لها مدونات ليروي تفاصيل الزمان .

والحقيقة أننا نكتب التاريخ ليستفيد منه الناس في الحاضر والمستقبل فالماضي هو عين المستقبل والذي لا يستفيد من ماضيه لا يستفيد من مستقبله , وقد عزمنا على كتابة تاريخ فترة حكم الاشتراكيين , لتقديمه للقراء بكل أمانة وصدق دون ترغيب ولا ترهيب من أحد , وسيكون في ثلاث حلقات متتالية مختصرا جميع الأحداث ونعدكم بالتفاصيل في كتابنا الذي سيطبع قريباً والذي أسميناه ( مأساة جنوب اليمن ) وفي هذه الحلقات الثلاث سنتناول فيها جانباً واحداً فقط وهو علاقة الاشتراكيين بالتيار الإسلامي على مدى السنوات الماضية , لما له من تأثير على مستقبل الأجيال القادمة بحكم أن الاشتراكيين القدامى يمثلون الآن أكثر من 90% من قيادة الحراك في جنوب اليمن .

الحلقة الأولى

• مرحلة ما قبل 94م حيث كان الحزب الاشتراكي حزباً حاكماً على جنوب اليمن بالنظرية الماركسية اللينينية بقوة الحديد والنار , وفي تلك الفترة كانت التصفيات للمخالفين على أشدها , ومن بينهم الإسلاميين الذي تعرض الكثير منهم للقتل , والاعتقال والإخفاء القسري , بينما فضل من بقي منهم على قيد الحياة مجاملة الاشتراكيين على قاعدة ( سلامة الرأس فايدة ونصف ) . أو السكوت وترك المجال للاشتراكيين يفعلوا كيف شاءوا , لأن العمل السري في تلك الفترة عواقبه وخيمة , ونهايته أليمة , بسبب القبضة الأمنية والاستخباراتية المطبقة .

وعلى الرغم من أن الكثير من الإسلاميين قد فضل ترك الدعوة وتعليم الناس الدين فأنهم لم يسلموا من الاشتراكيين , حيث تعرضوا للملاحقات , والاعتقالات , حيث غادر الكثير منهم الوطن هروباً عبر الحدود التي كانت تربط شمال اليمن وجنوبه . وأعرف الكثير من الذين ما زالوا يقطنون المناطق الشمالية من الوطن إلى الآن. (يراجع كتاب: \\\"اليمن الجنوبية وراء الستار الحديدي\\\" للأستاذ محمد علي الشَّعيبي، وكتاب \\\"جرائم الشيوعيين في جنوب اليمن\\\" لجماعة من المؤلفين، وكتاب: \\\"الاستقلال الضائع\\\" للأستاذ: عبده حسين أدهل، وكتاب: \\\"الصراع في عدن\\\" للصحفي شاكر الجوهري)، وفي هذه الكتب أسماء وتفاصيل مهمة لمن لا يعرف تاريخ تلك المرحلة الدموية المظلمة.

كما شنت الاستخبارات الاشتراكية حملة دعائية خبيثة وشرسة على كل من يرتاد المساجد , وأخبث تلك الحملات هي دعاية مفادها : ( أن العلماء والدعاة وخطباء المساجد هم مجرد شواذ يمارسون الجنس داخل المساجد) وذلك لإثناء الناس عن إرسال أولادهم للتعليم في المساجد , ومن شدة تلك الدعايات كان الناس يستحون حتى من دخول المساجد . ولذا تجد الكثير من المساجد لا يصلي فيها أحد إلا يوم الجمعة التي كانت تقام في المدن الرئيسية, أما الصلوات الخمس فلا يصليها إلا العجائز والمسنين وقد عاصرت هذا بنفسي والكل يعلم ذلك, هذا في المدن أما في الريف فقد كان الوضع أشد سوءًا , حيث كانت صلاة الجمعة لا تكاد تذكر وذلك لتعمد الاشتراكيين تخصيص يوم الجمعة لحل القضايا والمشاكل بين الناس, فيتوجه الكثير منهم إلى مراكز لجان الدفاع الشعبي, بدلاً من التوجه للمساجد, وانعدمت الدعوة إلى الله في الريف تماماً , حيث كان الناس يتعمدون الفطر في رمضان , ولم نجد من كان يصوم إلا عجائز النساء , أما عجائز الرجال فكانوا لا يصوم إلا بعضهم فضلا عن الشباب .

