ذهنية الاكتفاء وأغلال العقل
بقلم/ فتحي أبو النصر
نشر منذ: 11 سنة و 5 أشهر و 6 أيام
الثلاثاء 18 يونيو-حزيران 2013 04:38 م

قلت للمفكر السوري الرائع ياسين الحاج صالح الذي يعد واحدا من أهم المثقفين العرب الندرة فكريا ومعرفيا  هل فقدت الثقافة العربية القدرة على الاستبصار؟

قال لي : تعني تقدير العواقب؟ توقع الآتي؟ التوجه السديد في الواقع؟

الثقافة العربية ثقافة قوم لا يتحكمون بشروط حياتهم. بالعكس، هذه تتحكم بهم وتجرفهم، وتضعهم في موقع المنفعلين. والسمة الجوهرية لشروطنا المعاصرة في تقديري هي انقطاع تأثير الثقافة على شروط حياتنا. فمهما تكن سوية ثقافتنا فإنها معاقة عن ممارسة أثر فاعل على أوضاعنا الاجتماعية والسياسية والأخلاقية. ومصدر الإعاقة المباشرة سياسي. يتمثل أساسًا في سلطات متدنية المستوى الفكري والسياسي والأخلاقي لكنها مسيطرة وحصينة، وتجد في الثقافة فضولا زائدا أو مساءلة غير مقبولة لها. لكن من ناحية أخرى إبداعية ثقافتنا المعاصرة متواضعة فعلا. للأمر علاقة بكل من وضع المدينة العربية ووضع الطبقة الوسطى المتعلمة ومستوى الحريات العامة في بلادنا. وكذلك مفعول التقاء انقطاعنا عن التراكم القديم في ثقافتنا الكلاسيكية، مع ضعف التراكم الإبداعي في ثقافتنا الحديثة. وكذلك ذهنية الاكتفاء الإسلامي (أغنانا الله بالإسلام عن كل شيء آخر..). وأخيرا أيضا اللغة العربية التي يبدو لي أنها في وضعها الحالي لا تتيح انفتاحا واسعا على المحسوس والخبرة والتجارب الشخصية.

في المحصلة تفقد ثقافتنا القدرة على تزويد العرب بعالم مختلف. نحتاج إلى صنع عالم كي نعلمه وكي نقدر على "الاستبصار" فيه. ***

قلت لياسين الجدير جداً بالتقدير والاحترام -في لقاء أعتز به قبل ثلاث سنوات ونصف -وهو يتحدث عن القدرة الاستبصارية للثقافة العربية وأسباب تخلفنا المادي والذهني : متى سينتج العقل العربي المعرفة كما ينبغي؟

قال لي : حين يواجه أغلاله بشجاعة.

الغل الديني والغل السياسي تحديدا.

لا يزال الدين، الإسلام، هو إطار المعنى الأساسي في ثقافتنا. ويخيل لي انه لا يتشكل إطار جديد ومتجدد للمعنى دون اشتباك متعدد الجبهات، فكري ونفسي وسياسي واجتماعي وأخلاقي، مع الدين. لعلنا في حاجة على هذا المستوى إلى ضرب من القطيعة أو الانفصال المحرِّر، الذي من شأنه أن يعيد كسب الدين ذاته كثقافة وروح إنسانية. هذا أساسي.

و"النهضة" هي المحصلة المأمولة لهذا الاشتباك.

على مدى أقصر وأقرب وأكثر إلحاحا يلزم أن نواجه أغلالنا السياسية باسم العدل والحرية.

أوضاعنا الراهنة بشعة لأنها جائرة جدا وتعسفية جدا. وأسلم أن من شأن قدر اكبر من العدالة ومن الحرية أن يسهلا تحدي "العقل العربي" لأغلاله الدينية .وذو أهمية حاسمة الآن وفي كل وقت تنويع المرجعيات الثقافية المحتملة لتفكيرنا وعدم الانحصار في مرجعية واحدة. كلما كان اطلاعنا أوسع على الثقافة الغربية الحديثة كان ذلك لمصلحة ترقي ثقافتنا وقدرتنا على إنتاج المعارف.

لكن مهم أيضا أن نتعرف على ثقافات أخرى. الغرب ليس العالم. وأفترض أنه يمكن للصين والهند، لروسيا والبرازيل، لتركيا ولإيران ولأفريقيا... أن تعلمنا أشياء عظيمة.