مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي يتحدث عن نقاط ضعف الحوثيين القابلة للاستغلال وحقيقة قدرتهم على تحديد هوية السفن وتعقبها وضربها سلاسل بشرية بمدينة مأرب تضامنا مع الشعب الفلسطيني ودعما لقطاع غزة - صور وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية عاجل: وزير الدفاع الأمريكي: سنعمل على انتزاع قدرات الحوثيين في اليمن مليشيا الحوثي تحول محافظة إب لقادتها ومشرفيها القادمين من صعدة وعمران عاجل:حريق هائل يلتهم هايبر شملان العاصمة صنعاء نقابة المعلمين اليمنيين تدين الاعتداء السافر على المعلمين في شبوة وتطالب بتحقيق عاجل
لا أدري لماذا نحن العرب ربما أكثر شعوب الأرض إنتاجاً واستهلاكاً لما يُسمى بـ"الأغاني الوطنية"، كما لو أننا خارجون للتو من معارك التحرير أو الاستقلال، مع العلم أنه من المفترض أننا استقلينا وتحررنا منذ عشرات السنين. لا أدري لماذا مازلنا، من المحيط إلى الخليج، نراوح في المرحلة الاحتفالية في كل مناحي حياتنا، فنحتفل احتفالاً مدوّياً صاخباً ببناء محطة وقود متواضعة، أو ببناء مجمع سكني هزيل، أو باستصلاح بضعة هكتارات من الأرض، أو بتعبيد شارع لا يزيد عرضه على ثلاثة أمتار، أو بإيصال المياه إلى قرية كانت تعيش في غياهب القرون ما قبل الوسطى حتى جاءها الغيث، أو بوضع حجر الأساس لمأوى للعجزة ربما لا يرى النور إلا بعد قرن من الزمن، هذا إذا لم يتم شفط الميزانية المرصودة لبناءه قبل أن ينتهي المهندسون من تصميمه على الورق.
وفي أحيان كثيرة ترانا نقيم مهرجانات احتفالية تكلفنا أكثر من كلفة المشروع المُحتفل بإنجازه. وحدث ولا حرج عن احتفالاتنا " التاريخية العظيمة " بتحقيق نصر سياسي أو عسكري باهت أكثر من البهتان ذاته، فنجيش له وسائل إعلامنا العتيدة لأسابيع وشهور بلياليها كي تطلعنا على أهمية الإنجاز والعبقريات الفذة التي تقف وراءه . وينبري ناظمو الأناشيد الحماسية والعبارات الجياشة إلى إلهاب صدور الجماهير كي تخرج إلى الشوارع من أجل التعبير عن شعورها الغامر بالفرح والنشوة الشاملة لما تحقق لها من "تقدم وازدهار". لماذا تبدو أغانينا الوطنية أكثر بهرجة وبريقاً من الأشياء التي تتغنى بها؟ فلا مقارنة بين الإنجازات التي حققناها وبين الأناشيد التي تمجدها ، فالأخيرة أجمل عرضاً وأفضل حبكة وبنياناً من الأبنية التي تتغنى بتشييدها. لماذا تبدو الأغنية الوطنية عندنا وكأنها أهم ألف مرة من موضوعها. ففي أحيان كثيرة ترى أن الأغنية جاءت لذاتها ، فقد يرى ولاة أمورنا أنه طالما فشلنا في تحقيق الإنجازات الحقيقة فعلى الأقل نبدع في الإنجازات الشكلية مثل الأغاني الوطنية الجميلة.
ومما يبعث على الضحك والسخرية أحيانا أن بعض الأغاني الوطنية تصور لنا الوطن العربي كما لو أنه جنة الخلد، بينما لا يكون في أحيان كثيرة سوى مساحات قاحلة جرداء تتخللها بعض الشجيرات هنا وهناك. وكم حدثونا عن بلاد خضراء فإذا بها خاوية كالرأس الأصلع لا تعيش فيها حتى الأفاعي والثعابين والجرذان والسعا دين، وكأنهم من خلال أناشيدهم الوطنية يتسترون على قبح الوطن وبشاعة منظره. صحيح أن الوطن يمكن أن يُحب بجماله وقبحه أحياناً كونه مرتع الصبا والذكريات بالنسبة للناس، لكن ليس من الضروري دائماً أن نصور الوطن على أنه جنة عدن أو الفردوس السعيد، بينما هو في الحقيقة جهنم الحمراء .
