آثار مأرب .. بين نار التهريب وجحيم الإهمال !!
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 17 سنة و 4 أشهر و يومين
الأحد 22 يوليو-تموز 2007 04:18 م

مأرب مدينة يمنية قديمة أرض الأجداد وحضارات أرض اليمن ويظل عرش بلقيس شاهداً على شموخ تلك الحضارة اليمنية العريقة مما جعلها قبلة لكل الباحثين في الحضارات الإنسانية وفي بعثات التنقيب عن الآثار من كل مراكز وجامعات العالم ولكننا مع مرور الأيام نكتشف أن هناك آثار في مأرب لم تدرس بعد، وأن هناك حضارة لا زالت مدفونة بين أكوام الرمال.

بعثات أجنبية للتنقيب عن حضارة يمنية قديمة

بدأ البحث عن المخزون الأثري في مأرب والتفتيش عن خفايا الحضارة اليمنية القديمة منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر, وذلك بعد تقارير الرحالة المكتشفين الذين وصلوا إلى مواقع الآثار والنقوش كمغامرة في البداية للتأكد مما جاء في الكتب السماوية وغيرها عن مملكة سبأ والعربية السعيدة ولم تتعدَ اكتشافاتهم غير الوصف العام لمواقع الاستيطان القديمة وبقايا الأطلال إلى جانب نقلهم بعض القطع الأثرية وبيعها في الخارج للمتاحف والمعاهد العالمية وكانت أهم بعثة في تلك الفترة هي بعثة (كارستن نيور) عام 1771م التي زارت مأرب ووصفت بقايا سدها العظيم وقد اهتمت تلك البعثات بدراسة حضارة وتاريخ الممالك اليمنية القديمة ولغاتها ولهجاتها وعادات البلاد, وأهم تلك البعثات، بعثة الألماني (فون وريد) عام 1843م، وفريق أكاديمية النقوش الفرنسية "هاليفيوم"عام 1870م وبعثة جلاسير في الفترة من (1882 – 1894م) وبعثة الأكاديمية النمساوية ، وتعتبر البعثة الألمانية أهم بعثة قامت بالتنقيب في اليمن عام 1828م وفي عام 1938م نقّب فريق نسائي من ثلاث بريطانيات حيث كشفن عن معبد إله القمر وطبقاته إلى جانب الكشف عن بعض المقابر الكهفية المجاورة للمعبد . إلا أن الدراسات الأثرية تشير إلى أن بعثة (وندل فيليبس) , المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان تعد من أكبر البعثات الأثرية التي عملت في البلاد حيث نفذت حفرياتها في مدينة تمنع"هجر كحلان" العاصمة القتبانية ومسحت قنوات الري القديمة والنقوش في بيحان عام (1951 – 1952م لتنتقل البعثة إلى مأرب للعمل في محرم بلقيس.

أعجوبة الدنيا الثامنة في مأرب

الكشف عن نقش (النصر) في معبد (المقه) والنقوش التي تشير إلى فتوحات (كرب إيل وتر) في البلاد المجاورة والنقش الذي عثرت عليه البعثة الألمانية التي تقوم بالتنقيب في صرواح والذي احتوى على معلومات تشير إلى أنه يعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد موضحاً قيام الملك السبئي الذي حكم اليمن (يسع أمار وتربت يكرب) بعده حملات عسكرية وحروب على قتبان وردمان ودهسم (يافع) ومناطق في الجوف كما أن اكتشاف معبد أوام الذي تسعى المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان لانتشال ذلك المعبد من بين الرمال ورشحه الخبراء ليكون أعجوبة الدنيا الثامنة .. بعد تلك الاكتشافات الأثرية توقع عدد من الخبراء والمهتمين الأثريين الأجانب واليمنيين أن اكتشافات مأرب ستغير الخارطة التاريخية للجزيرة العربية والمنطقة حيث أن الاكتشافات تشير إلى حواضر إنسانية عريقة ازدهرت في جنوب الجزيرة العربية وتؤكد أنه كان لهذه الحواضر قدر عال من الإنجاز البشري الحضاري فمثلما حولت الصحراء البور إلى حواضر غنّاء عامرة فقد كان لها أهمية قصوى بالنسبة للاقتصاد العالمي القديم الذي ساهمت حضارات اليمن السعيد في ازدهاره إلى جانب دول وحضارات مصر وبلاد الرافدين واليونان وروما وقد كشف الفريق الأثري التابع للمؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان العاملة في محرم بلقيس (معبد أوام) عن نماذج أولية لمحركات هيدروليكية تعمل على طاقة المياه في إنجاز علمي وسابقة للحضارة اليمنية القديمة.

