المعلم اليمني في مهب الريح..!!
بقلم/ احمد احمد القادري
نشر منذ: 11 سنة و 4 أشهر و 25 يوماً
الأحد 30 يونيو-حزيران 2013 05:15 م

في بادرة، هي الأولى، ولن تكون الأخيرة، تقاطر، صباح السبت الفائت 23/6/2013م، العشرات من المعلمين اليمنيين، من حمَلة الشهادة الجامعية، بمختلف التخصصات، أمام أحد مكاتب العمل السعودية بصنعاء، للتنافس على (15) عقد عمل في إحدى المدارس الخاصة بجدة، في المملكة العربية السعودية.

الجدير بالذكر، أن عدد الذين تقدموا، بلغ (107)، بحسب إفادة مصدر موثوق لدى مكتب العمل، جميعهم منخرطون في ميدان العمل التربوي، إلا أنهم جاءوا يحدو كل منهم الأمل، في أن يظفر بفرصة الخروج من البلاد.. مع العلم أن الرقم المذكور للمتقدمين لم يكن حصيلة إعلان مبوب على جدار إحدى الصحف، تكرر نزوله عدة مرات، بل جاء من خلال اتصال هاتفي، أجراه أحد السماسرة بواحد من أقربائه، وعلى نحو تكتنفه السريّة التامة.  

وحسب المعلومات التي حصلت عليها الصحيفة من المصدر، فإن إدارة مدرسة النصر الخاصة بمدينة جدة، قد بعثت إلى المكتب المشار إليه، تعلن عن رغبتها في استقدام طاقم كامل من المعلمين اليمنيين، المتخصصين، قوامه (15) معلّمًا، يباشرون عملهم كمدرسين متعاقدين في هذه المدرسة، من بداية العام الدراسي القادم، بمرتب شهري لا يزيد عن (3500) ريال سعودي، للمدرس الواحد، بواقع عشرة أشهر في السنة، منها تسعة أشهر فترة الدراسة، وشهر واحد (مكرمة) من إدارة المدرسة.. هذا بخلاف ما يطلبه المكتب مقابل تسهيلات، وأجور سمسرة، بواقع مرتب شهر، يدفعها المتعاقد عند أول معاش يستلمه هناك.

لا مجال للمقارنة:

أنا، هنا لست مع أو ضد هذا التوجه للإخوة المستثمرين من المملكة أو غيرها، في البحث عن فرص أفضل، وبدائل ناجعة تؤدي الغرض المنشود بأقل تكلفة.. فلو جئنا لحساب الربح والخسارة من منظور المستثمر السعودي، لوجدنا نسبة الأرباح التي سيحققها من وراء الكادر اليمني المتعاقد، تصل إلى 400%، في حين لا تتجاوز أرباحه من وراء الكادر السعودي 30% من صافي رأس المال، باعتبار صافي المرتب الذي يتقاضاه المعلم السعودي، من حملة الشهادة الجامعية، هو (12.000) ريال سعودي شهريًّا، قابلة للزيادة، بينما لا يتجاوز المرتب المحدد للمعلم اليمني (3500) ريال سعودي، غير مضمونة.

من منظورنا نحن اليمنيين، فإن صافي مرتب المعلم السعودي، يعادل ما قيمته بالعملة اليمنية حوالى (672.000) فقط، ستمائة واثنان وسبعون ألف ريال تقريبًا، وصافي مرتب المعلم اليمني الذي سيعمل في المملكة، يعادل ما قيمته بالريال اليمني حوالى (196.000) فقط، مائة وستة وتسعون ألف ريال.

في اعتقادي، لو أن المعلم اليمني، في وطنه، وبين أهله، يتقاضى ما يعادل (3000) ريال سعودي، لما عرّض نفسه للإهانة على أبواب مكاتب العمالة، ولما قبل أن يترك راتبه الذي لا يعادل سوى (1200) ريال سعودي، ولما قبل أن تُحسب له في الغربة عشرة أشهر فقط، لا فرق بينه وبين الشاقي العامل باليومية، ولما قبل أن يدفع مرتب شهر كامل مقابل خدمات السمسرة.

ما زلت أتساءل.. لو كان المعلم اليمني يعيش وضعًا أفضل مما هو عليه الآن، يتقاضى مرتبًا محترمًا، يغطي كامل احتياجاته الأساسية، والثانوية، هل كان سيسمح لنفسه بأن يفكر – مجرد تفكير - في الخروج من بلده وتحمّل أعباء الغربة، مقابل مبلغ تافه لا يتجاوز (3500) ريال سعودي ولمدة تسعة أشهر، وهل كان سيسمح لنفسه بالتسلل من سلم الوظيفة الحكومية العامة، ليبيع نفسه لمستثمر في القطاع الخاص، تحكمه المزاجية والقرار الفردي؟؟

سألت أحد الأخوة المعلمين: هل ستقبل بالسفر إلى المملكة والعمل بالمرتب المذكور؟، أجاب والحسرة تسبق صوته المبحوح: أيش نسوي، مقابل ما نحصل عليه هنا من مرتب تافه لا يغطي احتياجاتنا، أعتقد أن السفر هو الخيار الوحيد، وإن كان خيارًا صعبًا. أردفت بسؤال آخر: ألا تتفاءل بالمستقبل، خاصة ونحن قادمون على مرحلة جديدة، يمكن أن تتحسن خلالها الأوضاع.. فقاطعني بالقول: يا أخي!! لنا نتفاءل بالمستقبل من ثمانينيات القرن العشرين.. (هرمنا)!! ثلاثة عقود ونحن نتفاءل.. ماذا تبقّى لنا؟، نفد صبرنا وفات قطار شبابنا، وقلّت حيلتنا، ونحن نتفاءل بالمستقبل.. أي مستقبل؟؟!

لا أعتقد بأن هذه ستكون المرة الوحيدة التي يبحث فيها مستثمر سعودي عن مجموعة من المعلمين اليمنيين، طالما كانت فرص الكسب من ورائهم تبدو مضمونة، وبما يحقق ثراءً فاحشًا خلال عام واحد أو عامين، وبالتالي فإن البقية من أصحاب المدارس الخاصة سيسيل لعابهم، وسيأتون في قادم الأيام لاستقدام المزيد والمزيد من الكوادر اليمنية، ليخلو في اليمن ميدان العمل من الكوادر الوطنية، مما سيشكل فراغًا لن تتغلب عليه الدولة بسهولة.

لو كان هناك تنسيق بين الجهات المعنية في البلدين - اليمن والمملكة - على استقدام الخريجين من الجامعات، ممن لم يحالفهم الحظ في التوظيف، لا ضير في ذلك، باعتبارها ستكون خطوة مثلى للقضاء على جانب من البطالة، ولو بشكل مؤقت لكن أن تسرق كوادرنا من الميدان على مرأى ومسمع.. فهذه مسألة تحتاج إعادة نظر وبشكل سريع.