لماذا لا تنتشر الأغاني الوطنية إلا في بلادنا العربية تقريباً؟ هل سمعتم في حياتكم بأغنية وطنية أوروبية أو أمريكية أو حتى أفريقية؟ ربما لا. كل ما نسمعه في الغرب مثلا النشيد الوطني لهذا البلد أو ذاك قبل البدء بمباراة كرة قدم مع فريق أجنبي، أو عند الاحتفال بمناسبة قومية كبيرة حقاً كذكرى الانتصار على النازية خلال الحرب العالمية الثانية. لماذا لا تبث وسائل إعلام أعدائنا القريبين والبعيدين أي مواد وطنية عاطفية حتى أيام الحروب؟ قد يقول قائل إننا نختلف عن الدول الغربية المتقدمة، فنحن ما زلنا في بداية الطريق وبحاجة أن نعبأ جماهيرنا وجدانياً وعاطفياً، فمجتمعاتنا تختلف عن المجتمعات الغربية المتقدمة حضارياً وثقافياً. لكن الرد على ذلك بسيط. إلى متى نبقى في الطور الاحتفالي ؟ أليس من المفترض أننا تجاوزناه منذ زمن بعيد؟ هل نبقى فيه إلى ما شاء الله؟ ألا يمكن أن تكون هذه الأغاني الوطنية المزعومة مجرد غطاء مفضوح لفشلنا على معظم الأصعدة أكثر منها تغنياً بالإنجازات؟
البعض يقول إنه كلما تمادينا في إطالة المرحلة الاحتفالية كان ذلك مؤشراً على أننا، في واقع الأمر، لم ننجز شيئاً جديراً بالاحتفال. بعبارة أخرى قد تصبح الأغنية الوطنية رمزاً للتخلف الحقيقي، أو كناية عن الجمود والمراوحة في المكان. مكانك سر! ولا يمكننا أيضاً أن نلوم من يشكك حتى في وطنيتنا عندما يقول إن أغانيكم الوطنية هذه دليل صارخ على شكوك الأنظمة الحاكمة بانتماء رعاياها ووطنيتها. وقد يأخذ المراقب الأجنبي الانطباع بأن المواطن العربي ليس متحمساً لوطنه لكثرة ما يحثونه في وسائل الإعلام على حب الوطن. إذن إغراقنا بالأغاني الوطنية وإقحامها على مسامعنا كل يوم قد يكون له مفعول عكسي أو سلبي.
لا شك أن المرء قد يتفهم الحاجة إلى بث الأغاني الوطنية في بعض المناسبات ، ولا أحد يستطيع أن ينتقص من أهمية وضرورة الأغاني التي تحفز الإنسان وتحضه على الذود عن حما الوطن في وجه الأعداء. ولا أحد يستطيع أن ينكر جمال وروعة أغاني مارسيل خليفة أو سميح شقير أو أحمد قعبور التي ألهبت مشاعرنا بشكل إيجابي جدا لتحرير أرضنا المحتلة من رجس الصهاينة والدفاع عن حقوقنا المغتصبة. فهذا النوع من الأغاني لا غبار عليه أبداً، وهو ليس موضوع هذا المقال أصلاً . أما النوع المقصود فهو الذي يتكرر بمناسبة ومن دون مناسبة على الدوام ، فلا يمر يوم إلا وتمطرنا الإذاعات والتلفزيونات العربية بوابل شامل ساحق ماحق من هذا الضرب من الأغاني دون أي داع أو سبب وجيه.
ولعل الطراز الأكثر شيوعا وبثاً عبر وسائل إعلامنا المرئية والمسموعة هو تلك الأناشيد التي تتغنى بحب الزعماء ، ففي كل بلد عربي تقريباً تتحفك الإذاعات بوجبة دسمة من تلك الأغاني " عمّال على بطال "، فقد تفتقت قرائح " شعرائنا" عن أجمل الشعر وأبدعه في " حب القادة ". ولو صدقت أشعار هؤلاء "الشعراء" لكنا أكثر سكان المعمورة ولعاً وهياماً بحكامنا. وهذا طبعاً ليس صحيحاً بأي حال من الأحوال ، لكن هذه الأغاني كما هو معروف للجميع كالواجب المدرسي مقررة على وسائل الإعلام " شاء من شاء وأبى من أبى، واللي مش عاجبو يشرب من مية البحر الأصفر" (عفوا على سرقة الديباجة أبا عمار) ومفروض على الكل تحمل تلك الأغاني، حتى لو كانت مؤلمة كالآم الأسنان أو الرقبة، إذا لم نرد تشبيهها بالآم عضوية أخرى. فلا أدري لماذا يريدوننا زعماؤنا أن " نذوب في دباديبهم " رغماً عن أنوفنا وحلوقنا؟
فإذا كان هناك الحب العذري في الأدب فعندنا نحن العرب الحب القسري ولله الحمد. والويل كل الويل لمن تسول له نفسه عدم الوقوع في غرام سيف الدولة. فحب الوطن من حبه والعكس صحيح. ألا يمكن في هذه الحالة أن يكون الهدف من مثل هذه الأغاني هو إخفاء أو التغطية على الشعور الشعبي الحقيقي تجاه الحكام، ألا وهو الكره في بكثير من الأحيان؟
أما النوع الثاني من الأغاني الوطنية فهي تلك التي تسترسل في التغني بعشق الوطن على علاته على غرار " وطني وطني" أو "بلادي بلادي" أو " يا ديرتي". إن المتمعن في تركيبة تلك الأغاني يرى بأنها، كالنوع الأول، تحض، لا بل تأمر " المواطن" بأن يتعلق بالوطن. لكن كما نعلم فإن الحب ليس شيئاً إجبارياً، بل طوعي. فإذا أردت أن أحب شيئاً ما، فلن أكون بحاجة إلى جارنا أو أبن خالتي أو بائع البطانيات الكورية كي يقول لي إن ذلك الشيء جدير بحبي. كذلك الأمر بالنسبة لحب الوطن. إنها فكرة سخيفة فعلاً أن يعتقد جهابذة الإعلام والسياسة في عالمنا العربي أن عشق الوطن يمكن أن يُزرع في نفوس الشعب عن طريق الأغاني والأهازيج والأناشيد أو على طريقة التعبئة العامة.، فأسلوب غوبلز وزير إعلام هتلر التعبوي القائم على مبدأ " اكذبوا ثم اكذبوا فلا بد أن يعلق شيء في أذهان الجماهير" قد ولّى ولم يعد يجدي نفعاً في هذا العالم المتطور، ووسائل الدعاية العربية التقليدية أصبحت نكتة ممجوجة لا تثير إلا القرف والغثيان في أحسن الأحوال. فعقول الناس كبرت كثيراً، ونضجت، ولم تعد تنطلي عليها تلك الألاعيب السخيفة القديمة القائمة على غسل الأدمغة ولي العقول بطريقة سمجة .