مدينة مأرب تحتضر .. اتركوها ترحل بسلام

يشير الأخ/ سعيد علي اليوسفي مسئول العلاقات العامة بجمعية شباب مأرب الثقافية والسياحية أن مدينة مأرب القديمة التي تعتبر أشهر وأقدم مدينة في جنوب بلاد العرب تعرضت للانهيار عدة مرات منها انهيار سد مأرب بعد آخر ترميم له علي إبرهه الحبشي والذي بدوره أدى إلى هجرة سكانها في بدايات العصر الاسلامي وشاركوا في الفتوحات الاسلامية وكان هناك استقرارهم وبقيت مهجور لفترة زمنية ليست بالقصيرة لكنها سكنت مجدداً في القرن السادس الهجري وأقام قاطني المدينة الجدد منازلهم على التل الذي يقع في الجزء الشرقي من المدينة فوق الركام وكانت طرق بنائهم رديئه جداً مقارنة مع ما وجد من آثار السبئيين لكنهم أي ساكني المدينة الجدد استخدموا بعض الاحجار المتوفرة في المعابد والمباني السبئيه القديمة لتشييد مساكنهم الجديدة .

ويقول اليوسفي في احدى مقالته أن وقفته الاولى أمام ما تبقى من سور المدينة في المدينة في الجهة الشمالية للمدينة القديمة بجوار المقبرة تكشف عن مأساة تتمثل في الحفر التي حفرت بشكل مشمئز من اولئك الطغاة الذين اعتدوا على كرامة ذلك السور ولم يحموه وهو الذي طالما حمى مدينة مأرب في وجوه الغزاة وهو ما يصيب المرء بالاحباط عند مشاهدة آثار التدمير واضحة على ذلك السور ونزع لاحجاره التي مثلت حقبة زمنية مشرفة في التاريخ القديم .

ويضيف أن مسجد سليمان لم يسلم هو الأخر من النهب حتى أن الأخشاب التي تغطية من الأعلى سرقت لتكون حطباً أما الجدار الشرقي للمسجد والذي يبدى تمازجاً غريباً بين الحضارات تجد فيه أعمدة الخرسانيه المسلحة تقف نشازاً بين الاعمدة التاريخية القديمة وتلاحظ كأن الأعمدة ضيف غير مرغوب فيه من كل نفس تهوى الجمال وتحبه .

أما تل المدينة لم تعد فيه سوى جدران هنا وهناك نهبت من جدارنها السفلى الأحجار التي تثبتها مما أدى إلى وقوعها وبقيت بعض الجدران واقفة تحمي نفسها من المعتدين الذين تخافون نقمتها والسقوط فوقهم . ويستطرد القول ان الناصره ودار الضيافة المبنيان اللذين يمثلان حقبة زمنية وكانت الناصرة بمثابة مركز للحكم في مأرب حتى سبعينيات القرن الماضي ودار الضيافة الذي ينزل بها ضيوف مأرب الرسميين لم تعد تجد في ذلك المكان سبيل سوى ركام وليس من أثر شاهد عليها سوى البئر القديمة التي حافظت على احجارها من كل معتد.

  عشوائية التنقيب التي أضرمت نار التهريب

ذكرت مصادر أثرية أن هناك عشوائية متبعة في التنقيب عن الآثار في مأرب حيث تأتي كل بعثة بخطة عمل مغايره لسابقتها مما يؤدي إلى دفن العديد من الأماكن الأثرية بالأضافة إلى تشجيع عملية بيع وتهريب الآثار للخارج وذلك من خلال شبكات تقوم بجمع الآثار ونقلها للبيع !! لكننا نجد أن الدراسات التي تناولت ظاهرة التهريب قليلة جداً إلا ان المتوفر يشير إلى وجود ا لنقوش والقطع الأثرية في الناطق المتاحف العالمية ولدى أرباب المجموعات الأثرية الخاصة بل أنها تتطرق إلى أسماء تلك المتاحف كمتحف(بومباي الهند) ومتحف (هامبورغ) ألمانيا ومتحف اسطتنبول تركيا ومتحف بلندي بريطانيا بالإضافة إلى متاحف في النمسا وفرنسا وروسيا وأمريكا وغيرها ، ومن المجموعات الخاصة الاجنبيه مجموعه (برنادركاسل درهام بريطانيا) ومجموعة (إيفرسون ليقمن) ومجموعة (ايبيسكوبي قبرص) وغيرها وقد عرض مؤخراً نقوش أثرية من مأرب في متحف بباريس والمثير للأسف تورط مسئولين في شبكات تهريب وبيع الآثار في الخارج حيث تم رصد زياراة سريه مفاجئة من دبلوماسيين ومسئولين كبار لتلك المواقع الأثرية وعقب كل زيارة يتم لقاء القبض على مهرب آثار أو عصابة تهريب للآثار وفي نهاية شهر يناير من العام الجاري وفي مأرب تم ضبط سيارة تحمل عدداً من الاحجار والنقوش الآثرية التي تقود إلى القرون الأسلامية الأولى استراتيجيه وطنية لحماية الآثار تتضمن تعيين قاض متخصص في إطار المحاكم ليتولى مهمة الفصل في قضايا تهريب الآثار والعبث بها أن الأحكام القضائية التي صدرت في حق بعض المتورطين في بيع وتهريب الآثار لم تتجاوز عقوبة السجن مما يتطلب ضرورة إستحداث نصوص جديدة أكثر تشدداً إزاء المتورطين في عمليات تهريب الآثار .