وهكذا استمرت تلك الفترة الحالكة الظلمة بالنسبة للإسلاميين . بينما واصل الاشتراكيون الدعوة إلى مذهبهم الإلحادي الذي كان ينكر وجود الله تماما . فكانت المناهج التعليمية تكاد تخلو من المواد العلمية الإسلامية إلا فيما ندر وبعض السنوات لم تكن تدرس مادة التربية الإسلامية أبدا مثل العام 87م حينما أمر علي سالم البيض (أمين عام الحزب الاشتراكي الماركسي) بمنع تدريس الكتاب والسنَّة لطلاب الثانوية العامة إلا أنه أعيد تدريسها في العام 88م واعتبرت مواد القرآن الكريم والتربية الإسلامية مواداً لا يرسب فيها الطالب بالتوازي مع تدريس مواد إلحادية تنكر البعث والنشور والجنة والنار واعتبرت نظرية داروين الإلحادية أهم النظريات التي تدرس في جميع مراحل التعليم . كما كان يتم ابتعاث الطلاب للدراسة في الدول الاشتراكية ليعودوا وقد غسلت أدمغتهم بالفكر الماركسي الإلحادي.

ومن نماذج المبتعثين إلى الاتحاد السوفيتي طالب من زنجبار اسمه (أ.ص الفضلي) كان لي لقاء معه في عام 1997م وقد حكى لي قصصًا كثيرة عن الابتعاث الى روسيا فقال كنت أعمل مع الروس في عدن فتعلمت منهم اللغة الروسية ثم حصلت على بعثة دراسية إلى روسيا ولما وصلنا استقبلونا وأول ما قدموا لنا الخمر , فشرب أصحابي ولم اشرب فسمعت أحد الأساتذة الروس يقول لمساعديه اغسلوا أدمغتهم ولن يعودوا إلى اليمن إلا وهم يكرهون الإسلام. قال: فكرهتم كرها عظيما وما زال إلى الآن يسب الروس ويروي قصصه عنهم .

ولي مواقف كثيرة مع مثل هؤلاء المعلمين فقد كان أحد معلمينا ونحن في الصف الخامس الابتدائي يأتي بأحد طلاب الصف السادس ويجادلنا في مسالة وجود الله رغم صغر سننا وعدم إدراكنا ذلك إلا أنهم كانوا يحرصون على غرس مبادئ الاشتراكية حتى في نفوس التلاميذ الصغار , وأذكر أني لما كنت في السادس الابتدائي كتبت في امتحان اللغة العربية في بداية الورقة عبارة _ بسم الله الرحمن الرحيم – فلما رآها أستاذي وضع عليها إشارة (أكس) بالقلم الأحمر مع خصم (5 ) علامات من علاماتي في ذلك الامتحان وتحويلي للإدارة المدرسية , ومن أطرف ما شاهدته في تلك الفترة هو أننا عندما حضرنا اجتماع موسع للحزب الاشتراكي ومنظمة (أشيد) وعند بداية الاجتماع قام أحد الأعضاء واقترح إخراج كل من يصلي من القاعة فقام واحد فقط – وهو الآن من قيادة حركة النهضة الجنوبية وشاهد على كلما كتبته - .

استمرت تلك الفترة حتى نهاية 1994م وقد حضرت تلك الحرب وقاتلت إلى جانب الاشتراكيين وكنت أشاهد بنفسي الاعتقالات في عدن للكثير من الإسلاميين, حتى بعد أن حلقوا لحاهم , وبعد أن انتهت الحرب بهزيمة الاشتراكيين واقتحام المقرات الأمنية من قبل الجنود الموالين لحكومة صنعاء عثروا على وثائق أمنية سرية تدعوا إلى اغتيال الكثير من الإسلاميين لاتهامهم بمساندة عصابة آل الأحمر بعدوانهم على الجنوب, حسب ما ورد في تلك الوثائق السرية , التي توصي بإعدامهم بعد الانتصار الذي كانوا ينوون تحقيقه , إلا أن نهايتهم المؤلمة حالت دون ذلك , ومن ضمن ما رأيت من تلك الوثائق السرية وثيقة وجدت في مركز أمن الدولة في يافع رصد تدعو إلى اغتيال الشيخ عبدالرب السلامي - وهو الآن رئيس حركة النهضة الجنوبية واغتيال الداعية ثابت بن عبدالله اليزيدي – وهو الآن معلم في يافع رصد . وهكذا انتهت تلك الفترة الزمنية بنهاية حرب 94م...

وللحديث بقية