متى يتعلمون أن الإنسان لا يمكن أن يحب وطنه إلا إذا وطنه أحبه وحقق له الإنجازات الحقيقة، وليس الوهمية التي نجدها فقط في الأغاني الوطنية، فالحب شعور متبادل، وليس من طرف واحد حتى وان كان العاشق و المعشوق هو المواطن والوطن . فالوطن ليس شيئاً مقدساً يجب أن تعبده حتى وإن داسك ليل نهار. ألم يقل سيدنا علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه: " ليس هناك بلد أحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك " . أي إن أحس الأوطان هي التي تحترم مواطنيها، وتحافظ عليهم وتتحملهم بدلا من أن يتحملوها. وهناك مثل إنكليزي شهير يقول إن " الوطن حيث القلب". أي أنه طالما أن قلبك يحب مكاناً ما، حتى لو لم يكن مسقط رأسك، فهو وطنك. فما الفائدة أن يعيش الإنسان في مكان وقلبه في مكان آخر؟ ما الفائدة أن يعيش الإنسان غريباً، أو يعاني الغربة في وطنه، وتريده في نهاية النهار أن يتغنى بحب الوطن؟ كيف تطلب من إنسان أن يحب وطنه إذا كان وطنه يكرهه، أو يعذبه ليل نهار كما تفعل معظم الأوطان العربية مع مواطنيها؟
الحب العادي يا جماعة الخير لا يمكن أن يكون عذرياً، فالإنسان يحب شخصاً لشيء ما. ولا يمكن أن تحب الحبيبة لمجرد أنها حبيبة . ليس هناك حب شخصي مجرد، فما بالك بحب الوطن الذي ينطوي على منافع مادية متبادلة، فهو لا يمكن أن يكون عذرياً، إلا عند الغارقين في الرومانسية الخيالية؟
دعوني أقول للحكومات العربية والإعلاميين والموجهين والمخططين إن حب الوطن لا يمكن أن يتولد في نفس الإنسان العربي من خلال الاستماع إلى أغنية وطنية عاطفية. ربما لهذا السبب أصبح بعض الأناشيد الوطنية مدعاة للسخرية والتهكم. إن حب الوطن لا يُفرض فرضاً بالقوة الغاشمة، فإذا أردنا من الشعب العربي أن يحب ربوع بلاده فلنجعل من هذا الوطن العربي الكبير شيئاً محبوباً فعلاً. فهناك ملايين الأشياء في هذا الوطن تبعث على الحقد والاشمئزاز والنفور والبغضاء وليس على الحب.
فإذا أرادت الأنظمة العربية أن تجعل مواطنيها يعشقون وطنهم فعلاً فليكن هذا الوطن جديراً بالحب من خلال ما يقدمه للمواطن من حريات وخدمات ورفاه واحترام. وعندما تتوفر مثل هذه الأمور في أي وطن لا أعتقد عندئذ أننا سنكون بحاجة إلى الأغاني والأناشيد الوطنية الحماسية. والدليل على ذلك أن الإذاعات والتلفزيونات الغربية لا تبث أي أغنيات وأهازيج وطنية حتى في المناسبات الوطنية. لماذا؟ لأنها تعرف أن الشعب الغربي يحب الوطن من خلال ما يقدمه له ذلك الوطن.
لا أريد، بأي حال من الأحوال، أن أشكك في وطنية الإنسان العربي. ما عاذ الله ! فهو يحب الوطن بمقدار ما يحبه الوطن وأكثر قليلاً . لكن لا أبالغ إذا قلت إن الإنسان الغربي قد يكون أكثر تعلقاً وإخلاصاً لوطنه من معظم المواطنين العرب بألف وتسعمائة وتسعة وتسعين ألف مرة ، مع أنه لم يستمع في حياته إلى أغنية وطنية واحدة