مؤامرات على مخازن الآثار .. والمتحف الأثري لم ير النور !!

اثنا عشر ألف قطعة أثرية موجودة في مخزن للآثار في مدينة مأرب (المجمع الحكومي) وأربعة آلف قطعة في صرواح وهي في مجملها (ستة عشر ألف) قطعة أثرية ثمينة وهي كافية لإنشاء أربعة متحاف في اليمن بمواصفات عالمية لكن هناك متحف واحد لم يراء النور بالرغم من أن هناك ثلاث سنوات قد مضت على توقيع أتفاقية إنشاء متحف للآثار في مأرب بمبلغ ثلاثة مليون دولار بتمويل من الولايات المتحدة الأمريكية وقد غابت أي تناولات تتعلق بالبدء في أنشاء ذلك لاستيعاب القطع الأثرية في مأرب لكننا نلاحظ اليوم أم أن هناك تركيز من البعثات الأجنبية على قضية المخازن التي تحتوي على الآثار والمغريات حاضرة حيث أن تلك البعثات تتكفل ببناء المخازن والترميمات وأجهزة الانذار فيها وجهاز إنذار بالحريق وتركيب الرفوف الخاصة بحفظ القطع الآثرية وتزيد تلك البعثات من القول أن تلك القطع في مكان ضيق وحالتها مزرية وتتطلب النقل العاجل بعد إجراء عمليات ترميميه لها مما يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا من ضياع تلك الثروة العظيمة وتعرضها للتهريب والبيع في الخارج أو استبدالها بمزيفة خصوصاً وهناك مصادر تؤكد الهيئة العامة للآثار والتحاف بصنعاء لا تعرف كم عدد تلك القطع الأثرية وليس لديها أي سجلات أو وثائق لضعف اهتمامها بآثار مأرب .

حماية الآثار .. مسئوليات مشتركة .

ظلت آثار محافظة مأرب بعيدة عن دائرة أهتمام الحكومة ولعدم وجود الوعي بأهمية تلك الآثار تعرضت الكثير منها لأعمال التخريب والسطوء السرقة كما أن ضعف الوعي لدى بعض المواطنين دفعهم لقيام بهدم وتخريب المواقع إناث الأثرية ونقل أحجارها لبناء المنازل وذلك ما يجب أن تأخذه الجهات المختصة بالحزم وأعداد الاستراتيجيات للحيلولة دون التهريب والواقع في فخ الإهمال والاهتمام بتلك المعالم الأثرية كونها حضارتنا وتاريخنا ومسئولية الحفاظ عليها مشتركة فالمواطن مسئول بالدرجة الأولى وللهيئة العامة للآثار ومكتبها في مأرب تقع على كاهلها مسئولية كبرى منها وضع أسوار شائكة حول جميع المواقع الأثرية ووضع حراسة أمنية لكل موقع فمعظم البناء بالأحجار الأثرية وإنزال أقسى العقوبات بمن ثبت ممارسته ذلك العمل كما أنه من الضرورة بمكان إقامة ندوات للتوعية بأهمية الآثار والحفاظ عليها وإيجاد مشاركة مجتمعيه مع المواطنين للحفاظ عليها بالإضافة إلى تزويد الجهات المختصة بالمحافظة بكل الوسائل التي تمكنها من القيام بواجبها ويجب ألاّ ننسى أن (الازدهار السياحي يبدأ من الاهتمام بالآثار) .

  مبادرة قطر لحماية آثارنا !!.

 تنتظر اليمن وصول فريق تقني قطري لوضع لائحة المواقع التي سيتم التنقيب فيها بعد التزام قطر بتمويل حملة كبيرة للبحث عن الآثار وحمايتها في اليمن الذي يعد " متحف في الهواء الطلق" وتهدف الحملة إلى التنقيب عن الآثار وإقامة مناطق وبيئة سياحية في مناطق التنقيب وخاصةفي مأرب والجوف حضرموت و شبوه ، ونتمنى أن تسهم تلك الاتفاقية (اليمنية القطرية) في أحداث نقله نوعيه للآثار خاصة في مأرب ليعوضها عن اللامبالاة الحكومية في العمل على إدراجها على قائمة التراث الانساني لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) بالإضافة إعلان الحكومة عن قائمة مناطق يمنية كمحميات تاريخية وثقافية ، وبالطبع فإن (مأرب) ليست ضمن تلك القائمة.